الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفسها عليه، وجاء أبو طالب فخطبها الى أبيها فزوجه، وحضر الملأ من قريش، وقام أبو طالب خطيبا فقال:«الحمد للَّه الّذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ [1] معدّ وعنصر مضر وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا أمناء بيته وسوّاس حرمه وجعلنا الحكّام على الناس وأنّ ابن أخي محمد بن عبد الله من قد علمتم قرابته وهو لا يوزن بأحد إلّا رجح به فان كان في المال قلّ فإنّ المال ظلّ زائل وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها من الصداق ما عاجله وآجله من مالي كذا وكذا وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل» . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن خمس وعشرين سنة وذلك بعد الفجار بخمس عشرة سنة.
وشهد بنيان الكعبة لخمس وثلاثين من مولده حين أجمع كل قريش على هدمها وبنائها، ولما انتهوا إلى الحجر تنازعوا أيهم يضعه وتداعوا للقتال، وتحالف بنو عبد الدار على الموت [2] ثم اجتمعوا وتشاوروا، وقال أبو أمية حكموا أول داخل من باب المسجد فتراضوا على ذلك. ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذا الأمين، وبذلك كانوا يسمّونه، فتراضوا به وحكموه. فبسط ثوبا ووضع فيه الحجر وأعطى قريشا أطراف الثوب، فرفعوه حتى أدنوه من مكانه، ووضعه عليه السلام بيده [3] . وكانوا أربعة عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، وأبو حذيفة بن المغيرة بن عمر بن مخزوم، وقيس بن عدي السهمي. ثم استمرّ على أكمل الزكاء والطهارة في أخلاقه، وكان يعرف بالأمين، وظهرت كرامة الله فيه وكان إذا أبعد في الخلاء لا يمرّ بحجر ولا شجر إلا ويسلم عليه.
بدء الوحي
ثم بدئ بالرؤيا الصالحة فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح، ثم تحدّث الناس بشأن ظهوره ونبوّته، ثم حببت إليه العبادة والخلوة بها فكان يتزوّد للانفراد حتى جاء الوحي بحراء لأربعين سنة من مولده وقيل لثلاث وأربعين. وهي حالة يغيب
[1] الأصل والعدن (قاموس) .
[2]
وفي النسخة الباريسية: وتحالف بنو عبد الدار وبنو عدي على الموت.
[3]
وفي النسخة الباريسية: واعطى أشراف قريش جنباته فرفعوه حتى أدنوه من مكانه وفي الكامل ج 2، ص 45: فقال: هلمّوا إليّ ثوبا، فأوتي به، فأخذ الحجر الأسود فوضعه فيه ثمّ قال: لتأخذ كلّ قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا، ففعلوا. فلمّا بلغوا به موضعه وضعه بيده ثم بني عليه.
فيها عن جلسائه وهو كائن معهم، فأحيانا يتمثل له الملك رجلا فيكلمه ويعي قوله، وأحيانا يلقي عليه القول، ويصيبه أحوال الغيبة عن الحاضرين من الغط والعرق وتصببه كما ورد في الصحيح من أخباره، قال: وهو أشدّ علي فيفصم عني وقد وعيت ما قال. وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول. فأصابته تلك الحالة بغار حراء وألقى عليه: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ من عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ 96: 1- 5» . وأخبر بذلك كما وقع في الصحيح. وآمنت به خديجة وصدّقته وحفظت عليه الشأن. ثم خوطب بالصلاة وأراه جبريل طهرها، ثم صلّى به وأراه سائر أفعالها. ثم كان شأن الاسراء من مكة الى بيت المقدس من الأرض إلى السماء السابعة الى سدرة المنتهى وأوحى إليه ما أوحى، ثم آمن به عليّ ابن عمه أبي طالب وكان في كفالته من أزمة أصابت قريشا وكفل العبّاس جعفرا أخاه، فجعفر أسنّ [1] عيال أبي طالب. فأدركه الإسلام وهو في كفالته فآمن وكان يصلّي معه، في الشعاب مختفيا من أبيه حتى إذ ظهر عليهما أبو طالب دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا أستطيع فراق ديني ودين آبائي، ولكن لا ينهض إليك شيء تكره ما بقيت، وقال لعليّ: الزمه فإنه لا يدعو إلّا لخير.
فكان أوّل من أسلم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى، ثم أبو بكر، وعليّ بن أبي طالب، كما ذكرنا، وزيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلال بن حمامة مولى أبي بكر، ثم عمر بن عنبسة السلمي، وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية. ثم أسلم بعد ذلك قوم من قريش اختارهم الله لصحابته من سائر قومهم وشهد لكثير منهم بالجنة. وكان أبو بكر محبّبا سهلا وكانت رجالات قريش تألفه فأسلم على يديه من بني أميّة عثمان بن عفّان بن أبي العاص بن أمية، ومن عشيرة بنى عمرو بن كعب بن سعيد بن تيم طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو، ومن بني زهرة بن قصيّ سعد بن أبي وقّاص واسمه مالك بن وهب بن مناف بن زهرة وعبد الرحمن بن عوف بن عوف بن عبد الحرث بن زهرة، ومن بني أسد بن عبد العزى الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد وهو ابن صفية عمة النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم من بني الحرث بن فهر أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال
[1] وفي النسخة الباريسية: فجعفر من عيال أبي طالب.
بن أهيب بن ضبة بن الحرث، ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب أبو سلمة عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح وأخوه قدامة، ومن بني عدي سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد الله بن قرط بن رياح [1] بن عدي وزوجته فاطمة أخت عمر بن الخطاب بن نفيل وأبوه زيد هو الّذي رفض الأوثان في الجاهلية ودان بالتوحيد وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه يبعث يوم القيامة أمة وحده. ثم أسلم عمير أخو سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه ابن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحرث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة حليف بنى زهرة، كان يرعى غنم عقبة بن أبي معيط وكان سبب إسلامه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حلب من غنمه شاة حائلا فدرّت [2] . ثم أسلم جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب وامرأته أسماء بنت عميس بن النعمان بن كعب بن ملك بن قحافة الخثعميّ، والسائب بن عثمان بن مظعون، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس واسمه مهشم، وعامر بن فهيرة أزدى وفهيرة أمه مولاة أبي بكر. وأفد بن عبد الله بن عبد مناف تميمي من حلفاء بني عدي. وعمار بن ياسر عنسي بن مذحج مولى أبي مخزوم [3] وصهيب بن سنان من بني النمر بن قاسط حليف بني جدعان. ودخل الناس في الدين أرسالا وفشا الإسلام وهم ينتحلون [4] به ويذهبون إلى الشعاب فيصلون.
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصدع بأمره ويدعوه إلى دينه بعد ثلاث سنين من مبدإ الوحي، فصعد على الصفا ونادى يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش، فقال: لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقوني؟ قالوا: بلي.
قال: فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد. ثم نزل قوله وأنذر عشيرتك الأقربين.
وتردّد إليه الوحي بالنذارة [5] ، فجمع بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون على طعام
[1] وفي النسخة الباريسية: ابن رزاح.
[2]
وفي نسخة ثانية: فعدّت.
[3]
وفي نسخة ثانية: مولى لبني مخزوم.
[4]
وفي نسخة ثانية: ينتجعون به.
[5]
الأصح ان يقول الوحي النزير أي الوحي القليل.