المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حصار الطائف وغزوة تبوك - تاريخ ابن خلدون - جـ ٢

[ابن خلدون]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني]

- ‌الكتاب الثاني ويشتمل: أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ مبدإ الخليقة الى هذا العهد

- ‌المقدّمة الاولى في أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم

- ‌المقدّمة الثانية في كيفية وضع الأنساب في كتابنا لأهل الدول وغيرهم

- ‌القول في أجيال العرب وأوّليتها واختلاف طبقاتهم وتعاقبها وأنساب كل طبقة منها

- ‌برنامج بما تضمنه الكتاب من الدول في هذه الطبقات الأربع على ترتيبها والدول المعاصرين من العجم في كل طبقة منها

- ‌الطبقة الاولى من العرب وهم العرب العاربة وذكر نسبهم والإمام بملكهم ودولهم على الجملة

- ‌الخبر عن إبراهيم أبي الأنبياء عليهم السلام ونسبه الى فالغ بن عابر وذكر أولاده صلوات الله عليهم وأحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من العرب وهم العرب المستعربة وذكر أنسابهم وأيامهم وملوكهم والإلمام ببعض الدول التي كانت على عهدهم

- ‌الخبر عن ملوك التبابعة من حمير وأوليتهم باليمن ومصاير أمورهم

- ‌ملك الحبشة اليمن

- ‌غزو الحبشة الكعبة

- ‌قصة سيف بن ذي يزن وملك الفرس على اليمن

- ‌الخبر عن ملوك بابل من النبط والسريانيين وملوك الموصل ونينوى من الجرامقة

- ‌الخبر عن القبط وأوّلية ملكهم ودولهم وتصاريف أحوالهم والإلمام بنسبهم

- ‌الخبر عن بني إسرائيل وما كان لهم من النبوة والملك وتغلبهم على الأرض المقدّسة بالشام وكيف تجدّدت دولتهم بعد الانقراض وما اكتنف ذلك من الأحوال

- ‌الخبر عن حكام بني إسرائيل بعد يوشع الى أن صار أمرهم إلى الملك وملك عليهم طالوت

- ‌الخبر عن ملوك بني إسرائيل بعد الحكام ثم افتراق أمرهم والخبر عن دولة بني سليمان بن داود على السبطين يهوذا وبنيامين بالقدس الى انقراضها

- ‌الخبر عن افتراق بنى إسرائيل منهم ببيت المقدس على سبط يهوذا وبنيامين الى انقراضه

- ‌الخبر عن دولة الأسباط العشرة وملوكهم الى حين انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن عمارة بيت المقدس بعد الخراب الأوّل وما كان لبني إسرائيل فيها من الملك في الدولتين لبني حشمناي وبني هيردوس إلى حين الخراب الثاني والجلوة الكبرى

- ‌ابتداء أمر انظفتر [1] أبو هيردوس

- ‌انقراض ملك بني حشمناي وابتداء ملك هيردوس وبنيه

- ‌الخبر عن شأن عيسى بن مريم صلوات الله عليه في ولادته وبعثته ورفعه من الأرض والإلمام بشأن الحواريين بعده وكتبهم الأناجيل الأربعة وديانة النصارى بملته واجتماع الاقسة على تدوين شريعته

- ‌الخبر عن الفرس وذكر أيامهم ودولهم وتسمية ملوكهم وكيف كان مصير أمرهم الى تمامه وانقراضه

- ‌الطبقة الاولى من الفرس وذكر ملوكهم وما صار اليه في الخليقة أحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من الفرس وهم الكينية وذكر ملوكهم وأيامهم إلى حين انقراضهم

- ‌الطبقة الثالثة من الفرس وهم الأشكانية ملوك الطوائف وذكر دولهم ومصاير أمورهم الى نهايتها

- ‌الطبقة الرابعة من الفرس وهم الساسانية والخبر عن ملوكهم الأكاسرة إلى حين الفتح الإسلامي

- ‌الخبر عن دولة يونان والروم وأنسابهم ومصايرهم

- ‌الخبر عن دولة يونان والإسكندر منهم وما كان لهم من الملك والسلطان الى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن اللطينيين وهم الكيتم المعرفون بالروم من أمم يونان وأشياعهم وشعوبهم وما كان لهم من الملك والغلب وذكر الدولة التي فيهم للقياصرة وأولية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن فتنة الكيتم مع أهل إفريقية وتخريب قرطاجنة ثم بناؤها على الكيتم وهم اللطينيون

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من الكيتم وهم اللطينيون ومبدإ أمورهم ومصاير أحوالهم

- ‌الخبر عن القياصرة المتنصرة من اللطينيين وهم الكيتم واستفعال ملكهم بقسطنطينية ثم بالشام بعدها إلى حين الفتح الإسلامي ثم بعد إلى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من لدن هرقل والدولة الإسلامية الى حين انقراض أمرهم وتلاشي أحوالهم

- ‌الخبر عن القوط وما كان لهم من الملك بالأندلس الى حين الفتح الإسلامي وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الطبقة الثالثة من العرب وهم العرب التابعة للعرب وذكر افاريقهم وأنسابهم وممالكهم وما كان لهم من الدول على اختلافها والبادية والرحالة منهم وملكها

- ‌الخبر عن أنساب العرب من هذه الطبقة الثالثة واحدة واحدة وذكر مواطنهم ومن كان له الملك منهم

- ‌الخبر عن حمير من القحطانية وبطونها وتفرع شعوبها

- ‌الخبر عن قضاعة وبطونها والإلمام ببعض الملك الّذي كان فيها

- ‌الخبر عن بطون كهلان من القحطانية وشعوبهم واتصال بعضها مع بعض وانقضائها

- ‌الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذر من هذه الطبقة وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم وكيف صار إلى طيِّئ من بعدهم

- ‌ملوك كندة الخبر عن ملوك كندة من هذه الطبقة ومبدإ أمرهم وتصاريف أحوالهم

- ‌الخبر عن أبناء جفنة ملوك غسان بالشام من هذه الطبقة وأوليتهم ودولهم وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم

- ‌الخبر عن الأوس والخزرج أبناء قيلة من هذه الطبقة ملوك يثرب دار الهجرة وذكر أوليتهم والإلمام بشأن نصرتهم وكيف انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن بني عدنان وأنسابهم وشعوبهم وما كان لهم من الدول والملك في الإسلام وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن قريش من هذه الطبقة وملكهم بمكة وأولية أمرهم وكيف صار الملك اليهم فيها ممن قبلهم من الأمم السابقة

- ‌أمر النبوّة والهجرة في هذه الطبقة الثالثة وما كان من اجتماع العرب على الإسلام بعد الاباية والحرب

- ‌المولد الكريم وبدء الوحي

- ‌بدء الوحي

- ‌هجرة الحبشة

- ‌ العقبة الثانية

- ‌الهجرة

- ‌الغزوات

- ‌الأبواء:

- ‌بواط:

- ‌البعوث:

- ‌غزوة بدر الثانية:

- ‌غزوة الكدر:

- ‌غزوة السويق:

- ‌ذي أمرّ:

- ‌نجران:

- ‌قتل كعب بن الأشرف:

- ‌غزوة بني قينقاع:

- ‌سرية زيد بن حارثة إلى قردة:

- ‌قتل ابن أبي الحقيق:

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد:

- ‌بعث الرجيع:

- ‌غزوة بئر معونة:

- ‌غزوة بني النضير:

- ‌غزوة ذات الرقاع:

- ‌غزوة بدر الصغرى الموعد:

- ‌غزوة دومة الجندل:

- ‌غزوة الخندق

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌غزوة الغابة وذي قرد

- ‌غزاة بني المصطلق:

- ‌عمرة الحديبيّة

- ‌إرسال الرسل الى الملوك

- ‌غزوة خيبر

- ‌فتح فدك ووادي القرى

- ‌عمرة القضاء

- ‌غزوة جيش الأمراء

- ‌فتح مكة

- ‌غزوة حنين

- ‌حصار الطائف وغزوة تبوك

- ‌إسلام عروة بن مسعود ثم وفد ثقيف وهدم اللات

- ‌الوفود

- ‌ حجة الوداع

- ‌العمال على النواحي

- ‌خبر العنسيّ

- ‌بعث أسامة:

- ‌أخبار الأسود ومسيلمة وطليحة:

- ‌مرضه صلى الله وسلم عليه:

- ‌خبر السقيفة

- ‌الخلافة الإسلامية

- ‌الخبر عن الخلافة الإسلامية في هذه الطبقة وما كان فيها من الرّدة والفتوحات وما حدث بعد ذلك من الفتن والحروب في الإسلام ثم الاتفاق والجماعة

- ‌بعث الجيوش للمرتدين

- ‌خبر طليحة

- ‌خبر هوازن وسليم وبني عامر

- ‌خبر بني تميم وسجاح

- ‌البطاح ومالك بن نويرة

- ‌خبر مسيلمة واليمامة

- ‌ردّه الحطم وأهل البحرين

- ‌ردة أهل عمان ومهرة واليمن [2]

- ‌بعوث العراق وصلح الحيرة

- ‌فتح الحيرة

- ‌فتح ما وراء الحيرة

- ‌فتح الأنبار وعين التمر وتسمّى هذه الغزوة ذات العيون

- ‌الوقائع بالعراق

- ‌بعوث الشام

- ‌بعوث الشام

- ‌خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌فتح دمشق

- ‌خبر المثنى بالعراق بعد مسير خالد الى الشام

- ‌ولاية أبي عبيد بن مسعود على العراق ومقتله

- ‌أخبار القادسية

- ‌فتح المدائن وجلولاء بعدها

- ‌ولاية عتبة بن غزوان على البصرة

- ‌وقعة مرج الروم وفتوح مدائن الشام بعدها

- ‌وقعة أجنادين وفتح بيسان والأردن وبيت المقدس

- ‌مسير هرقل إلى حمص وفتح الجزيرة وارمينية

- ‌غزو فارس من البحرين وعزل العلاء عن البصرة ثم المغيرة وولاية أبي موسى

- ‌بناء البصرة والكوفة

- ‌فتح الأهواز والسوس بعدهما

- ‌مسير المسلمين الى الجهات للفتح

- ‌مجاعة عام الرمادة وطاعون عمواس

- ‌فتح مصر

- ‌وقعة نهاوند وما كان بعدها من الفتوحات

- ‌فتح همذان

- ‌فتح الريّ

- ‌فتح أذربيجان

- ‌فتح الباب

- ‌فتح موقان وجبال ارمينية

- ‌غزو الترك

- ‌فتح خراسان

- ‌فتوح فارس

- ‌إصطخر:

- ‌بسا ودرابجرد:

- ‌كرمان:

- ‌سجستان:

- ‌مكران:

- ‌خبر الأكراد

- ‌مقتل عمر وأمر الشورى وبيعة عثمان رضي الله عنه

- ‌نقض أهل الاسكندرية وفتحها

- ‌ولاية الوليد بن عقبة الكوفة وصلح أرمينية وأذربيجان

- ‌ولاية عبد الله بن أبي سرح على مصر وفتح افريقية

- ‌فتح قبرص

- ‌ولاية ابن عامر على البصرة وفتوح فارس وخراسان

- ‌ولاية سعيد بن العاص الكوفة

- ‌غزو طبرستان

- ‌غزو حذيفة الباب وأمر المصاحف

- ‌مقتل يزدجرد

- ‌ظهور الترك بالثغور

- ‌بدء الانتقاض على عثمان رضي الله عنه

- ‌حصار عثمان ومقتله رضي الله عنه وأتابه ورفع درجته

- ‌بيعة علي رضي الله عنه

- ‌أمر الجمل

- ‌انتقاض محمد بن أبي حذيفة بمصر ومقتله

- ‌ولاية قيس بن سعد على مصر

- ‌مبايعة عمرو بن العاص لمعاوية

- ‌أمر صفين

- ‌ أمر الحكمين

- ‌أمر الخوارج وقتالهم

- ‌ولاية عمرو بن العاص مصر

- ‌دعاء ابن الحضرميّ بالبصرة لمعاوية ومقتله

- ‌ولاية زياد على فارس

- ‌فراق ابن عبّاس لعلي رضي الله عنهم

- ‌مقتل علي

- ‌بيعة الحسن وتسليمه الأمر لمعاوية

الفصل: ‌حصار الطائف وغزوة تبوك

من المسلمين يوم الخميس أربعة منهم أيمن بن أم أيمن أخو أسامة لأمه [1] ، ويزيد بن زمعة بن الأسود، وسراقة بن الحرث من بني العجلان، وأبو عامر الأشعري.

‌حصار الطائف وغزوة تبوك

ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبايا والأموال فحبست بالجعرانة بنظر مسعود ابن عمرو الغفاريّ، وسار من فوره إلى الطائف فحاصر بها ثقيف خمس عشرة ليلة، وقاتلوا من وراء الحصون، وأسلم من كان حولهم من الناس وجاءت وفودهم إليه.

وقد كان مرّ في طريقه بحصن مالك بن عوف النصري [2] فأمر بهدمه، ونزل على أطم لبعض ثقيف فتمنع فيه صاحبه فأمر بهدمه فأخرب وتحصنت ثقيف. وقد كان عروة بن مسعود وغيلان بن سلمة من ساداتهم ذهبا إلى جرش يتعلمان صنعة المجانيق والدبابات للحصار لمّا أحسوا من قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم فلم يشهدا الحصار ولا حنينا قبله، وحاصرهم المسلمون بضع عشرة أو بضعا وعشرين ليلة واستشهد بعضهم بالنبل ورماهم صلى الله عليه وسلم بالمنجنيق، ودخل نفر من المسلمين تحت دبابة ودنوا إلى سور الطائف فصبوا عليهم سكك الحديد المحماة ورموهم بالنبل فأصابوا منهم قوما، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعنابهم [3] ، ورغب إليه ابن الأسود بن مسعود في ماله وكان بعيدا من الطائف وكفّ عنه، ثم دخل إلى الطائف وتركهم ونزل أبو بكرة فأسلم.

واستشهد من المسلمين في حصاره: سعيد بن سعيد بن العاص، وعبد الله بن أبي أميّة بن المغيرة أخو أمّ سلمة، وعبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي حليف بني عدي في آخرين قريبا من اثني عشر فيهم أربعة من الأنصار.

ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة وأتاه هناك وفد هوازن مسلمين راغبين، فخيّرهم بين العيال والأبناء والأموال فاختاروا العيال والأبناء، وكلموا المسلمين في ذلك بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وقال المهاجرون والأنصار ما كان لنا فهو لرسول الله

[1] وفي النسخة الباريسية: أيمن بن عبيد أخو سلمة لأمه.

[2]

النصري بالصاد المهملة، كذا في فضائل رمضان للأجهوري، قال وأسلم بعد ذلك أهـ. (قاله نصر) .

[3]

وفي نسخة اخرى: أعناقهم.

ص: 465

صلى الله عليه وسلم. وامتنع الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن أن يراد عليهم ما وقع لهما من الفي وساعدهم قومهم [1]، وامتنع العبّاس بن مرداس كذلك. وخالف بنو سليم وقالوا: ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فعوّض رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم تطب نفسه عن نصيبه. وردّ عليهم نساءهم وأبناءهم بأجمعهم.

وكان عدد سبي هوازن ستة آلاف بنى ذكر وأنثى فيهنّ الشيما أخت النبيّ صل يا لله عليه وسلم من الرضاعة وهي بنت الحرث بن عبد العزّى من بني سعد بن بكر من هوازن، وأكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسن إليها وخيّرها فاختارت قومها فردّها اليهم. وقسم الأموال بين المسلمين، ثم أعطى من نصيبه من خمس الخمس قوما يستألفهم على الإسلام من قريش وغيرهم، فمنهم من أعطاه مائة مائة، ومنهم خمسين خمسين، ومنهم ما بين ذلك، ويسمّون المؤلفة وهم مذكورون في كتب السير يقاربون الأربعين، منهم أبو سفيان وابنه معاوية وحكيم بن حزام وصفوان بن أمية ومالك بن عوف وغيرهم، ومنهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر والأقرع بن حابس وهما من أصحاب المائة، وأعطى عبّاس بن مرداس دونهما، فأنشده أبياته المعروفة يتسخط فيها، فقال اقطعوا عني لسانه فأتموا إليه المائة.

ولمّا أعطى المؤلفة قلوبهم وجد الأنصار في أنفسهم إذ لم يعطهم مثل ذلك وتكلّم شبانهم مع ما كانوا يظنون أنه إذا فتح الله عليه بلده يرجع إلى قومه ويتركهم، فجمعهم ووعظهم وذكّرهم وقال:«إنما أعطي قوما حديثي عهد بالإسلام أتألفهم عليه، أما ترضون أن ينصرف الناس بالشاء والبعير وتنصرفوا برسول الله إلى رحالكم، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الأنصار شعبا وسلك الناس شعبا لسلكت شعب الأنصار» فرضوا وافترقوا.

ثم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة الى مكة، ثم رجع الى المدينة فدخلها لست بقين من ذي القعدة من السنة الثامنة لشهرين ونصف من خروجه، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد شابا ينيف عمره على عشرين، وكان غلبه الورع والزهد فأقام الحج بالمسلمين في سنته وهو أوّل أمير أقام حجّ الإسلام المشركون على مشاعرهم. وخلف بمكة معاذ بن جبل يفقه الناس في الدين ويعلمهم القرآن،

[1] وفي نسخة اخرى:، وساعدهما قومهما.

ص: 466

وبعث عمرو بن العاص إلى جيفر وعبد ابني الجلندي [1] من الأزد بعمان مصدقا فأطاعوا له بذلك. واستعمل صلى الله عليه وسلم مالك بن عوف على من أسلم من قومه ومن سلم منهم وماله حوالي الطائف من ثقيف، وأمره بمغادرة الطائف من التضييق عليهم ففعل حتى جاءوا مسلمين كما يذكر بعد. وحسن إسلام المؤلفة قلوبهم ممن أسلم يوم الفتح أو بعده وإن كانوا متفاوتين في ذلك. ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن زهير فأهدر دمه وضاقت به الأرض، وجاء فأسلم وأنشد النبي صلى الله عليه وسلم قصيدته المعروفة بمدحه التي أوّلها:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

إلخ. وأعطاه بردة في ثواب مدحه فاشتراها معاوية من ورثته بعد موته وصار الخلفاء يتوارثونها شعارا.

ووفد في سنة تسع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بنو أسد فأسلموا وكان منهم ضرار بن الأزور، وقالوا: قدمنا يا رسول الله قبل أن يرسل إلينا فنزلت «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا 49: 17» (الآية) . ووفد فيها وفدتين في شهر ربيع الأول ونزلوا على رويفع بن ثابت البلوي. وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد منصرفه من الطائف في ذي الحجة إلى شهر رجب من السنة التاسعة.

ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم: «وكان في غزواته كثيرا ما يوري بغير الجهة التي يقصدها على طريقة الحرب إلا ما كان من هذه الغزاة لعسرها بشدّة الحرب، وبعد البلاد وفصل الفواكه وقلّة الظلال وكثرة العدو الذين يصدّون. وتجهز الناس على ما في أنفسهم من استثقال ذلك، وطفق المنافقون يثبطونهم عن الغزو، وكان نفر منهم يجتمعون في بيت بعض اليهود، فأمر طلحة بن عبيد الله أن يخرّب عليهم البيت فخرّبها [2] . واستأذن ابن قيس من بني سلمة في القعود فأذن له وأعرض عنه، وتدرّب كثير من المسلمين بالإنفاق والحملان وكان من أعظمهم في ذلك عثمان بن عفّان يقال إنه أنفق فيها ألف دينار وحمل على تسعمائة بعير ومائة فرس وجهز ركابا.

وجاء بعض المسلمين يستحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجد ما يحملهم عليه فنزلوا باكين لذلك، وحمل بعضهم يامين بن عمير النضري وهما أبو ليلى بن كعب من بني مازن بن النجّار وعبد الله بن المغفل المزني. واعتذر المخلفون من الأعراب

[1] وفي نسخة اخرى: الى أهل حنين وعمرو بن الجلندي.

[2]

وفي النسخة الباريسية: ان يحرق عليهم البيت فحرقها.

ص: 467

فعذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم نهض وخلّف على المدينة محمد بن مسلمة وقيل بل سبّاع بن عرفطة وقيل بل عليّ ابن أبي طالب، وخرج معه عبد الله بن أبي بن سلول في عدد وعدّة، فلما سار صلى الله عليه وسلم تخلّف هو فيمن تخلّف من المنافقين. ومرّ صلى الله عليه وسلم على ديار ثمود فأمر أن لا يستعمل ماؤها ويعلف ما عجن منه للإبل، وأذن لهم في بئر الناقة، وأمر أن لا يدخلوا عليهم بيوتهم إلّا باكين، ونهى أنّ يخرج أحد منفردا عن صاحبه، فخرج رجلان من بني ساعدة خنق [1] أحدهما فمسح عليه فشفي، والآخر رمته الريح في جبل طي فردّوه بعد ذلك إلي النبيّ صلى الله عليه وسلم. وضلّ صلى الله عليه وسلم ناقته في بعض الطريق، فقال أحد المنافقين محمد يدّعي علم خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته، فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: والله لا أعلم إلّا ما علّمني الله وأن الناقة بموضع كذا. وكان قد أوحى إليه بها فوجدوها ثم، وكان قائل هذا القول زيد بن اللصيت من بني قينقاع وقيل إنه تاب بعد ذلك. وفضح الوحي قوما من المنافقين كانوا يخذلون الناس ويهوّلون عليهم أمر الروم، فتاب منهم مخشى بن جهير [2] ودعا أن يكفر عنه بشهادة يخفي مكانه فقتل يوم اليمامة.

ولمّا انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه يحينة بن رؤبة صاحب أيلة وأهل جرباء وأذرح فصالحوا على الجزية وكتب لكل كتابا. وبعث صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك [3] صاحب دومة الجندل من كندة كان ملكا عليها وكان نصرانيا وأخبر أنه يجده يصيد البقر، واتفق أن بقر الوحوش باتت تهدّ القصر بقرونها فنشط أكيدر لصيدها وخرج ليلا، فوافق وصوله خالدا، فأخذه وبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنه وصالحه على الجزية وردّه.

وأقام بتبوك عشرين ليلة، ثم انصرف، وكان في طريقه ماء قليل نهى أن يسبق إليه أحد، فسبق رجلان واستنفدا ما فيه فنكر عليهما ذلك، ثم وضع يده تحت وشله فصب ما شاء الله أن يصب ونضح به الوشل [4] ودعا فجاش الماء حتى كفى العسكر.

[1] وفي نسخة اخرى: جن

[2]

وفي النسخة الباريسية: مخشى بن حمير.

[3]

وفي النسخة الباريسية: عبد الله.

[4]

وفي نسخة اخرى: ونضح بالوشل.

ص: 468