الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخبر عن دولة الأسباط العشرة وملوكهم الى حين انقراض أمرهم
قد تقدّم لنا في دولة سليمان عليه السلام انّ يربعام بن نباط من سبط افرائيم كان واليا لسليمان على جميع نواحي يورشليم [1] وهي بيت المقدس، وقيل إنّما كان واليا على عمل بني يوسف بنابلس وما إليها، وكان جبارا وان سليمان عوتب على ولايته من الله وانتقض ولحق بمصر، فلما قبض سليمان وولي ابنه رحبعم واختلف عليه بنو إسرائيل بما بلوا من سوء ملكته والزيادة في الضرائب عليهم، واجتمع الأسباط العشرة ما عدا يهوذا وبنيامين فاستقدموا يربعام بن نباط من مصر فبايعوا له وولوه الملك عليهم وحاربوا رحبعم ومن في طاعته وهم سبط يهوذا وبنيامين، فامتنعوا عليهم بمدينة يروشليم، ثم انحازوا إلى جهة فلسطين في عمل بني يوسف. ونزل يربعم مدينة نابلس بملك الأسباط العشرة ومنعهم من الدخول إلى بيت المقدس والقربان فيه، وكان عاصيا مسخوط السيرة.
ولم يزل الحرب بينه وبين رحبعم بن سليمان وابنه أبيا من بعده واثنين من ملك أسا بن أبيا، وكان أبيّا ظاهرا عليه في حروبه، ثم هلك يربعام بن نباط لسنتين من ملك أبيّا ولثلاث وعشرين من ملكه، فولي مكانه على الأسباط يوناذاب وكان على مثل سيرة أبيه من الجور وعبادة الأصنام، فسلط الله عليه بعشا بن أحيا فقتله وجميع أهل بيته لسنتين من ملكه. وقام بملك الأسباط فلم يزل يحارب أسا بن أبيّا وأهل القدس سائر أيامه. وكان أسا يستمدّ عليه بملك دمشق من الأرمن. وسار معه إليه مرّة، وكان أعشا بن أحيا نبي يثرب، فأجفل أمامهم وترك الآلات فأخذها أسا وبنى بها الحصون وهلك أعشا بن أحيا لأربع وعشرين سنة من ملكه ودفن في برصا مدينة ملكهم بعد أن أنذره بالهلاك نبيهم فاهو. ولما هلك ولي بعده ابنه إيليا، ويقال إيلهوا في السادسة والعشرين من ملك أسا فأقام سنين ثم بعث عساكر بني إسرائيل إلى محاصرة بعض المدن بفلسطين، فوثب عليه سبط من الأسباط من عقب كان يعرف زمري صاحب المراكب، ويقال ابن اليافا، فقتله وجميع أهل بيته وقام
[1] هي أورشليم.
بالملك ومكث أياما يسيرة خلال ما بلغ الخبر لبني إسرائيل بمكانهم من حصار فلسطين، فلم يرضوه وملكوا عليهم صيّ بن كسّات من سبطه ورجعوا الى زمري المتوثب على الملك فحاصروه، فلما أحيط به دخل مجلس الملك وأوقد نارا لتحرقه فاحترق فيه لسبعة أيام من فورتهم.
وكان عمري بن ناداب من سبط أفراييم ويلقب صاحب الحربة يرادف صيّ في الملك فقتله واستبدّ، وذلك في الحادية والثلاثين من ملك أسا. ثم اختلف عليه بنو إسرائيل ونصف بعضهم بنيامين فنال من سبط يساخر، وحاربهم عمري فغلبهم. وكان ينزل مدينة برصا، ولست سنين من ملكه اختط مدينة السامرية ابتاع لها جبل شمران [1] من رجل اسمه سامر بقنطار فضة، وبنى فيه قصوره وسميت سبسطية، ثم غلبت عليها النسبة إلى البائع. ويقال إنّ الاسم كان شومرون فعرب سامرة وأهملت شينها المثلثة، وكانت هذه المدينة مدينة ملكهم الى انقراض أمرهم.
ثم هلك عمري لاثنتي عشرة سنة من ولايته ودفن في نابلس، وقام بملك الأسباط من بعده ابنه أحاب [2] ، وكان على مذهبه ومذهب سلفه منهم من الكفر والعصيان، وتزوّج بنت ملك صيدا، وبنى هيكلا بسامرة وجعل فيه صنما يسجد له وأفحش في قتل الأنبياء، وبنى قرية أريحاء ودعا عليه إيليا النبيّ فقحطوا ثلاث سنين خرج فيها إيليا الى البرية فسكنها، ثم رجع فدعا وأنزل الله المطر وذبح الذين حملوا أحاب على عبادة الأصنام هكذا قال ابن العميد.
والّذي قاله الطبري إنّ هذا النبي الّذي دعا عليهم هو الياس بن سين، وقيل ابن ياسين من نسل فنحاص بن العازار. وكان بعث الى أهل بعلبكّ والى أحاب وقومه.
وقال الطبريّ: فكذبوه فأصابهم القحط ثلاثا، ففزعوا إليه في الدعاء وبأهلهم في أصنامهم فلم تغن شيئا، فدعا لهم فمطروا، ثم انهم أقاموا على ما كانوا عليه من الكفر والعصيان. وكان أحاب شديدا عليه ودعا عليه الياس ثم طلب من الله أن يتوفاه بعد أن أنذر الناس بهلاكه وهلاك قومه بل عقبه. وتنبأ بعده اليسع بن أخطوب من سبط أفرائيم، وقيل ابن عم الياس. وقال ابن عساكر: اسمه أسباط بن عدي بن شوليم
[1] وفي التوراة «واشترى جبل السامرة من شامر بوزنتين من الفضة.
[2]
وفي التوراة: اخآب.
بن افرائيم. قال الطبريّ: كان مستخفيا مع الياس بجبل قاسيون من ملك بعلبكّ، ثم خلفه في قريته انتهى كلام الطبري.
وقال ابن العميد: في أيام أحاب أوحى الله إلى إيليا أن يبارك على إلياس بن بغسا ففعل ذلك، وان يبارك على أدوم بدمشق، وعلى يا هو ملكا على بني إسرائيل ففعل ذلك. وهو أيضا على عهد أحاب فجاء سنداب ملك سورية فحاصر أحاب بن عمري والأسباط العشرة في السامرة، وخرجوا إليه فهزموه واستلحموا عامة عسكره، ثم رجع إليهم من العام القابل فخرجوا إليه وهزموه ثانيا وقتلوا من عسكره نحوا من مائة ألف، ومروا في اتباعهم، وامتنع سنداب في بعض حصونه وأحاطوا به فخرج إليهم ملقيا بنفسه على ملكهم أحاب، فعفا عنه ورده الى ملكه، وسخط ذلك النبيّ من فعله وأنذره بعذاب يصيب ولده عقوبة من الله تعالى على إبقائه عليهم. ثم خرج أحاب من ملك الأسباط مع يهوشافاظ ملك يهوذا المقدس لمحاربة ملك سورية، فأصابه سهم هلك فيه ودفن بسامرة لاثنتين وعشرين سنة من ملكه.
قال ابن العميد: وقيل لثمان عشرة. وقال إنّما خرج لحرب كلعاد ملك أدوم فانهزم وقتل.
ولما هلك ملك من بعده ابنه أحزيّا ويقال أمشيا وكان عاصيا سيء السيرة قتل عاموص النبيّ وعبد بعلا الصنم وهلك لسنتين، فملك أخوه يوآم وقيل انه لتسع عشرة من ملك يهوشافاظ ملك الفرس، فملك يوآم على الأسباط اثنتي عشرة سنة زحف فيها أوّلا إلى مؤاب لما منعوه الجزية التي كانت عليهم للأسباط مائتين من الغنم في كلّ سنة، واستنجد ملك يهوذا لحربهم فحاصرهم سبعة أيام وفقدوا الماء، فاستسقى لهم اليسع وجرى الوادي وخرج أهل مؤاب يظنونه دما، فقتلهم بنو إسرائيل. وجمع هدّاد ملك أدوم لحصار سامرة ونازلها ثلاث سنين، ثم دعا عليهم اليسع فاجفلوا ورجعوا إلى بلادهم. وفي الثانية عشر من ملك يؤام ملك الأسباط ثار عليه يهوشافاظ بن يشا من سبط منشا بن يوسف، وذلك عند منصرفه من محاربة ملوك الجزيرة وأروم مع أحزيّا بن يهورام ملك القدس، وكان جريحا فعاده أحزيا وكان هذا الفتى يا هو يترصد قتل يؤام فأمكنته الفرصة فيه تلك الساعة فقتله وقتل معه أحزيا ملك القدس وبني يهوذا وملك على الأسباط.
وقال ابن العميد: خرج يؤام بن أحاب ملك الأسباط لحرب أدوم ومعه أحزيّا ملك القدس فقتلا جميعا في تلك الحرب. وقيل إنّ ياهو بن منشا رمى بسهم فأصاب يؤام بن أحاب فمات.
ولما ملك يا هو على الأسباط قتل بني أحاب كلهم كما أمره اليسع، وهلك لخمس وثلاثين من ملكه وولي ابنه يوآص، وقيل يهوذا، ولثمان وعشرين من دولة يوآص بن أحزيّا ملك يهوذا القدس وكان قبيح السيرة عبّادا للأصنام وعمل مذبحا بسامرة وهلك لسبع عشرة من ملكه، وولي بعده ابنه يوآش لسبع وثلاثين من دولة يوآص بالقدس وزحف إلى القدس فملكها من يد أمصيّا ملك يهوذا، وهدم من سورها أربعمائة ذراع، وسبى أهل المقدس وسبى بني عزريّا الكوهن، وأخذ جميع ما في المسجد ورجع إلى سامرة. ومرض اليسع فعاده يوآش فوعده بأنه يهلك أدوم ويظفر بهم.
ثلاث مرات، فكان كذلك، وهلك لثلاث عشرة سنة من ملكه. وولي من بعده ابنه يربعام وكان سيّئ السيرة وزحف إلى أمصيا ملك يهوذا، وقيل إنّ الّذي زحف إلى أمصيّا إنّما هو يؤاش أبوه، فهزمه وأخذه أسيرا وسار به إلى القدس فاقتحمها عنوة وغنم جميع ما في خزانتها وسبى بني عزريّا الكوهن، ورجع إلى السامرة فأطلق أمصيّا. ثم لإحدى وأربعين سنة من ملكه، ولسبع وعشرين من ملك عزيّا هو بن أمصيّا ملك القدس.
قال ابن العميد: وبقي بنو إسرائيل بالسامرة فوضى أحدى عشرة سنة، ثم ملكوا ابنه زكريّا في الثامنة والثامنة والثلاثين من ملك عزيّا هو فملك ستة أشهر، وقال ابن العميد شهرا، ثم وثب به مناخيم بن كاد من سبط زبلون من أهل برصا فقتله، وملك مكانه اثنتي عشرة سنة. وقال ابن العميد عشر سنين. قال وفي التاسعة والثلاثين من ملك عزيّا هو خرج إلى مدينة برصا ففتحها عنوة واستباحها، وزحف إليه فول ملك الموصل فصانعه بألف قنطار من الفضّة ورجع عنه، وكانت سيرته رديئة، ولما هلك مناخيم ملك ابنه بقحيّا لأربعين من دولة عزيّا ملك القدس فأقام فيهم اثنتي عشرة سنة، وقال ابن العميد سنتين، ثم ثار عليه من عماله باقح بن رصليّا [1] وكان على طريقة من تقدّمه في الضلال فأقام ملكا على الأسباط بالسامرة عشر سنين، وهلك لدولته عزيّا بن أمصيّا ملك يهوذا بالقدس، وأقام باقح بن رصليّا على سوء السيرة
[1] وفي نسخة اخرى: رسليا.
وعبادة الأصنام إلى أن قتله هويشيع بن إيليا من سبط كاد في الثالثة من ملك يؤاب ملك القدس وبقي الأسباط بعده فوضى عشر سنين، ثم ملكوا قاتله هويشيع بن إيليا المذكور، فأقام مملكا عليهم سبع سنين وفي أيامه زحف إليه ملك أثور [1] والموصل فصير الأسباط في دولته وأدّوا إليه الخراج، ثم ان هويشيع راسل ملك مصر في الاستعانة به والرجوع إلى طاعته، فلما بلغ ذلك إلى ملك الموصل زحف إليه وحاصره في مدينة السامرة ثلاث سنين واقتحمها في الرابعة. وتقبّض على هويشيع لتسع سنين من ملكه ونقله مع الأسباط كلهم إلى الموصل، ثم بعثهم إلى قرى أصبهان وأنزلهم بها، وقطع ملك بني إسرائيل من السامرة وبقي ملك يهوذا وبنيامين بالقدس، وكان ذلك لعهد احزيّا بن آخاز من ملوكهم لسنة من دولته.
وتعاقبت ملوكهم بعد ذلك بالقدس إلى أن انقرضوا. وجمع ملك الموصل من كورة غارا وحماة وصفرارام، ويقال ومركتا وأسكنهم بالسامرة. وقال ابن العميد وتفسيرها حفيظة ويوآطر. قالوا وسلّط الله عليهم السباع يفترسونهم فبعثوا إلى ملك الموصل أن يعرفهم بصاحب قسمة السامريّة من الكواكب ليتوجهوا إليه بما يناسبه على طريقة الصابئة، فقيل إنّ العشرية التي رسخت فيها وهي دين اليهودية تمنع من ذلك ومن ظهور أثره. فبعث إليهم كوهنين من عامّة اليهود يعلمانهم اليهودية فتلقوها عنهما، فهذا أصل السامرة في فرق اليهود وليسوا منهم عند أهل ملّتهم لا في نسبهم ولا في دينهم، والله مالك الأمور لا رب غيره ولا معبود سواه سبحانه وتعالى.
[1] وفي التوراة: اشور.