الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غزو حذيفة الباب وأمر المصاحف
وفي سنة ثلاثين هذه صرف حذيفة من غزو الري إلى غزو الباب مددا لعبد الرحمن بن ربيعة وأقام له سعيد العاص بأذربيجان ردءا حتى عاد بعد مقتل عبد الرحمن كما مرّ، فأخبره بما رأى من اختلاف أهل البلدان في القرآن وأن أهل حمص يقولون قراءتنا خير من قراءة غيرنا وأخذناها عن المقداد، وأهل دمشق يقولون كذلك، وأهل البصرة عن أبي موسى، وأهل الكوفة عن ابن مسعود، وأنكر ذلك واستعظمه وحذر من الاختلاف في القرآن، ووافقه من حضر من الصحابة والتابعين، وأنكر عليه أصحاب ابن مسعود فأغلظ عليهم وخطأهم، فأغلظ له ابن مسعود فغضب سعيد وافترق المجلس، وسار حذيفة إلى عثمان فأخبره وقال: أنا النذير العريان فأدرك الأمة. فجمع عثمان الصحابة فرأوا ما رآه حذيفة، فأرسل عثمان إلى حفصة أن ابعثي إلينا بالصحف ننسخها وكانت هذه الصحف هي التي كتبت أيام أبي بكر، فإن القتل لما استحر في القراء يوم اليمامة قال عمر لأبي بكر: أرى أن تأمر بجمع القرآن لئلا يذهب الكثير منه لفناء القراء، فأبى وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعله. ثم استبصر ورجع إلى رأي عمرو أمر زيد بن ثابت بجمعه من الرقاع والعسب [1] وصدور الرجال، وكتب في الصحف فكانت عند أبي بكر ثم عند عمر ثم عند حفصة. وأرسل عثمان فأخذها، وأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف، وقال إذا اختلفتم فاكتبوها بلسان قريش ففعلوا. ونسخوا المصاحف فبعث الى كل أفق بمصحف يعتمد عليه، وحرق ما سوى ذلك الصحابة في سائر الأمصار، ونكره عبد الله بن مسعود في الكوفة حتى نحاهم عن ذلك وحملهم عليه.
مقتل يزدجرد
لما خرج ابن عامر من البصرة إلى فارس فافتتحها هرب يزدجرد من جور وهي أردشيرخره [2] في سنة ثلاثين، وبعث ابن عامر في إثره مجاشع بن مسعود وقيل هرم بن
[1] العسب هو النسل كما في القاموس ولعل ابن خلدون كان يعني العسيب وهي جريدة النخل المستقيمة الدقيقة المكشوط خوصها.
[2]
وفي النسخة الباريسية: وهو ازدشير خرج سنة ثلاثين.
حيان اليشكري وقيل العبسيّ [1] ، فاتبعه إلى كرمان فهرب إلى خراسان وهلك الجند في طريقهم بالثلج، فلم يسلم إلا مجاشع ورجع معه وكان مهلكهم على خمسة فراسخ من السيرجان، ولحق يزدجرد بمرو ومعه خرّزاذ أخو رستم، فرجع عنه إلى العراق ووصى به ما هو به مرزبان مرو فسأله في المال فمنعه وخافه على نفسه وعلى مرو، واستجاش بالترك فبيتوه وقتل أصحابه وهرب يزدجرد ماشيا إلى شط المرغاب وآوى إلى بيت رجل ينقر الرحاء، فلما نام قتله ورماه في النهر. وقيل إنما بيته أهل مرو ولما جاءوا إلى بيت الرجل أخذوه وضربوه فأقر بقتله فقتلوه وأهله، واستخرجوا يزدجرد من النهر وحملوه في تابوت إلى إصطخر فدفن في ناوس هنالك.
وقيل إن يزدجرد هرب من وقعة نهاوند إلى أرض أصبهان واستأذن عليه بعض رؤسائها وحجب فضرب البواب وشجّه، فرحل عن أصبهان إلى الري، وجاء صاحب طبرستان وعرض عليه بلاده فلم يجبه ومضى من فوره ذلك إلى سجستان، ثم إلى مرو في ألف فارس، وقيل بل أقام بفارس أربع سنين ثم بكرمان سنتين وطلبه دهقانها [2] في شيء فمنعه فطرده عن بلاده، وأقام بسجستان خمس سنين، ثم نزل خراسان ونزل مرو ومعه الرهن من أولاد الدهاقين وفرّخزاد وكاتب ملوك الصين وفرغانة والخزر وكابل، وكان دهقان مرو قد منعه الدخول خوفا من مكروه ووكل ابنه بحفظ الأبواب، فعمد يزدجرد يوما إلى مرو ليدخلها فمنعه ابن الدهقان وأظهر عصيان أبيه في ذلك، وقيل بل أراد يزدجرد أن يجعل ابن أخيه دهقانا عليها فعمل في هلاكه، وكتب إلى نيزك طرخان يستقدمه لقتل يزدجرد ومصالحه العرب عليه وأن يعطيه كل يوم ألف درهم، فكتب نيزك إلى يزدجرد يعده المساعدة على العرب وأنه يقدم عليه فيلقاه منفردا عن العسكر وعن فرخزاد، فأجابه إلى ذلك بعد أن امتنع فرخزاد واتهمه يزدجرد في امتناعه فتركه لشأنه بعد أن أخذ خطه برضاه بذلك. وسار إلى نيزك فاستقبله بأشياء وجاء به إلى عسكره ثم سأله أن يزوجه ابنته فأنف يزدجرد من ذلك وسبعة فعلا رأسه بالمقرعة فركض منهزما وقتل أصحابه، وانتهى إلى بيت طحان فمكث فيه ثلاثا لم يطعم، ثم عرض عليه الطعام فقال لا أطعم إلا بالزمزمة، فسأل من زمزم
[1] وفي نسخة ثانية: العنسيّ.
[2]
وفي النسخة الباريسية: قهرمانها.