الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بكذب ما بلغه من ذلك وانه ضابط للمال [1] حافظ له، فكتب إليه عليّ أعلمني ما أخذت ومن أين أخذت وفيما صنعت [2] ؟ فكتب إليه ابن عبّاس فهمت استعظامك لما رفع إليك اني رزأته من هذا المال فابعث إلى عملك من أحببت فاني ظاعن عنه واستدعى أخواله من بني هلال، فجاءته قيس كلها ولم يبعث الأموال [3] وقال:
هذه أرزاقنا، وأتبعه أهل البصرة ووقفت دونه قيس. فرجع صبرة بن شيمان الهمدانيّ بالأزد وقال قيس: إخواننا وهم خير من المال فأطيعوني، وانصرف معهم بكر وعبد القيس ثم انصرف الأحنف بقومه من بني تميم وحجز بقية تميم عنه، ولحق ابن عبّاس بمكة.
مقتل علي
قتل علي رضي الله عنه سنة أربعين لسبع عشرة من رمضان وقيل لإحدى عشرة وقيل في ربيع الآخر والأوّل أصح، وكان سبب قتله أنّ عبد الرحمن بن ملجم المراديّ والبرك [4] بن عبد الله التميميّ الصريميّ واسمه الحجّاج وعمرو بن بكر التميمي السعديّ، ثلاثتهم من الخوارج لحقوا من فلّهم بالحجاز، واجتمعوا فتذاكروا ما فيه الناس وعابوا الولاة وترحّموا على قتلى النهروان، وقالوا: ما نصنع بالبقاء بعدهم فلو شرينا أنفسنا وقتلنا أئمة الضلال وأرحنا منهم الناس، فقال ابن ملجم وكان من مصر: أنا أكفيكم عليّا، وقال البرك: أنا أكفيكم معاوية، وقال عمرو بن بكر التميمي: أنا أكفيكم عمرو بن العاص. وتعاهدوا أن لا يرجع أحد عن صاحبه حتى يقتله أو يموت. واتّعدوا لسبع عشرة من رمضان وانطلقوا، ولقي ابن ملجم أصحابه بالكوفة فطوى خبره عنهم، ثم جاء إلى شبيب بن شجرة من أشجع ودعاه إلى الموافقة [5] في شأنه، فقال شبيب ثكلتك أمك فكيف تقدر على قتله. قال:
أكمن له في المسجد في صلاة الغداة فان قتلناه وإلّا فهي الشهادة، قال: ويحك لا
[1] وفي النسخة الباريسية: وانه بريء ضابط للمال.
[2]
وفي نسخة ثانية: وضعت.
[3]
وفي نسخة ثانية: فحمل المال.
[4]
البرك على وزن صرد كذا خطه الحافظ أهـ. (تاج العروس)
[5]
وفي النسخة الباريسية، المرافقة.
أجدني أنشرح لقتله مع سابقته وفضله، قال: ألم يقتل العباد الصالحين أهل النهروان؟ قال: بلى. قال: فنقتله بمن قتله منهم، فأجابه: ثم لقي امرأة من تيم الرباب فائقة الجمال قتل أبوها وأخوها يوم النهروان، فأخذت قلبه فخطبها فشرطت عليه عبدا وقينة وقتل عليّ، فقالت كيف يمكن ما أنت تريدين؟ قالت التمس غرته فان قتلته شفيت النفوس وإلّا فهي الشهادة. قال: والله ما جئت إلا لذلك ولك ما سألت، قالت: سأبعث معك من يشدّ ظهرك ويساعدك، وبعثت معه رجلا من قومها اسمه وردان.
فلما كانت الليلة التي واعد ابن ملجم أصحابه على قتل عليّ وكانت ليلة الجمعة جاء إلى المسجد ومعه شبيب ووردان وجلسوا مقابل السّدة التي يخرج منها علي للصلاة، فلما خرج ونادى للصلاة علاه شبيب بالسيف فوقع بعضادة الباب، وضربه ابن ملجم على مقدّم رأسه، وقال: الحكم للَّه لا لك يا عليّ ولا لأصحابك. وهرب وردان إلى منزله وأخبر بعض أصحابه بالأمر فقتله. وهرب شبيب مغلسا. وصاح الناس به فلحقه رجل من حضرموت فأخذه وجلس عليه والسيف في يد شبيب والناس قد أقبلوا في طلبه، وخشي الحضرميّ على نفسه لاختلاط الغلس فتتركه وذهب في غمار الناس، وشدّ الناس على ابن ملجم واستخلف علي على الصلاة جعدة بن هبيرة وهو ابن أخته أم هانئ فصلى الغداة بالناس، وأدخل ابن ملجم مكتوفا على عليّ فقال: أي عدوّ الله ما حملك على هذا؟ قال: شحذته أربعين صباحا وسألت الله أن يقتل به شرّ خلقه، فقال: أراك مقتولا به. ثم قال إن هلكت فاقتلوه كما قتلني وان بقيت رأيت فيه رأيي، يا بني عبد المطلب لا تحرّضوا على دماء المسلمين وتقولوا قتل أمير المؤمنين لا تقتلوا إلا قاتلي، يا حسن إن أنا متّ من ضربتي هذه فاضربه بسيفه ولا تمثلنّ بالرجل فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إياكم والمثلة. وقالت أمّ كلثوم لابن ملجم وهو مكتوف وهي تبكي: أي عدوّ الله إنه لا بأس على أبي والله مخزيك قال: فعلام تبكين؟ والله لقد شريته بألف وصقلته أربعين ولو كانت هذه الضربة بأهل بلد ما بقي منهم أحد. وقال جندب بن عبد الله لعليّ أنبايع الحسن إن فقدناك؟ قال: ما آمركم به ولا أنهاكم أنتم أبصر، ثم دعا الحسن والحسين ووصّاهما قال: أوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا وان
بغتكما ولا تأسفا علي شيء زوى منها عنكما [1] وقولا الحق وارحما اليتيم وأعينا الضائع [2] وكونا للظالم خصما وللمظلوم ناصرا واعملا بما في كتاب الله ولا تأخذكما في الله لومة لائم. ثم قال لمحمد بن الحنفية: اني أوصيك بمثل ذلك وبتوقير أخويك لعظيم حقهما عليك ولا تقطع أمرا دونهما، ثم وصّاهم بابن الحنفية، ثم أعاد على الحسن وصيته. ولما حضرته الوفاة كتب وصيّته العامة ولم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض.
فأحضر الحسن ابن ملجم فقال له: هل لك في البقاء عليّ واني قد عاهدت الله أن أقتل عليّا ومعاوية واني عاهدت الله على الوفاء بالعهد فخلّ بيني وبين ذلك فإن قتلته وبقيت فلك عهد الله أن آتيك، فقال: لا والله حتى تعاين النار ثم قدّمه فقتله. وأما البرك فإنه قعد لمعاوية تلك الليلة فلما خرج للصلاة ضربه بالسيف في أليته وأخذ فقال: عندي بشري [3] أتنفعني ان أخبرتك بها قال: نعم. قال: إنّ أخا لي قتل عليّا هذه الليلة، قال: فلعله لم يقدر عليه، قال: بلى إنّ عليّا ليس معه حرس، فأمر به معاوية فقتل، وأحضر الطبيب فقال: ليس إلا الكي أو شربة تقطع منك الولد. فقال: في يزيد وعبد الله ما تقرّبه عيني والنار لا صبر لي عليها، وقد قيل إنّه أمر بقطع البرك فقطع وأقام إلى أيام زيادة فقتله بالبصرة، وعند ذلك اتخذ معاوية المقصورة وحرس الليل وقيام الشرط على رأسه إذا سجد. ويقال إنّ أوّل من اتخذ المقصورة مروان بن الحكم سنة أربع وأربعين حين طعنه اليمانيّ.
وأمّا عمرو بن بكر فإنّه جلس لعمرو بن العاص تلك الليلة فلم يخرج وكان اشتكى فأمر صاحب شرطته خارجة بن أبي حبيبة بن عامر بن لؤيّ يصلي بالناس فشدّ عليه فضربه فقتله وهو يرى أنه عمرو بن العاص، فلما أخذوه وأدخلوه على عمرو قال فمن قتلت إذا؟ قالوا خارجة فقال: لعمرو بن العاص والله ما ظننته غيرك! فقال عمرو: وأردت عمرا وأراد الله خارجة. وأمر بقتله.
وتوفي عليّ رضي الله عنه وعلى البصرة عبد الله بن عبّاس وعلى قضائها ابو الأسود الدؤلي وعلى فارس زياد بن سميّة وعلى اليمن عبيد الله بن العبّاس حتى وقع أمر بسر بن
[1] وفي النسخة الباريسية: ولا تبكيا منها على شيء رزى عنكما.
[2]
وفي النسخة الباريسية: واضنعا الله.
[3]
وفي النسخة الباريسية: مسرّة.