الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فغضب وبعث [1] إلى سياوخش وكان من كبار الأساورة وشكت إليه، فأشار عليها بالقبول. وجاءه ليلة العرس فقتل الفرّخزاد ومن معه، ونهض إلى سابور فحاصره ثم اقتحم عليه فقتله، وملكت آزرميدخت وتشاغل بذلك آل ملكها [2] حتى انتهى شأن أبي بكر وصار السواد في سلطانه، وتشاغل أهل فارس عن دفاع المسلمين عنه.
ولما أبطأ خبر أبي بكر على المثنى استخلف المثنى على الناس بشر بن الخصاصية وخرج نحو المدينة يستعلم ويستأذن، فقدم وأبو بكر يجود بنفسه وقد عهد إلى عمر وأخبر الخبر، فأحضر عمر وأوصاه أن يندب الناس مع المثنى وأن يصرف أصحاب خالد من الشام إلى العراق، فقال عمر: يرحم الله أبا بكر علم أنه تستر في إمارة خالد فأمرني بصرف أصحابه ولم يذكره.
ولاية أبي عبيد بن مسعود على العراق ومقتله
ولما ولي عمر ندب الناس مع المثنى بن حارثة أياما وكان أوّل منتدب أبو عبيد بن مسعود، وقال عمر للناس: إنّ الحجاز ليس لكم بدار إلّا النجعة ولا يقوى عليه أهله إلّا بذلك أين المهاجرون عن موعد الله؟ سيروا في الأرض التي وعدكم الله في الكتب أن يورثكموها. فقال: ليظهره على الدين كله فاللَّه مظهر دينه ومعز ناصره ومولى أهله مواريث الأمم. أين عباد الله الصالحون؟ فانتدب أبو عبيد الثقفيّ، ثم سعد بن عبيد الأنصاري، ثم سليط بن قيس، فولّى أبا عبيد على البعث لسبقه، وقال: اسمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأشركهم في الأمر ولا تجتهد مسرعا بل اتئد فإنها الحرب، والحرب لا يصلحها إلّا الرجل المكيث الّذي يعرف الفرصة والكف. ولم يمنعني أن أؤمر سليطا إلّا لسرعته إلى الحرب، وفي السرعة إلى الحرب إلّا عن بيان ضياع والله لولا سرعته لأمرته. فكان بعث أبي عبيد هذا أوّل بعث بعثه عمر، ثم بعث بعده يغلي [3] بن أمية إلى اليمن وأمره بإجلاء أهل نجران
[1] وفي نسخة أخرى: زوجة آزرميدخت، فغضبت وبعثت.
[2]
وفي نسخة أخرى: وتشاغلوا بذلك عن ملكها.
[3]
وفي نسخة أخرى: بعليّ.
لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في مرضه، وقال أخبرهم أنّا نجليهم بأمر الله ورسوله أن لا يترك دينان بأرض العرب ثم نعطيهم أرضا كأرضهم وفاء بذمّتهم كما أمر الله.
قالوا: فخرج أبو عبيد مع المثنى بن حارثة وسعد وسليط إلى العراق، وقد كانت بوران بنت كسرى كلما اختلفت الناس بالمدائن عدلت بينهم حتى يصلحوا، فلما قتل الفرّخزاد بن البندوان وملكت آزرميدخت اختلف أهل فارس واشتغلوا عن المسلمين غيبة المثنى كلها، فبعثت بوران إلى رستم تستحثه للقدوم وكان على فرج [1] خراسان، فأقبل في الناس إلى المدائن وعزل الفرخزاد وفقأ عين آزرميدخت ونصبّ بوران، فملكته وأحضرت مرازبة فارس فأسلموا له ورضوا به وتوّجته. وسبق المثنى إلى الحيرة، ولحقه أبو عبيد ومن معه. وكتب رستم إلى دهاقين السواد أن يثوروا بالمسلمين وبعث في كل رستاق رجلا لذلك، فكان في فرات باذقلا جابان وفي كسكرنرسي، وبعث جندا لمصادمة المثنى فساروا واجتمعوا أسفل الفرات. وخرج المثنى من الحيرة خوفا أن يؤتى من خلفه، فقدم عليه أبو عبيد، ونزل جابان النمارق ومعه جمع عظيم، فلقيه أبو عبيد هناك وهزم الله أهل فارس وأسر جابان ثم أطلق، وساروا في المنهزمين حتى دخلوا كسكر وكان بها نرسي ابن خالة كسرى فجمع الفالة إلى عسكره، وسار إليهم أبو عبيد من النمارق في تعبيته، وكان على مجنبتي نرسي نفدويه وشيرويه [2] ابنا بسطام خال كسرى.
واتصلت هزيمة جابان ببوران ورستم فبعثوا الجالنوس مددا لنرسي وعاجلهم أبو عبيد فالتقوا أسفل من كسكر فاشتدّ القتال وانهزمت الفرس، وهرب نرسي وغنم المسلمون ما في عسكره، وبعث أبو عبيد المثنى وعاصما فهزموا من كان تجمّع من أهل الرساتيق وخرّبوا وسبوا وأخذوا الجزية من أهل السواد وهم يتربصون قدوم الجالنوس.
ولمّا سمع به أبو عبيد سار إليه على تعبيته فانهزم الجالنوس وهرب ورجع أبو عبيد فنزل الحيرة، وقد كان عمر قال له: «إنك تقدم على أرض المكر والخديعة والخيانة والخزي تقدم على قوم تجرّءوا على الشرّ فعلموه وتناسوا الخير فجهلوه فانظر كيف تكون
[1] الفرج: الخلل بين الشيئين، الثغر، فرج الوادي: بطنه. فرج الطريق: متنه.
[2]
وفي النسخة الباريسية: بندويه وتبروية.
وأحرز لسانك ولا تفش سرّك فإن صاحب السر ما ضبّط متحصن لا يؤتي من وجه يكرهه وإذا ضيّعه كان بمضيعة» .
ولما رجع الجالنوس إلى رستم بعث بهمن حادويه ذا الحاجب إلى الحيرة فأقبل ومعه درفش كابيان راية كسرى عرض ثمانية أذرع في طول اثني عشر من جلود النمر فنزل في الناطف على الفرات، وأقبل أبو عبيد فنزل عدوته وقعد إلى أن نصبوا للفريقين جسرا على الفرات، وخيّرهم بهمن حادويه في عبوره أو عبورهم، فاختار أبو عبيد العبور وأجاز إليهم. وماجت الأرض بالمقاتلة ونفرت خيول المسلمين وكراديسهم من الفيلة، وأمر بالتخفيف عن الخيل فترجل أبو عبيد والناس وصافحوا العدوّ بالسيوف، ودافعتهم الفيلة فقطعوا وضنها [1] فسقطت رحالها وقتل من كان عليها، وقابل أبو عبيد فيلا منهم فوطئه بيده وقام عليه فأهلكه. وقاتلهم الناس ثم انهزموا عن المثنى وسبقه بعض المسلمين إلى الجسر [2] فقطعه، وقال: موتوا أو تظفروا. وتواثب بعضهم الفرات فغرقوا وأقام المثنى وناس معه مثل عروة بن زيد الخيل وأبي محجن الثقفي وأنظارهم، وقاتل أبو زيد الطائي كان نصرانيا قدم الحيرة لبعض أمره فحضر مع المثنى وقاتل حينئذ حميّة، ونادى المثنى الذين عبروا من المسلمين فعقدوا الجسر وأجاز بالناس، وكان آخر من قتل عند الجسر سليط بن قيس فانفضّ أصحابه إلى المدينة وبقي المثنّى في فلّه جريحا.
وبلغ الخبر إلى عمر فشق [3] عليه وعذر المنهزمين، وهلك من المسلمين يومئذ أربعة آلاف قتلى وغرقى وهرب ألفان وبقين ثلاثة آلاف. وبينما بهمن حادويه يروم العبور خلف المسلمين أتاه الخبر بأنّ الفرس ثاروا برستم مع الفيرزان فرجع إلى المدائن، وكانت الوقعة في مدائن سنة ثلاث عشرة. ولما رجع بهمن حادويه أتبعه جابان ومعه مردان شاه [4] ، وخرج المثنى في أثرهما فلما أشرف عليهما أتياه يظنان أنه هارب فأخذهما أسيرين، وخرج أهل الليس على أصحابهما فأتوا بهم أسرى وعقدوا معه مهادنة وقتل جميع الأسرى.
[1] ج وضين، الوضين للهودج بمنزلة الحزام للسرج (قاموس)
[2]
وفي النسخة الباريسية: الى الحصن.
[3]
وفي النسخة الباريسية: اشتد عليه.
[4]
وفي نسخة اخرى: مردان شاه
ولمّا بلغ عمر رضي الله عنه وقعة أبي عبيد بالجسر ندب الناس إلى المثنى، وكان فيمن ندب بجيلة وأمرهم إلى جرير بن عبد الله لأنه الّذي جمعهم من القبائل بعد أن كانوا مفترقين ووعده النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك وشغل عن ذلك أبو بكر بأمر الردّة ووفّى له عمر به وسيّره مددا للمثنى بالعراق، وبعث عصمة بن عبد الله الضبّي، وكتب إلى أهل الردّة بأن يوافوا المثنى وبعث المثنّى الرسل فيمن يليه من العرب، فوافوه [1] في جموع عظيمة حتى نصارى النمر جاءوه وعليهم أنس بن هلال، وقالوا: نقاتل مع قومنا. وبلغ الخبر إلى رستم والفيروزان فبعثا مهران الهمدانيّ إلى الحيرة والمثنى بين القادسية وخفان، فلما بلغه الخبر استبقى فرات باذقلا وكتب بالخبر إلى جرير وعصمة ان يقصدا العذيب مما يلي الكوفة، فاجتمعوا هنالك ومهران قبالتهم عدوة الفرات وتركوا له العبور فأجاز إليهم. وسار إليه المثنّى في التعبية وعلى مجنبتيه مهران مرزبان الحيرة من الأزدبة [2] ومردان شاه، ووقف المثنى على الرايات يحرّض الناس فأعجلتهم فارس وخالطوهم وركدت حربهم واشتدت، ثم حمل المثنى على مهران فأزاله عن مركزه، وأصيب مسعود أخو المثنّى، وخالط المثنّى القلب ووثب المجنبات على المجنبات قبالتهم فانهزمت الفرس، وسبقهم [3] المثنّى إلى الجسر فهربوا مصعدين ومنحدرين، واستلحمتهم خيول المسلمين وقتل فيها مائة ألف أو يزيدون، وأحصى مائة رجل من المسلمين قتل كل واحد منهم عشرة. وتبعهم المسلمون إلى الليل، وأرسل المثنّى في آثار الفرس، فبلغوا ساباط فغنموا وسبوا ساباط [4] واستباحوا القرى وسخّروا السواد بينهم وبين دجلة لا يلقون مانعا. ورجع المنهزمون إلى رستم فاستهانوا ورضوا أن يتركوا ما وراء دجلة.
ثم خرج المثنّى من الحيرة واستخلف بشير بن الخصاصية وسار نحو السواد ونزل الليس من قرى الأنبار فسميت الغزاة، غزاة الأنبار الآخرة وغزاة الليس الآخرة، وجاءت إلى المثنّى عيون فدلته على سوق الخنافس وسوق بغداد، وأنّ سوق الخنافس أقرب ويجتمع بها تجّار المدائن والسواد وخفراؤهم ربيعة وقضاعة، فركب إليها وأغار عليها
[1] وفي النسخة الباريسية: فوافقه.
[2]
وفي نسخة اخرى: ابن الازاذبة
[3]
وفي النسخة الباريسية: وساقهم.
[4]
وفي النسخة الباريسية: فبلغوا السيب فغنموا وسبوا وبلغوا ساباط.