الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بطريقا يأخذ منهم مثل ذلك، فنزل قرطاجنّة وأخبرهم بما جاء له فأبوا وقالوا: قد كان ينبغي أن يساعدنا [1] مما نزل بنا. فقاتلهم البطريق وهزمهم وطرد الملك الّذي ولّوه بعد جرجير، فلحق بالشام وقد اجتمع الناس على معاوية بعد علي رضي الله عنه ، فاستجاشه على افريقية فبعث معه معاوية بن حديج السكونيّ في عسكر، فلما وصل الاسكندرية وهلك الرومي ومضي ابن حديج في العساكر فنزل قونية، وسرّح إليه البطريق ثلاثين ألف مقاتل وقاتلهم معاوية فهزمهم معاوية، وحاصر حصن جلولاء فامتنع معه حتى سقط ذات سوره فملكه المسلمون وغنموا ما فيه. ثم بثّ السرايا ودوّخ البلاد فأطاعوا، وعاد الى مصر. ولمّا أصاب ابن أبي سرح من افريقية ما أصاب ورجع إلى مصر خرج قسطنطين بن هرقل غازيا الى الإسكندرية في ستمائة مركب وركب المسلمون البحر مع ابن أبي سرح ومعه معاوية في أهل الشام. فلما تراءى الجمعان أرسوا جميعا، وباتوا على أمان والمسلمون يقرءون ويصلّون. ثم قرنوا سفنهم عند الصباح واقتتلوا ونزل الصبر واستحرّ القتل، ثم انهزم قسطنطين جريحا في فلّ قليل من الروم، وأقام ابن أبي سرح بالموضع أياما ثم قفل وسمى المكان ذات الصواري والغزوة كذلك لكثرة ما كان بها من الصواري، وكانت هذه الغزاة سنة احدى وثلاثين وقيل أربع وثلاثين. وسار قسطنطين الى صقلّيّة وعرّفهم خبر الهزيمة فنكروه وقتلوه في الحمام.
فتح قبرص
كان أبو عبيدة لما احتضر [2] استخلف على عمله عيّاض بن غنم وكان ابن عمه وخاله وقيل استخلف معاذ بن جبل، واستخلف عيّاض بعده سعيد بن حذيم الجمحيّ، ومات سعيد فولى عمر مكانه عمير بن سعيد الأنصاري، ومات يزيد بن أبي سفيان فجعل عمر مكانه على دمشق أخاه معاوية، فاجتمعت له دمشق والأردن، ومات عمر وهو كذلك وعمير على حمص وقنسرين، ثم استعفى عمير عثمان في مرضه فأعفاه وضمّ حمص وقنسرين الى معاوية، ومات عبد الرحمن بن أبي علقمة
[1] وفي النسخة الباريسية: يسامحنا
[2]
وفي النسخة الباريسية: استحضر.
وكان على فلسطين فضم عثمان عمله الى معاوية فاجتمع الشام كله لمعاوية لسنتين من إمارة عثمان. وكان يلحّ على عمر في غزو البحر وكان وهو بحمص كتب إليه في شأن قبرص أنّ قرية من قرى حمص يسمع أهلها نباح كلاب قبرص وصياح دجاجهم، فكتب عمر إلى عمرو بن العاص: صف لي البحر وراكبه! فكتب إليه: «هو خلق كبير يركبه خلق صغير ليس إلا السماء والماء إن ركد فلق [1] القلوب وإن تحرك أزاغ العقول يزداد فيه اليقين قلّة والشك كثرة وراكبه دود على عود إن مال غرق وإن نجا برق» . فكتب عمر إلى معاوية والّذي بعث محمدا بالحق لا أحمل فيه مسلما أبدا، وقد بلغني أنّ بحر الشام يشرف على أطول شيء من الأرض فيستأذن الله كل يوم وليلة في أن يغرق الأرض فكيف أحمل الجنود على هذا الكافر، وباللَّه لمسلم واحد أحب إليّ مما حوت الروم، فإياك أن تعرض لي في ذلك فقد علمت ما لقي العلاء مني.
ثم كاتب ملك الروم عمرو قاربه وأقصر عن الغزو، ثم ألحّ معاوية على عثمان بعده في غزو البحر فأجابه على خيار الناس وطوعهم، فاختار الغزو جماعة من الصحابة فيهم، أبو ذرّ وأبو الدرداء وشدّاد بن أوس وعبادة بن الصامت وزوجه أمّ حرام بنت ملحان، واستعمل عليهم عبد الله بن قيس حليف بني فزارة، وساروا إلى قبرص وجاء عبد الله بن أبي سرح من مصر فاجتمعوا عليها وصالحهم أهلها على سبعة آلاف دينار لكل سنة، ويؤدّون مثلها للروم، ولا منعة لهم على المسلمين ممن أرادهم من سواهم وعلى أن يكونوا عينا للمسلمين على عدوّهم، ويكون طريق الغزو للمسلمين عليهم.
وكانت هذه الغزاة سنة ثمان وعشرين وقيل تسع وعشرين وقيل ثلاث وثلاثين، وماتت فيها أم حرام سقطت عن دابتها حين خرجت من البحر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها بذلك. وأقام عبد الله بن قيس الجاسي على البحر فغزا خمسين غزاة لم ينكب فيها أحد، إلى أن نزل في بعض أيام في ساحل المرقي من أرض الروم فثاروا إليه فقتلوه، ونجا الملّاح وكان استخلف سفيان بن عوف الأزدي على السفن فجاء إلى أهل المرقي وقاتلهم حتى قتل وقتل معه جماعة.
[1] وفي النسخة الباريسية: خرق