الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهرب صفوان بن أمية إلى اليمن واتبعه عمير بن وهب من قومه بأمان النبيّ صلى الله عليه وسلم له فرجع وأنظره أربعة أشهر، وهرب ابن الزبير الشاعر إلى نجران ورجع فأسلم، وهرب هبيرة بن أبي وهب المخزوميّ زوج امّ هانئ إلى اليمن فمات هنالك كافرا. ثم بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم السرايا حول مكة ولم يأمرهم بقتال، وفي جملتهم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة فقتل منهم وأخذ ذلك عليه، وبعث إليهم عليّا بمال فودى لهم قتلاهم وردّ عليهم ما أخذ لهم. ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا إلى العزّى بيت بنخلة كانت مضر من قريش تعظمه وكنانة وغيرهم، وسدنته بنو شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم فهدمه. ثم ان الأنصار توقفوا إلى أن يقيم صلى الله عليه وسلم داره بعد أن فتحها فأغمهم ذلك وخرجوا له، فخطبهم صلى الله عليه وسلم وأخبرهم أنّ المحيا محياهم والممات مماتهم فسكتوا لذلك واطمأنوا.
غزوة حنين
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكّة خمس عشرة ليلة وهو يقصر الصلاة فبلغه أنّ هوازن وثقيف جمعوا له وهم عامدون إلى مكة وقد نزلوا حنينا، وكانوا حين سمعوا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة يظنون أنه إنما يريدهم، فاجتمعت هوازن إلى مالك بن عوف من بني النضير [1] ، وقد أوعب معه بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وبني جشم بن معاوية، وبني سعد بن بكر وناسا من بني هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية والأحلاف، وبني مالك بن ثقيف بن بكر، ولم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب. وفي جشم دريد بن الصمة بن بكر بن علقمة ابن خزاعة بن أزية بن جشم رئيسهم وسيدهم شيخ كبير ليس فيه إلا ليؤتم برأيه ومعرفته. وفي ثقيف سيدان ليس لهم في الأحلاف إلّا قارب بن الأسود بن مسعود ابن معتب [2] ، وفي بني مالك ذو الخمار سبيع بن الحرث بن مالك وأخوه أحمر.
وجميع أمر النّاس إلى مالك بن عوف.
فلمّا أتاهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتح مكة أقبلوا عامدين اليه، وأسار
[1] وفي النسخة الباريسية: من بني نصر.
[2]
وفي النسخة الباريسية: بن مغيث.
مالك مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم يرى أنه أثبت لموقفهم، فنزلوا بأوطاس، فقال دريد بن الصمة لمالك: ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير ويعار الشاء وبكاء الصغير، فقال: أموال الناس وأبناءهم سقنا معهم ليقاتلوا عنها، فقال راعي ضأن: والله وهل يردّ المنهزم شيء؟ إن كانت لك لم ينفعك إلّا رجل بسلاحه وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك. ثم سأل عن كعب وكلاب وأسف لغيابهم وأنكر على مالك رأيه ذلك، وقال: لم تصنع بتقديم بيضة [1] هوازن إلى نجور الخيل شيئا أرفعهم إلى ممتنع بلادهم، ثم ألق الصبيان على متون الخيل فان كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت لغيرك كنت قد أحرزت [2] أهلك ومالك. وأبى عليه مالك واتبعه هوازن.
ثم بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي حدرد [3] الأسلمي يستعلم خبر القوم فجاءه وأطلعه على جليّة الخبر وأنّهم قاصدون إليه، فاستعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية مائة درع وقيل أربعمائة وخرج في اثني عشر ألفا من المسلمين عشرة آلاف الذين صحبوه من المدينة وألفان من مسلمة الفتح، واستعمل على مكّة عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية ومضى لوجهه. وفي جملة من اتبعه عباس بن مرداس، والضحاك بن سفيان الكلابيّ، وجموع من عبس وذبيان، ومزينة وبني أسد. ومرّ في طريقه بشجرة سدر خضراء، وكان لهم في الجاهلية مثلها يطوف بها الأعراب ويعظمونها ويسمّونها ذات أنواط، فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال لهم: قلتم كما قال قوم موسى اجعل لنا آلها كما لهم آلهة، والّذي نفسي بيده لتركبنّ سنن من كان قبلكم واجرم من ذلك [4] .
ثم نهض حتى أتى وادي حنين من أودية تهامة أوّل يوم [5] من شوّال من السنة الثامنة وهو وادي حزن [6] ، فتوسطوه في غبش الصبح وقد كمنت هوازن في جانبيه فحملوا
[1] وفي نسخة أخرى: نقيضه.
[2]
وفي النسخة الباريسية: أجرت.
[3]
وفي نسخة ثانية: أبي حدود.
[4]
وفي نسخة ثانية: وزجرهم عن ذلك.
[5]
قوله أول يوم ولعل الصواب كما في غير هذا الكتاب سادس يوم أهـ. وانتهى الى خيبر عاشره (قاله نصر) .
[6]
وفي النسخة الباريسية: وادي حروت.
على المسلمين حملة رجل واحد، فولّى المسلمون لا يلوي أحد على أحد، وناداهم صلى الله عليه وسلم فلم يرجعوا. وثبت معه أبو بكر وعمر وعلي والعبّاس وأبو سفيان بن الحرث وابنه جعفر والفضل وقثم ابنا العبّاس وجماعة سواهم، والنبيّ صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء دلدل والعباس آخذ بشكائمها وكان جهير الصوت فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينادي بالأنصار وأصحاب الشجرة قيل وبالمهاجرين، فلمّا سمعوا الصوت وذهبوا ليرجعوا فصدّهم ازدحام الناس [1] عن أن يثنوا رواحلهم، فاستقاموا وتناولوا سيوفهم وتراسهم واقتحموا عن الرواحل راجعين إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد اجتمع منهم حواليه نحو المائة فاستقبلوا هوازن والناس متلاحقون [2] ، واشتدّت الحرب وحمي الوطيس وقذف الله في قلوب هوازن الرعب حين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يملكوا أنفسهم، فولّوا منهزمين ولحق آخر الناس وأسرى هوازن مغلولة بين يديه، وغنم المسلمون عيالهم وأموالهم واستحرّ [3] القتل في بني مالك من ثقيف فقتل منهم يومئذ سبعون رجلا في جملتهم: ذو الخمار وأخوه عثمان ابنا عبد الله بن ربيعة بن الحرث بن حبيب سيداهم، وامّا قارب بن الأسود سيد الأحلاف من ثقيف ففرّ بقومه منذ أوّل الأمر وترك رايته فلم يقتل منهم أحد، ولحق بعضهم بنخلة. وهرب مالك بن عوف النصري مع جماعة من قومه فدخلوا الطائف مع ثقيف، وانحازت طوائف هوازن إلى أوطاس [4] واتبعتهم طائفة من خيل المسلمين الذين توجهوا من نخلة فأدركوا فيهم دريد بن الصمة فقتلوه، يقال قتله ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن يربوع بن سماك بن عوف بن امرئ القيس. وبعث صلى الله عليه وسلم إلى من اجتمع بأوطاس من هوازن أبا عامر الأشعري عم أبي موسى فقاتلهم، وقتل بسهم رماه به سلمة بن دريد بن الصمة فأخذ أبو موسى الراية وشدّ على قاتل عمه فقتله. وانهزم المشركون واستحرّ [5] القتل في بني رباب من بني نصر بن معاوية، وانفضت جموع أهل هوازن كلها. واستشهد
[1] وفي نسخة ثانية: المنهزمين.
[2]
وفي النسخة الباريسية: لاحقون.
[3]
وفي النسخة الباريسية: واستمر.
[4]
وفي النسخة الباريسية: الى واسط.
[5]
وفي النسخة الباريسية: وانهزم القوم واستمر القتل.