الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شبهة وجوابها
علمت مما سبق بيانه: أن صلاة العيدين في المصلى هي السنة وأنه أمر متفق عليه بين الأئمة من الوجهة العلمية وأن في أدائها في المصلى فوائد وحكما لا يتحقق أكثرها في أدائها في المساجد أو المسجد ولذلك ينبغي على المسلمين أن يرجعوا إلى سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ويشاركون الذين بادروا إلى إحياء هذه السنة في هذه الديار فإن يد الله على الجماعة جماعة السنة لا الجماعة المخالفة لها! ولا يليق بعاقل أن يقول: إن في إحياء هذه السنة تفريقا لجماعة المسلمين وأنهم إذا كانوا يصلون في المساجد في جماعات متعددة فإن في إقامتها في المصلى خروجا عنهم وإحداث جماعة جديدة نحن في غنى عنها وفي حاجة إلى تقليل تلك الجماعات لا تكثيرها. فإننا نقول: إن هذا القول لا يليق أن يقوله عاقل مسلم لأنه يحمل في طيه ما لا يتصور أن يقصده مؤمن لأن مفاده أن تطبيق السنة التي قال بها جميع الأئمة على ما فصلنا سبب لتفريق المسلمين وتمزيق جماعتهم وتصور هذا كاف وحده لإبطال هذا القول. بل الحقيقة التي ندين الله بها: أن لا سبيل إلى جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم إلا بالرجوع إلى السنة وخاصة العملية منها التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته وفارق عليها أمته وخلفهم عليها من بعده. وإن شئت مثالا قريبا على ذلك فخذ ما نحن فيه من الصلاة في المصلى. فالمسلمون اليوم قد تفرقوا في هذه الصلاة على جماعات كثيرة خلافا للسنة كما سبق فإذا أردنا جمعهم على جماعة واحدة فلا سبيل لنا إليها إلا بالخروج إلى أرض فسيحة تتسع لجميع المصلين نساء ورجالا يتخذون لهم مصلى يؤدون فيه هذه العبادة العظيمة «صلاة العيد» وذلك ما أمرت به السنة فكيف يقال بعد ذلك: إن تطبيق السنة تفريقا للجماعة؟ !
نعم. إن مما لا ريب فيه أن إحياء هذه السنة يقتضي إيجاد جماعة جديدة تدع تلك الجماعات الأخرى المتفرقة في المساجد الكثيرة ولكن لما كان غاية هذه الجماعة الجديدة جمع تلك الجماعات في جماعة واحدة كما كان الأمر عليه في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين كان لا بد من وجود هذه الجماعة لأن الجماعة الواحدة لا تقوم
طفرة ولا تقوم إلا بهم. ومن المتقرر في الأصول: أن ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب. فهذا يؤكد الاعتراف بضرورة وجود هذه الجماعة لأنها على السنة وغايتها تحقيق الجماعة بأوسع معانيها بخلاف تلك الجماعات الأخرى. وقد يقول قائل: قد يستجيب لهذه الجماعة كثير من المخلصين بعد أن تبينت لهم السنة ولكن من المفروض أنه سيبقى ناس كثيرون مصرين على التفرق في المساجد خلافا للسنة ولجميع المذاهب وبهذا لا تحقق الجماعة الواحدة المنشودة.
أقول: الحق أن هذا قد يحدث ولكن من الواضح حينئذ أن المسؤولية لا تقع على الذين أحيوا هذه السنة ودعوا الناس إليها وإنما على الذين أصروا على مخالفتها فالإنكار إنما ينصب عليهم.
وأما الطائفة الأولى فجماعتهم هي المشروعة لأنها على السنة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم في صفة الفرقة الناجية: وهي الجماعة وفي رواية: «هي ما أنا عليه وأصحابي» (1). فلا يضرهم حينئذ مخالفة من خالفهم وان كانوا أكثر منهم سوادا لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» (2).
فالمؤمن لا يستوحش من قلة السالكين على طريق الهدى ولا يضره كثرة المخالفين.
قال الإمام الشاطبي في «الاعتصام» 01/ 11 - 12: وهذه سنة الله في الخلق: أن أهل الحق في جنب أهل الباطل قليل لقوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} . وقوله: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} ، ولينجز الله ما وعد به نبيه صلى الله عليه وسلم من عود وصف الغربة إليه (3) فإن الغربة لا تكون إلا مع فقد الأهل أو قلتهم وذلك
(1) قلت: وإسنادها حسن لغيره رواه الترمذي وحسنه عن ابن عمرو والطبراني وغيره عن أنس وهو مخرج مع الرواية الأولى - وهي صحيحة - في "سلسة الأحاديث الصحيحة" رقم "204". [منه].
(2)
حديث صحيح متواتر مخرج في المصدر المذكور وانظر "مختصر صحيح مسلم" رقم "1095" و "صحيح الجامع الصغير" رقم "7166". [منه].
(3)
يعني الإسلام يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء" رواه مسلم وغيره وهو مخرج في "الصحيحة"، "1273". [منه].