الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتح خراسان
ولما عقدت الألوية للأمراء للانسياح في بلاد فارس كان الأحنف بن قيس منهم بخراسان وقد تقدم، أن يزدجرد سار بعد جلولاء إلى الريّ وبها أبان جادويه من مرازبته فأكرهه على خاتمه، وكتب الضحّاك بما اقترح من ذخائر يزدجرد وختم عليها وبعث بها إلى سعد، فردّها عليه على حكم الصلح الّذي عقد له. ثم سار يزدجرد والناس معه إلى أصبهان ثم إلى كرمان ثم رجع إلى مرو من خراسان فنزلها وأمن من العرب، وكاتب الهرمزان وأهل فارس بالأهواز والفيرزان وأهل الجبال فنكثوا [1] جميعا وهزمهم الله وخذلهم وأذن عمر للمسلمين بالانسياح في بلادهم.
وأمّر الأمراء كما قدّمناه وعقد لهم الألوية، فسار الأحنف إلى خراسان سنة ثمان عشرة وقيل اثنتين وعشرين فدخلها من الطبسين [2] ، وافتتح هراة عنوة واستخلف عليها صحار بن فلان [3] العبديّ، ثم سار إلى مرو الشاهجان، وأرسل إلى نيسابور مطرّف بن عبد الله بن الشخّير، وإلى سرخس الحرث بن حسّان، ودرج يزدجرد من مرو الشاهجان إلى مروالروذ فملكها الأحنف ولحقه مدد أهل الكوفة هنالك، فسار الى مروالروذ واستخلف على الشاهجان حارثة بن النعمان الباهلي وجعل مدد الكوفة في مقدّمته، والتقوا هم ويزدجرد على بلخ فهزموه وعبر النهر فلحقهم الأحنف وقد فتح الله عليهم، ودخل أهل خراسان في الصلح ما بين نيسابور وطخارستان. وولّى على طخارستان ربعي بن عامر، وعاد الى مروالروذ فنزلها وكتب إلى عمر بالفتح، فكتب إليه أن يقتصر على ما دون النهر.
وكان يزدجرد وهو بمروالروذ قد استنجد ملوك الأمم وكتب إلى ملك الصين وإلى خاقان ملك الترك وإلى ملك الصغد، فلما عبر يزدجرد النهر مهزوما أنجده خاقان في الترك وأهل فرغانة والصغد، فرجع يزدجرد وخاقان إلى خراسان فنزلا بلخ، ورجع أهل الكوفة إلى الأحنف بمروالروذ ونزل المشركون عليه، ثم رحل ونزل سفح الجبل في عشرين ألفا من أهل البصرة وأهل الكوفة وتحصن العسكران بالخنادق وأقاموا
[1] وفي النسخة الباريسية: فنكبوا.
[2]
وفي النسخة الباريسية: الطمسين.
[3]
وفي نسخة أخرى: فلال وكذا في الكامل والطبري.
يقاتلون [1] أياما، وصحبهم الأحنف ليلة وقد خرج فارس من الترك يضرب بطبله ويتلوه اثنان كذلك، ثم يخرج العسكر بعدهم عادة لهم، فقتل الأحنف الأوّل ثم الثاني ثم الثالث فلما مرّ بهم خاقان تشاءم وتطير ورجع أدراجه فارتحل وعاد إلى بلخ، وبلغ الخبر إلى يزدجرد وكان على مرو الشاهجان محاصرا لحارثة بن النعمان ومن معه فجمع خزائنه وأجمع اللحاق بخاقان على بلخ، فمنعه أهل فارس وحملوه على صلح المسلمين والركون إليهم وأنهم أوفى ذمة من الترك، فأبى من ذلك وقاتلهم فهزموه واستولوا على الخزائن، ولحق بخاقان وعبروا النهر إلى فرغانة، وأقام يزدجرد ببلد الترك أيام عمر كلها إلى أن كفر أهل خراسان أيام عثمان. ثم جاء أهل فارس إلى الأحنف ودفعوا إلى الخزائن والأموال وصالحوه واغتبطوا بملكة المسلمين، وقسّم الأحنف الغنائم فأصاب الفارس ما أصابه يوم القادسية.
ثم نزل الأحنف بلخ وأنزل أهل الكوفة في كورها الأربع ورجع إلى مروالروذ فنزلها، وكتب بالفتح إلى عمر. وكان يزدجرد لما عبر النهر لقي رسوله الّذي بعثه إلى ملك الصين قد رده إليه يسأله أن يصف له المسلمين الذين فعلوا به هذه الأفاعيل مع قلّة عددهم، ويسأل عن وفائهم ودعوتهم وطاعة أمرائهم ووقوفهم عند الحدود ومآكلهم وشرابهم وملابسهم ومراكبهم، فكتب إليه بذلك كله. وكتب إليه ملك الصين أن يسالمهم فإنّهم لا يقوم لهم شيء بما قام نردبل [2]، فأقام يزدجرد بفرغانة بعهد من خاقان. ولمّا وصل الخبر إلى عمر خطب الناس وقال: ألا وإنّ ملك المجوسية قد ذهب فليسوا يملكون من بلادهم شبرا يضر بمسلم، ألا وإنّ الله قد أورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأبناءهم لينظر كيف تعملون فلا تبدّلوا فيستبدل الله بكم غيركم، فإنّي لا أخاف على هذه الأمة أن تؤتي إلّا من قبلكم [3]
[1] وفي النسخة الباريسية: يقتتلون.
[2]
كذا في الأصل: وفي الكامل ج 3 ص 37: «وكتب ملك الصين إلى يزدجرد «إنه لم يمنعني أن أبعث إليك بجند اوله بمرو وآخره بالصين الجهالة بما يحقّ عليّ، ولكن هؤلاء القوم الذين وصف لي رسولك لو يحاولون الجبال لهدوّها ولو خلا لهم سربهم أزالوني ما داموا على ما وصف، فسالمهم وأرض منهم بالمسالمة ولا تهيّجهم ما لم يهيّجوك» .
[3]
وفي النسخة الباريسية: أن تؤتوا الأمر قبلكم.