المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قصة سيف بن ذي يزن وملك الفرس على اليمن - تاريخ ابن خلدون - جـ ٢

[ابن خلدون]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني]

- ‌الكتاب الثاني ويشتمل: أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ مبدإ الخليقة الى هذا العهد

- ‌المقدّمة الاولى في أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم

- ‌المقدّمة الثانية في كيفية وضع الأنساب في كتابنا لأهل الدول وغيرهم

- ‌القول في أجيال العرب وأوّليتها واختلاف طبقاتهم وتعاقبها وأنساب كل طبقة منها

- ‌برنامج بما تضمنه الكتاب من الدول في هذه الطبقات الأربع على ترتيبها والدول المعاصرين من العجم في كل طبقة منها

- ‌الطبقة الاولى من العرب وهم العرب العاربة وذكر نسبهم والإمام بملكهم ودولهم على الجملة

- ‌الخبر عن إبراهيم أبي الأنبياء عليهم السلام ونسبه الى فالغ بن عابر وذكر أولاده صلوات الله عليهم وأحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من العرب وهم العرب المستعربة وذكر أنسابهم وأيامهم وملوكهم والإلمام ببعض الدول التي كانت على عهدهم

- ‌الخبر عن ملوك التبابعة من حمير وأوليتهم باليمن ومصاير أمورهم

- ‌ملك الحبشة اليمن

- ‌غزو الحبشة الكعبة

- ‌قصة سيف بن ذي يزن وملك الفرس على اليمن

- ‌الخبر عن ملوك بابل من النبط والسريانيين وملوك الموصل ونينوى من الجرامقة

- ‌الخبر عن القبط وأوّلية ملكهم ودولهم وتصاريف أحوالهم والإلمام بنسبهم

- ‌الخبر عن بني إسرائيل وما كان لهم من النبوة والملك وتغلبهم على الأرض المقدّسة بالشام وكيف تجدّدت دولتهم بعد الانقراض وما اكتنف ذلك من الأحوال

- ‌الخبر عن حكام بني إسرائيل بعد يوشع الى أن صار أمرهم إلى الملك وملك عليهم طالوت

- ‌الخبر عن ملوك بني إسرائيل بعد الحكام ثم افتراق أمرهم والخبر عن دولة بني سليمان بن داود على السبطين يهوذا وبنيامين بالقدس الى انقراضها

- ‌الخبر عن افتراق بنى إسرائيل منهم ببيت المقدس على سبط يهوذا وبنيامين الى انقراضه

- ‌الخبر عن دولة الأسباط العشرة وملوكهم الى حين انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن عمارة بيت المقدس بعد الخراب الأوّل وما كان لبني إسرائيل فيها من الملك في الدولتين لبني حشمناي وبني هيردوس إلى حين الخراب الثاني والجلوة الكبرى

- ‌ابتداء أمر انظفتر [1] أبو هيردوس

- ‌انقراض ملك بني حشمناي وابتداء ملك هيردوس وبنيه

- ‌الخبر عن شأن عيسى بن مريم صلوات الله عليه في ولادته وبعثته ورفعه من الأرض والإلمام بشأن الحواريين بعده وكتبهم الأناجيل الأربعة وديانة النصارى بملته واجتماع الاقسة على تدوين شريعته

- ‌الخبر عن الفرس وذكر أيامهم ودولهم وتسمية ملوكهم وكيف كان مصير أمرهم الى تمامه وانقراضه

- ‌الطبقة الاولى من الفرس وذكر ملوكهم وما صار اليه في الخليقة أحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من الفرس وهم الكينية وذكر ملوكهم وأيامهم إلى حين انقراضهم

- ‌الطبقة الثالثة من الفرس وهم الأشكانية ملوك الطوائف وذكر دولهم ومصاير أمورهم الى نهايتها

- ‌الطبقة الرابعة من الفرس وهم الساسانية والخبر عن ملوكهم الأكاسرة إلى حين الفتح الإسلامي

- ‌الخبر عن دولة يونان والروم وأنسابهم ومصايرهم

- ‌الخبر عن دولة يونان والإسكندر منهم وما كان لهم من الملك والسلطان الى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن اللطينيين وهم الكيتم المعرفون بالروم من أمم يونان وأشياعهم وشعوبهم وما كان لهم من الملك والغلب وذكر الدولة التي فيهم للقياصرة وأولية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن فتنة الكيتم مع أهل إفريقية وتخريب قرطاجنة ثم بناؤها على الكيتم وهم اللطينيون

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من الكيتم وهم اللطينيون ومبدإ أمورهم ومصاير أحوالهم

- ‌الخبر عن القياصرة المتنصرة من اللطينيين وهم الكيتم واستفعال ملكهم بقسطنطينية ثم بالشام بعدها إلى حين الفتح الإسلامي ثم بعد إلى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من لدن هرقل والدولة الإسلامية الى حين انقراض أمرهم وتلاشي أحوالهم

- ‌الخبر عن القوط وما كان لهم من الملك بالأندلس الى حين الفتح الإسلامي وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الطبقة الثالثة من العرب وهم العرب التابعة للعرب وذكر افاريقهم وأنسابهم وممالكهم وما كان لهم من الدول على اختلافها والبادية والرحالة منهم وملكها

- ‌الخبر عن أنساب العرب من هذه الطبقة الثالثة واحدة واحدة وذكر مواطنهم ومن كان له الملك منهم

- ‌الخبر عن حمير من القحطانية وبطونها وتفرع شعوبها

- ‌الخبر عن قضاعة وبطونها والإلمام ببعض الملك الّذي كان فيها

- ‌الخبر عن بطون كهلان من القحطانية وشعوبهم واتصال بعضها مع بعض وانقضائها

- ‌الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذر من هذه الطبقة وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم وكيف صار إلى طيِّئ من بعدهم

- ‌ملوك كندة الخبر عن ملوك كندة من هذه الطبقة ومبدإ أمرهم وتصاريف أحوالهم

- ‌الخبر عن أبناء جفنة ملوك غسان بالشام من هذه الطبقة وأوليتهم ودولهم وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم

- ‌الخبر عن الأوس والخزرج أبناء قيلة من هذه الطبقة ملوك يثرب دار الهجرة وذكر أوليتهم والإلمام بشأن نصرتهم وكيف انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن بني عدنان وأنسابهم وشعوبهم وما كان لهم من الدول والملك في الإسلام وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن قريش من هذه الطبقة وملكهم بمكة وأولية أمرهم وكيف صار الملك اليهم فيها ممن قبلهم من الأمم السابقة

- ‌أمر النبوّة والهجرة في هذه الطبقة الثالثة وما كان من اجتماع العرب على الإسلام بعد الاباية والحرب

- ‌المولد الكريم وبدء الوحي

- ‌بدء الوحي

- ‌هجرة الحبشة

- ‌ العقبة الثانية

- ‌الهجرة

- ‌الغزوات

- ‌الأبواء:

- ‌بواط:

- ‌البعوث:

- ‌غزوة بدر الثانية:

- ‌غزوة الكدر:

- ‌غزوة السويق:

- ‌ذي أمرّ:

- ‌نجران:

- ‌قتل كعب بن الأشرف:

- ‌غزوة بني قينقاع:

- ‌سرية زيد بن حارثة إلى قردة:

- ‌قتل ابن أبي الحقيق:

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد:

- ‌بعث الرجيع:

- ‌غزوة بئر معونة:

- ‌غزوة بني النضير:

- ‌غزوة ذات الرقاع:

- ‌غزوة بدر الصغرى الموعد:

- ‌غزوة دومة الجندل:

- ‌غزوة الخندق

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌غزوة الغابة وذي قرد

- ‌غزاة بني المصطلق:

- ‌عمرة الحديبيّة

- ‌إرسال الرسل الى الملوك

- ‌غزوة خيبر

- ‌فتح فدك ووادي القرى

- ‌عمرة القضاء

- ‌غزوة جيش الأمراء

- ‌فتح مكة

- ‌غزوة حنين

- ‌حصار الطائف وغزوة تبوك

- ‌إسلام عروة بن مسعود ثم وفد ثقيف وهدم اللات

- ‌الوفود

- ‌ حجة الوداع

- ‌العمال على النواحي

- ‌خبر العنسيّ

- ‌بعث أسامة:

- ‌أخبار الأسود ومسيلمة وطليحة:

- ‌مرضه صلى الله وسلم عليه:

- ‌خبر السقيفة

- ‌الخلافة الإسلامية

- ‌الخبر عن الخلافة الإسلامية في هذه الطبقة وما كان فيها من الرّدة والفتوحات وما حدث بعد ذلك من الفتن والحروب في الإسلام ثم الاتفاق والجماعة

- ‌بعث الجيوش للمرتدين

- ‌خبر طليحة

- ‌خبر هوازن وسليم وبني عامر

- ‌خبر بني تميم وسجاح

- ‌البطاح ومالك بن نويرة

- ‌خبر مسيلمة واليمامة

- ‌ردّه الحطم وأهل البحرين

- ‌ردة أهل عمان ومهرة واليمن [2]

- ‌بعوث العراق وصلح الحيرة

- ‌فتح الحيرة

- ‌فتح ما وراء الحيرة

- ‌فتح الأنبار وعين التمر وتسمّى هذه الغزوة ذات العيون

- ‌الوقائع بالعراق

- ‌بعوث الشام

- ‌بعوث الشام

- ‌خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌فتح دمشق

- ‌خبر المثنى بالعراق بعد مسير خالد الى الشام

- ‌ولاية أبي عبيد بن مسعود على العراق ومقتله

- ‌أخبار القادسية

- ‌فتح المدائن وجلولاء بعدها

- ‌ولاية عتبة بن غزوان على البصرة

- ‌وقعة مرج الروم وفتوح مدائن الشام بعدها

- ‌وقعة أجنادين وفتح بيسان والأردن وبيت المقدس

- ‌مسير هرقل إلى حمص وفتح الجزيرة وارمينية

- ‌غزو فارس من البحرين وعزل العلاء عن البصرة ثم المغيرة وولاية أبي موسى

- ‌بناء البصرة والكوفة

- ‌فتح الأهواز والسوس بعدهما

- ‌مسير المسلمين الى الجهات للفتح

- ‌مجاعة عام الرمادة وطاعون عمواس

- ‌فتح مصر

- ‌وقعة نهاوند وما كان بعدها من الفتوحات

- ‌فتح همذان

- ‌فتح الريّ

- ‌فتح أذربيجان

- ‌فتح الباب

- ‌فتح موقان وجبال ارمينية

- ‌غزو الترك

- ‌فتح خراسان

- ‌فتوح فارس

- ‌إصطخر:

- ‌بسا ودرابجرد:

- ‌كرمان:

- ‌سجستان:

- ‌مكران:

- ‌خبر الأكراد

- ‌مقتل عمر وأمر الشورى وبيعة عثمان رضي الله عنه

- ‌نقض أهل الاسكندرية وفتحها

- ‌ولاية الوليد بن عقبة الكوفة وصلح أرمينية وأذربيجان

- ‌ولاية عبد الله بن أبي سرح على مصر وفتح افريقية

- ‌فتح قبرص

- ‌ولاية ابن عامر على البصرة وفتوح فارس وخراسان

- ‌ولاية سعيد بن العاص الكوفة

- ‌غزو طبرستان

- ‌غزو حذيفة الباب وأمر المصاحف

- ‌مقتل يزدجرد

- ‌ظهور الترك بالثغور

- ‌بدء الانتقاض على عثمان رضي الله عنه

- ‌حصار عثمان ومقتله رضي الله عنه وأتابه ورفع درجته

- ‌بيعة علي رضي الله عنه

- ‌أمر الجمل

- ‌انتقاض محمد بن أبي حذيفة بمصر ومقتله

- ‌ولاية قيس بن سعد على مصر

- ‌مبايعة عمرو بن العاص لمعاوية

- ‌أمر صفين

- ‌ أمر الحكمين

- ‌أمر الخوارج وقتالهم

- ‌ولاية عمرو بن العاص مصر

- ‌دعاء ابن الحضرميّ بالبصرة لمعاوية ومقتله

- ‌ولاية زياد على فارس

- ‌فراق ابن عبّاس لعلي رضي الله عنهم

- ‌مقتل علي

- ‌بيعة الحسن وتسليمه الأمر لمعاوية

الفصل: ‌قصة سيف بن ذي يزن وملك الفرس على اليمن

‌قصة سيف بن ذي يزن وملك الفرس على اليمن

ولما طال البلاء من الحبشة على أهل اليمن، خرج سيف بن ذي يزن الحميريّ من الأذواء بقية ذلك السلف، وعقب أولئك الملوك، وديال الدولة المفوض للخمود.

وقد كان أبرهة انتزع منه زوجته ريحانة بعد أن ولدت منه ابنه معديكرب كما مرّ.

ونسبه فيما قال الكلبيّ سيف بن ذي يزن بن عافر بن أسلم بن زيد بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد الجمهور، هكذا نسبه ابن الكلبيّ، ومالك بن زيد هو أبو الأذواء. فخرج سيف وقدم على قيصر ملك الروم وشكى إليه أمر الحبشة، وطلب أن يخرجهم ويبعث على اليمن من شاء من الروم، فلم يسعفه عن الحبشة، وقال الحبشة على دين النصارى. فرجع إلى كسرى وقدم الحيرة على النعمان بن المنذر عامل فارس على الحيرة وما يليها من أرض العرب، فشكى إليه، واستمهله النعمان إلى حين وفادته على كسرى، وأوفد معه وسأله النصر على الحبشة وأن يكون ملك اليمن له.

فقال: بعدت أرضك عن أرضنا، أو هي قليلة الخير إنما هي شاء وبعير ولا حاجة لنا بذلك. ثم كساه وأجازه، فنثر دنانير الاجازة ونهبها الناس يوهم الغنى عنها بما في أرضه. فأنكر عليه كسرى ذلك. فقال: جبال أرضي ذهب وفضة، وإنما جئت لتمنعني من الظلم. فرغب كسرى في ذلك، وأمهله للنظر في أمره، وشاور أهل دولته، فقالوا في سجونك رجال حبستهم للقتل ابعثهم معه فإن هلكوا كان الّذي أردت بهم، وإن ملكوا كان ملكا ازددته إلى ملكك. وأحصوا ثمانمائة وقدم عليهم أفضلهم وأعظمهم بيتا وأكبرهم نسبا وكان وهزر الديلميّ.

وعند المسعودي وهشام بن محمد والسهيليّ أنّ كسرى وعده بالنصر ولم ينصره وشغل بحرب الروم، وهلك سيف بن ذي يزن عنده، وكبر ابنه ابن ريحانة وهو معديكرب وعرّفته أمّه بأبيه، فخرج ووفد على كسرى يستنجزه في النصرة التي وعد بها أباه، وقال له: أنا ابن الشيخ اليمني الّذي وعدته. فوهبه الدنانير ونثرها إلى آخر القصة.

وقيل إنّ الّذي وفد على كسرى وأباد الحبشة هو النعمان بن قيس بن عبيد بن سيف بن ذي يزن. قالوا ولما كتبت الفرس مع وهزر وكانوا ثمانمائة، وقال ابن قتيبة كانوا سبعة آلاف وخمسمائة، وقال ابن حزم كان وهزر من عقب جاماسب عمّ أنوشروان، فأمّره على أصحابه وركبوا البحر ثمان سفائن فغرقت منها سفينتان وخلصت ست إلى

ص: 73

ساحل عدن. فلما نزلوا بأرض اليمن، قال وهزر لسيف: ما عندك؟ قال: ما شئت من قوس عربي ورجلي مع رجلك حتى نظفر أو نموت. قال أنصفت. وجمع ابن ذي يزن من استطاع من قومه، وسار إليه مسروق بن أبرهة في مائة ألف من الحبشة وأوباش اليمن، فتواقفوا للحرب، وأمر وهزر ابنه أن يناوشهم القتال فقتلوه، وأحفظه ذلك. وقال: أروني ملكهم. فأروه إياه على الفيل عليه تاجه وبين عينيه ياقوتة حمراء ثم نزل عن الفيل إلى الفرس، ثم إلى البغلة. فقال وهزر، ركب بنت الحمار، ذلّ وذلّ ملكه. ثم رماه بسهم فصكّ الياقوتة بين عينيه، وتغلغل في دماغه، وتنكّس عن دابته وداروا به، فحمل القوم عليهم وانهزم الحبشة في كل وجه، وأقبل وهزر إلى صنعاء، ولما أتى بابها قال: لا تدخل رايتي منكوسة. فهدم الباب، ودخل ناصبا رايته فملك اليمن ونفى عنها الحبشة وكتب بذلك إلى كسرى وبعث إليه بالأموال. فكتب إليه أن يملك سيف بن ذي يزن على اليمن على فريضة يؤدّيها كل عام ففعل، وانصرف وهزر إلى كسرى.

وملك سيف اليمن وكان أبوه من ملوكها وخلف وهزر نائبا على اليمن في جماعة من الفرس ضمهم إليه وجعله لنظر ابن ذي يزن وأنزله بصنعاء. وانفرد ابن ذي يزن بسلطانه، ونزل قصر الملك وهو رأس غمدان، يقال إنّ الضحّاك بناه على اسم الزهرة وهو أحد البيوت السبعة الموضوعة على أسماء الكواكب وروحانيتها، خرب في خلافة عثمان قاله المسعودي.

وقال السهيليّ: كانت صنعاء تسمى أوال، وصنعاء اسم بانيها صنعاء بن أوال بن عمير بن عابر بن شالخ. ولمّا استقل ابن ذي يزن بملك اليمن وفدت العرب عليه يهنوه [1] بالملك، ولما رجع من سلطان قومه وأباد من عدوّهم، وكان فيمن وفد عليه مشيخة قريش وعظماء العرب لعهدهم من أبناء إسماعيل وأهل بيتهم المنصوب لحجهم، فوفدوا في عشرة من رؤسائهم فيهم عبد المطلب، فأعظمهم سيف وأجلهم وأوجب لهم حقهم ووفر من ذلك قسم عبد المطلب من بينهم. وسأله عن بنيه حتى ذكر له شأن النبيّ صلى الله عليه وسلم وكفالته إياه بعد موت عبد الله أبيه عاشر ولد عبد المطلب، فأوصاه به وحضه على الإبلاغ في القيام عليه، والتحفظ به.

[1] الصحيح ان يقول: «وفدت العرب عليه يهنونه أو «تهنيه» لان الفعل من الأفعال الخمسة ولم يتقدم عليه ما يوجب حذف النون.»

ص: 74

من اليهود وغيرهم، وأسرّ إليه البشرى بنبوّته وظهور قريش قومهم على جميع العرب.

وأسنى جوائز هذا الوفد بما يدل على شرف الدولة وعظمها لبعد غايتها في الهمة، وعلو نظرها في كرامة الوفد، وبقاء آثار الترف في الصبابة شاهد لشرافة الحال في الأوّل.

ذكر صاحب الأعلام وغيره أنه أجاز سائر الوفد بمائة من الإبل وعشرة أعبد وعشرة وصائف وعشرة أرطال من الورق والذهب وكرش مليء من العنبر وأضعاف ذلك بعشرة أمثاله لعبد المطلب.

قال ابن إسحاق: ولما انصرف وهزر إلى كسرى غزا سيف على الحبشة وجعل يقتل ويبقر بطون النساء، حتى إذا لم يبق إلا القليل جعلهم خولا واتخذ منهم طوابير يسعون بين يديه بالحراب، وعظم خوفهم منه. فخرج يوما وهم يسعون بين يديه، فلما توسطهم وقد انفردوا به عن الناس، رموه بالحراب فقتلوه، ووثب رجل منهم على الملك. وقيل ركب خليفة وهزر فيمن معه من المسلحة، واستلحم الحبشة وبلغ ذلك كسرى، فبعث وهزر في أربعة آلاف من الفرس وأمره بقتل كل أسود أو منتسب إلى أسود ولو جعدا قططا ففعل، وقتل الحبشة حيث كانوا، وكتب بذلك إلى كسرى، فأمّره على اليمن فكان بجبيه له حتى هلك. واستضافت حشّابة ملك الحميريّين بعد مهلك ابن ذي يزن وأهل بيته إلى الفرس، وورثوا ملك العرب وسلطان حمير باليمن بعد أن كانوا يزاحمونهم بالمناكب في عراقهم، ويجسونهم بالغزو خلال ديارهم. ولم يبق للعرب في الملك رسم ولا طلل إلا أقيالا من حمير وقحطان رؤساء في أحيائهم بالبدو لا تعرف لهم طاعة، ولا ينفذ لهم في غير ذاتهم أمر، إلا ما كان لكهلان إخوتهم بأرض العرب من ملك آل المنذر من لخم على الحيرة والعراق بتولية فارس، وملك آل جفنة من غسان على الشام بتولية آل قيصر كما يأتي في أخبارهم.

وقال الطبريّ: لما كانت اليمن لكسرى بعث إلى سرنديب من الهند قائدا من قواده، ركب إليها البحر في جند كثيف، فقتل ملكها واستولى عليها، وحمل إلى كسرى منها أموالا عظيمة وجواهر. وكان وهزر يبعث العير إلى كسرى بالأموال والطيوب، فتمرّ على طريق البحرين تارة وعلى أرض الحجاز أخرى. وعدا بنو تميم في بعض الأيام على عيره بطريق البحرين، فكتب إلى عامله بالانتقام منهم، فقتل منهم خلقا كما يأتي في أخبار كسرى. وعدا بنو كنانة على عيره بطريق الحجاز حين مرّت بهم، وكان في جوار رجل من أشراف العرب من قيس، فكانت حرب الفجّار بين قيس وكنانة

ص: 75

بسبب ذلك وشهدها النبيّ صلى الله عليه وسلم وكان ينبل فيها على أعمامه أي يجمع لهم النبل.

قال الطبريّ: ولما هلك وهزر أمّر كسرى من بعده على اليمن ابنه المرزبان، ثم هلك فأمّر حافده خرخسرو بن التيجان بن المرزبان، ثم سخط عليه وحمل إليه مقيدا، ثم أجاره ابن كسرى وخلّى سبيله، فعزله كسرى وولى باذان فلم يزل إلى أن كانت البعثة وأسلم باذان وفشا الإسلام باليمن كما نذكره عند ذكر الهجرة وأخبار الإسلام باليمن.

هذا آخر الخبر عن ملوك التبابعة من اليمن ومن ملك بعدهم من الفرس، وكان عدد ملوكهم فيما قال المسعودي سبعة وثلاثين ملكا في مدّة ثلاثة آلاف ومائتي سنة إلّا عشرا، وقيل أقل من ذلك. فكانوا ينزلون مدينة ظفّار. قال السهيليّ زمار وظفّار اسمان لمدينة واحدة، يقال بناها مالك بن أبرهة وهو الأملوك ويسمى مالك وهو ابن ذي المنار، وكان على بابها مكتوب بالقلم الأوّل في حجر أسود:

يوم شيدت ظفار فقيل لمن

أنت فقالت لخير الأخيار

ثم سيلت من بعد ذلك قالت

انّ ملكي احابش الأشرار

ثم سيلت من بعد ذلك قالت

انّ ملكي لفارس الأحرار

ثم سيلت من بعد ذلك قالت

انّ ملكي لقريش النجّار

ثم سيلت من بعد ذلك قالت

انّ ملكي لخير سنجار

وقليلا ما يلبث القوم فيها

غير تشييدها لحامي البوار

من أسود يلقيهم البحر فيها

تشعل النار في أعالي الجدار

ولم تزل مدينة ظفّار هذه منزلا للملوك، وكذلك في الإسلام صدر الدولتين، وكانت اليمن من أرفع الولايات عندهم، بما كانت منازل العرب العاربة، ودارا لملوك العظماء من التبابعة والأقيال والعباهلة. ولما انقضى الكلام في أخبار حمير وملوكهم باليمن من العرب، استدعى الكلام ذكر معاصريهم من العجم على شرط كتابنا لنستوعب أخبار الخليقة، ونميّز حال هذا الجيل العربيّ من جميع جهاته، والأمم المشاهير من العجم الذين كانت لهم الدول العظيمة لعهد الطبقة الأولى والثانية من العرب وهم النبط والسريانيّون أهل بابل، ثم الجرامقة أهل الموصل، ثم القبط، ثم بنو إسرائيل والفرس ويونان والروم، فلنأت الآن بما كان لهم من الملك والدولة وبعض أخبارهم على اختصار، والله ولي العون والتوفيق، لا رب غير ولا مأمول إلّا خيره

.

ص: 76