المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقدمة الاولى في أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم - تاريخ ابن خلدون - جـ ٢

[ابن خلدون]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني]

- ‌الكتاب الثاني ويشتمل: أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ مبدإ الخليقة الى هذا العهد

- ‌المقدّمة الاولى في أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم

- ‌المقدّمة الثانية في كيفية وضع الأنساب في كتابنا لأهل الدول وغيرهم

- ‌القول في أجيال العرب وأوّليتها واختلاف طبقاتهم وتعاقبها وأنساب كل طبقة منها

- ‌برنامج بما تضمنه الكتاب من الدول في هذه الطبقات الأربع على ترتيبها والدول المعاصرين من العجم في كل طبقة منها

- ‌الطبقة الاولى من العرب وهم العرب العاربة وذكر نسبهم والإمام بملكهم ودولهم على الجملة

- ‌الخبر عن إبراهيم أبي الأنبياء عليهم السلام ونسبه الى فالغ بن عابر وذكر أولاده صلوات الله عليهم وأحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من العرب وهم العرب المستعربة وذكر أنسابهم وأيامهم وملوكهم والإلمام ببعض الدول التي كانت على عهدهم

- ‌الخبر عن ملوك التبابعة من حمير وأوليتهم باليمن ومصاير أمورهم

- ‌ملك الحبشة اليمن

- ‌غزو الحبشة الكعبة

- ‌قصة سيف بن ذي يزن وملك الفرس على اليمن

- ‌الخبر عن ملوك بابل من النبط والسريانيين وملوك الموصل ونينوى من الجرامقة

- ‌الخبر عن القبط وأوّلية ملكهم ودولهم وتصاريف أحوالهم والإلمام بنسبهم

- ‌الخبر عن بني إسرائيل وما كان لهم من النبوة والملك وتغلبهم على الأرض المقدّسة بالشام وكيف تجدّدت دولتهم بعد الانقراض وما اكتنف ذلك من الأحوال

- ‌الخبر عن حكام بني إسرائيل بعد يوشع الى أن صار أمرهم إلى الملك وملك عليهم طالوت

- ‌الخبر عن ملوك بني إسرائيل بعد الحكام ثم افتراق أمرهم والخبر عن دولة بني سليمان بن داود على السبطين يهوذا وبنيامين بالقدس الى انقراضها

- ‌الخبر عن افتراق بنى إسرائيل منهم ببيت المقدس على سبط يهوذا وبنيامين الى انقراضه

- ‌الخبر عن دولة الأسباط العشرة وملوكهم الى حين انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن عمارة بيت المقدس بعد الخراب الأوّل وما كان لبني إسرائيل فيها من الملك في الدولتين لبني حشمناي وبني هيردوس إلى حين الخراب الثاني والجلوة الكبرى

- ‌ابتداء أمر انظفتر [1] أبو هيردوس

- ‌انقراض ملك بني حشمناي وابتداء ملك هيردوس وبنيه

- ‌الخبر عن شأن عيسى بن مريم صلوات الله عليه في ولادته وبعثته ورفعه من الأرض والإلمام بشأن الحواريين بعده وكتبهم الأناجيل الأربعة وديانة النصارى بملته واجتماع الاقسة على تدوين شريعته

- ‌الخبر عن الفرس وذكر أيامهم ودولهم وتسمية ملوكهم وكيف كان مصير أمرهم الى تمامه وانقراضه

- ‌الطبقة الاولى من الفرس وذكر ملوكهم وما صار اليه في الخليقة أحوالهم

- ‌الطبقة الثانية من الفرس وهم الكينية وذكر ملوكهم وأيامهم إلى حين انقراضهم

- ‌الطبقة الثالثة من الفرس وهم الأشكانية ملوك الطوائف وذكر دولهم ومصاير أمورهم الى نهايتها

- ‌الطبقة الرابعة من الفرس وهم الساسانية والخبر عن ملوكهم الأكاسرة إلى حين الفتح الإسلامي

- ‌الخبر عن دولة يونان والروم وأنسابهم ومصايرهم

- ‌الخبر عن دولة يونان والإسكندر منهم وما كان لهم من الملك والسلطان الى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن اللطينيين وهم الكيتم المعرفون بالروم من أمم يونان وأشياعهم وشعوبهم وما كان لهم من الملك والغلب وذكر الدولة التي فيهم للقياصرة وأولية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن فتنة الكيتم مع أهل إفريقية وتخريب قرطاجنة ثم بناؤها على الكيتم وهم اللطينيون

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من الكيتم وهم اللطينيون ومبدإ أمورهم ومصاير أحوالهم

- ‌الخبر عن القياصرة المتنصرة من اللطينيين وهم الكيتم واستفعال ملكهم بقسطنطينية ثم بالشام بعدها إلى حين الفتح الإسلامي ثم بعد إلى انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن ملوك القياصرة من لدن هرقل والدولة الإسلامية الى حين انقراض أمرهم وتلاشي أحوالهم

- ‌الخبر عن القوط وما كان لهم من الملك بالأندلس الى حين الفتح الإسلامي وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الطبقة الثالثة من العرب وهم العرب التابعة للعرب وذكر افاريقهم وأنسابهم وممالكهم وما كان لهم من الدول على اختلافها والبادية والرحالة منهم وملكها

- ‌الخبر عن أنساب العرب من هذه الطبقة الثالثة واحدة واحدة وذكر مواطنهم ومن كان له الملك منهم

- ‌الخبر عن حمير من القحطانية وبطونها وتفرع شعوبها

- ‌الخبر عن قضاعة وبطونها والإلمام ببعض الملك الّذي كان فيها

- ‌الخبر عن بطون كهلان من القحطانية وشعوبهم واتصال بعضها مع بعض وانقضائها

- ‌الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذر من هذه الطبقة وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم وكيف صار إلى طيِّئ من بعدهم

- ‌ملوك كندة الخبر عن ملوك كندة من هذه الطبقة ومبدإ أمرهم وتصاريف أحوالهم

- ‌الخبر عن أبناء جفنة ملوك غسان بالشام من هذه الطبقة وأوليتهم ودولهم وكيف انساق الملك اليهم ممن قبلهم

- ‌الخبر عن الأوس والخزرج أبناء قيلة من هذه الطبقة ملوك يثرب دار الهجرة وذكر أوليتهم والإلمام بشأن نصرتهم وكيف انقراض أمرهم

- ‌الخبر عن بني عدنان وأنسابهم وشعوبهم وما كان لهم من الدول والملك في الإسلام وأوّلية ذلك ومصايره

- ‌الخبر عن قريش من هذه الطبقة وملكهم بمكة وأولية أمرهم وكيف صار الملك اليهم فيها ممن قبلهم من الأمم السابقة

- ‌أمر النبوّة والهجرة في هذه الطبقة الثالثة وما كان من اجتماع العرب على الإسلام بعد الاباية والحرب

- ‌المولد الكريم وبدء الوحي

- ‌بدء الوحي

- ‌هجرة الحبشة

- ‌ العقبة الثانية

- ‌الهجرة

- ‌الغزوات

- ‌الأبواء:

- ‌بواط:

- ‌البعوث:

- ‌غزوة بدر الثانية:

- ‌غزوة الكدر:

- ‌غزوة السويق:

- ‌ذي أمرّ:

- ‌نجران:

- ‌قتل كعب بن الأشرف:

- ‌غزوة بني قينقاع:

- ‌سرية زيد بن حارثة إلى قردة:

- ‌قتل ابن أبي الحقيق:

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة حمراء الأسد:

- ‌بعث الرجيع:

- ‌غزوة بئر معونة:

- ‌غزوة بني النضير:

- ‌غزوة ذات الرقاع:

- ‌غزوة بدر الصغرى الموعد:

- ‌غزوة دومة الجندل:

- ‌غزوة الخندق

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌غزوة الغابة وذي قرد

- ‌غزاة بني المصطلق:

- ‌عمرة الحديبيّة

- ‌إرسال الرسل الى الملوك

- ‌غزوة خيبر

- ‌فتح فدك ووادي القرى

- ‌عمرة القضاء

- ‌غزوة جيش الأمراء

- ‌فتح مكة

- ‌غزوة حنين

- ‌حصار الطائف وغزوة تبوك

- ‌إسلام عروة بن مسعود ثم وفد ثقيف وهدم اللات

- ‌الوفود

- ‌ حجة الوداع

- ‌العمال على النواحي

- ‌خبر العنسيّ

- ‌بعث أسامة:

- ‌أخبار الأسود ومسيلمة وطليحة:

- ‌مرضه صلى الله وسلم عليه:

- ‌خبر السقيفة

- ‌الخلافة الإسلامية

- ‌الخبر عن الخلافة الإسلامية في هذه الطبقة وما كان فيها من الرّدة والفتوحات وما حدث بعد ذلك من الفتن والحروب في الإسلام ثم الاتفاق والجماعة

- ‌بعث الجيوش للمرتدين

- ‌خبر طليحة

- ‌خبر هوازن وسليم وبني عامر

- ‌خبر بني تميم وسجاح

- ‌البطاح ومالك بن نويرة

- ‌خبر مسيلمة واليمامة

- ‌ردّه الحطم وأهل البحرين

- ‌ردة أهل عمان ومهرة واليمن [2]

- ‌بعوث العراق وصلح الحيرة

- ‌فتح الحيرة

- ‌فتح ما وراء الحيرة

- ‌فتح الأنبار وعين التمر وتسمّى هذه الغزوة ذات العيون

- ‌الوقائع بالعراق

- ‌بعوث الشام

- ‌بعوث الشام

- ‌خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌فتح دمشق

- ‌خبر المثنى بالعراق بعد مسير خالد الى الشام

- ‌ولاية أبي عبيد بن مسعود على العراق ومقتله

- ‌أخبار القادسية

- ‌فتح المدائن وجلولاء بعدها

- ‌ولاية عتبة بن غزوان على البصرة

- ‌وقعة مرج الروم وفتوح مدائن الشام بعدها

- ‌وقعة أجنادين وفتح بيسان والأردن وبيت المقدس

- ‌مسير هرقل إلى حمص وفتح الجزيرة وارمينية

- ‌غزو فارس من البحرين وعزل العلاء عن البصرة ثم المغيرة وولاية أبي موسى

- ‌بناء البصرة والكوفة

- ‌فتح الأهواز والسوس بعدهما

- ‌مسير المسلمين الى الجهات للفتح

- ‌مجاعة عام الرمادة وطاعون عمواس

- ‌فتح مصر

- ‌وقعة نهاوند وما كان بعدها من الفتوحات

- ‌فتح همذان

- ‌فتح الريّ

- ‌فتح أذربيجان

- ‌فتح الباب

- ‌فتح موقان وجبال ارمينية

- ‌غزو الترك

- ‌فتح خراسان

- ‌فتوح فارس

- ‌إصطخر:

- ‌بسا ودرابجرد:

- ‌كرمان:

- ‌سجستان:

- ‌مكران:

- ‌خبر الأكراد

- ‌مقتل عمر وأمر الشورى وبيعة عثمان رضي الله عنه

- ‌نقض أهل الاسكندرية وفتحها

- ‌ولاية الوليد بن عقبة الكوفة وصلح أرمينية وأذربيجان

- ‌ولاية عبد الله بن أبي سرح على مصر وفتح افريقية

- ‌فتح قبرص

- ‌ولاية ابن عامر على البصرة وفتوح فارس وخراسان

- ‌ولاية سعيد بن العاص الكوفة

- ‌غزو طبرستان

- ‌غزو حذيفة الباب وأمر المصاحف

- ‌مقتل يزدجرد

- ‌ظهور الترك بالثغور

- ‌بدء الانتقاض على عثمان رضي الله عنه

- ‌حصار عثمان ومقتله رضي الله عنه وأتابه ورفع درجته

- ‌بيعة علي رضي الله عنه

- ‌أمر الجمل

- ‌انتقاض محمد بن أبي حذيفة بمصر ومقتله

- ‌ولاية قيس بن سعد على مصر

- ‌مبايعة عمرو بن العاص لمعاوية

- ‌أمر صفين

- ‌ أمر الحكمين

- ‌أمر الخوارج وقتالهم

- ‌ولاية عمرو بن العاص مصر

- ‌دعاء ابن الحضرميّ بالبصرة لمعاوية ومقتله

- ‌ولاية زياد على فارس

- ‌فراق ابن عبّاس لعلي رضي الله عنهم

- ‌مقتل علي

- ‌بيعة الحسن وتسليمه الأمر لمعاوية

الفصل: ‌المقدمة الاولى في أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم

[المجلد الثاني]

بسم الله الرحمن الرحيم

‌الكتاب الثاني ويشتمل: أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ مبدإ الخليقة الى هذا العهد

وفيه ذكر معاصريهم من الأمم المشاهير، مثل السريانيين والنبط والكلدانيين والفرس والقبط وبني إسرائيل وبني يونان والروم، والإمام بأخبار دولهم. ويتقدّم الكلام في ذلك مقدمتان:

إحداهما في أمم العالم وأنسابهم على الجملة.

الثانية في كيفية أوضاع الأنساب في هذا الكتاب.

‌المقدّمة الاولى في أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم

اعلم أن الله سبحانه وتعالى اعتمر هذا العالم بخلقه وكرّم بني آدم باستخلافهم في أرضه، وبثهم في نواحيها لتمام حكمته، وخالف بين أممهم وأجيالهم إظهارا لآياته، فيتعارفون الأنساب، ويختلفون باللغات والألوان، ويتمايزون بالسير والمذاهب والأخلاق، ويفترقون بالنحل والأديان والأقاليم والجهات. فمنهم العرب والفرس والروم وبنو إسرائيل والبربر، ومنهم الصقالبة والحبش والزنج، ومنهم أهل الهند وأهل بابل وأهل الصين وأهل اليمن وأهل مصر وأهل المغرب. ومنهم المسلمون والنصارى

ص: 3

واليهود والصابئة والمجوس، ومنهم أهل الوبر وهم أصحاب الخيام والحلل وأهل المدر وهم أصحاب المجاشر والقرى والأطم، ومنهم البدو الظواهر والحضر الأهلون. ومنهم العرب أهل البيان والفصاحة والعجم وأهل الرطانة بالعبرانية والفارسية والإغريقية واللطينية والبربرية. خالف أجناسهم وأحوالهم وألسنتهم وألوانهم ليتم أمر الله في اعتمار أرضه بما يتوزعونه من وظائف الرزق وحاجات المعاش بحسب خصوصياتهم ونحلهم فتظهر آثار القدرة وعجائب الصنعة وآيات الوحدانية إنّ في ذلك لآيات للعالمين.

واعلم أنّ الامتياز بالنسب أضعف المميزات لهذه الأجيال والأمم لخفائه واندراسه بدروس الزمان وذهابه. ولهذا كان الاختلاف كثيرا ما يقع في نسب الجيل الواحد أو الأمّة الواحدة إذا اتصلت مع الأيام وتشعّبت بطونها على الأحقاب كما وقع في نسب كثير من أهل العالم مثل اليونانيين والفرس والبربر وقحطان من العرب.

اختلفت الأنساب واختلفت فيها المذاهب وتباينت الدعاوي استظهر كل ناسب على صحّة ما ادّعاه بشواهد الأحوال والمتعارف من المقارنات في الزمان والمكان وما يرجع الى ذلك من خصائص القبائل وسمات الشعوب والفرق التي تكون فيهم منتقلة متعاقبة في بنيهم.

وسئل مالك رحمه الله تعالى عن الرجل يرفع نسبه الى آدم فكره ذلك وقال من أين يعلم ذلك؟ فقيل له فإلى إسماعيل فأنكر ذلك وقال من يخبره به؟ وعلى هذا درج كثير من علماء السلف وكره أيضا أن يرفع في أنساب الأنبياء مثل أن يقال إبراهيم بن فلان بن فلان وقال من يخبره به. وكان بعضهم إذا تلا قوله تعالى: «وَالَّذِينَ من بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا الله 14: 9» قال: كذب النسابون. واحتجوا أيضا بحديث ابن عباس أنّه صلى الله عليه وسلم لما بلغ نسبه الكريم الى عدنان قال من هاهنا كذب النسابون. واحتجوا أيضا بما ثبت فيه أنه علم لا ينفع وجهالة لا تضرّ إلى غير ذلك من الاستدلالات.

وذهب كثير من أئمة المحدّثين والفقهاء مثل ابن إسحاق والطبري والبخاري الى جواز الرفع في الأنساب ولم يكرهوه، محتجين بعمل السلف فقد كان أبو بكر رضي الله عنه أنسب قريش لقريش ومضر بل ولسائر العرب وكذا ابن عباس وجبير بن مطعم وعقيل بن أبي طالب وكان من بعدهم ابن شهاب والزهري وابن سيرين وكثير من

ص: 4

التابعين. قالوا وتدعو الحاجة اليه في كثير من المسائل الشرعية مثل تعصيب الوراثة وولاية النكاح والعاقلة في الديات والعلم بنسب النبيّ صلى الله عليه وسلم وأنه القرشيّ الهاشمي الّذي كان بمكة وهاجر الى المدينة فانّ هذا من فروض الايمان ولا يعذر الجاهل به. وكذا الخلافة عند من يشترط النسب فيها. وكذا من يفرّق في الحرّيّة والاسترقاق بين العرب والعجم. فهذا كله يدعو الى معرفة الأنساب ويؤكد فضل هذا العلم وشرفه فلا ينبغي أن يكون ممنوعا.

وأمّا حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم لما بلغ نسبه الى عدنان قال من هاهنا كذب النسّابون يعني من عدنان. فقد أنكر السهيليّ روايته من طريق ابن عبّاس مرفوعا وقال الأصح انه موقوف على ابن مسعود. وخرّج السهيليّ عن أمّ سلمة أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: معدّ بن عدنان بن أدد بن زيد بن البرّي بن أعراق الثري. قال وفسرت أم سلمة زيدا بأنه الهميسع والبرّي بأنه نبت أو نابت واعراق الثري بأنه إسماعيل، وإسماعيل هو ابن إبراهيم وإبراهيم لم تأكله النار كما لا تأكل الثرى. وردّ السهيليّ تفسير أمّ سلمة وهو الصحيح، وقال إنما معناه معنى قوله صلى الله عليه وسلم كلكم بنو آدم وآدم من تراب لا يريد أنّ الهميسع ومن دونه ابن لإسماعيل لصلبه وعضد ذلك باتفاق الأخبار على بعد المدّة بين عدنان وإسماعيل التي تستحيل في العادة أن يكون فيها بينهما أربعة آباء أو سبعة أو عشرة أو عشرون لأن المدّة أطول من هذا كله كما نذكره في نسب عدنان فلم يبق في الحديث متمسّك لأحد من الفريقين. وأما ما رووه من أنّ النسب علم لا ينفع وجهالة لا تضرّ فقد ضعّف الأئمة رفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم مثل الجرجاني وأبي محمد بن حزم وأبي عمر بن عبد البرّ. وألحق في الباب أنّ كل واحد من المذهبين ليس على إطلاقه فانّ الأنساب القريبة التي يمكن التوصّل إلى معرفتها لا يضرّ الاشتغال بها لدعوى الحاجة اليها في الأمور الشرعية من التعصيب والولاية والعاقلة وفرض الايمان بمعرفة النبي صلى الله عليه وسلم، ونسب الخلافة والتفرقة بين العرب والعجم في الحريّة والاسترقاق عند من يشترط ذلك كما مرّ كله وفي الأمور العادية أيضا تثبت به اللّحمة الطبيعية التي تكون بها المدافعة والمطالبة. ومنفعة ذلك في اقامة الملك والدين ظاهرة. وقد كان صلى

ص: 5

الله عليه وسلم وأصحابه ينسبون الى مضر ويتساءلون عن ذلك. وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم. وهذا كله ظاهر في النسب القريب، وأمّا الأنساب البعيدة العسرة المدرك التي لا يوقف عليها إلا بالشواهد والمقارنات لبعد الزمان وطول الأحقاب أو لا يوقف عليها رأسا لدروس الأجيال فهذا قد ينبغي أن يكون له وجه في الكراهة كما ذهب اليه من ذهب من أهل العلم مثل مالك وغيره لأنه شغل الإنسان بما لا يعنيه. وهذا وجه قوله صلى الله عليه وسلم فيما بعد عدنان من هاهنا كذب النسّابون لأنها أحقاب متطاولة ومعالم دارسة لا تثلج الصدور باليقين في شيء منها مع أنّ علمها لا ينفع وجهلها لا يضرّ كما نقل والله الهادي الى الصواب.

ولنأخذ الآن في الكلام في أنساب العالم على الجملة ونترك تفصيل كل واحد منها الى مكانه فنقول: إنّ النسّابين كلّهم اتفقوا على أنّ الأب الأوّل للخليقة هو آدم عليه السلام كما وقع في التنزيل إلا ما يذكره ضعفاء الأخباريين من أن الجنّ والطمّ أمّتان كانتا فيما زعموا من قبل آدم، وهو ضعيف متروك وليس لدينا من أخبار آدم وذرّيته إلّا ما وقع في المصحف الكريم وهو معروف بين الأئمّة. واتفقوا على أنّ الأرض عمرت بنسله أحقابا وأجيالا بعد أجيال إلى عصر نوح عليه السلام وأنه كان فيهم أنبياء مثل شيث وإدريس وملوك في تلك الأجيال معدودون وطوائف مشهورون بالنحل مثل الكلدانيين ومعناه الموحّدون، ومثل السريانيين وهم المشركون. وزعموا أنّ أمم الصابئة منهم وأنهم من ولد صابئ بن لمك بن أخنوخ، وكان نحلتهم في الكواكب والقيام لها كلها واستنزال روحانيّتها وأنّ من حزبهم الكلدانيين أي الموحّدين. وقد ألّف أبو إسحاق الصابي الكاتب مقالة في أنسابهم ونحلتهم. وذكر أخبارهم أيضا داهر مؤرّخ السريانيين والبابا الصابي الحرّاني وذكروا استيلاءهم على العالم وجملا من نواميسهم. وقد اندرسوا وانقطع أثرهم. وقد يقال أنّ السريانيين من أهل تلك الأجيال، وكذلك النمروذ والازدهاق وهو المسمى بالضّحاك من ملوك الفرس وليس ذلك بصحيح عند المحقّقين.

واتفقوا على أنّ الطوفان الّذي كان في زمن نوح وبدعوته ذهب بعمران الأرض أجمع بما كان من خراب المعمور ومهلك الذين ركبوا معه في السفينة ولم يعقبوا فصار

ص: 6

أهل الأرض كلّهم من نسله وعاد أبا ثانيا للخليقة وهو نوح بن لامك ويقال لمك بن متوشلخ بفتح اللام وسكونها ابن خنوخ، ويقال أخنوخ، ويقال أشنخ، ويقال أخنخ وهو إدريس النبيّ فيما قاله ابن إسحاق ابن بيرد ويقال بيرد بن مهلائيل ويقال ماهلايل بن قاين ويقال قينن بن أنوش ويقال يانش بن شيث بن آدم، ومعنى شيث عطيّة الله هكذا نسبه ابن إسحاق وغيره من الأئمة وكذا وقع في التوراة نسبه وليس فيه اختلاف بين الأئمة. ونقل ابن إسحاق أنّ خنوخ الواقع اسمه في هذا النسب هو إدريس النبيّ صلوات الله عليه وهو خلاف ما عليه الأكثر من النسّابين فإنّ إدريس عندهم ليس بجدّ لنوح ولا في عمود نسبه وقد زعم الحكماء الأقدمون أيضا أنّ إدريس هو هرمس المشهور بالإمامة في الحكمة عندهم. وكذلك يقال: أنّ الصابئة من ولد صابئ بن لامك وهو أخو نوح عليه السلام. وقيل أنّ صابئ متوشلخ جدّه.

واعلم أنّ الخلاف الّذي في ضبط هذه الأسماء إنّما عرض في مخارج الحروف فإنّ هذه الأسماء إنّما أخذها العرب من أهل التوراة ومخارج الحروف في لغتهم غير مخارجها في لغة العرب، فإذا وقع الحرف متواسطا بين حرفين من لغة العرب، فتردّه العرب تارة الى هذا وتارة الى هذا. وكذلك إشباع الحركات قد تحذفه العرب إذا نقلت كلام العجم، فمن هاهنا اختلف الضبط في هذه الأسماء.

واعلم أنّ الفرس والهند لا يعرفون الطوفان وبعض الفرس يقولون كان ببابل فقط.

واعلم أنّ آدم هو كيومرث وهو نهاية نسبهم فيما يزعمون، وأنّ أفريدون الملك في آبائهم هو نوح، وأنّه بعث لازدهاق وهو الضحّاك فلبسه الملك وقبله كما يذكر بعد في أخبارهم. وقد تترجّح صحة هذه الأنساب من التوراة وكذلك قصص الأنبياء الأقدمين إذ أخذت عن مسلمي يهودا ومن نسخ صحيحة من التوراة يغلب على الظن صحتها وقد وقعت العناية في التوراة بنسب موسى عليه السلام وإسرائيل وشعوب الأسباط ونسب ما بينهم وبين آدم صلوات الله عليه. والنسب والقصص أمر لا يدخله النسخ فلم يبق إلا تحرّي النسخ الصحيحة والنقل المعتبر. وأمّا ما يقال من أن علماءهم بدّلوا مواضع من التوراة بحسب أغراضهم في ديانتهم. فقد قال ابن عباس على ما نقل عنه البخاري في صحيحه: انّ ذلك بعيد، وقال معاذ الله ان تعمد أمّة الأمم الى كتابها المنزل على نبيّها فتبدّله أو ما في معناه، وقال وإنّما بدّلوه

ص: 7

وحرّفوه بالتأويل ويشهد لذلك قوله تعالى: «وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ الله 5: 43» ولو بدّلوا من التوراة ألفاظها لم يكن عندهم التوراة التي فيها حكم الله وما وقع في القرآن الكريم من نسبة التحريف والتبديل فيها إليهم فإنّما المعنيّ به التأويل اللَّهمّ إلّا أن يطرقها التبديل في الكلمات على طريق الغفلة وعدم الضبط. وتحريف من لا يحسن الكتابة بنسخها فذلك يمكن في العادة لا سيما وملكهم قد ذهب، وجماعتهم انتشرت في الآفاق واستوى الضابط منهم وغير الضابط، والعالم والجاهل، ولم يكن وازع يحفظ لهم ذلك لذهاب القدرة بذهاب الملك فتطرّق من أجل ذلك الى صحف التوراة في الغالب تبديل وتحريف غير متعمد من علمائهم وأحبارهم. ويمكن مع ذلك الوقوف على الصحيح منها إذ تحرّى القاصد لذلك بالبحث عنه.

ثم اتفق النسابون ونقلت المفسرين على أنّ ولد نوح الذين تفرّعت الأمم منهم ثلاثة:

سام وحام ويافث وقد وقع ذكرهم في التوراة، وأنّ يافث أكبرهم وحام الأصغر وسام الأوسط، وخرّج الطبري في الباب أحاديث مرفوعة بمثل ذلك وأنّ سام أبو العرب، ويافث أبو الروم، وحام أبو الحبش والزنج وفي بعضها السودان. وفي بعضها سام أبو العرب وفارس والروم، ويافث أبو التّرك والصقالبة ويأجوج ومأجوج، وحام أبو القبط والسودان والبربر، ومثله عن ابن المسيّب ووهب بن منبّه. وهذه الأحاديث وإن صحّت فإنّما الأنساب فيها مجملة ولا بدّ من نقل ما ذكره المحققون في تفريع أنساب الأمم من هؤلاء الثلاثة واحدا واحدا، وكذلك نقل الطبريّ إنه كان لنوح ولد اسمه كنعان وهو الّذي هلك في الطوفان، قال وتسميه العرب يام، وآخر مات قبل الطوفان اسمه عابر. وقال هشام كان له ولد اسمه بوناطر والعقب إنّما هو من الثلاثة على ما أجمع عليه الناس وصحت به الأخبار، فأمّا سام فمن ولده العرب على اختلافهم وإبراهيم وبنوه صلوات الله عليهم باتفاق النسابين.

والخلاف بينهم إنّما هو في تفاريع ذلك أو في نسب غير العرب الى سام.

فالذي نقله ابن إسحاق: أنّ سام بن نوح كان له من الولد خمسة وهم: أرفخشذ ولاوذ وإرم وأشوذ وغليم. وكذا وقع ذكر هذه الخمسة في التوراة وأنّ بني أشوذ هم أهل الموصل، وبني غليم أهل خوزستان ومنها الأهواز. ولم يذكر في التوراة ولد لاوذ. وقال ابن إسحاق: وكان للاوذ أربعة من الولد: وهم طسم وعمليق وجرجان وفارس قال: ومن العماليق أمّة جاسم فمنهم بنو لفّ وبنو هزّان وبنو مطر

ص: 8

وبنو الأزرق ومنهم بديل وراحل وظفّار، ومنهم الكنعانيّون وبرابرة الشام وفراعنة مصر. وعن غير ابن إسحاق أنّ عبد بن ضخم وأميم من ولد لاوذ. قال ابن إسحاق: وكانت طسم والعماليق وأميم وجاسم يتكلّمون بالعربية وفارس يجاورونهم إلى المشرق ويتكلّمون بالفارسية.

قال وولد إرم: عوص وكاثر وعبيل ومن ولد عوص عاد ومنزلهم بالرمال والأحقاف إلى حضرموت. ومن ولد كاثر ثمود وجديس ومنزل ثمود بالحجر بين الشام والحجاز.

وقال هشام بن الكلبي: عبيل بن عوص أخو عاد. وقال ابن حزم عن قدماء النسّابين: انّ لاوذ هو ابن إرم بن سام أخو عوص وكاثر. قال: فعلى هذا يكون جديس وثمود أخوين، وطسم وعملاق أخوين أبناء عمّ لحام وكلهم بنو عم عاد.

قال: ويذكرون أنّ عبد بن ضخم بن إرم وأنّ أميم بن لاوذ بن إرم. قال الطبري: وفهّم الله لسان العربيّة عادا وثمود وعبيل وطسم وجديس وأميم وعمليق وهم العرب العاربة. وربما يقال: إنّ من العرب العاربة يقطن أيضا، ويسمون أيضا العرب البائدة ولم يبق على وجه الأرض منهم أحد. قال: وكان يقال عاد إرم فلمّا هلكوا قيل ثمود إرم ثمّ هلكوا فقيل لسائر ولد إرم أرمان وهو النبط. وقال هشام بن محمد الكلبيّ: إنّ النبط بنو نبيط بن ماش بن إرم والسريان بنو سريان بن نبط.

وذكر أيضا أنّ فارس من ولد أشوذ بن سام وقال فيه فارس بن طبراش بن أشوذ، وقيل أنهم من أميم بن لاوذ وقيل ابن غليم وفي التوراة: ذكر ملك الأهواز واسمه كردلا عمرو من بني غليم والأهواز متصلة ببلاد فارس. فلعل هذا القائل ظنّ أنّ أهل أهواز هم فارس والصحيح أنهم من ولد يافث كما يذكر. وقال أيضا إنّ البربر من ولد عمليق بن لاوذ وأنهم بنو تميلة من مأرب بن قاران بن عمر بن عمليق والصحيح أنهم من كنعان بن حام كما يذكر. وذكر في التوراة ولد إرم أربعة عوص وكاثر وماش ويقال مشح والرابع حول. ولم يقع عند بني إسرائيل في تفسير هذا شيء إلّا أنّ الجرامقة من ولد كاثر. وقد قيل إنّ الكرد والدّيلم من العرب. وهو قول مرغوب عنه.

وقال ابن سعيد كان لأشوذ أربعة من الولد إيران ونبيط وجرموق وباسل فمن إيران الفرس والكرد والخزر، ومن نبيط النبط والسريان، ومن جرموق الجرامقة وأهل الموصل، ومن باسل الديلم وأهل الجبل. قال الطبري: ومن ولد أرفخشذ العبرانيون

ص: 9

وبنو عابر بن شالخ بن أرفخشذ وهكذا نسبه في التوراة. وفي غيره أن شالخ بن قينن بن أرفخشذ وإنما لم يذكر قينن في التوراة لأنه كان ساحرا وادّعى الألوهية.

وعند بعضهم أنّ النمروذ من ولد ارفخشذ وهو ضعيف وفي التوراة أن عابر ولد اثنين من الولد هما فالغ ويقطن، وعند المحققين من النسّابة أن يقطن هو قحطان عربته العرب هكذا. ومن فالغ إبراهيم عليه السلام وشعوبه ويأتي ذكرهم. ومن يقطن شعوب كثيرة ففي التوراة ذكر ثلاثة من الولد له وهم: المرذاذ ومعربه ومضاض وهم جرهم وإرم وهم حضور وسالف وهم أهل السلفات وسبا وهم أهل اليمن من حمير والتبابعة وكهلان وهدرماوت وهم حضرموت. وهؤلاء خمسة، وثمانية أخرى ننقل أسماءهم وهي عبرانية ولم نقف على تفسير شيء منها ولا يعلم من أي البطون هم، وهم: بباراح وأوزال ودفلا وعوثال وأفيمايل وأيوفير وحويلا ويوفاف، وعند النسابين أن جرهم من ولد يقطن فلا أدري من أيهم، وقال هشام بن الكلبيّ: إن الهند والسند من نوفير بن يقطن والله أعلم.

وأما يافث فمن ولده الترك والصين والصقالبة ويأجوج ومأجوج باتفاق من النسابين. وفي آخرين خلاف كما يذكر. وكان له من الولد على ما وقع في التوراة سبعة. وهم كومر وياوان وماذاي وماغوغ وقطوبال وماشخ وطيراش وعدّهم ابن إسحاق هكذا وحذف ماذاي ولم يذكر كومر وتوغرما وأشبان وريغاث هكذا في نص التوراة. ووقع في الإسرائيليات أن توغرما هم الخزر، وأن أشبان هم الصقالبة، وأن ريغاث هم الإفرنج ويقال لهم برنسوس، والخزر هم التركمان وشعوب الترك كلهم من بني كومر ولم يذكروا من أي الثلاثة هم. والظاهر أنهم من توغرما ونسبهم ابن سعيد الى الترك ابن عامور بن سويل بن يافث، والظاهر أنه غلط وأن عامور هو كومر صحف عليه.

وهم أجناس كثيرة منهم الطغرغر وهم التتر والخطا وكانوا بأرض طغماج والخزلقية والغز الذين كان منهم السلجوقية والهياطلة الذين كان منهم الخلج، ويقال للهياطلة الصغد أيضا. ومن أجناس الترك الغور والخزر والقفجاق، ويقال الخفشاخ، ومنهم يمك والعلّان، ويقال الأز، ومنهم الشركس وأزكش. ومن ماغوغ عند الإسرائيليين يأجوج ومأجوج، وقال ابن إسحاق: إنّهم من كومر ومن ماذاي الديلم ويسمون في اللسان العبراني ماهان. ومنهم أيضا همذان وجعلهم بعض الإسرائيليين من بني همذان بن يافث وعد همذان ثامناً للسبعة المذكورين من ولده.

ص: 11

وأمّا ياوان واسمه يونان فعند الإسرائيليين أنّه كان له من الولد أربعة وهم: داود بن واليشا وكيتم وترشيش، وأن كيتم من هؤلاء الأربعة هو أبو الروم والباقي يونان، وأن ترشيش أهل طرسوس.

وأما قطوبال فهم أهل الصين من المشرق والليمان من المغرب. ويقال أنّ أهل افريقية قبل البربر منهم وأن الإفرنج أيضا منهم. ويقال أيضا أنّ أهل الأندلس قديما منهم.

وأما ماشخ فكان ولده عند الإسرائيليين بخراسان وقد انقرضوا لهذا العهد فيما يظهر وعند بعض النسابين أنّ الأشبان منهم.

وأما طيراش فهم الفرس عند الإسرائيليين وربما قال غيرهم إنهم من كومر وأن الخزر والترك من طيراش وأن الصقالبة وبرجان والأشبان من ياوران وأن يأجوج ومأجوج من كومر وهي كلها مزاعم بعيدة عن الصواب. وقال اهروشيوش مؤرّخ الروم أن القوط واللطين من ماغوغ. وهذا آخر الكلام في أنساب يافث.

وأمّا حام فمن ولده: السودان والهند والسند والقبط وكنعان باتفاق. وفي آخرين خلاف نذكره وكان له على ما وقع في التوراة أربعة من الولد وهم مصر ويقول بعضهم مصرايم وكنعان وكوش وقوط. فمن ولد مصر عند الإسرائيليين فتروسيم وكسلوحيم ووقع في التوراة فلشنين منهما معا. ولم يتعيّن من أحدهما وبنو فلشنين الذين كان منهم جالوت. ومن ولد مصر عندهم كفتورع ويقولون هم أهل دمياط ووقع الانقلوس ابن أخت قيطش الّذي خرب القدس في الجلوة الكبرى على اليهود. قال إن كفتورع هو قبطقاي ويظهر من هذه الصيغة أنهم القبط لما بين الاسمين من الشبه. ومن ولد مصر عناميم وكان لهم نواحي إسكندرية وهم أيضا بفتوحيم ولوديم ولهابيم. ولم يقع إلينا تفسير هذه الأسماء. وأما كنعان بن حام فذكر من ولده في التوراة أحد عشر منهم صيدون ولهم ناحية صيدا وإيموري وكرساش، وكانوا بالشام وانتقلوا عند ما غلبهم عليه يوشع إلى إفريقية فأقاموا بها. ومن كنعان أيضا يبوسا وكانوا ببيت المقدس وهربوا أمام داود عليه السلام حين غلبهم عليه إلى إفريقية والمغرب وأقاموا بها. والظاهر أنّ البربر من هؤلاء المنتقلين أوّلا وآخرا إلا أنّ المحققين من نسابتهم على أنهم من ولد مازيغ بن كنعان فلعل مازيغ ينتسب إلى هؤلاء. ومن كنعان أيضا حيث الذين كان ملكهم عوج بن عناق. ومنهم عرفان وأروادى وخوي ولهم نابلس وسبا ولهم طرابلس وضمارى ولهم حمص وحما ولهم أنطاكية وكانت تسمى حما باسمهم وأما كوش بن حام

ص: 12

فذكر له في التوراة خمسة من الولد وهم سفنا وسبا وجويلا ورعما وسفخا ومن ولد رعما شاو وهم السند ودادان وهم الهند. وفيها أن النمروذ من ولد كوش ولم يعينه وفي تفاسيرها أن جويلا زويلة وهم أهل برقة. وأما أهل اليمن من ولد سبا. وأما قوط فعند أكثر الإسرائيليين أن القبط منهم. ونقل الطبري عن ابن إسحاق أن الهند والسند والحبشة من بني السودان من ولد كوش. وأن النوبة وفزان وزغاوة والزنج منهم من كنعان. وقال ابن سعيد أجناس السودان كلهم من ولد حام ونسب ثلاثة منهم الى ثلاثة سماهم من ولده غير هؤلاء الحبشة الى حبش، والنوبة الى نوابة أو نوى، والزنج الى زنج، ولم يسم أحدا من آباء الأجناس الباقية وهؤلاء الثلاثة الذين ذكروا لم يعرفوا من ولد حام فلعلّهم من أعقابهم، أو لعلها أسماء أجناس. وقال هشام بن محمد الكلبي إن النمروذ هو ابن كوش بن كنعان. وقال أهروشيوش مؤرخ الروم: إن سبا وأهل افريقية يعني البربر من جويلا بن كوش ويسمى يضول وهذا والله أعلم غلط لأنه مرّ أن يضول في التوراة من ولد يافث ولذلك ذكر أن حبشة المغرب من دادان ابن رعما من ولد مصر بن حام بنو قبط بن لأب بن مصرا هـ الكلام في بني حام.

وهذا آخر الكلام في أنساب أمم العالم على الجملة والخلاف الّذي في تفاصيلها يذكر في أماكنه والله وليّ العون والتوفيق

.

ص: 14