الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستدلال على عدم وجوب تحية المسجد بعدم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لها قبل خطبة الجمعة
الملقي: هناك أحد طلبة الأئمة من العلماء يقول: إن حديث وجوب ركعتي تحية المسجد مصروف عن الوجوب إلى الندب، بدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام يدخل المسجد للخطبة، في خطبة الجمعة، ويقعد على المنبر بدون أن يصلي ركعتين.
الشيخ: ما شاء الله.
الملقي: أيوه، فهذا الفهم هذا كيف يعني تجيبوا عليه؟
الشيخ: فهم، فهم فعلاً عميق، ولكن إلى أسفل سافلين
…
من الخطأ في مكان أن يُتَّخذ فعل الرسول عليه السلام هذا دليلاً على أن الأمر في التحية ليس للوجوب، لماذا؟
أولا: لا يصح قياس الداخل إلى المجلس والذي يجلس في المسجد حينما تَيَسَّر له الجلوس على قياس الرسول، ولا أقول الآن الخطيب؛ لأنه ستسمع فرقاً على قياس جلوس الرسول عليه السلام على المنبر وليس على أرض المسجد، لأني سأقول لهذا السائل: هل الرسول صلى الله عليه وسلم حينما خرج من بيته من حُجْرته إلى منبره دون أن يجلس، هل كان تاركاً لهذا الأمر على أي وجه هو تأوله، على أيِّ وجه هو تأوله، نحن نقول: هذا الأمر للوجوب، هو ليقل في أحسن الأحوال عنده: هذا الأمر للسنة دونه للمستحب، دونه للمندوب، وما أظن يصل به أمره إن لم أقل جهله، إلى أن يقول للإباحة، ألا تقول معي هكذا؟
طيب، فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم حينما كان يخرج من بيته إلى منبره ويجلس قبل أن يتحيَّا في المسجد يكون قد ترك الأمر بأيّ تأويل من هذه التآويل، أي ترك المندوب على الأقل في رأيه، أنا إن قال هكذا، سأقول له الآن: أئمة المساجد فيما أحاط به علمي كلهم يدخلون المسجد كما يدخل عامة المصلين، أي ليس لهم دار بجانب
الجدار الشرقي أو الغربي من المسجد، بحيث أنه ينفر من داره مباشرة إلى المنبر، لا يوجد مثل هذا المسجد اليوم على وجه الأرض، فيما علمنا، هذا الإمام هل يُشْرَع له أن يفعل ما فعله الرسول عليه السلام، ويدخل مع الداخلين من باب المسجد، فيجلس هل يجوز له أن يفعل ذلك كما فعل الرسول عليه السلام؟
الملقي: يجلس على المنبر
…
الشيخ: لا يجلس، إذاً: اختلف حكم هذا الذي يجلس في المسجد يوم الجمعة عن ذاك الإمام اللّي هو إلى الآن الإمام الوحيد، ليس الوحيد في صفة نبوته ورسالته، بل هو وحيد أيضاً في صفة خروجه من الدار إلى المنبر فوراً، أئمة المساجد اليوم يدخلون المسجد قبل الوقت بعشر دقائق بربع ساعة بأقل بأكثر مش مهم، لكنهم يجلسون في المسجد كما يجلس عامة الناس.
إذاً: هذا التفصيل يُبَيِّن لنا أنه لا يصح أن يقاس كل داخل إلى المسجد أولاً يوم الجمعة، وثانياً: في كل أيام الأسبوع، على خروج الرسول من بيته إلى منبره.
فيقال بإيجاز: هذا حكم خاص، حكم خاص للخطيب إذا أراد أن يستن بالرسول عليه السلام الذي يخرج من بيته إلى منبره مباشرة، فهذا يسقط عنه هذا الحكم، سواءً قيل بأنه للوجوب أو للسنية أو الاستحباب أو للندب، واضح إلى هنا الجواب.
هذا أولاً، اسمع، ثانياً: هناك مانع حتى لو فرضنا أن الرسول عليه السلام كان بيته ليس جار مسجده، كان خارج المسجد، ودخل وصعد المنبر مباشرة، أيضاً يظل الجواب هو الجواب نفسه، وصورة ثالثة وأخيرة: حتى لو فرضنا أنه دخل المسجد وجلس، دخل المجلس قبل الوقت مثلاً بدقائق وجلس، وما صلى التحية، وهناك الأمر المعروف حينئذٍ لا نقول: لا يجوز أن نصرف الأمر من الوجوب إلى ما دونه من الأحكام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جلس ولم يُصَلِّ التحية، هذه أدق من كل الصور التي ذكرنا آنفاً، والسؤال: لماذا؟
الجواب: أننا أمام قاعدة فقهية، وهي التي تقول: إذا تعارض قوله عليه السلام
مع فعله قدم قوله على فعله؛ لأن قوله عليه السلام شريعة عامة وفعله قد وقد، فعله قد يكون شريعة عامة وقد يكون خصوصية له، وقد يكون لعذر له، هنا قدقدة كثيرة وكثيرة جداً.
من أجل ذلك قالوا: إنه إذا تعارض القول والفعل قُدِّم القول على الفعل، ولهذا أمثلة كثيرة وكثيرة جداً يجمعها الخصائص النبوية، هناك كتاب للحافظ السيوطي في ثلاث مجلدات بعنوان «الخصائص النبوية» من أشهرها أن الرسول عليه السلام أباح له رَبُّنا عز وجل أن ينكح ما طاب له من النساء، أما أُمَّته فأباح لهم فقط أربعاً منهن، فقالوا بأن هذه خصوصية له عليه السلام.
وتأكد ذلك بقصة ذلك الرجل الذي جاء إليه وقد أسلم وتحته تسع نسوة، فقال له:«أمسك أربعاً منهن، وطلق سائرهن» .
فليس لإنسان أن يقول: إيه الرسول تزوج ما شاء الله، مات وتحت عصمته تسع منهن، فإذاً: ليش ما نتزوج، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
الجواب: قوله مُقَدَّم على فعله، «أمسك أربعاً منهن، وطَلَّق سائرهن» فإذا تعارض القول مع الفعل قُدِّم القول على الفعل، متى يمكن أن نقول: نُوَفِّق بين القول والفعل، فنصرف القول الموجب لظاهر الشيء بفعله عليه السلام؟ نقول: هذا إذا كان عندنا دليل بأن فعله جاء مُتَأخِّراً عن قولِه، وأن قَوْلَه كان متقدماً على فعله، فيكون فعله حينذاك بياناً لأمره وأنه ليس للوجوب.
كذلك يُقَال في المناهي، فالأصل في كل المناهي أنها للتحريم، إلا إذا جاءت قرينة ولو فعله عليه السلام، ففعله يَصْرِف النهي عن التحريم إلى الكراهة.
لكن يُشْتَرط في النهي ما يشترط في الأمر من أن نعرف أن فعله متأخر عن الأمر
والنهي، حتى يكون صارفاً، ويحملنا على الجمع بين الأمر وفعله وبين النهي وفعله، واضح إلى هنا.
الملقي: واضح.
الشيخ: طيب، أقول: حتى لو وُجِدَ عندنا دليل وهذا ليس ببعيد وجوده، أن عندنا دليل أنه فعله كان بعد الأمر في مثل ما نحن فيه، نقول: حتى هنا لا يجوز صرف الأمر من الوجوب إلى ما دونه كما ذكرنا، ولا نعيد التفصيل، لماذا؟ لذاك الحديث المُتَّفَق عليه بين الشيخين، وهو أن الرجل لما دخل وهو سُلَيْك الغطفاني والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فرآه جلس، فقال له:«يا فلان أصليت» ، قال: لا، قال:«قم فصل ركعتين» ، ثم التفت إلى الجمهور الجالس بين يديه وقال لهم:«إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب، فليصل ركعتين وليَتَجَوَّز» .
ونحن نعلم جميعاً -إن شاء الله- بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والخطيب يخطب على المنبر لا يجوز، ولِأَقُلْها صراحةً حرام، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجبان على كل مسلم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، هذا الواجب بعامة يُصْبِح حراماً، بخصوص أن الخطيب يخطب.
فإذا سمعنا ذاك الحديث يأمر الداخل إلى المسجد بأن يصلي ركعتين، والخطيب يخطب، وجمعنا بين هذا الأمر وبين ذاك النهي «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب فقد لغوت»، فقولك: أنصت، أمر بالمعروف وهو حرام والخطيب يخطب، فإذ أمر بالركعتين والخطيب يخطب دل على أن هاتين الركعتين أهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سقط والخطيب يخطب، فما دام أنه أمر بركعتين والخطيب يخطب كيف يقال هذا مستحب؟ !
الملقي: من اللِّي أمر - الخطيب -، اللي أمر بالركعتين.
الشيخ: الرسول: «إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب، فليصل ركعتين وليَتَجَوَّز فيهما» .
الملقي: هو
…
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا مختص حتى بالخطيب يعني ممنوع أنه يقول، ولا
الشيخ: نحن الآن يا أخي نتكلم عن من؟
الملقي: عن النبي عليه الصلاة والسلام.
الشيخ: لا لا، نتكلم عن الخطيب، أم الداخل ليسمع الخطيب؟
الملقي: عن الداخل.
الشيخ: طيب.
الملقي: لا، بس أنا أشكل هذا أنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرام.
الشيخ: والخطيب يخطب، مش على الخطيب، لا بين الناس، «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والخطيب يخطب» البحث عن مين؟ ليس عن الخطيب، لكن أنا جواباً على سؤالك الآن أوحيت إليَّ أنت بهذا السؤال فقهاً جديداً في الموضوع، وهو تأكيد أن الأمر بالركعتين هو للوجوب، كيف؟ الخطيب الأصل فيه أن تكون خطبته عامة للناس، فالآن يقطع الخطيب خطبته ليتوجه إلى الذي دخل المسجد وجلس، ويقول له: يا فلان، يقطع خطبته عن الجمهور، ويجعل خطابه موجهًا مباشرةً إلى هذا الداخل التارك لهاتين الركعتين، فيقطع الصلة بينه وبين الجمهور، ويُوَجِّه خطابه إلى هذا الفرد، ويسأله: أصليت، قال: لا، قال:«قم فصل» هل هذا شأن المُسْتَحب المُخَيّر فيه الإنسان بين أن يُصَلِّي وبين أن لا يصلي؟ لا، هذه الناحية فقط دون ما قَدَّمت آنفاً من توجيه للأمر، تكفي أن يتنبه المسلم اليَقِظ المتجرد عن الهوى والتقليد أن يفهم أن الأمر على أصله، ألا هو للوجوب؛ لأنه لو كان الأمر للاستحباب ما بيهتم هذا الخطيب لا سيما وهو سيد البشر إنه كل ما واحد دخل وما صلى ركعتين يقول له:«قم فصل ركعتين» بعدين يُوَجِّه الخطاب للجمهور كله، ويجعله شريعة عامة فيقول:«إذا دخل أحدكم يوم الجمعة والخطيب على المنبر، فليصل ركعتين، وليتجوَّز فيهما» .
وهذا يُذَكِّرني بمسألة أخرى لها علاقة بالجمعة وتنازع القصة فريقان، المسألة تتعلق بغسل يوم الجمعة، وبخاصة بقوله عليه السلام:«من أتى الجمعة فليغتسل» ،
هذا الحديث رواه جماعة من أصحاب الرسول عليه السلام ومنهم عمر بن الخطاب، وحديثه أعلنه على رؤوس الأشهاد وهو يخطب يوم الجمعة على المنبر، حينما دخل رجل وفي رواية هو عثمان بن عفان دخل وهو يخطب، فقطع أيضاً عمر بن الخطاب اقتداءً بنبيه قطع خطبته، وقال له، لهذا الداخل: آلان؟ يعني بتتأخر عن صلاة الجمعة قال له: ما كان إلا أن سمعت الأذان وتوضأت، فقال: ألم تسمع قوله عليه السلام: «من أتى الجمعة فليغتسل» ، وانتهت المناقشة إلى هنا، تنازع هذا الحديث طائفتان، طائفة قالوا الحديث في أصله يأمر، والأصل فيه الوجوب، ثانياً: عمر بن الخطاب يقطع خطبته ويُكَلِّم هذا الإنسان لماذا تأخر، وحينما يُبَيِّن عذره أنه ما كان بينه وبين الأذان إلا أن يتوضأ، قال له: كمان ما جئت إلا وتوضيت فقط، ما سمعت الرسول بيقول:«من أتى الجمعة فليغتسل» ، شو قالوا الآخرين، قالوا: هذا دليل إنه الأمر ليس للوجوب؛ لماذا؟ لأنه عمر لم يأمره بأن يعود ويغتسل، شوف بقى، أنا بقول رداً على هذا القول: ما بقى إلا بقى ينزل عمر من المنبر ويَجُرُّه جَرًّا إلى البيت ويقطع خطبته عن الناس، وينتظر حتى يغتسل عثمان رضي الله عنه.
يا أخي يكفي هذا الإعلان عَلَناً على رؤوس الأشهاد، وهذا أيضاً ما بتعرف أنه الرسول قال:«من أتى الجمعة» ، ما بيكفي هذا إعلان إنه هذا أمر واجب، لا يجوز التهاون به.
شاهدي: أنه إذا درسنا موضوع الأحاديث التي وردت حول تحية المسجد، لا مجال أبداً لمثل تلك الخصوصية التي شرحناها أنه الرسول كان يخرج من بيته إلى المنبر، هذا دليل أن هذه الأوامر كلها هي ليست للوجوب، هذا لا يقوله فقيه، هذا يمكن واحد طالب علم، ويمكن واحد مش طالب علم كمان بمعنى الكلمة، ناشئ جديد في طلب العلم، شُبِّه له الأمر فخرجه منه ذلك الاستدلال الباهت، إن لم نقل الساقط.
(الهدى والنور /530/ 28: 32: 00)
(الهدى والنور /530/ 36: 56: 00)