الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرور وتَخَطِّي الرقاب يوم الجمعة
السائل: سأل سائل عن المرور وتَخَطّي الرقاب يوم الجمعة.
الشيخ: يشير السائل إلى حديث صحيح من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة حينما دخل رجل إلى المسجد فأخذ يتخطى الناس ويتخطى رقاب الناس، فقال له عليه السلام:«اجلس، فقد آنيت وآذيت» .
آنيت أي: تأخرت في المجيء، ثم طمعت في أن تتقدم الصفوف بإيذائك لإخوانك المسلمين بتخطيك رقابهم، وهذا لا يجوز، ولذلك قال له:«اجلس حيث أنت ولا تُؤذِ المسلمين بِتَخَطِّي رقابهم» .
جاء السؤال مثل هذا الاجتماع الآن: هل يجوز أن يتخطى من كان في الخلف أن بتخطى رقاب المتقدمين؛ ليصل إلى المكان في الصفوف الأولى؟
الجواب: أن هذا التَقَدُّم كذاك التَقَدُّم يوم الجمعة، كلاهما في الحكم سواءً؛ بجامع الاشتراك في العلة، والعلة هي الإيذاء، وإيذاء المؤمنين لا يجوز، سواء كان يوم الجمعة أو كان غير يوم الجمعة، في المصلى مثلاً مصلى العيد أو في اجتماع جامع كهذا الاجتماع، هذا وذاك كلاهما في الإيذاء سواء فهو لا يجوز، وإنما يجوز هذا وذاك إذا كان الجالسون في المجلس أي: سواءً كان في المسجد أو في أيّ مجلس كمجلس جامع كهذا.
إذا كان هناك فراغ في الصفوف الأولى، وهذا نراه كثيراً في كثير من المساجد، ففي هذه الحالة يجوز التَقَدُّم؛ لِسَدِّ الفراغ الموجود في الصفوف الأولى.
أما إذا كان لا فراغ هناك فينبغي أن يجلس حيث انتهى به المجلس.
وعلى كل حال الجواب: أن الإيذاء لا يجوز، سواءً كان يوم الجمعة أو كان غير الجمعة، إلا في حالة تهاون المستمعين وتركهم الفراغ في الصفوف الأولى، فيجوز أن يتخطى رقابهم مع الرِّفق والتأني؛ لكي يَسُدّ الفراغ الموجود بين الصفوف الأولى أو
في مُقَدَّم المجلس.
ويجب أن نتذكر بهذه المناسبة: أن إيذاء المسلم فضلاً عن إيذاء المسلمين أي الكثيرين منهم، لا يجوز حتى في بعض الطاعات، لا يجوز إيذاء المسلم بالطاعة.
مثال ذلك: قوله عليه السلام حينما كان عليه السلام في حُجْرَته، وهي كما تعلمون قُرْب مسجده، فسمع أصواتاً في المسجد مرتفعة بتلاوة القرآن، فقال عليه الصلاة والسلام:«يا أيها الناس كُلُّكم يناجي ربَّه، فلا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة فتؤذوا المؤمنين» .
أي: لا يجوز الجهر برفع الصوت بالذكر لما فيه من إيذاءٍ لبعض المصلين، وهذا إيذاءٌ يقع في أكثر المساجد اليوم وبخاصة المساجد التي يكون أهلها تبعاً لإمامها من أبعد الناس عن معرفة السنة، ففي هذه المساجد يقع إيذاء كبير جداً برفع الصوت بعد سلام الإمام بالاستغفار أو بالتهليلات العشر بعد صلاة الفجر مثلاً وبعد صلاة المغرب، حيث يرفعون أصواتهم بالتهليل عشر مرات، هذا التهليل عشر مرات دُبُرَ صلاة المغرب وصلاة الفجر من السنة، وعليها فضيلة عظيمة جداً ولكن بالخفض والخفت والسر وليس بالجهر؛ لأن في الجهر إيذاء لبعض المصلين كيف ذاك؟
كثير ما يتفق أن بعض المصلين يكونوا هم المسبوقين بركعة أو بأكثر حسب الصلاة، وحينما يرفع الناس الذين سَلَّموا مع الإمام أصواتَهم بالذكر، فبذلك يَحْصُل التشويش للذي قام ليأتي بما فاته من الصلاة، بل ويُمْكِن أن يكون الإيذاء أكثر من ذلك، لأن من سَلَّم مع الإمام فهو له وِرْدٌ يريد أن يأتي به بينه وبين ربه، لا يريد أن يُشَوِّش على غيره، فيأتي بالأوراد والأذكار سراً، وأولئك يرفعون أصواتهم بالذكر فَيُشَوِّشون عليهم فيقع الإيذاء من مثل هذا الإنسان، والرسول عليه السلام قد قال - كما سمعتم آنفاً -:«لا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة فتؤذوا المؤمنين» .
ومن هذا الحديث الذي فيه النهي الصريح عن إيذاء المؤمنين ولو برفع الصوت بالذكر؛ لأن هذا الرفع بالصوت بالذكر هو أحسن أحواله أن يكون في بعض
المناسبات جائزاً، لكن هذا الجائز إذا تَرتَّب من ورائه إيذاءٌ ما لمسلمٍ ما، وجب الابتعاد عنه؛ لهذا الحديث الصريح:«كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة» .
حتى هؤلاء الذين يشتركون جميعاً في التهليلات العشر مثلاً يحصل إيذاء بعضهم لبعض، وهذا يُلَاحَظ حينما يتأمل الإنسان كيف يجري التهليل من الجمهور بصوت واحد، فينقطع صوت أحدهم ولا يستطيع أن يُتَمِّم تمام التهليلة، فيصير عنده تشويش، ولا يستطيع أن يُتَمِّم بينه وبين نفسه؛ لأنه من دوي صوت الجماعة، فيصبح حينذاك هو نفسُه اللّي كان معهم وانقطع نَفَسُه عنهم أُصيب بالإيذاء بسبب هذا الجهر.
أما لو تُرِكَ ونَفْسُهُ، فهو يقرأ على رويَّة وعلى هدوء سِرًّا بينه وبين ربه، والله تبارك وتعالى كما في القرآن الكريم يعلم السر وأخفى.
من هذا الحديث: جاء في بعض كتب العلماء الفقهاء تنبيه عظيم جداً، قالوا: إذا كان هناك في المسجد رجل نائم تعبان شغال، منقطع في الطريق غريب، فلا يجوز رفع الصوت بالذكر حتى لا يُشَوِّش على هذا النائم، وهو نائم مش ذاكر لله، فما بالكم إذا كان رجل يذكر الله؟ يقرأ من كتاب الله فيرفع الناس أصواتهم بالذكر، فحينئذٍ يقع هذا المحذور الذي سمعتموه عن الرسول عليه السلام، وهو قوله:«يا أيها الناس كلكم يناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة فتؤذوا المؤمنين» .
فإذاً: إيذاء المؤمنين لا يجوز حتى ولو كان هناك تلاوة قرآن، فما بالكم بِتَخَطِّي الرقاب سواء كان يوم الجمعة كما ذكرنا أو في المجالس العامة.
هذا هو جواب ما سبق عنه سؤالك.
(الهدى والنور /220/ 36: 00: 00)
(الهدى والنور /220/ 38: 05: 00)