المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذر من هذه الطبقة وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم وكيف صار إلى طيئ من بعدهم - تاريخ ابن خلدون - جـ ٢

[ابن خلدون]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني]

- ‌الكتاب الثاني ويشتمل: أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ مبدإ الخليقة الى هذا العهد

- ‌المقدّمة الاولى في أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم

- ‌المقدّمة الثانية في كيفية وضع الأنساب في كتابنا لأهل الدول وغيرهم

- ‌القول في أجيال العرب وأوّليتها واختلاف طبقاتهم وتعاقبها وأنساب كل طبقة منها

- ‌برنامج بما تضمنه الكتاب من الدول في هذه الطبقات الأربع على ترتيبها والدول المعاصرين من العجم في كل طبقة منها

- ‌الطبقة الاولى من العرب وهم العرب العاربة وذكر نسبهم والإمام بملكهم ودولهم على الجملة

- ‌الخبر عن إبراهيم أبي الأنبياء عليهم السلام ونسبه الى فالغ بن عابر وذكر أولاده صلوات الله عليهم وأحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من العرب وهم العرب المستعربة وذكر أنسابهم وأيامهم وملوكهم والإلمام ببعض الدول التي كانت على عهدهم

- ‌الخبر عن ملوك التبابعة من حمير وأوليتهم باليمن ومصاير أمورهم

- ‌ملك الحبشة اليمن

- ‌غزو الحبشة الكعبة

- ‌قصة سيف بن ذي يزن وملك الفرس على اليمن

- ‌الخبر عن ملوك بابل من النبط والسريانيين وملوك الموصل ونينوى من الجرامقة

- ‌الخبر عن القبط وأوّلية ملكهم ودولهم وتصاريف أحوالهم والإلمام بنسبهم

- ‌الخبر عن بني إسرائيل وما كان لهم من النبوة والملك وتغلبهم على الأرض المقدّسة بالشام وكيف تجدّدت دولتهم بعد الانقراض وما اكتنف ذلك من الأحوال

- ‌الخبر عن حكام بني إسرائيل بعد يوشع الى أن صار أمرهم إلى الملك وملك عليهم طالوت

- ‌الخبر عن ملوك بني إسرائيل بعد الحكام ثم افتراق أمرهم والخبر عن دولة بني سليمان بن داود على السبطين يهوذا وبنيامين بالقدس الى انقراضها

- ‌الخبر عن افتراق بنى إسرائيل منهم ببيت المقدس على سبط يهوذا وبنيامين الى انقراضه

- ‌الخبر عن دولة الأسباط العشرة وملوكهم الى حين انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن عمارة بيت المقدس بعد الخراب الأوّل وما كان لبني إسرائيل فيها من الملك في الدولتين لبني حشمناي وبني هيردوس إلى حين الخراب الثاني والجلوة الكبرى

- ‌ابتداء أمر انظفتر [1] أبو هيردوس

- ‌انقراض ملك بني حشمناي وابتداء ملك هيردوس وبنيه

- ‌الخبر عن شأن عيسى بن مريم صلوات الله عليه في ولادته وبعثته ورفعه من الأرض والإلمام بشأن الحواريين بعده وكتبهم الأناجيل الأربعة وديانة النصارى بملته واجتماع الاقسة على تدوين شريعته

- ‌الخبر عن الفرس وذكر أيامهم ودولهم وتسمية ملوكهم وكيف كان مصير أمرهم الى تمامه وانقراضه

- ‌الطبقة الاولى من الفرس وذكر ملوكهم وما صار اليه في الخليقة أحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من الفرس وهم الكينية وذكر ملوكهم وأيامهم إلى حين انقراضهم

- ‌الطبقة الثالثة من الفرس وهم الأشكانية ملوك الطوائف وذكر دولهم ومصاير أمورهم الى نهايتها

- ‌الطبقة الرابعة من الفرس وهم الساسانية والخبر عن ملوكهم الأكاسرة إلى حين الفتح الإسلامي

- ‌الخبر عن دولة يونان والروم وأنسابهم ومصايرهم

- ‌الخبر عن دولة يونان والإسكندر منهم وما كان لهم من الملك والسلطان الى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن اللطينيين وهم الكيتم المعرفون بالروم من أمم يونان وأشياعهم وشعوبهم وما كان لهم من الملك والغلب وذكر الدولة التي فيهم للقياصرة وأولية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن فتنة الكيتم مع أهل إفريقية وتخريب قرطاجنة ثم بناؤها على الكيتم وهم اللطينيون

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من الكيتم وهم اللطينيون ومبدإ أمورهم ومصاير أحوالهم

- ‌الخبر عن القياصرة المتنصرة من اللطينيين وهم الكيتم واستفعال ملكهم بقسطنطينية ثم بالشام بعدها إلى حين الفتح الإسلامي ثم بعد إلى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من لدن هرقل والدولة الإسلامية الى حين انقراض أمرهم وتلاشي أحوالهم

- ‌الخبر عن القوط وما كان لهم من الملك بالأندلس الى حين الفتح الإسلامي وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الطبقة الثالثة من العرب وهم العرب التابعة للعرب وذكر افاريقهم وأنسابهم وممالكهم وما كان لهم من الدول على اختلافها والبادية والرحالة منهم وملكها

- ‌الخبر عن أنساب العرب من هذه الطبقة الثالثة واحدة واحدة وذكر مواطنهم ومن كان له الملك منهم

- ‌الخبر عن حمير من القحطانية وبطونها وتفرع شعوبها

- ‌الخبر عن قضاعة وبطونها والإلمام ببعض الملك الّذي كان فيها

- ‌الخبر عن بطون كهلان من القحطانية وشعوبهم واتصال بعضها مع بعض وانقضائها

- ‌الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذر من هذه الطبقة وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم وكيف صار إلى طيِّئ من بعدهم

- ‌ملوك كندة الخبر عن ملوك كندة من هذه الطبقة ومبدإ أمرهم وتصاريف أحوالهم

- ‌الخبر عن أبناء جفنة ملوك غسان بالشام من هذه الطبقة وأوليتهم ودولهم وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم

- ‌الخبر عن الأوس والخزرج أبناء قيلة من هذه الطبقة ملوك يثرب دار الهجرة وذكر أوليتهم والإلمام بشأن نصرتهم وكيف انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن بني عدنان وأنسابهم وشعوبهم وما كان لهم من الدول والملك في الإسلام وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن قريش من هذه الطبقة وملكهم بمكة وأولية أمرهم وكيف صار الملك اليهم فيها ممن قبلهم من الأمم السابقة

- ‌أمر النبوّة والهجرة في هذه الطبقة الثالثة وما كان من اجتماع العرب على الإسلام بعد الاباية والحرب

- ‌المولد الكريم وبدء الوحي

- ‌بدء الوحي

- ‌هجرة الحبشة

- ‌ العقبة الثانية

- ‌الهجرة

- ‌الغزوات

- ‌الأبواء:

- ‌بواط:

- ‌البعوث:

- ‌غزوة بدر الثانية:

- ‌غزوة الكدر:

- ‌غزوة السويق:

- ‌ذي أمرّ:

- ‌نجران:

- ‌قتل كعب بن الأشرف:

- ‌غزوة بني قينقاع:

- ‌سرية زيد بن حارثة إلى قردة:

- ‌قتل ابن أبي الحقيق:

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد:

- ‌بعث الرجيع:

- ‌غزوة بئر معونة:

- ‌غزوة بني النضير:

- ‌غزوة ذات الرقاع:

- ‌غزوة بدر الصغرى الموعد:

- ‌غزوة دومة الجندل:

- ‌غزوة الخندق

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌غزوة الغابة وذي قرد

- ‌غزاة بني المصطلق:

- ‌عمرة الحديبيّة

- ‌إرسال الرسل الى الملوك

- ‌غزوة خيبر

- ‌فتح فدك ووادي القرى

- ‌عمرة القضاء

- ‌غزوة جيش الأمراء

- ‌فتح مكة

- ‌غزوة حنين

- ‌حصار الطائف وغزوة تبوك

- ‌إسلام عروة بن مسعود ثم وفد ثقيف وهدم اللات

- ‌الوفود

- ‌ حجة الوداع

- ‌العمال على النواحي

- ‌خبر العنسيّ

- ‌بعث أسامة:

- ‌أخبار الأسود ومسيلمة وطليحة:

- ‌مرضه صلى الله وسلم عليه:

- ‌خبر السقيفة

- ‌الخلافة الإسلامية

- ‌الخبر عن الخلافة الإسلامية في هذه الطبقة وما كان فيها من الرّدة والفتوحات وما حدث بعد ذلك من الفتن والحروب في الإسلام ثم الاتفاق والجماعة

- ‌بعث الجيوش للمرتدين

- ‌خبر طليحة

- ‌خبر هوازن وسليم وبني عامر

- ‌خبر بني تميم وسجاح

- ‌البطاح ومالك بن نويرة

- ‌خبر مسيلمة واليمامة

- ‌ردّه الحطم وأهل البحرين

- ‌ردة أهل عمان ومهرة واليمن [2]

- ‌بعوث العراق وصلح الحيرة

- ‌فتح الحيرة

- ‌فتح ما وراء الحيرة

- ‌فتح الأنبار وعين التمر وتسمّى هذه الغزوة ذات العيون

- ‌الوقائع بالعراق

- ‌بعوث الشام

- ‌بعوث الشام

- ‌خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌فتح دمشق

- ‌خبر المثنى بالعراق بعد مسير خالد الى الشام

- ‌ولاية أبي عبيد بن مسعود على العراق ومقتله

- ‌أخبار القادسية

- ‌فتح المدائن وجلولاء بعدها

- ‌ولاية عتبة بن غزوان على البصرة

- ‌وقعة مرج الروم وفتوح مدائن الشام بعدها

- ‌وقعة أجنادين وفتح بيسان والأردن وبيت المقدس

- ‌مسير هرقل إلى حمص وفتح الجزيرة وارمينية

- ‌غزو فارس من البحرين وعزل العلاء عن البصرة ثم المغيرة وولاية أبي موسى

- ‌بناء البصرة والكوفة

- ‌فتح الأهواز والسوس بعدهما

- ‌مسير المسلمين الى الجهات للفتح

- ‌مجاعة عام الرمادة وطاعون عمواس

- ‌فتح مصر

- ‌وقعة نهاوند وما كان بعدها من الفتوحات

- ‌فتح همذان

- ‌فتح الريّ

- ‌فتح أذربيجان

- ‌فتح الباب

- ‌فتح موقان وجبال ارمينية

- ‌غزو الترك

- ‌فتح خراسان

- ‌فتوح فارس

- ‌إصطخر:

- ‌بسا ودرابجرد:

- ‌كرمان:

- ‌سجستان:

- ‌مكران:

- ‌خبر الأكراد

- ‌مقتل عمر وأمر الشورى وبيعة عثمان رضي الله عنه

- ‌نقض أهل الاسكندرية وفتحها

- ‌ولاية الوليد بن عقبة الكوفة وصلح أرمينية وأذربيجان

- ‌ولاية عبد الله بن أبي سرح على مصر وفتح افريقية

- ‌فتح قبرص

- ‌ولاية ابن عامر على البصرة وفتوح فارس وخراسان

- ‌ولاية سعيد بن العاص الكوفة

- ‌غزو طبرستان

- ‌غزو حذيفة الباب وأمر المصاحف

- ‌مقتل يزدجرد

- ‌ظهور الترك بالثغور

- ‌بدء الانتقاض على عثمان رضي الله عنه

- ‌حصار عثمان ومقتله رضي الله عنه وأتابه ورفع درجته

- ‌بيعة علي رضي الله عنه

- ‌أمر الجمل

- ‌انتقاض محمد بن أبي حذيفة بمصر ومقتله

- ‌ولاية قيس بن سعد على مصر

- ‌مبايعة عمرو بن العاص لمعاوية

- ‌أمر صفين

- ‌ أمر الحكمين

- ‌أمر الخوارج وقتالهم

- ‌ولاية عمرو بن العاص مصر

- ‌دعاء ابن الحضرميّ بالبصرة لمعاوية ومقتله

- ‌ولاية زياد على فارس

- ‌فراق ابن عبّاس لعلي رضي الله عنهم

- ‌مقتل علي

- ‌بيعة الحسن وتسليمه الأمر لمعاوية

الفصل: ‌الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذر من هذه الطبقة وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم وكيف صار إلى طيئ من بعدهم

بن الحرث الأكبر جاهليّ إسلامي، وابنه محمد بن الأشعث وابنه عبد الرحمن بن الأشعث القائم على عبد الملك والحجاج وهو مشهور، وابن عمهم أيضا ابن عديّ وهو الأدمر بن عديّ بن جبلّة له صحبة فيما يقال، وهو الّذي قتله معاوية على الثورة بأخيه زياد وخبره معروف.

هذه قبائل اليمن من قحطان استوفينا ذكر بطونهم وأنسابهم ونرجع الآن إلى ذكر من كان الملك منهم بالشام والحجاز والعراق حسبما نقصه، والله تعالى المعين بكرمه ومنه لا ربّ غيره ولا خير إلّا خيره.

‌الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذر من هذه الطبقة وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم وكيف صار إلى طيِّئ من بعدهم

أمّا أخبار العرب بالعراق في الجيل الأول وهم العرب العاربة فلم يصل إلينا تفاصيلها وشرح حالها، إلّا أنّ قوم عاد والعمالقة ملكوا العراق، والمسند في بعض الأقوال أنّ الضحّاك بن سنان منهم كما مرّ. وأمّا في الجيل الثاني وهم العرب المستعربة فلم يكن لهم به مستبدّ وإنما كان ملكهم به بدويا ورياستهم في أهل الظواعن. وكان ملك العرب كما مرّ في التبابعة من أهل اليمن، وكانت بينهم وبين فارس حروب وربّما غلبوهم على العراق وملكوه أو بعضه كما مرّ، لكن اليمن لم يغلبوا ثانيا على ما ملكوا منه، وقد مرّ إيقاع بخت نصّر وإثخانه فيهم ما تقدّم. وكان في سواد العراق وأطراف الشام والجزيرة الأرمانيون من بني إرم بن سام، ومن كان من بقية عساكر ابن تبّع من جعفر طيِّئ وكلب وتميم وغيرهم من جرهم، ومن نزل معهم بعد ذلك من تنوخ ونمارة بن لخم وقنص بن معدّ ومن إليهم كما قدّمنا ذكر ذلك. وكان ما بين الحيرة والفرات إلى ناحية الأنبار موطن لهم وكانوا يسمّون عرب الضاحية، وكان أوّل من ملك منهم في زمن الطوائف مالك بن فهم بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن ثعلبة بن حلوان بن قضاعة، وكان منزله مما يلي الأنبار. وملك من بعده أخوه عمرو بن فهم.

ثم ملك من بعدهما جذيمة الأبرش اثنتي عشرة سنة، وقد تقدّم أنه صهرهما وأنّ مالك بن زهير بن عمرو بن فهم زوّجه أخته وصاروا حلفاء مع الأزد من قوم جذيمة

ص: 310

ونسب جذيمة في الأزد إلى بني زهران، ثم إلى دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران، وهو جذيمة بن ملك بن فهم بن غنم بن دوس هكذا قال ابن الكبي.

ويقال: إنه من وبار بن أميم بن لاوذ بن سام، وكان بنو زهران من الأزد خرجوا قبل خروج مزيقياء من اليمن ونزلوا بالعراق وقيل ساروا من اليمن مع أولاد جفنة بن مزيقياء، فلما تفرّق الأزد على المواطن نزل بنو زهران هؤلاء بالشراة وعمان وصار لهم مع الطوائف ملك، وكان مالك بن فهم هذا من ملوكهم. وكان بشاطئ الفرات من الجانب الشرقي عمرو بن الظرب بن حسّان بن أدينة من ولد السميدع بن هوثر من بقايا العمالقة، فكان عمرو بن الظرب على مشارف الشام والجزيرة، وكان منزله بالمضيق بين الخابور وقرقيساء فكانت بينه وبين مالك بن فهم حروب هلك عمرو في بعضها، وقامت بملكه من بعده ابنته الزبّاء بنت عمرو واسمها نائلة عند الطبري وميسون عند ابن دريد.

قال السهيليّ: ويقال إنّا الزباء الملكة كانت من ذرية السميدع بن هوثر من بني قطورا أهل مكّة، وهو السميدع بن مرثد بالثاء المثلثة ابن لاي بن قطور بن كركي بن عملاق، وهي بنت عمرو بن أدينة بن الظرب بن حسّان. وبين حسّان هذا والسميدع آباء كثيرة ليست بصحيحة لبعد زمن الزباء من زمن السميدع انتهى كلام السهيليّ.

ولم تزل الحرب بين مالك بن فهم وبين الزباء بنت عمرو إلى أن ألجأها إلى أطراف مملكتها، وكان يغير على ملوك الطوائف حتى غلبهم على كثير مما في أيديهم. قال أبو عبيدة: وهو أوّل ملك كان بالعراق من العرب وأوّل من نصب المجانيق وأوقد الشموع وملك ستين سنة. ولما هلك قام بأمره من بعده جذيمة الوضّاح ويقال له الأبرش، وكان يكنّى بأبي مالك وهو منادم الفرقدين. قال أبو عبيدة: كان جذيمة بعد عيسى بثلاثين سنة فملك أزمان الطوائف خمسا وسبعين سنة وأيام أردشير كلها خمسة عشر سنة وثماني سنين من أيام سابور، وكان بينه وبين الزّباء سلم وحرب، ولم تزل تحاول الثأر منه بأبيها حتى تحيلت عليه وأطمعته في نفسها فخطبها وأجابته، وأجمع المسير إليها وأبى عليه وزيره قيصر بن سعد، فعصاه ودخل إليها ولقيته بالجنود وأحس بالشر، فنجا قيصر ودخل جذيمة إلى قصرها فقطعت رواهشه [1] وأجرت دمه إلى أن

[1] الرواهش: العروق الكبيرة في باطن الذراعين.

ص: 311

هلك في حكاية منقولة في كتب الأخباريين.

قال الطبري: وكان جذيمة من أفضل ملوك العرب رأيا وأبعدهم مغارا وأشدّهم حزما وأوّل من استجمع له الملك بأرض العراق وسرى بالجيوش، وكان به برص فكنوا عنه بالوضّاح إجلالا له، وكانت منازله بين الحيرة والأنبار وهيت ونواحيها وعين التمر [1] وأطراف البر إلى العمى والقطقطانيّة وجفنة، وكانت تجبى إليه الأموال وتفد إليه الوفود، وغزا في بعض الأيام طسما وجديسا في منازلهم باليمامة، ووجد حسّان بن تبّع قد أغار عليهم فانفكأ هو راجعا بمن معه، وأتت خيول حسّان على سرايا فأجاحوها. وكان أكثر غزو جذيمة للعرب العاربة، وكان قد تكهن وادعى النبوّة، وكانت منازل إياد بعين أباغ سميت باسم رجل من العمالقة نزل بها وكان جذيمة كثيرا ما يغزوهم حتى طلبوا مسالمته، وكان بينهم غلام من لخم من بني أختهم وكانوا أخوالا له وهو عديّ بن نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحرث بن مسعود بن مالك بن عمرو بن نمارة بن لخم، وكان له جمال وضرب وطلبه منهم جذيمة فامتنعوا من تسليمه إليه، فألح عليهم بالغزو وبعثت إياد من سرق لهم صنمين كانا عند جذيمة يدعو بهما ويستسقى بهما وعرّفوه أنّ الصنمين عندهم وأنهم يردّونهما بشريطة رفع الغزو عنهم، فأجابهم إلى ذلك بشريطة أن يبعثوا مع الصنمين عديّ بن نصر فكان ذلك.

ولما جاءه عديّ بن نصر استخلصه لنفسه وولّاه شرابه، وهويته رقاش أخته فراسلته فدافعها بالخشية من جذيمة، فقالت له اخطبني منه إذا أخذت الخمر منه وأشهد عليه القول ففعل، وأعرس بها من ليلته، وأصبح مضرجا بالخلوق. وراب جذيمة شأنه ثم أعلم بما كان منه فعض على يديه أسفا، وهرب عديّ فلم يظهر له أثر، ثم سألها في أبيات شعر معروفة فأخبرته بما كان منه فعرف عذرها وكف، وأقام عديّ في أخواله إياد إلى أن هلك، وولدت رقاش منه غلاما وسمته عمرا وربي عند خاله جذيمة وكان يستظرفه ثم استهوته الجن فغاب وضرب له جذيمة في الآفاق إلى أن ردّه عليه وافدان من العتقاء، ثم من قضاعة وهما مالك وعقيل ابنا فارج بن مالك بن العنس أهديا له طرفا ومتاعا، ولقيا عمرا بطريقهما وقد ساءت حاله وسألاه فأخبرهما باسمه ونسبه فأصلحا من شأنه وجاءا به إلى جذيمة بالحيرة فسرّ به وسرّت أمّه. وحكم الرجلين فطلبا منادمته فأسعفهما وكانا ينادمانه حتى ضرب المثل بهما وقيل ندماني

[1] تقع في الجنوب الغربي من كربلاء.

ص: 312

جذيمة، والقصة مبسوطة في كتب الاخباريّين بأكثر من هذا.

قال الطبري: وكان ملك العرب بأرض الحيرة ومشارف الشام عمرو بن ظرب بن حسّان بن أدينة بن السميدع بن هوثر العملاقي، فكانت بينه وبين جذيمة حرب قتل فيها عمرو بن الظرب وفضت جموعه. وملكت بعده ابنته الزبّاء واسمها نائلة وجنودها بقايا العمالقة من عاد الأولى ومن نهد وسليح ابني حلوان ومن كان معهم من قبائل قضاعة، وكانت تسكن على شاطئ الفرات وقد بنت هنالك قصرا وتربّع عند بطن المجاز وتصيّف بتدمر. ولما استحكم لها الملك أجمعت أخذ الثأر من جذيمة أبيها فبعثت إليه توهمه الخطبة وأنها امرأة لا يليق بها الملك فيجمع ملكها إلى ملكه، فطمع في ذلك ووافقه قومه، وأبى عليه منهم قصير بن سعد بن عمرو بن جذيمة بن قيس بن أربى بن نمارة بن لخم وكان حازما ناصحا، وحذره عاقبة ذلك، فعصاه واستشار ابن أخته عمرو بن عديّ فوافقه فاستخلفه على قومه، وجعل على خيوله عمرو بن عبد الجن، وسار هو على غربي الفرات إلى أن نزل رحبة مالك بن طوق وأتته الرسل منها بالألطاف والهدايا، ثم استقبلته الخيول فقال له قصير: إن أحاطت بك الخيول فهو الغدر فاركب فرسك العصا وكانت لا تجاري. فأحاطت به الخيول ودخل جذيمة على الزبّاء فقطعت رواهشه فسال دمه حتى نزف ومات، وقدم قصير على عمرو بن عديّ وقد اختلف عليه قومه ومال جماعة منهم إلى عمرو بن عبد الجنّ فأصلح أمرهم حتى انقادوا جميعا لعمرو بن عديّ، وأشار عليه بطلب الثأر من الزبّاء بخاله جذيمة. وكانت الكاهنة قد عرفتها بملكها وأعطتها علامات عمرو فحذرته وبعثت رجلا مصوّرا يصور لها عمرا في جميع حالاته، فسار إليه متنكرا واختلط بحشمه وجاء إليها بصورته فاستثبتته وتيقنت أنّ مهلكها منه، واتخذت نفقا في الأرض من مجلسها إلى حصن داخل مدينتها. وعمد عمرو إلى قصير فجدع أنفه بمواطأة منه على ذلك فلحق بالزباء يشكو ما أصابه من عمرو وأنه اتهمه بمداخلة الزبّاء في أمر خاله جذيمة، وما رأيت بعد ما فعل بي أنكى له من أن أكون معك.

فأكرمته وقرّبته حتى إذا رضي منها من الوثوق به أشار عليها بالتجارة في طرف العراق وأمتعته فأعطته مالا وعيرا، وذهب إلى العراق ولقي عمرو بن عديّ بالحيرة فجهزه بالطرف والأمتعة كيما يرضيها، وأتاها بذلك فازدادت به وثوقا وجهّزته بأكثر من الأولى، ثم عاد الثالثة وحمل بغاة الجند من أصحاب عمرو في الغرائر على الجمال

ص: 313

وعمرو فيهم، وتقدّم فبشّرها بالعير وبكثرة ما حمل إليها من الطرف، فخرجت تنظر فأنكرت ما رأته في الجمال من التكارد [1] ، ثم دخلت العير المدينة فلما توسطت أنيخت وخرج الرجال، وبادر عمرو إلى النفق فوقف عنده، ووضع الرجال سيوفهم في أهل البلد. وبادرت الزبّاء إلى النفق فوجدت عمرا قائما عنده فلحمها بالسيف وماتت، وأصاب ما أصاب من المدينة وانكفأ راجعا.

قال الطبري: وعمرو بن عديّ أوّل من اتخذ الحيرة منزلا من ملوك العرب، وأوّل من تجده أهل الحيرة في كتبهم من ملوك العرب بالعراق، وإليه ينسبون وهم ملوك آل نصر. ولم يزل عمرو بن عدي ملكا حتى مات وهو ابن مائة وعشرين سنة مستبدا منفردا يغزوهم ويغنم، وتفد عليه الوفود ولا يدين لملوك الطوائف ولا يدينون له حتى قدم أردشير بن بابك في أهل فارس.

قال الطبري: وإنما ذكرنا في هذا الموضع أمر جذيمة وابن أخته عمرو بن عدي لما قدّمناه عند ذكر ملوك اليمن، وأنهم لم يكن لهم ملك مستفحل وإنما كانوا طوائف على المخاليف يغير كل واحد على صاحبه إذا استغفله، ويرجع خوف الطلب حتى كان عمرو بن عديّ فاتصل له ولعقبه الملك على من كان بنواحي العراق وبادية الحجاز بالعرب، فاستعمله ملوك فارس على ذلك إلى آخر أمرهم. وكان أمر آل نصر هؤلاء ومن كان من ولاة الفرس وعمالهم على العرب معروفا مثبتا عندهم في كنائسهم وأشعارهم.

وقال هشام بن الكلبي: كنت أستخرج أخبار العرب وأنسابهم وأنساب آل نصر بن ربيعة ومبالغ أعمار من ولي منهم لآل كسرى وتاريخ نسبهم من كتبهم بالحيرة. وأمّا ابن إسحاق فذكر في آل نصر ومصيرهم إلى العراق أنّ ذلك كان بسبب الرؤيا التي رآها ربيعة بن نصر وعبرها الكاهنان شقّ وسطيح، وفيها أن الحبشة يغلبون على ملكهم باليمن، قال: فجهّز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرّزاذ فأسكنهم الحيرة، ومن بقية ربيعة بن نصر كان النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر. وقد يقال إنّ المنذر من أعقاب ساطرون ملك الحضر من تنوخ قضاعة، رواه ابن إسحاق من علماء الكوفة ورواه عن جبير بن مطعم قال: لما أتى عمر رضي الله عنه بسيف النعمان دعا بجبير بن مطعم،

[1] الطرد والمدافعة (قاموس) .

ص: 314

وكان أنسب قريش لقريش والعرب، تعلمه من أبي بكر رضي الله عنه فسلّمه إياه، ثم قال: ممن كان النعمان يا جبير؟ قال: كان من أسلاف قنص بن معدّة.

قال السهيليّ: كان ولد قنص بن معد انتشروا بالحجاز فوقعت بينهم وبين بني أبيهم حرب وتضايق بالبلاد وأجدبت الأرض، فساروا نحو سواد العراق وذلك في أيام ملوك الطوائف قاتلهم الأردوانيّون وبعض ملوك الطوائف وأجلوهم عن السواد وقتلوهم، إلا أشلاء لحقت بقبائل العرب ودخلوا فيهم فانتسبوا إليهم. قال الطبري:

حين سأله عمر عن النعمان قال: كانت العرب تقول من أشلاء قنص بن معدوهم من ولد عجم بن قنص إلا أنّ الناس صحّفوا عجم وجعلوا مكانه لخم. قال ابن إسحاق: وأما سائر العرب فيقولون النعمان بن المنذر رجل من لخم ربي بين ولد ربيعة بن نصر أهـ.

ولما هلك عمرو بن عديّ ولي بعده على العرب وسائر من ببادية العراق والحجاز والجزيرة إمرؤ القيس بن عمرو بن عدي، ويقال له البدء، وهو أوّل من تنصّر من ملوك آل نصر وعمّال الفرس، وعاش فيما ذكر هشام بن الكلبي مائة وأربعة عشر سنة، منها أيام سابور ثلاثا وعشرين سنة، وأيام هرمز بن سابور سنة واحدة، وأيام بهرام بن هرمز ثلاث سنين، وأيام بهرام بن بهرام ثماني عشرة سنة، ومن أيام سابور سبعون سنة. وهلك لعهده فولي مكانه ابنه عمرو بن امرئ القيس البدء، فأقام في ملكه ثلاثين سنة بقية أيام سابور بن سابور، ثم ولي مكانه أوس بن قلام العمليقي فيما قال هشام بن محمد، وهو من بني عمرو بن عملاق، فأقام في ولايته خمس سنين ثم سار به جحجبا بن عتيك بن لخم فقتله وولي مكانه. ثم هلك في عهد بهرام بن سابور، وولى من بعده إمرؤ القيس بن عمرو خمسا وعشرين سنة وهلك أيام يزدجرد الأثيم، فولي مكانه ابنه النعمان بن امرئ القيس وأمّه شقيقة بنت ربيعة بن ذهب بن شيبان وهو صاحب الخورنق، ويقال إنّ سبب بنائه إياه أنّ يزدجرد الأثيم دفع إليه ابنه بهرام جور ليربّيه وأمره ببناء هذا الخورنق مسكنا له وأسكنه إياه، ويقال:

إنّ الصانع الّذي بناه كان اسمه سنمّار وإنه لما فرغ من بنائه ألقاه من أعلاه فمات من أجل محاورة وقعت اختلف الناس في نقلها والله أعلم بصحتها، وذهب ذلك مثلا بين العرب في قبح الجزاء ووقع في أشعارهم منه كثير. وكان النعمان هذا من أفحل ملوك آل نصر وكانت له سنانان إحداهما للعرب والأخرى للفرس، وكان يغزو بهما بلاد

ص: 315

العرب بالشام ويدوّخها، وأقام في ملكه ثلاثين سنة ثم زهد وترك الملك ولبس المسوح وذهب فلم يوجد له أثر.

قال الطبري: وأمّا العلماء بأخبار الفرس فيقولون إنّ الّذي تولّى تربية بهرام هو المنذر بن النعمان بن امرئ القيس، دفعه إليه يزدجرد الأثيم لإشارة كانت عنده فيه من المنجمين، فأحسن تربيته وتأديبه وجاءه بمن يلقنه الخلال من العلوم والآداب والفروسية والنقابة [1] حتى اشتمل على ذلك كله بما رضيه، ثم ردّه إلى أبيه فأقام عنده قليلا ولم يرض بحاله، ووفد على أبيه وافد قيصر وهو أخوه قياودس، فقصده بهرام أن يسأل له من أبيه الرجوع إلى بلاد العرب فرجع، ونزل على المنذر. ثم هلك يزدجرد فاجتمع أهل فارس وولوا عليهم شخصا من ولد أردشير وعدلوا عن بهرام لمرباه بين العرب وخلوة عن آداب العجم، وجهّز المنذر العساكر لبهرام لطلب ملكه، وقدّم ابنه النعمان فحاصر مدينة الملك ثم جاء على أثره بعساكر العرب وبهرام معه فأذعن له فارس وأطاعوه، واستوهب المنذر ذنوبهم من بهرام فعفا عنهم واجتمع أمره. ورجع المنذر إلى بلاده وشغل باللهو وطمع فيه الملوك حوله، وغزاه خاقان ملك الترك في خمسين ألفا من العساكر، وسار إليه بهرام فانتهى إلى أذربيجان ثم إلى أرمينية. ثم ذهب يتصيّد وخلف أخوه نرسي على العساكر فرماه أهل فارس بالجبن وأنه خار عن لقاء الترك، فراسلوا خاقان في الصلح على ما يرضاه فرجع عنهم.

وانتهى الخبر بذلك إلى بهرام فسار في اتباعه وبيته فانفض بعسكره وقتله بيده، واستولى بهرام على ما في العساكر من الأثقال والذراري وظفر بتاج خاقان واكليله وسيفه بما كان فيه من الجواهر واليواقيت، وأسر زوجته، وغلب على ناحية من بلاده فولّى عليها بعض مرازبته وأذن له في الجلوس على سرير الفضة وأغزى ما وراء النهر فدانوا بالجزية، وانصرف إلى أذربيجان فجعل سيف خاقان واكليله معلقا ببيت النار وأخدمه خاتون امرأة خاقان، ورفع الخراج عن الناس ثلاث سنين شكرا للَّه تعالى على النصر، وتصدّق بعشرين ألف ألف درهم مكرّرة مرّتين، وكتب بالخبر إلى النواحي وولّى أخاه نرسي على خراسان واستوزر له بهر نرسي بن بدارة بن فرّخزاد، ووصل الطبريّ نسبه من هنا بعد أربعة فكان رابعهم أشك بن دارا وأغزى بهرام أرض الروم في أربعين ألفا فانتهى إلى القسطنطينية ورجع.

[1] سلوك طرق الجبال (قاموس) .

ص: 316

قال هشام بن الكلبي: ثم جاء الحرث بن عمرو بن حجر الكندي في جيش إلى بلاد معدّ والحيرة وقد ولاه تبّع بن حسّان بن تبع، فسار إليه النعمان بن امرئ القيس بن الشقيقة وقاتله فقتل النعمان وعدة من أهل بيته وانهزم أصحابه، وأفلت المنذر بن النعمان الأكبر وأمه ماء السماء امرأة من اليمن، وتشتت ملك آل النعمان، وملك الحرث بن عمرو ما كانوا يملكونه. وقال غير هشام بن الكلبي: إنّ النعمان الّذي قتله الحرث هو ابن المنذر بن النعمان وأمه هند بنت زيد مناة بن زيد الله بن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن شيبان، وهو الّذي أسرته فارس، ملك عشرين سنة منها في أيام فيروز بن يزدجرد عشر سنين وأيام يلاوش بن يزدجرد أربع سنين وفي أيام قباذ بن فيروز ست سنين.

قال هشام بن محمد الكلبي: ولما ملك الحرث بن عمرو ملك آل النعمان بعث إليه قبّاذ يطلب لقاءه وكان مضعفا فجاءه الحرث وصالحه على أن لا يتجاوز بالعرب الفرات، ثم استضعفه فأطلق العرب للغارة في نواحي السواد وراء الفرات فسأله اللقاء بابنه، واعتذر إليه أشظاظ العرب وأنه لا يضبطهم إلّا المال فأقطعه جانبا من السواد، فبعث الحرث إلى ملك اليمن تبّع يستنهضه بغزو فارس في بلادهم ويخبره بضعف ملكهم، فجمع وسار حتى نزل الحيرة وبعث ابن أخيه شمرا ذا الجناح إلى قبّاذ فقاتله واتبع إلى الري فقتله، ثم سار شمر إلى خراسان وبعث تبّع ابنه حسّان إلى الصغد وأمرهما معا أن يدوّخا أرض الصين، وبعث ابن أخيه يعفر إلى الروم فحاصر القسطنطينية حتى أعطوا الطاعة والإتاوة، وتقدّم إلى رومة فحاصرها. ثم أصابهم الطاعون ووهنوا له فوثب عليهم فقتلوهم جميعا. وتقدّم شمر إلى سمرقند فحاصرها واستعمل الحيلة فيها فملكها، ثم سار إلى الصين وهزم الترك ووجد أخاه حسّان قد سبقه إلى الصين منذ ثلاث سنين فأقاما هنالك إحدى وعشرين سنة إلى أن هلك، قال: والصحيح المتفق عليه أنهما رجعا إلى بلادهما بما غنماه من الأموال والذخائر وصنوف الجواهر والطيوب. وسار تبّع حتى قدم مكّة ونزل شعب حجاز وكانت وفاته باليمن بعد أن ملك مائة وعشرين سنة، ولم يخرج أحد بعده من ملوك اليمن غازيا.

ويقال: إنه دخل في دين اليهود للأحبار الذين خرجوا معه من يثرب. وأمّا ابن إسحاق فعنده أنّ الّذي سار إلى المشرق من التبابعة تبّع الأخير وهو تبان أسعد أبو كرب.

ص: 317

قال هشام بن محمد: وولّى انوشروان بعد الحرث بن عمرو المنذر بن النعمان الّذي أفلت يوم قتل أبوه ونزل الحيرة وأبوه النعمان الأكبر، فلما قوي سلطان أنوشروان واشتدّ أمره بعث إلى المنذر فملكه الحيرة وما كان يليه الحرث بن عمرو آكل المرار فلم يزل كذلك حتى هلك. قال: وملك العرب من قبل الفرس بعد الأسود بن المنذر أخوه المنذر بن المنذر وأمه ماوية بنت النعمان سبع سنين، ثم ملك بعده النعمان بن الأسود ابن المنذر وأمه أم الملك أخت الحرث بن عمرو أربع سنين، ثم استخلف أبو يعفر بن علقمة بن مالك بن عديّ بن الذميل بن ثور بن أسد بن أربى بن نمارة بن لخم ثلاث سنين، ثم ملك المنذر بن امرئ القيس وهو ذو القرنين لضفيرتين كانتا له من شعره وأمه ماء السماء بنت عوف بن جثم بن هلال بن ربيعة بن زيد مناة بن عامر بن الضبيب بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط فملك تسعا وأربعين سنة، ثم ملك ابنه عمرو بن المنذر وأمه هند بنت الحرث بن عمرو بن حجر آكل المرار ست عشرة سنة ولثمان سنين من ملكه كان عام الفيل الّذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ولّى عمرو بن هند شقيقه قابوس أربع سنين: سنة منها أيام أنوشروان وثلاثة أيام ابنه هرمز [1] .

ثم ولّى بعده أخوهما المنذر أربع سنين، ثم ولّى بعده النعمان بن المنذر وهو أبو قابوس اثنين وعشرين سنة منها ثمان سنين أيام هرمز وأربع عشرة أيام [2] أبرويز، وفي أيام النعمان هذا اضحمل ملك آل نصر بالجزرة وعليه انقرض، وهو الّذي قتله كسرى أبرويز وأبدل منه في الولاية على الحيرة والرعب باياس بن قبيصة الطائي، ثم ردّ رياسة الحيرة لمرازبة فارس إلى أن جاء الإسلام وذهب ملك فارس. وكان الّذي دعا أبرويز إلى قتله سعاية زيد بن عدي العبادي فيه عند أبرويز بسبب أنّ النعمان قتل أباه عديّ بن زيد، وسياقة الخبر عن ذلك أن عديّ بن زيد كان من تراجمة أبرويز وكان سبب قتل النعمان أنّ أباه وهو زيد بن حمّاد بن أيوب بن محروب بن عامر بن

ص: 318

قبيصة بن امرئ القيس بن زيد مناة والد عديّ هذا كان جميلا شاعرا خطيبا وقارئا كتاب العرب والفرس، وكانوا أهل بيت يكونون مع الأكاسرة ويقطعونهم القطائع على أن يترجموا عندهم عن العرب، وكان المنذر بن المنذر لمّا ملك جعل ابنه النعمان في حجر عديّ فأرضعه أهل بيته وربّاه قوم من أشراف الحيرة ينسبون إلى لخم ويقال لهم بنو مرسي، وكان للمنذر بن المنذر عشرة سوى النعمان يقال لهم الأشاهب لجمالهم، وكان النعمان من بينهم أحمر أبرش قصيرا أمّه سلمى بنت وائل بن عطية من أهل فدك كانت أمة للحرث بن حصن بن ضمضم بن عديّ بن جناب بن كلب، وكان قابوس بن المنذر الأكبر عمّ النعمان بعث إلى أنوشروان بعديّ بن زيد وإخوته فكانوا في كتابه يترجمون له، فلما مات المنذر أوصى على ولده إياس بن قبيصة الطائي وجعل أمره كله بيده فأقام على ذلك شهرا، ونظر أنوشروان فيمن يملكه على العرب وشاور عديّ بن زيد واستنصحه في بني المنذر فقال بقيتهم في بني المنذر بن المنذر، فاستقدمهم كسرى وأنزلهم على عديّ، وكان هواه مع النعمان، فجعل يرعى إخوته تفضيلهم عليه، ويقول لهم: إن أشار عليكم كسرى بالملك وبمن يكفوه أمر العرب تكفلوا بشأن ابن أخيكم النعمان، ويسير للنعمان أن سأله كسرى عن شأن إخوته أن يتكفله ويقول: إن عجزت عنهم فأنا عن سواهم أعجز. وكان مع أخيه الأسود بن المنذر رجل من بني مرسي الذين ربّوهم اسمه عديّ بن أوس بن مرسي فنصحه في عديّ وأعلمه أنه يغشّه فلم يقبل. ووقف كسرى على مقالاتهم، فمال إلى النعمان وملّكه وتوّجه بقيمة ستين ألف دينار ورجع إلى الحيرة ملكا على العرب، وعديّ بن أوس في خدمته، وقد أضمر السعاية بعديّ بن زيد فكان يظهر الثناء عليه ويتواصى به مع أصحابه وأن يقولوا مثل قوله، إلّا أنه يستصغر النعمان ويزعم أنه ملكه وانه عامله حتى آسفوه بذلك، وبعث إليه في الزيارة فأتاه وحبسه ثم ندم وخشي عاقبة إطلاقه فجعل يمنّيه. ثم خرج النعمان إلى البحرين وخالفه جفنة ملك غسّان إلى الحيرة وغار عليها ونال منها، وكان عديّ بن زيد كتب إلى أخيه عند كسرى يشعره بطلب الشفاعة من كسرى إلى النعمان، فجاء الشفيع إلى الحيرة وبها خليفة النعمان، وجاء إلى عديّ فقال له: أعطني الكتاب أبعثه أنا ولازمني أنت هنا لئلا أقتل.

وبعث أعداؤه من بني بقيلة إلى النعمان بأن رسول كسرى دخل عنده فبعث من قتله.

فلمّا وفد وافد كسرى في الشفاعة أظهر له الإجابة وأحسن له بأربعة آلاف دينار

ص: 319

وجارية وأذن له أن يخرجه من محبسه فوجده قد مات منذ ليال، فجاء الى النعمان مثربا [1] فقال: والله لقد تركته حيّا. فقال: وكيف تدخل إليه وأنت رسول إليّ؟

فطرده فرجع إلى كسرى وأخبره بموته وطوى عنه ما كان من دخوله إليه.

ثم ندم النعمان على قتله، ولقي يوما وهو يتصيد ابنه زيدا فاعتذر إليه من أمر أبيه، وجهّزه إلى كسرى ليكون خليفة أبيه على ترجمة العرب. فأعجب به كسرى وقرّبه وكان أثيرا عنده، ثم إنّ كسرى أراد خطبة بنات العرب فأشار عليه عديّ بالخطبة في بني منذر فقال له كسرى: اذهب إليهم في ذلك، فقال: إنّهم لا ينكحون العجم ويستريبون في ذلك فابعث معي من يفقه العربية فلعلي آتيك بغرضك. فلما جاء إلى النعمان قال لزيد: أما في عير السواد وفارس ما يغنيكم عن بناتنا؟ وسأل الرسول عن العير فقال له زيد: هي البقر. ثم رجعا إلى كسرى بالخيبة، وأغراه زيد فغضب كسرى وحقد على النعمان. ثم استقدمه بعد حين لبعض حاجاته وقال له: لا بدّ من المشافهة لأنّ الكتاب لا يسعها. ففطن فذهب إلى طيِّئ وغيرهم من قبائل العرب ليمنعوه، فأبوا وفرقوا من معاداة كسرى، إلّا بني رواحة بن سعد من بني عبس، فإنّهم أجابوه لو كانوا يغنون عنه فعذرهم، وانصرف عنهم إلى بني شيبان بذي قار والرئاسة فيهم لهانئ بن مسعود بن عامر بن الخطيب بن عمرو المزدلف ابن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان، ولقيس بن خالد بن ذي الخدّين. وعلم أن هانئا يمنعه وكان كسرى قد أقطعه، فرجّع إليه النعمان ماله ونعمه وحلقته وهي سلاح ألف فارس شاكة، وسار إلى كسرى، فلقيه زيد بن عدي بساباط وتبين الغدر، فلمّا بلغ إلى كسرى قيّده وأودعه السجن إلى أن هلك فيه بالطاعون ودعا ذلك إلى واقعة ذي قار بين العرب وفارس.

وذلك أنّ كسرى لما قتل النعمان استعمل إياس بن قبيصة الطائي على الحيرة مكان النعمان ليده التي أسلفها طيِّئ عند كسرى يوم واقعة بهرام على أبرويز، وطلب من النعمان فرسه ينجو عليها فأبى واعترضه حسّان بن حنظلة بن جنّة الطائي وهو ابن عم إياس بن قبيصة فأركبه فرسه ونجا عليه، ومرّ في طريقه بإياس فأهدى له فرسا وجزورا، فرعى له أبرويز هذه الوسائل وقدّم إياسا مكان النعمان. وهو إياس بن قبيصة بن أبي عفر بن النعمان بن جنّة. فلمّا هلك النعمان بعث إياس إلى هانئ بن

[1] ثربه ثربا: لامه، قبح عليه فعله (قاموس) .

ص: 320

مسعود في حلقة النعمان، ويقال كانت أربعمائة درع وقيل ثمانمائة، فمنعها هانئ وغضب كسرى وأراد استئصال بكر بن وائل، وأشار عليه النعمان بن زرعة من بني تغلب أن يمهل إلى فصل القيظ عند ورودهم مياه ذي قار. فلما قاظوا ونزلوا تلك المياه وجاءهم النعمان بن زرعة يخيّرهم في الحرب وإعطاء اليد فاختاروا الحرب، اختاره حنظلة بن سنان العجليّ وكانوا قد ولّوه أمرهم وقال لهم إنما هو الموت قتلا إن أعطيتم باليد أو عطشا إن هربتم وربما لقيكم بنو تميم فقتلوكم. ثم بعث كسرى إلى إياس بن قبيصة أن يسير إلى حربهم ويأخذه معه مسالح فارس وهم الجند الذين كانوا معه بالقطقطانية وبارق وتغلب، وبعث إلى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الخدّين وكان على طف شقران أن يوافي إياسا، فجاءت الفرس معها الجنود والأفيال عليها الأساورة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة فقال: اليوم انتصف العرب من العجم ونصروا، وحفظ ذلك اليوم فإذا هو يوم الوقعة.

ولما تواقف الفريقان جاء قيس بن مسعود إلى هانئ وأشار عليه أن يفرّق سلاح النعمان على أصحابه ففعل، واختلف هانئ بن مسعود وحنظلة بن ثعلبة بن سنان، فأشار هانئ بركوب الفلاة وقطع حنظلة حزم الرجال وضرب على نفسه وآلى أن لا يفرّ. ثم استقوا الماء لنصف شهر، واقتتلوا وهرب العجم من العطش واتبعهم بكر وعجل، فاصطف العجم وقاتلوا وصبروا وراسلت إياد بكر بن وائل إنّا نفّر عند اللقاء فصحبوهم، واشتدّ القتال وقطعوا الآمال حتى سقطت الرجال إلى الأرض ثم حملوا عليهم، واعترضهم يزيد بن حمّاد السكونيّ في قومه كان كمينا أمامهم فشدّوا على إياس بن قبيصة ومن معه من العرب فولّت إياد منهزمة، وانهزمت الفرس وجاوزوا الماء في حرّ الظهيرة في يوم قائظ فهلكوا أجمعين قتلا وعطشا. وأقام إياس في ولاية الحيرة مكان النعمان ومعه الهمرجان من مرازبة فارس تسع سنين، وفي الثامنة منها كانت البعثة وولي بعده على الحيرة آخر من المرازبة اسمه زاذويه بن ماهان الهمذاني سبع عشرة سنة إلى أيام بوران بنت كسرى. ثم ولي المنذر بن النعمان بن المنذر وتسميه العرب والغرور الّذي قتل بالبحرين يوم أجداث.

ولما زحف المسلمون إلى العراق ونزل خالد بن الوليد الحيرة حاصرهم بقصورها فلما أشرفوا على الهلكة خرج إليهم إياس بن قبيصة في أشراف أهل الحيرة وأتقى من خالد والمسلمين بالجزية، فقبلوا منه وصالحهم على مائة وستين ألف درهم، وكتب لهم

ص: 321

خالد بالعهد والأمان وكانت أوّل جزية بالعراق. وكان فيهم هانئ بن قبيصة أخو إياس بن قبيصة بالقصر الأبيض، وعديّ بن عديّ العبادي ابن عبد القيس، وزيد بن عديّ بقصر العدسيّين، وأهل نصر بن عدس من قصور الحيرة وهو بنو عوان بن عبد المسيح بن كلب بن وبرة وأهل قصر بني بقيلة لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين فقالوا: يا حارث ما أنت إلا بقيلة خضراء وعبد المسيح هذا هو المعمّر وهو الّذي بعثه كسرى أبرويز إلى سطيح في شأن رؤيا المرزبان.

ولما صالح إياس بن قبيصة المسلمين وعقد لهم الجزية سخطت عليه الأكاسرة وعزلوه، فكان ملكه تسع سنين ولسنة منها وثمانية أشهر كانت البعوث، وولي حينئذ الخلافة عمر بن الخطّاب وعقد لسعد بن أبي وقّاص على حرب فارس، فكان من أوّل عمل يزدجرد أن أمر مرزبان الحيرة أن يبعث قابوس بن قابوس بن المنذر وأغراه بالعرب ووعده بملك آبائه، وقال له: ادع العرب وأنت على من أجابك منهم كما كان آباؤك، فنهض قابوس إلى القادسية ونزلها وكاتب بكر بن وائل بمثل ما كان للنعمان فكاتبهم مقاربة ووعدا، وانتهى الخبر الى المثنّى بن حارثة الشيبانيّ عقب مهلك أخيه المثنى وقبل وصول سعد، فأسرى من ذي قار وبيت قابوس بالقادسية ففض جمعه وقتله، وكان آخر من بقي من ملوك آل نصر بن ربيعة وانقرض أمرهم مع زوال ملك فارس. أهـ كلام الطبري وما نقله عن هشام بن الكلبي.

وقد كان المغيرة بن شعبة تزوج هندا بنت النعمان، وسعد بن أبي وقاص تزوّج صدقة بنت النعمان، وخبرهما معروف ذكره المسعودي وغيره. وعدّة ملوك آل نصر عند هشام بن الكلبي عشرون ملكا ومدتهم خمسمائة وعشرون سنة، وعند المسعودي ثلاث وعشرون ملكا ومدّتهم ستمائة وعشرون سنة. قال: وقد قيل إنّ مدّة عمران الحيرة إلى أن خربت عند بناء الكوفة خمسمائة سنة، قال: ولم يزل عمرانها يتناقص إلى أيام المعتضد ثم أقفرت. وفيما نقله بعض الأخباريّين أنّ خالد بن الوليد قال لعبد المسيح: أخبرني بما رأيت من الأيام؟ قال: نعم. قال: رأيت المرأة من الحيرة تضع مكتلها على رأسها ثم تخرج حتى تأتي الشام في قرى متصلة وبساتين ملتفة وقد أصبحت اليوم خرابا والله يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.

هذا ترتيب الملوك من ولد نصر بن ربيعة بن كعب بن عمرو بن عديّ الأوّل منهم وهو الترتيب الّذي ذكره الطبري عن ابن الكلبي وغيره، وبين الناس فيه خلاف في

ص: 322

ترتيب ملوكهم، بعد اتفاقهم على أنّ الّذي ملك بعد عمرو بن عديّ ابنه امرؤ القيس ثم ابنه عمرو بن امرئ القيس وهو الثالث منهم. قال علي بن عبد العزيز الجرجاني في أنسابه بعد ذكر عمرو هذا: ثم ثار أوس بن قلام العملقي وملك فثار به جحجب بن عتيك اللخميّ فقتله وملك، ثم ملك من بعده امرؤ القيس البدء بن عمرو الثالث، ثم ملك من بعده ابنه النعمان الأكبر ابن امرئ القيس بن الشقيقة وهو الّذي ترك الملك وساح، ثم ملك من بعده ابنه المنذر، ثم ابنه الأسود بن المنذر، ثم أخوه المنذر بن المنذر، ثم النعمان بن الأسود بن المنذر، ثم أبو يعفر بن علقمة بن مالك بن عديّ بن الذميل بن ثور بن أسد بن أربى بن نمارة بن لخم، ثم ملك من بعده امرؤ القيس بن النعمان الأكبر، ثم ابنه امرؤ القيس، ثم كان أمر الحرث بن عديّ الكنديّ حتى تصالحها وتزوّج المنذر بنته هندا فولدت له عمرا، ثم ملك بعد المنذر عمرو بن هند، ثم قابوس بن المنذر أخوه، ثم المنذر بن المنذر أخوه الآخر، ثم ابنه النعمان بن المنذر. هكذا نسبه الجرجاني وهو موافق لترتيب الطبريّ إلّا في الحرث بن عمرو الكندي فانّ الطبري جعله بعد النعمان الأكبر بن امرئ القيس وابنه المنذر، والجرجاني جعله بعد المنذر بن امرئ القيس بن النعمان وبين هذا المنذر والمنذر بن النعمان الأكبر خمسة من ملوكهم فيهم أبو يعفر بن الذميل، فاللَّه أعلم بالصحيح من ذلك.

وأمّا المسعودي فخالف ترتيبهم فقال: بعد النعمان الأكبر ابن امرئ القيس وسمّاه قائد الفرس ملك خمسا وستين سنة، ثم ملك ابنه المنذر خمسا وعشرين سنة وهذا مثل ترتيب الطبريّ والجرجاني. ثم خالفهما وقال: وملك النعمان بن المنذر الحيرة وهو الّذي بنى الخورنق خمسا وثلاثين سنة، وملك الأسود بن النعمان عشرين سنة، وملك ابنه المنذر أربعين سنة وأمّه ماء السماء من النمر بن قاسط من ربيعة وبها عرف، وملك ابنه عمرو بن المنذر أربعا وعشرين سنه ثم ملك بعده اخوه النعمان وامه مامة قتله كسرى وهو آخرهم. هكذا ساق المسعودي نسق ملوكهم ونسبهم وهو مخالف لما ذكره الطبريّ والجرجاني.

وقال السهيليّ: كان للمنذر بن ماء السماء من الولد المملّكين عمرو والنعمان وكان عمرو لهند بنت الحرث آكل المرار قال: وكان عمرو هذا من أعاظم ملوك الحيرة ويعرف بمحرق لأنه حرق مدينة الملهم عند اليمامة، وكان يملك من قبل كسرى

ص: 323

أنوشروان، ومن بعده ملك أخوه النعمان بن المنذر وأمه مامة وقتله كسرى أبرويز بن هرمز بن أنوشروان لموجدة وجدها بسعاية زيد بن عديّ بن زيد العباديّ، وساق قصة مقتله وولاية إياس بن قبيصة الطائي من بعده وما وقع بعد ذلك من حرب ذي قار وغلب العرب فيها على العجم إلى آخرها. فاللَّه أعلم بالصحيح في ترتيب ملوكهم.

وقال ابن سعيد: أوّل حديثهم في الملك أنّ بني نمارة كانوا جندا للعمالقة بأطراف الشام والجزيرة وكانوا مع الزبّاء، ولما قتلت جذيمة قام عمرو بن عديّ منهم بثأره، وكان ابن أخته حتى أدركه وقتله وبنى الحيرة على فرع من الفرات في أرض العراق.

وقال صاحب تواريخ الأمم: ملك مائة وثمانية وعشرين سنة أيام ملوك الطوائف، وبعده امرؤ القيس بن عمرو، ولما مات ولّى أردشير بن سابور على الحيرة أوس بن قلام من العمالقة، ثم كان ملك الحيرة فوليها امرؤ القيس بن عمرو بن امرئ القيس المعروف بمحرق قال وهو المذكور في قصيدة الأسود بن يعفر التي على رويّ الدال.

وبعده ابنه النعمان بن شقيقة وهي من بني شيبان وجعل معه كسرى واليا للفرس وهو باني الخورنق والسرير على مياه الفرات، وملك إلى أن ساح وتزهّد ثلاثين سنة، وذكره عديّ بن زيد في شعره. وملك بعده ابنه المنذر وهو الّذي سعى لبهرام جور في الملك حتى ثم له وملك أربعا وأربعين سنة، وملك بعده ابنه الأسود، ثم أخوه المنذر بن المنذر ثم النعمان بن الأسود وغضب عليه كسرى وولّي مكانه الذميل بن لخم من غير بيت الملك، ثم عاد الملك إليهم فولي امرؤ القيس بن النعمان الأكبر وهو ابن الشقيقة وهو الّذي غزا بكر بن وائل، وملك بعده ابنه المنذر بن ماء السماء وهي أمّه أخت كليب سيد وائل وطالبه قبّاذ باتباع مزدك على الزندقة فأبى، وولّى مكانه الحرث بن عمرو ابن حجر الكندي، ثم ردّه أنوشروان إلى ملك الحيرة وقتله الحرث الأعرج الغسّاني يوم حليمة كما يأتي. وملك بعده ابنه عمرو بن هند وهي [1] مامة عمة امرئ القيس بن حجر المعروف بمضرط الحجارة لشدّة بأسه، وهو محرق الثاني حرق بني دارم من تميم لأنهم قتلوا أخاه وحلف ليحرقنّ منهم مائة فحرقهم وملك ستة عشرة سنة أيام أنوشروان، فتك به في رواق بين الحيرة والفرات عمرو بن كلثوم سيد تغلب ونهبوا حياءه [2] . وملك بعده أخوه قابوس بن هند وكان أعرج وقتله بعض بني يشكر فولّى

[1] يعني أن أمه مامة وقد مرّ ذكره من قبل.

[2]

بمعنى النبات.

ص: 324

أنوشروان على الحيرة بعض مرازبة الفرس فلم تستقم له طاعة العرب، فولّى عليهم المنذر بن المنذر بن ماء السماء فخرج إلى جهة الشام طالبا ثأر أبيه من الحرث الأعرج الغسّاني فقتله الحرث أيضا يوم أباغ. وملك بعده ابنه النعمان بن المنذر وكان ذميما أشقر أبرش، وهو أشهر ملوك الحيرة وعليه كثرت وفود العرب وطلبه بثأر أبيه، وحرد من بني جفنة حتى أسر خلقا كثيرا من أشرافهم، وحمله عديّ بن زيد على أن تنصّر وترك دين آبائه، وحبس عديّا فشفع كسرى فيه بسعاية أخ له كان عنده فقتله النعمان في محبسه، ثم نشأ ابنه زيد بن عدي وصار ترجمانا لكسرى، فأغراه بالنعمان وحضر مع كسرى أبرويز في وقعة بين الفرس والروم وانهزمت الفرس ونجا النعمان على فرسه التخوم بعد أن طلبه منه كسرى ينجو عليه فأعرض عنه، ونزل له إياس بن قبيصة الطائي عن فرسه فنجا عليه، ووفد عليه النعمان بعد ذلك فقتله وولّى على الحيرة إياس بن قبيصة، فلم تستقم له طاعة العرب وغضبوا لقتل النعمان، وكان لهم على الفرس يوم ذي قار سنة ثلاث من البعثة، ومات إياس وصارت الفرس يولّون على الحيرة منهم إلى أن ملكها المسلمون.

وذكر البيهقي: أنّ دين بني نصر كان عبادة الأوثان، وأوّل من تنصر منهم النعمان بن الشقيقة وقيل بل النعمان الأخير. وملّكت العرب بتلك الجهات ابنه المنذر فقتله جيش أبي بكر رضي الله عنه. وفي تواريخ الأمم أنّ جميع ملوك الحيرة من بني نصر وغيرهم خمسة وعشرون ملكا في نحو ستمائة سنة والله أعلم، وهذا الترتيب مساو لترتيب الطبري والجرجاني والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين

ص: 325