المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الخبر عن ملوك القياصرة من الكيتم وهم اللطينيون ومبدإ أمورهم ومصاير أحوالهم - تاريخ ابن خلدون - جـ ٢

[ابن خلدون]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني]

- ‌الكتاب الثاني ويشتمل: أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ مبدإ الخليقة الى هذا العهد

- ‌المقدّمة الاولى في أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم

- ‌المقدّمة الثانية في كيفية وضع الأنساب في كتابنا لأهل الدول وغيرهم

- ‌القول في أجيال العرب وأوّليتها واختلاف طبقاتهم وتعاقبها وأنساب كل طبقة منها

- ‌برنامج بما تضمنه الكتاب من الدول في هذه الطبقات الأربع على ترتيبها والدول المعاصرين من العجم في كل طبقة منها

- ‌الطبقة الاولى من العرب وهم العرب العاربة وذكر نسبهم والإمام بملكهم ودولهم على الجملة

- ‌الخبر عن إبراهيم أبي الأنبياء عليهم السلام ونسبه الى فالغ بن عابر وذكر أولاده صلوات الله عليهم وأحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من العرب وهم العرب المستعربة وذكر أنسابهم وأيامهم وملوكهم والإلمام ببعض الدول التي كانت على عهدهم

- ‌الخبر عن ملوك التبابعة من حمير وأوليتهم باليمن ومصاير أمورهم

- ‌ملك الحبشة اليمن

- ‌غزو الحبشة الكعبة

- ‌قصة سيف بن ذي يزن وملك الفرس على اليمن

- ‌الخبر عن ملوك بابل من النبط والسريانيين وملوك الموصل ونينوى من الجرامقة

- ‌الخبر عن القبط وأوّلية ملكهم ودولهم وتصاريف أحوالهم والإلمام بنسبهم

- ‌الخبر عن بني إسرائيل وما كان لهم من النبوة والملك وتغلبهم على الأرض المقدّسة بالشام وكيف تجدّدت دولتهم بعد الانقراض وما اكتنف ذلك من الأحوال

- ‌الخبر عن حكام بني إسرائيل بعد يوشع الى أن صار أمرهم إلى الملك وملك عليهم طالوت

- ‌الخبر عن ملوك بني إسرائيل بعد الحكام ثم افتراق أمرهم والخبر عن دولة بني سليمان بن داود على السبطين يهوذا وبنيامين بالقدس الى انقراضها

- ‌الخبر عن افتراق بنى إسرائيل منهم ببيت المقدس على سبط يهوذا وبنيامين الى انقراضه

- ‌الخبر عن دولة الأسباط العشرة وملوكهم الى حين انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن عمارة بيت المقدس بعد الخراب الأوّل وما كان لبني إسرائيل فيها من الملك في الدولتين لبني حشمناي وبني هيردوس إلى حين الخراب الثاني والجلوة الكبرى

- ‌ابتداء أمر انظفتر [1] أبو هيردوس

- ‌انقراض ملك بني حشمناي وابتداء ملك هيردوس وبنيه

- ‌الخبر عن شأن عيسى بن مريم صلوات الله عليه في ولادته وبعثته ورفعه من الأرض والإلمام بشأن الحواريين بعده وكتبهم الأناجيل الأربعة وديانة النصارى بملته واجتماع الاقسة على تدوين شريعته

- ‌الخبر عن الفرس وذكر أيامهم ودولهم وتسمية ملوكهم وكيف كان مصير أمرهم الى تمامه وانقراضه

- ‌الطبقة الاولى من الفرس وذكر ملوكهم وما صار اليه في الخليقة أحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من الفرس وهم الكينية وذكر ملوكهم وأيامهم إلى حين انقراضهم

- ‌الطبقة الثالثة من الفرس وهم الأشكانية ملوك الطوائف وذكر دولهم ومصاير أمورهم الى نهايتها

- ‌الطبقة الرابعة من الفرس وهم الساسانية والخبر عن ملوكهم الأكاسرة إلى حين الفتح الإسلامي

- ‌الخبر عن دولة يونان والروم وأنسابهم ومصايرهم

- ‌الخبر عن دولة يونان والإسكندر منهم وما كان لهم من الملك والسلطان الى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن اللطينيين وهم الكيتم المعرفون بالروم من أمم يونان وأشياعهم وشعوبهم وما كان لهم من الملك والغلب وذكر الدولة التي فيهم للقياصرة وأولية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن فتنة الكيتم مع أهل إفريقية وتخريب قرطاجنة ثم بناؤها على الكيتم وهم اللطينيون

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من الكيتم وهم اللطينيون ومبدإ أمورهم ومصاير أحوالهم

- ‌الخبر عن القياصرة المتنصرة من اللطينيين وهم الكيتم واستفعال ملكهم بقسطنطينية ثم بالشام بعدها إلى حين الفتح الإسلامي ثم بعد إلى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من لدن هرقل والدولة الإسلامية الى حين انقراض أمرهم وتلاشي أحوالهم

- ‌الخبر عن القوط وما كان لهم من الملك بالأندلس الى حين الفتح الإسلامي وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الطبقة الثالثة من العرب وهم العرب التابعة للعرب وذكر افاريقهم وأنسابهم وممالكهم وما كان لهم من الدول على اختلافها والبادية والرحالة منهم وملكها

- ‌الخبر عن أنساب العرب من هذه الطبقة الثالثة واحدة واحدة وذكر مواطنهم ومن كان له الملك منهم

- ‌الخبر عن حمير من القحطانية وبطونها وتفرع شعوبها

- ‌الخبر عن قضاعة وبطونها والإلمام ببعض الملك الّذي كان فيها

- ‌الخبر عن بطون كهلان من القحطانية وشعوبهم واتصال بعضها مع بعض وانقضائها

- ‌الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذر من هذه الطبقة وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم وكيف صار إلى طيِّئ من بعدهم

- ‌ملوك كندة الخبر عن ملوك كندة من هذه الطبقة ومبدإ أمرهم وتصاريف أحوالهم

- ‌الخبر عن أبناء جفنة ملوك غسان بالشام من هذه الطبقة وأوليتهم ودولهم وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم

- ‌الخبر عن الأوس والخزرج أبناء قيلة من هذه الطبقة ملوك يثرب دار الهجرة وذكر أوليتهم والإلمام بشأن نصرتهم وكيف انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن بني عدنان وأنسابهم وشعوبهم وما كان لهم من الدول والملك في الإسلام وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن قريش من هذه الطبقة وملكهم بمكة وأولية أمرهم وكيف صار الملك اليهم فيها ممن قبلهم من الأمم السابقة

- ‌أمر النبوّة والهجرة في هذه الطبقة الثالثة وما كان من اجتماع العرب على الإسلام بعد الاباية والحرب

- ‌المولد الكريم وبدء الوحي

- ‌بدء الوحي

- ‌هجرة الحبشة

- ‌ العقبة الثانية

- ‌الهجرة

- ‌الغزوات

- ‌الأبواء:

- ‌بواط:

- ‌البعوث:

- ‌غزوة بدر الثانية:

- ‌غزوة الكدر:

- ‌غزوة السويق:

- ‌ذي أمرّ:

- ‌نجران:

- ‌قتل كعب بن الأشرف:

- ‌غزوة بني قينقاع:

- ‌سرية زيد بن حارثة إلى قردة:

- ‌قتل ابن أبي الحقيق:

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد:

- ‌بعث الرجيع:

- ‌غزوة بئر معونة:

- ‌غزوة بني النضير:

- ‌غزوة ذات الرقاع:

- ‌غزوة بدر الصغرى الموعد:

- ‌غزوة دومة الجندل:

- ‌غزوة الخندق

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌غزوة الغابة وذي قرد

- ‌غزاة بني المصطلق:

- ‌عمرة الحديبيّة

- ‌إرسال الرسل الى الملوك

- ‌غزوة خيبر

- ‌فتح فدك ووادي القرى

- ‌عمرة القضاء

- ‌غزوة جيش الأمراء

- ‌فتح مكة

- ‌غزوة حنين

- ‌حصار الطائف وغزوة تبوك

- ‌إسلام عروة بن مسعود ثم وفد ثقيف وهدم اللات

- ‌الوفود

- ‌ حجة الوداع

- ‌العمال على النواحي

- ‌خبر العنسيّ

- ‌بعث أسامة:

- ‌أخبار الأسود ومسيلمة وطليحة:

- ‌مرضه صلى الله وسلم عليه:

- ‌خبر السقيفة

- ‌الخلافة الإسلامية

- ‌الخبر عن الخلافة الإسلامية في هذه الطبقة وما كان فيها من الرّدة والفتوحات وما حدث بعد ذلك من الفتن والحروب في الإسلام ثم الاتفاق والجماعة

- ‌بعث الجيوش للمرتدين

- ‌خبر طليحة

- ‌خبر هوازن وسليم وبني عامر

- ‌خبر بني تميم وسجاح

- ‌البطاح ومالك بن نويرة

- ‌خبر مسيلمة واليمامة

- ‌ردّه الحطم وأهل البحرين

- ‌ردة أهل عمان ومهرة واليمن [2]

- ‌بعوث العراق وصلح الحيرة

- ‌فتح الحيرة

- ‌فتح ما وراء الحيرة

- ‌فتح الأنبار وعين التمر وتسمّى هذه الغزوة ذات العيون

- ‌الوقائع بالعراق

- ‌بعوث الشام

- ‌بعوث الشام

- ‌خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌فتح دمشق

- ‌خبر المثنى بالعراق بعد مسير خالد الى الشام

- ‌ولاية أبي عبيد بن مسعود على العراق ومقتله

- ‌أخبار القادسية

- ‌فتح المدائن وجلولاء بعدها

- ‌ولاية عتبة بن غزوان على البصرة

- ‌وقعة مرج الروم وفتوح مدائن الشام بعدها

- ‌وقعة أجنادين وفتح بيسان والأردن وبيت المقدس

- ‌مسير هرقل إلى حمص وفتح الجزيرة وارمينية

- ‌غزو فارس من البحرين وعزل العلاء عن البصرة ثم المغيرة وولاية أبي موسى

- ‌بناء البصرة والكوفة

- ‌فتح الأهواز والسوس بعدهما

- ‌مسير المسلمين الى الجهات للفتح

- ‌مجاعة عام الرمادة وطاعون عمواس

- ‌فتح مصر

- ‌وقعة نهاوند وما كان بعدها من الفتوحات

- ‌فتح همذان

- ‌فتح الريّ

- ‌فتح أذربيجان

- ‌فتح الباب

- ‌فتح موقان وجبال ارمينية

- ‌غزو الترك

- ‌فتح خراسان

- ‌فتوح فارس

- ‌إصطخر:

- ‌بسا ودرابجرد:

- ‌كرمان:

- ‌سجستان:

- ‌مكران:

- ‌خبر الأكراد

- ‌مقتل عمر وأمر الشورى وبيعة عثمان رضي الله عنه

- ‌نقض أهل الاسكندرية وفتحها

- ‌ولاية الوليد بن عقبة الكوفة وصلح أرمينية وأذربيجان

- ‌ولاية عبد الله بن أبي سرح على مصر وفتح افريقية

- ‌فتح قبرص

- ‌ولاية ابن عامر على البصرة وفتوح فارس وخراسان

- ‌ولاية سعيد بن العاص الكوفة

- ‌غزو طبرستان

- ‌غزو حذيفة الباب وأمر المصاحف

- ‌مقتل يزدجرد

- ‌ظهور الترك بالثغور

- ‌بدء الانتقاض على عثمان رضي الله عنه

- ‌حصار عثمان ومقتله رضي الله عنه وأتابه ورفع درجته

- ‌بيعة علي رضي الله عنه

- ‌أمر الجمل

- ‌انتقاض محمد بن أبي حذيفة بمصر ومقتله

- ‌ولاية قيس بن سعد على مصر

- ‌مبايعة عمرو بن العاص لمعاوية

- ‌أمر صفين

- ‌ أمر الحكمين

- ‌أمر الخوارج وقتالهم

- ‌ولاية عمرو بن العاص مصر

- ‌دعاء ابن الحضرميّ بالبصرة لمعاوية ومقتله

- ‌ولاية زياد على فارس

- ‌فراق ابن عبّاس لعلي رضي الله عنهم

- ‌مقتل علي

- ‌بيعة الحسن وتسليمه الأمر لمعاوية

الفصل: ‌الخبر عن ملوك القياصرة من الكيتم وهم اللطينيون ومبدإ أمورهم ومصاير أحوالهم

سنة من إجازته إليهم، وبعد أن حاصر رومة وأثخن في نواحيها فلحق بإفريقية ولقيه قوّاد أهل رومة الذين أجازوا إلى إفريقية فهزموه وحاصروه بقرطاجنّة، حتى سأل الصلح على أن يغرم لهم ثلاثة آلاف قنطار من الفضّة فأجابوه إليه.

وسكنت الحرب بينهم ثم ظاهر بعد ذلك أنبيل صاحب إفريقية ملوك السريانيّين على حرب أهل رومة فهلك في حربهم مسموما. وبعد أن تخلص أهل رومة من تلك الحروب رجعوا إلى الأندلس فملكوها، ثم أجازوا البحر إلى قرطاجنّة ففتحوها وقتلوا ملكها يومئذ أنبيل وخرّبوها لتسعمائة سنة من بنائها وسبعمائة لبناء رومة.

ثم دارت الحرب بين أهل رومة وملك النوبة، واستظهر ملك النوبة بالبربر بعد أن هزمه أهل رومة واتبعوه الى قفصة فملكوها واستولوا على ذخيرتها، وهي من بناء أركلش الجبّار ملك الروم، وهزمهم أهل رومة فخافهم ملك البربر من ملوك النوبة إلى أن هلك في أسرهم. وكانت هذه الحروب لعهد بطليموس الإسكندر، بعد أن كان قوّاد رومة اجتمعوا على بناء قرطاجنّة وتجديدها لاثنتين وعشرين سنة من خرابها فعمرت واتصل بها لأهل رومة ملك على ما نذكره بعد إن شاء الله تعالى.

‌الخبر عن ملوك القياصرة من الكيتم وهم اللطينيون ومبدإ أمورهم ومصاير أحوالهم

لم يزل أمر هؤلاء الكيتم وهم اللطينيون راجعا إلى الوزراء منذ سبعمائة سنة، كما قلناه من عهد بناء رومة أو قبلها بقليل كما قال هروشيوش، تقترع الوزراء في كل سنة فيخرج قائد منهم إلى كل ناحية كما توجبه القرعة فيحاربون أمم الطوائف ويفتحون الممالك. وكانوا أوّلا يعطون إخوانهم من الروم اليونانيين طاعة معروفة بعد الفتن والمحاربة، حتى إذا هلك الإسكندر وافترق أمر اليونانيين والروم وفشلت ريحهم وقعت فتنة هؤلاء اللطينيين وهم الكيتم مع أهل افريقية، واستولوا عليها مرارا وخرّبوا قرطاجنّة ثم بنوها كما ذكرناه. وملكوا الأندلس وملكوا الشام وأرض الحجاز وقهروا العرب بالحجاز وافتتحوا بيت المقدس وأسروا ملكها يومئذ من اليهود وهو أرستبلوس ابن الإسكندر ثامن ملوك بني حشمناي وغرّبوه الى رومة وولّوا قائدهم على الشام، ثم

ص: 235

حاربوا ألغماس فكانت حربهم سجالا، إلى أن خرج بولس [1] بن غايش ومعه ابن عمه لو جيار بن مدكة إلى جهة الأندلس، وحارب من كان بها من الإفرنج والجلالقة إلى أن ملك برطانية [2] واشبونة [3] ورجع إلى رومة، واستخلف على الأندلس أكتبيان ابن أخيه يونان. فلما وصل إلى رومة وشعر الوزراء أنه يروم الاستبداد عليهم فقتلوه.

فزحف اكتبيان ابن أخيه من الأندلس فأخذ بثأره وملك رومة واستولى على أرض قسطنطينية وفارس وإفريقية والأندلس، وعمه يولش [4] هو الّذي تسمّى قيصر فصار سمة لملوكهم من بعده. وأصل هذا الاسم جاشر فعرّبته العرب إلى قيصر، ولفظ جاشر مشترك عندهم فيقال جاشر للشعر وزعموا أنّ يولش ولد شعره نام يبلغ عينيه، ويقال أيضا للمشقوق جاشر، وزعموا أنّ قيصر ماتت أمّه وهي مقرب [5] فبقر بطنها واستخرج يولس، والأوّل أصحّ وأقرب إلى الصواب.

وكانت مدّة يولس قيصر خمس سنين، ولما ولّى قيصر أكتبيان [6] ابن أخته انفرد بملك الناحية الشمالية من الأرض، ووفد عليه رسل الملوك بالمشرق يرغبون في ولايته ويضرعون إليه في السلم فاسعفهم، ودانت له أقطار الأرض، وضرب الإتاوة على أهل الآفاق من الصغر. وكان العامل على اليهود بالشام من قبله هيردوس بن أنظفتر، وعلى مصر ابنه غايش. وولد المسيح لاثنتين وأربعين سنة خلت من ملكه. وهلك قيصر أكتبيان لست وخمسين من ملكه بعد سبعمائة وخمسين سنة لبناء رومة وخمسة آلاف ومائتين لمبدإ الخليقة انتهى كلام هروشيوش.

وأما ابن العميد مؤرخ النصارى فذكر عن مبدإ هؤلاء القياصرة أنّ أمر رومة كان راجعا إلى الشيوخ الذين يدبّرون أمرهم، وكانوا ثلاثمائة وعشرين رجلا لأنهم كانوا حلفوا أن لا يولّوا عليهم ملكا، فكان تدبيرهم يرجع إلى هؤلاء وكانوا يقدّمون واحدا منهم ويسمّونه الشيخ، وانتهى تدبيرهم في ذلك الزمان إلى أغانيوس فدبّرهم أربع

[1] وفي نسخة اخرى: يوليوس بن غايش.

[2]

هي بريتانيا مقاطعة فرنسية تقع في الشمال الغربي.

[3]

وهي لشبونة في الأندلس.

[4]

وهو يوليوس قيصر.

[5]

الحامل التي قرب ولادها (قاموس) .

[6]

هو أوكتاف.

ص: 236

سنين، وهو الّذي سمّي قيصر لأن أمّه ماتت وهو جنين في بطنها فبقروا بطنها وأخرجوه، ولما كبر انتهت إليه رياسة هؤلاء الشيوخ برومة أربع سنين، ثم وليّ من بعده يوليوس قيصر ثلاث سنين، ثم وليّ من بعده أوغسطس قيصر بن مرنوخس، قال: ويقال إن أوغسطس قيصر كان أحد قواد الشيخ مدبر رومة، وتوجه بالعساكر لفتح المغرب والأندلس ففتحهما وعاد إلى رومة فملك عليهم، وطرد الشيخ من رياسته بها وتدبيره ووافقته الناس على ذلك. وكان للشيخ نائب بناحية المشرق يقال له فمقيوس، فلما بلغه ذلك زحف بعساكره إلى رومة فخرج إليه أوغسطس فهزمه وقتله واستولى على ناحية المشرق. وسير عساكره إلى فتح مصر مع قائدين من قوّاده هما أنطونيوس ومترداب ملك الأرمن بدمشق، فتوجها إلى مصر وبها يومئذ كلابطره الملكة من بقية البطالسة ملوك يونان بالإسكندرية ومصر، فحصّنت بلادها وبنت بدعوتي النيل حائطين مبدؤهما من النوبة إلى الإسكندرية غربا وإلى الفرما شرقا وهو حائط العجوز لهذا العهد. ثم داخلت القائد أنطونيوس وخادعته بالتزويج فتزوّجها وقتل رفيقه مترداب وعصي على أوغسطس، فزحف إليه وقتله وملك مصر وقتل كلابطره وولديها وكان يسميان الشمس والقمر، وملك مصر والإسكندرية وذلك لاثنتي عشرة سنة من ملكه.

قال ولاثنتين وأربعين سنة من ملك أوغسطس ولد المسيح بعد مولد يحيى بثلاثة أشهر. وذلك لتمام خمسة آلاف وخمسمائة سنة من سنيّ العالم ولاثنتين وثلاثين من ملك هيردوس بالقدس، وقيل لخمس وثلاثين من مملكته، والكلّ متفقون على أنها لاثنتين وأربعين من ملك أوغسطس. قال: وسياقة التاريخ تقتضي أنها خمسة آلاف وخمسمائة شمسية من مبدإ العالم لأن من آدم إلى نوح ألفا وستمائة، ومن نوح إلى الطوفان ستمائة، ومن الطوفان إلى إبراهيم ألفا واثنتين وسبعين سنة، ومن إبراهيم إلى موسى أربعمائة وخمسا وعشرين، ومن موسى إلى داود عليهما السلام سبعمائة وستين، ومن داود إلى الإسكندر سبعمائة وستين سنة، ومن الإسكندر إلى مولد المسيح ثلاثمائة وتسع عشرة سنة. هكذا ذكر ابن العميد وأنها تواريخ النصارى وفيها نظر، ويظهر من كلامه أن قيصر الّذي سمّاه أوغسطس، وذكر أنّ المسيح ولد لاثنتين وأربعين من ملكه هو الّذي سمّاه هيردوس قيصر أكتبيان وجعل مهلكه لخمسة آلاف ومائتين من مبدإ الخليقة. وعند ابن العميد أن ملكه لخمسة آلاف وخمسمائة وخمس عشرة

ص: 237

والله أعلم بالحق من ذلك.

ثم ولي من بعد طباريش [1] قيصر وكان وادعا واستولى على النواحي، وعلى عهده كان شأن المسيح وبغى اليهود عليه ورفعه الله من الأرض، وأقام الحواريّون من بعده واليهود يضطهدونهم ويحبسونهم على إظهار أمرهم، وكان بلاطس النبطي الّذي كان قائدا على اليهود يسعى إلى طباريش بأخبار المسيح وبغى اليهود عليه وعلى يوحنا المعمدان، وتبعتهم الحواريّون من بعده بالأذيّة، وأراه [2] انهم على حق فأمر بتخلية سبيلهم، وهمّ بالأخذ بدينهم فمنعه من ذلك قومه. ثم قبض على هيردوس وأحضره إلى رومة ثم نفاه الى الأندلس فمات بها، ثم ولي مكانته أغرباس ابن أخيه، وافترق الحواريون في الآفاق لإقامة الدين وحمل الأمم على عبادة الله. ثم قتل طباريش قيصر أغرباس ملك اليهود الى أشرّ من حالهم وقتلوا أتباع الحواريين من الروم.

ومات طباريش لثلاث وعشرين من ملكه بعد أن جدّد مدينة طبرية، فيما قال ابن العميد، واشتقّ اسمها من اسمه وملك من بعده غاينس قيصر. وقال هيروشيوش: هو أخو طباريش وسمّاه غاينس فليفة من أكتبيان، وقال: هو رابع القياصرة وأشدّهم وأراد اليهود على نصب وثنه ببيت المقدس فمنعوه. وقال ابن العميد: ووقعت في أيامه شدّة على النصارى وقتل يعقوب أخاه يوحنّا من الحواريين وحبس بطرس رئيسهم ثم هرب إلى انطاكية فأقام بها، وقدم هراديوس بطركا عليها وهو أوّل البطاركة فيها. ثم توجه إلى رومة لسنتين من ملك غانيس فدبّرها خمسا وعشرين سنة ونصب فيها الأساقفة، وتنصّرت امرأة من بيت الملك فعضدت النصارى، ولقي النصارى الذين بالقدس شدائد من اليهود وكان الأسقف عليهم يومئذ يعقوب بن يوسف الخطيب.

وقال ابن العميد عن المسبحي: إن فيلقس [3] ملك مصر غزا اليهود لأوّل سنة من ملك غانيس واستعبدهم سبع سنين، قال وفي الرابعة من ملكه أمر عامله على اليهود بسورية وهي أورشاليم. وهي بيت المقدس- أن ينصب الأصنام في محاريب اليهود، ووثب عليه بعض قوّاده فقتله.

وملك من بعده قلوديش قيصر، قال هروشيوش: هو ابن طباريش وعلى عهده

[1] هو طيباريوس.

[2]

الضمير يعود إلى الله.

[3]

وفي نسخة ثانية: فيليبس.

ص: 238

كتب متّى الحواريّ إنجيله في بيت المقدس بالعبرانية، قال ابن العميد، ونقله يوحنّا ابن زبدي إلى الروميّة، قال: وفي أيامه كتب بطرس رأس الحواريّين إنجيله بالرومية ونسبه إلى مرقص تلميذه، وكتب لوقا من الحواريين إنجيله بالرومية وبعث به إلى بعض الأكابر من الروم وكان لوقا طبيبا. ثم عظم الفساد بين اليهود ولحق ملكهم أغرباس برومة فبعث معه أقلوديش عساكر الروم فقتلوا من اليهود خلقا، وحملوا إلى أنطاكية ورومة منهم سبيا عظيما وخربت القدس وانجلى أهلها فلم يولّ عليهم القياصرة أحدا لخرابها، وافترقت اليهود على فرق كثيرة أعظمها سبعة. قال ولسبع من ملك أقلوديش دخلت بطريقة من الروم في دين النصارى على يد شمعون الصفا، وسمعت منه بالصليب، فجاءت إلى القدس لإظهاره، ورجعت إلى رومة.

وهلك أقلوديش قيصر لأربع عشرة سنة من ملكه وملك من بعده ابنه نيرون. قال هروشيوش: هو سادس القياصرة، وكان غشوما فاسقا، وبلغه أن كثيرا من أهل رومة أخذوا بدين المسيح فنكر ذلك وقتلهم حيث وجدوا، وقتل بطرس رأس الحواريين، وأقام أريوس بطركا برومة مكان بطرس من بعد خمس وعشرين سنة مضت لبطرس في كرسيها وهو رأس الحواريين ورسول المسيح إلى رومة، وقتل مرقص الإنجيليّ بالإسكندرية لاثنتي عشرة من ملكه وكان هنالك منذ سبع سنين بها مساعدا إلى النصرانية بالإسكندرية ومصر وبرقة والمغرب، وولي مكانه حنانيّا [1] ويسمى بالقبطيّة جنبار وهو أول البطارقة بها واتخذ معه الأقسّة الاثني عشر.

قال ابن العميد عن المسبحي: وفي الثانية من ملك نيرون عزل بلخس القاضي، كان على اليهود من جهة الروم، وولّى مكانه قسطس القاضي، وقتل بوثار رئيس الكهنونيّة بالمقدس، ومات القاضي قسطس فثار اليهود على من كان بالمقدس من النصارى وقتلوا أسقفهم هنالك وهو يعقوب بن يوسف النجّار، وهدموا البيعة وأخذوا الصليب والخشبتين ودفنوها إلى أن استخرجتها هلانة أم قسطنطين كما نذكر بعد.

وولي مكان يعقوب النجّار ابن عمه شمعون بن كنابا، ثم ثار بهم اليهود وأخرجوهم من المقدس لعشر من ملك نيرون فأجازوا الأردن وأقاموا هنالك. وبعث نيرون قائده أسباشيانس، وأمر بقتل اليهود وخراب القدس وتحصّن اليهود منه وبنوا عليهم ثلاثة حصون، وحاصرهم أسباشيانس وخرّب جميع حصونهم وأحرقها وأقام عليهم سنة

[1] وفي الإنجيل: حننيا.

ص: 239

كاملة. وقال هروشيوش: إنّ نيرون قيصر انتقض عليه أهل مملكته فخرج عن طاعته أهل برطانية من أرض الجوف، ورجع أهل أرمينية والشام الى طاعة الفرس. فبعث صهره على أخته وهو يشبشيان بن لوجيه فسار إليهم في العساكر وغلبهم على أمرهم.

ثم زحف الى اليهود بالشام وكانوا قد انتقضوا فحاصرهم بالقدس، وبينما هو في حصاره إذ بلغه موت نيرون لأربع عشرة سنة من ملكه، ثار به جماعة من قوّاده فقتلوه، وكان قد بعث قائدا الى جهة الجوف والأندلس، فافتتح برطانية ورجع إلى رومة بعد مهلك نيرون قيصر فملكه الروم عليهم، وأنه قتل أخاه يشبشيان فأشار عليه أصحابه بالانصراف إلى رومة. وبشّره رئيس اليهود وكان أسيرا عنده بالملك، ويظهر أنه يوسف بن كريّون الّذي مرّ ذكره، فانطلق إلى رومة وخلّف ابنه طيطش على حصار القدس فافتتحها وخرّب مسجدها وعمرانها كما مرّ ذكره. قال: وقتل منهم نحوا من ستمائة ألف ألف [1] مرتين وهلك في حصارها جوعا نحو هذا العدد، وبيع من سراريهم في الآفاق نحو من تسعين ألفا، وحمل منهم إلى رومة نحوا من مائة ألف استبقاهم لفتيان الروم يتعلمون المقاتلة فيهم ضربا بالسيوف وطعنا بالرماح. وهي الجلوة الكبرى كانت لليهود بعد ألف ومائة وستين سنة من بناء بيت المقدس ولخمسة آلاف ومائتين وثلاثين من مبدإ الخليقة ولثمانمائة وعشرين من بناء رومة. فكان معه إلى أن افتتحها وكان المستبد بها بعد مهلك نيرون قيصر، وانقطع ملك آل يولس قيصر لمائة وست عشرة سنة من مبدإ دولتهم، واستقام ملك يشبشيان في جميع ممالك الروم وتسمّى قيصر كما كان من قبل أهـ. كلام هروشيوش.

وقال ابن العميد: إن أسباشيانس لما بلغه وهو محاصر للقدس أنّ نيرون هلك، ذهب بالعساكر الذين معه، وبشّره يوسف بن كريّون كهنون طبرية من اليهود بأنّ مصير ملك القياصرة إليه، ثم بلغه أنّ الروم بعد مهلك نيرون ملّكوا غليان بن قيصر فأقام عليهم تسعة أشهر، وكان رديء السيرة، وقتله بعض خدمه غيلة، وقدّموا عوضه أنّون ثلاثة أشهر ثم خلعوه، وملّكوا أبطالس ثمانية أشهر، فبعث أسباشيانس وهو

[1] انتقد ابن خلدون في مقدمته لهذا التاريخ اخبار المؤرخين الهواهية البعيدة عن المعقول، وهذا العدد الّذي ذكره ابن خلدون بعيد جدا عن المعقول، لأن الستمائة ألف ألف مكررة يعني انها تساوي 1200 مليون وهذا رقم خيالي وربما تكون كلمة الألف الثانية مكررة من الناسخ فيكون العدد ستمائة ألف مكررة اي حوالي مليون ومائتي ألف. وهو رقم معقول.

ص: 240

الّذي سمّاه هروشيوش يشبشيان قائدين إلى رومة فحاربوا أبطانش وقتلوه. وسار أسباشيانس إلى رومة وبعت إليه طيطش المحاصر للقدس بالأموال والغنائم والسبي، قال وكانت عدّة القتلى ألف ألف والسبي تسعمائة ألف، واحتمل الخوارج الذين كانوا في نواحي القدس مع الأسرى، وكان يلقي منهم كل يوم للسباع فرائس إلى أن فنوا. قال: ولما ملك طيطش بيت المقدس رجع النصارى الذين كانوا عبروا إلى الأردن فبنوا كنيسة بالمقدس وسكنوا، وكان الأسقف فيهم سمعان بن كلوبا ابن عمّ يوسف النجّار وهو الثاني من أساقفة المقدس.

ثم هلك أسباشيانس وهو يشبشيان لتسع سنين من ملكه وملك بعده ابنه طيطش قيصر سنتين وقيل ثلاثا. قال ابن العميد: لأربعمائة من ملك الإسكندر. وقال هروشيوش: كان متفنّنا في العلوم ملتزما للخير عارفا باللسان الغريقيّ واللطيني، وولي بعده أخوه دومريان خمس عشرة سنة، قال هروشيوش: وهو ابن أخت نيرون قيصر، قال: وكان غشوما كافرا وأمر بقتل النصارى فعل خاله نيرون، وحبس يوحنا الحواري، وأمر بقتل اليهود من نسل داود حذرا أن يملكوا، وهلك في حروب الإفرنج وسمّاه ابن العميد دانسطيانوس، وقال: ملك ست عشرة سنة وقيل تسعا، وكان شديدا على اليهود وقتل أبناء ملوكهم، وقيل له إنّ النصارى يزعمون أنّ المسيح يأتي ويملك فأمر بقتلهم، وبعث [1] عن أولاد يهوذا بن يوسف من الحواريّين وحملهم إلى رومة مقيّدين، وسألهم عن شأن المسيح، فقالوا إنّما يأتي عند انقضاء العالم فخلّى سبيلهم. وفي الثالثة من دولته طرد بطرك إسكندرية لسبع وثمانين سنة للمسيح، وقدم مكانه ملموا فأقام ثلاث عشرة سنة ومات فولى مكانه كرماهو.

قال ابن العميد عن المسبحي: ولعهده كان أمر ليونيوس صاحب الطّلسمات برومة، فنفى ذوسطيالوس جميع الفلاسفة والمنجّمين من رومة وأمر أن لا يغرس بها كرم، ثم هلك ذو سطيالوس، وهو الّذي سمّاه هروشيوش دومريان، وقال: هلك في حروب الإفرنج، وملك بعده برما ابن أخيه طيطش نحوا من سنتين وسمّاه ابن العميد تاوداس، وقال: إنّ المسبحيّ سمّاه قارون، قال: ويسمّى أيضا برسطوس، وقال ملك على الروم سنة أو سنة ونصفا وأحسن السيرة وأمر بردّ من كان منفيّا من النصارى وخلاهم ودينهم ورجع يوحنّا الإنجيلي إلى أفسس بعد ست سنين. وقال هروشيوش:

[1] مقتضى السياق: وبحث.

ص: 241

أطلقه من السجن. قال: ولم يكن له ولد فعهد بالملك إلى طريانس من عظماء قوّاده وكان من أهل مالقة فولي بعده وتسمّى قيصر. قال ابن العميد: واسمه أنديانوس، وسمّاه المسبحي طرينوس وملك على الروم باتفاق المؤرخين سبع عشرة سنة، وقتل سمعان بن كلاويّا أسقف بيت المقدس وأغناطيوس بطرك أنطاكية. ولقي النصارى في أيامه شدّة وتتبع أئمتهم بالقتل واستعبد عامّتهم، وهو ثالث القياصرة بعد نيرون في هذه الدولة. ولعهده كتب يوحنّا إنجيله برومة في بعض الجزائر السادسة من ملكه وكان قد رجع اليهود الى بيت المقدس فكثروا بها وعزموا على الانتقاض، فبعث عساكره وقتل منهم خلقا كثيرا. وقال هروشيوش: إنّ الحرب طالت بينه وبين اليهود، فخرّبوا كثيرا من المدن إلى عسقلان ثم إلى مصر والإسكندرية فانهزموا هنالك وقتلوا وزحفوا بعدها إلى الكوفة، فأثخن فيهم بالقتل وخضد من شوكتهم.

قال ابن العميد: وفي تاسعة من ملكه مات كوثبانو بطرك الإسكندرية لإحدى عشرة سنة من ولايته، وولي مكانه أمرغو اثنتي عشرة سنة أخرى [1] . وقال بطليموس صاحب كتاب المجسطي: إنّ شيلوش الحكيم رصد برومة في السنة الأولى من ملك طرنيوس وهو أندريانوس [2] لأربعمائة وإحدى وعشرين للإسكندر ولثمانمائة وخمس وأربعين لبخت نصّر. وقال ابن العميد: خرج عليه خارجيّ ببابل فهلك في حروبه لتسع عشرة سنة من ولايته كما قلناه، فولي من بعد أندريانوس إحدى وعشرين سنة، وقال ابن العميد عن ابن بطريق عشرين سنة. وقال هروشيوش: إنّه أثخن في اليهود، ثم بنى مدينة المقدس وسمّاها إيلياء. وقال ابن العميد: كان شديدا على النصارى وقتل منهم خلقا، وأخذ الناس بعبادة الأوثان، وفي ثامنة ملكه خرّب بيت المقدس وقتل عامّة أهلها وبنى على باب المدينة عمودا وعليه لوح نقش فيه مدينة إيلياء. ثم زحف إلى الخارجيّ الّذي خرج على طرنيوس قبله فهزمه إلى مصر وألزم أهل مصر حفر خليج من مجرى النيل إلى مجرى القلزم وأجرى فيه الحلو [3] ، ثم ارتد بعد ذلك، وجاء الفتح والدولة الإسلامية فألزمهم عمرو بن العاص حفره حتى جرى فيه الماء ثم انسد لهذا العهد.

[1] وفي نسخة اخرى: عشر سنوات اخرى.

[2]

هو أدريانوس.

[3]

ربما يكون قد سقط من الناسخ كلمة الماء فتصبح الجملة: «واجرى فيه الماء الحلو» .

ص: 242

وكان أندريانوس هذا قد بنى مدينة القدس ورجع إليها اليهود وبلغه أنهم يرومون الانتقاض، وأنهم ملكوا عليهم زكريّا من أبناء الملوك، فبعث إليهم العساكر وتتبعهم بالقتل وخرّب المدينة حتى عادت صحراء، وأمر أن لا يسكنها يهودي، وأسكن اليونان بيت المقدس، وكان هذا الخراب لثلاث وخمسين سنة من خراب طيطش الّذي هو الجلوة الكبرى. وامتلأ القدس من اليونان وكانت النصارى يتردّدون إلى موضع القبر والصليب يصلّون فيه، وكانت اليهود يرمون عليه الزبل والكناسات، فمنعهم اليونان من الصلاة فيه وبنوا هنالك هيكلا على اسم الزهرة.

وقال ابن العميد عن المسبحي: وفي الرابعة من ملك أندريانوس بطل الملك من الرّها وتداولتها القضاة من قبل الروم، وبنى أندريانوس بمدينة أثينوس [1] بيتا ورتب فيه جماعة من الحكماء لمدارسة العلوم، قال: وفي خامسة ملكه قدم نسطس بطركا على إسكندرية وكان حكيما فاضلا فلبث إحدى عشرة سنة ثم مات، وقدم مكانه أمانيق في سادسة عشر من ملك أندريانوس فلبث إحدى عشرة سنة وهو سابع البطارقة. ثم مات أندريانوس لإحدى وعشرين من ملكه كما مرّ، وولي ابنه أنطونيش. قال هروشيوش: ويسمّى قيصر الرحيم. وقال ابن العميد: ملك اثنتين وعشرين. وقال الصعيديّون إحدى وعشرين. قال: وفي خامسة ملكه قدم مرتيانو بطركا بإسكندرية وهو الثامن منهم، فلبث تسع سنين ومات، وكان فاضل السيرة.

وقدم بعده كلوتيانو فلبث أربع عشرة سنة، ومات في سابعة ملكه أوراليانوس بعده وكان محبوبا. وقال بطليموس صاحب المجسطي: إنه رصد الاعتدال الخريفيّ في ثالثة ملك أنطونيوس، فكان لأربعمائة وثلاث وستين بعد الإسكندر.

ثم هلك أنطونيوس لاثنتين وعشرين كما مرّ، فملك من بعده أوراليانس. قال هروشيوش: وهو أخو أنطونيوس وسمّاه أورالش وأنطونيوس الأصغر، وقال: كانت له حروب مع أهل فارس وبعد أن غلبوا على أرمينية وسورية من ممالكه فدفعهم عنهما وغلبهم في حروب طويلة، وأصاب الأرض على عهده وباء عظيم، وقحط الناس سنتين، واستسقى لهم النصارى فأمطروا وارتفع الوباء والقحط بعد أن كان اشتدّ على النصارى وقتل منهم خلقا، وهي الشدّة الرابعة من بعدت نيرون.

قال ابن العميد: وفي السابعة من ملكه قدم على الإسكندرية البطرك أغريبوس،

[1] هي مدينة أثنيا.

ص: 243

فلبث اثني عشر سنة ومات في تاسعة عشر من ملك أنطونيوس الأصغر، قال وفي أيامه ظهرت مبتدعة من النصارى واختلفت أقوالهم وكان منهم ابن ديصان وغيره، فجاهدهم أهل الحق من الأساقفة وأبطلوا بدعتهم.

وهلك أنطونيوس هذا لتسع عشرة من ملكه. وفي عاشرة ملكه ظهر أردشير بن بابك أوّل ملوك الساسانيّة واستولى على ملك الفرس، وكان صاحب الحضر متملّكا على السواد فغلبه وملك السواد وقتله وقصّته معروفة. وكان لعهده جالينوس المشهور بالطبّ وكان ربي معه، فلما بلغه أنه ملك على الروم قدم عليه من بلاد اليونان وأقام عنده، وكان لعهده أيضا ديمقراطس الحكيم، ولأوّل سنة من ملكه قدم بليانس بطركا على إسكندرية وهو الحادي عشر من بطاركتها فلبث فيهم عشر سنين ومات.

وولي مكانه ديمتريوس فلبث فيهم ثلاثا وثلاثين سنة ومات كمودة قيصر لثلاثة عشر كما قلناه. فولي من بعده ورمتيلوس ثلاثة أشهر. قال ابن العميد: وسمّاه ابن بطريق فرطنوش. وقال: وملك ثلاثة أشهر وسمّاه غيره فرطيخوس. وسمّاه الصعيديّون برطانوس ومدّة ملكه باتفاقهم شهران. وقال هروشيوش: اسمه اللبيس بن طيجليس وهو عمّ كمودة قيصر، قال وولي سنة واحدة وقتله بعض قوّاده وأقام في الملك ستة أشهر وقتل.

قال ابن العميد: وملك بعده يوليانس قيصر شهرين ومات، ثم ولي سوريانوس قيصر وسمّاه بعضهم سورس [1] وسمّاه هروشيوش طباريش بن أرنت بن أنطونيش، واختلفوا في مدّته، فقال ابن العميد عن ابن بطريق: سبع عشرة سنة، وقال المسبحي: ثمان عشرة، وعن أبي فانيوس ستة عشرة، وعن ابن الراهب ثلاث عشرة، وعن الصعيديين سنتين. قال وملك في رابعة من ملك أردشير واشتدّ على النصارى وفتك فيهم وسار إلى مصر والإسكندرية فقتلهم وهدم كنائسهم وشرّدهم كل مشرّد، وبنى بالإسكندرية هيكلا سمّاه هيكل الآله. قال هروشيوش: وهي الشدّة الخامسة من بعد شدّة نيرون. قال: ثم انتقض عليه اللطينيون ولم يزل محصورا إلى أن هلك. وملك من بعده أقطونيش. قال ابن العميد عن ابن بطريق: ست سنين، وعن المسبحيّ: سبع سنين. وسماه أنطونيش قسطس. قال: وكان ابتداء ملكه عندهم لخمس وعشرين وخمسمائة من ملك

[1] وفي نسخة اخرى: سويرس.

ص: 244

الإسكندر، ولعهده سار أردشير ملك الفرس إلى نصّيبين فحاصرها وبنى عليها حصنا، ثم بلغه أنّ خارجا خرج عليه بخراسان، فاجفل عنهم بعد المصالحة على أن لا يتعرّضوا لحصنه، فلما رحل بنوا من وراء الحصن وأدخلوه في مدينتهم، ورجع أردشير فنازلهم وامتنعوا عليه، فأشار بعض الحكماء بأن يجمع أهل العلم فيدعون الله دعوة رجل واحد، ففعلوا فملك الحصن لوقته. وقال هروشيوش: لمّا ولي أنطونيش ضعف عن مقاومة الفرس فغلبوا على أكثر مدن الشام ونواحي أرمينية وهلك في حروبهم وولي بعده مفريق بن مركة وقتله قوّاد رومة لسنة من ملكه وكذا قال ابن العميد، وسمّاه ابن بطريق بقرونشوش، والمسبحي هرقليانوس. قالوا جميعا:

وملك من بعده أنطونيش. قال ابن العميد عن ابن بطريق وابن الراهب: ثلاث سنين، وعن المسبحيّ والصعيديين: أربع سنين، قال: وفي أوّل سنة من ملكه بنيت مدينة عمّان بأرض فلسطين، وملك سابور بن أردشير مدنا كثيرة من الشام.

ومات أنطونيش فملك من بعده إسكندروس لثلاث وعشرين من ملك سابور بن أردشير فملك على الروم ثلاث عشرة سنة وكانت أمّه محبة في النصارى. وقال هروشيوش: ملك عشرين سنة وكانت أمّه نصرانية وكانت النصارى معه في سعة من أمرهم. قال ابن العميد: وفي سابعة ملكه قدم [1] تاوكلّا بطركا بالإسكندرية وهو الثالث عشر من البطاركة فلبث فيهم ست عشر سنة ومات. قال هروشيوش: ولعشر من ملكه غزا فارس فقتل سابور بن أردشير وانصرف ظافرا فثار عليه أهل رومة وقتلوه.

وملك من بعده مخشميان بن لوجية ثلاث سنين، ولم يكن من بيت الملك وإنّما ولوه لأجل حرب الإفرنج واشتدّ على النصارى الشّدّة السادسة من بعد نيرون. وأمّا ابن العميد فسماه فقيموس ووافق على الثلاث سنين في مدّته وعلى ما لقي النصارى منه، وأنّه قتل منه سرحبوس في سلمية وواجوس في بالس على الفرات، وقتل بطرك انطاكية فسمع أسقف بيت المقدس بقتله فهرب وترك الكرسي. قال: وفي ثالثة ملكه ملك سابور بن أردشير خلاف ما زعم هروشيوش من أنه قتله.

ثم هلك فقيموس أرمشميان وولي من بعده يونيوس ثلاثة أشهر وقتل فيما قال ابن العميد، وقال: سمّاه أبو فانيوس لوكس قيصر وابن بطريق بلينايوس ولم يذكره

[1] بمعنى مضى على وجوده زمن طويل.

ص: 245

هروشيوش. ثم ملّك عرديانوس قيصر، قال ابن العميد عن ابن بطريق وابن الراهب: أربع سنين، وعن المسبحيّ والصعيديّين: ست سنين، وسمّاه أبو فانيوس فودينوس والصعيديّون قرطانوس. قال: وكان ملكه لإحدى وخمسين وخمسمائة من ملك الإسكندر. وقال هروشيوش: غرديار بن بليسان. قال: وملك سبع سنين وطالت حروبه مع الفرس وكان ظافرا عليهم وقتله أصحابه على نهر الفرات، قال وولي بعده فلفش [1] بن أولياق بن أنطونيش سبع سنين وهو ابن عم الإسكندر الملك قبله وأوّل من تنصّر من ملوك الروم. وقال ابن العميد عن الصعيديّين: ملك ست سنين وقيل تسع سنين، وكان ملكه لخمس وخمسين وخمسمائة من ملك الإسكندر وآمن بالمسيح. وفي أول سنة من ملكه قدم دنوشيوش بطركا بالإسكندرية وهو رابع عشر البطاركة بها فلبث تسع عشرة سنة، ولعهد فيلفش هذا قدم غرديانوس أسقفا على بيت المقدس بعد هروب مركيوس ثم عاد من هروبه فأقام شريكا معه سنة واحدة، ومات غرديانوس فانفرد مركيوش أسقفا ببيت المقدس عشر سنين، قال:

وقتل فيلفش قيصر قائد من قواده يقال له دافيس وملك مكانه خمس سنين. وقال عن المسبحيّ وابن الراهب سنة، وعن ابن بطريق سنتين. قال: وكان يعبد الأصنام ولقي النصارى منه شدّة، وكان من أولاد الملوك، وقتل بطرك رومة وأجاز من مدينة قرطاجنّة إلى مدينة أفسس وبنى بها هيكلا وحمل النصارى على السجود له، قال: وفي أيامه كانت قصّة فتية أهل الكهف وظهروا بعده في أيام تاودوسيوس.

وأمّا هروشيوش فسماه داجية بن مخشميان، وقال: ملك سنة واحدة، وكانت على النصارى في أيامه الشدّة السابعة، وقتل بطرك رومة منهم.

ووليّ من بعده غالش قيصر سنتين واستباح في قتل النصارى وباء عظيم أقفلت له المدن. وقال هروشيوش: هو غالش بن يولياش، وقال ابن بطريق: إنّ يولياش كان شريكا له في ملكه ومات قبله. قال ابن العميد: إحدى عشرة سنة لسبعين وخمسمائة من ملك الإسكندر. وقال هروشيوش وابن بطريق: ملك خمس عشرة سنة واسمه غاليوش، وقال المسبحيّ: خمس عشرة سنة، وسماه داقيوس وغاليوش ابنه. وقال آخرون: اسمه أورليوش وملك خمس سنين. وقال أبو فانيوس: اسمه غليوس وملك أربع عشرة سنة. وقال الصعيديّون ملك كذلك واسمه أوراليونوس.

[1] وفي نسخة اخرى: فيلبّس.

ص: 246

قال ابن العميد: وكان يعبد الأصنام ولقي النصارى منه شدّة في أوّل سنة من ملكه قدم مكتميوش [2] بطركا بالإسكندرية وهو الخامس عشر من بطاركتها فلبث اثنتي عشرة سنة ومات، وفي خامسة ملكه قدم إسكندروس أسقفا ببيت المقدس ثم قتله بعد سبع سنين وبعث ابنه في عساكر الروم لغزو الفرس، فانهزم وحمل أسيرا إلى كسرى بهرام فقتله. وقال هرشيوش: ولي غلينوس خمسة عشر سنة فاشتدّ على النصارى الأمر وقتلهم وقتل معهم بطرك بيت المقدس، وكانت له حروب مع الفرس أسره في بعضها ملكهم سابور ثم من عليه وأطلقه، ووقع في أيامه برومة وباء عظيم فرفع طلبه عن النصارى بسببه، وفي أيامه خرج القوط من بلادهم وتغلبوا على بلاد الغريقيين ومقدونية وبلاد النبط، وكان هؤلاء القوط يعرفون بالسنسبين وكانت مواطنهم في ناحية بلاد السريانيين، فخرجوا لعهد غلنوش هذا وغلبوا كما قلناه على بلاد الغريقيين ومقدونية وعلى مرية.

وهلك غلينوش قتيلا على يد قواد رومة، ثم ملك أقاويدوش قيصر سنة واحدة، وقال ابن العميد عن المسبحيّ سنة وتسعة أشهر لثمانين وخمسمائة للإسكندر. وفي أوّل سنة من ملكه قدم يونس السميصانيّ بطركا بأنطاكيّة فلبث ثمان سنين وكان يقول بالوحدانيّة ويجحد الكلمة بالروح، ولما مات اجتمع الأساقفة بأنطاكيّة وردوا مقالته. وقال هروشيوش: ولي بعد غلينوش فلوديش بن يلاريان بن موكله فنسبه هكذا، وقال فيه من عظماء القواد. ولم يكن من بيت الملك ودفع القوط المتغلّبين عن مقدونية من منذ خمس عشرة سنة عليها، ومات لسنتين من ملكه وهذا كما قال المسبحي.

وقال هروشيوش: ولي بعده أخوه نطيل سبع عشرة يوما وقتله بعض القواد، ولم يذكر ذلك ابن العميد. ثم ملك بعده أوريليانس ست سنين وسمّاه ابن بطريق أوراليوس والمسبحيّ أرينوس وأبو فانيوس أوليوس وهروشيوش أوليان بن بلنسيان.

وقال: ملك خمس سنين، قال ابن العميد: وفي الرابعة من ملكه قدم تاونا بطركا بالإسكندرية سادس عشر البطاركة فلبث عشر سنين. وكان النصارى يقيمون الدين خفية، فلمّا صار بطركا قابل الروم ولاطفهم بالهدايا فأذنوا له في بناء كنيسة مريم وأعلنوا فيها بالصلاة، قال: وفي سادسة ملكه ولد قسطنطين. وقال هروشيوش: إنّ

[2] وفي نسخة اخرى: مكسيموس.

ص: 247

أورليان بن بلنسيان هذا حارب القوط فظفر بهم وجدّد بناء رومة واشتدّ على النصارى تاسعة بعد نيرون ثم قتل. فولي بعده طانيش بن إلياس وملك قريبا من السنة. وقال ابن العميد: اسمه طافسوس وملك ستة أشهر. وقال ابن بطريق: اسمه طافساس وملك تسعة أشهر.

ثم ملك فروفش قيصر خمس سنين، وقال أبو فانيوس: اسمه فروش، وقال ابن بطريق وابن الراهب والصعيديّون ست سنين، وقال المسبحيّ سبع سنين وسمّاه ألاكيوس وأرفيون، وسمّاه ابن بطريق بروش، وسماه هروشيوش فاروش بن أنطويش. قال: وتغلب على كثير من بلاد الفرس، وقال ابن العميد: كان ملكه لسابعة من ملك سابور ذي الأكتاف ولخمسمائة واثنتين وتسعين من ملك الإسكندر، وكان شديدا على النصارى وقتل منهم خلقا كثيرا وهلك هو وأبناه في الحرب.

وقال هروشيوش: ولما هلك فاروش ولي من بعده ابنه مناربان وقتل لحينه، ولم يذكره ابن العميد. ثم ملك بقلاديانوش إحدى وعشرين سنة، وقال المسبحيّ:

عشرين سنة، وقال غيره: ثماني عشرة سنة، وملك لخمسمائة وخمس وتسعين للإسكندر، وقال غيرهم: كان اسمه عربيطا وارتقى في أطوار الخدمة عند القياصرة إلى أن استخلصه فاريوش وجعله على خيله وكان حسن المزمار. ويقال أنّ الخيل كانت ترقص طربا لمزاميره، وعشقته بنت فاريوش الملك، ولما مات أبوها وإخوتها ملّكها الروم عليهم فتزوجته وسلمت له في الملك، فاستولى على جميع ممالك الروم وما والاها، وقسطنطش ابن عمه على بلاد أشيّا وبيزنطية، وأقام هو بأنطاكيّة وله الشام ومصر الى أقصى المغرب. وفي تاسعة عشر من ملكه انتقض أهل مصر والاسكندرية فقتل منهم خلقا ورجع إلى عبادة الأصنام وأمر بغلق الكنائس، ولقي النصارى منه شدّة وقتل القسيس مار جرس [1] وكان من أكابر أبناء البطارقة، وقتل ملقوس منهم أيضا. وفي عاشرة ملكه قدم مار بطرس بطركا بالإسكندرية فلبث عشر سنين وقتله، وجعل مكانه تلميذه إسكندروس، وكان كبير تلامذته اريوش كثيرا لمخالفة [2] له فسخطه وطرده، ولما مات مار بطرس رجع أريوش عن المخالفة فأدخله إسكندروس إلى الكنيسة وصيّره قسّا.

[1] هو القديس مار جرجس.

[2]

ومقتضى السياق «وكان كبير تلامذته أريوش يوشي به كثيرا لمخالفته له» .

ص: 248

قال ابن العميد: وفي أيام دقلاديانوس خرج قسطنطش ابن عمّه ونائبة على بيزنطيا وأشيّا ورأى هلانة، وكانت تنصّرت على يد أسقف الرّها، فأعجبته وتزوّجها وولدت له قسطنطين، وحضر المنجّمون لولادته فأخبروا بملكه، فأجمع ديقلاديانوس على قتله فهرب إلى الرّها. ثم جاء بعد موت ديقلاديانوس فوجد أباه قسطنطش قد ملك على الروم فتسلّم الملك من يده على ما نذكر، وهلك ديقلاديانوس لعشرين سنة من ملكه ولستمائة وستة عشرة سنة من ملك الإسكندر وملك من بعده ابنه مقسيمانوس [1] قال ابن بطريق: سبع سنين، وقال المسبحيّ وابن الراهب: سنة واحدة.

قالوا وكان شريكه في الملك مقطوس، وكان أشدّ كفرا من ديقلاديانوس، ولقي النصارى منهما شدّة وقتلا منهم خلقا كثيرا، وفي أول سنة من ملكه قدم الإسكندروس تلميذ مار بطرس الشهير بطركا بالإسكندرية، فلبث فيهم ثلاثا وعشرين سنة.

وعلى عهد مقسيمانوس تذكر تلك الخرافة بين المؤرخين من أن سابور ملك الفرس دخل أرض الروم متنكرا، وحضر مكان مقسيمانوس وسجنه في جلد بقرة وسار إلى مملكة فارس وسابور في ذلك الجلد وهرب منه، ولحق بفارس وهزم الروم، في حكاية مستحيلة وكلها أحاديث خرافة. والصحيح منه أنّ سابور سار إلى مملكة الروم فخرج إليه مقسيمانوس واستولى على ملكه كما نذكر بعد. وأمّا هروشيوش فلما ذكر مناربان قيصر بن قاريوس وأنّه ملك بعد أبيه وقتل لحينه، ثم قال وقام بملكهم ديوقاريان وثأر من قاتله، خرج عليه أقرير بن قاريوس فقتله ديوقاريان بعد حروب طويلة، ثم انتقض عليه أهل ممالكه وثار الثوار ببلاد الإفرنجة والأندلس وإفريقية ومصر، وسار إليه سابور ذو الأكتاف فدفع ديوقاريان إلى هذه الحروب كلها مخشميان هركوريش وصيّره قيصر، فبدأ أوّلا ببلاد الإفرنجة فغلب الثوار بها وأصلحها وكان الثائر الّذي بالأندلس قد ملك برطانية سبع سنين فقتله بعض أصحابه ورجعت برطانية إلى ملك ديوقاريان، ثم استعمل مخشميان خليفة ديوقاريان صهره قسطنطش وأخاه مخشمس ابني وليتنوس، فمضى مخشمس إلى إفريقية وقهر الثوار بها وردّها إلى طاعة الرومانيين، وزحف ديوقاريان قيصر الأعظم إلى مصر والإسكندرية فحصر الثائر بها إلى أن ظفر به وقتله، ومضى قسطنطش إلى اللمانيّين في ناحية بلاد الافرنج فظفر بهم بعد حروب طويلة. وزحف مخشميان خليفة ديوقاريان إلى سابور ملك الفرس

[1] هو مكسيمانوس.

ص: 249