الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن ترفع بقدر الحاجة. غير أن من رأيي أن وجود الآلات المكبرة للصوت اليوم يغني عن اتخاذ المأذنة كأداة للتبليغ لا سيما وهي تكلف المبالغ الطائلة، فبناؤها والحالة هذه مع كونه بدعة - ووجود ما يغني عنه - غير مشروع لما فيه من إسراف وتضييع للمال، ومما يدل دلالة قاطعة على أنها صارت اليوم عديمة الفائدة أن المؤذنين لا يصعدون إليها البتة مستغنين عنها بمكبر الصوت. لكننا نعتقد أن الأذان في المسجد أمام المكبر لا يشرع لأمور منها التشويش على من فيه من التالين والمصلين والذاكرين، ومنها عدم ظهور المؤذن بجسمه فإن ذلك من تمام هذا الشعار الإسلامي العظيم «الأذان» . لذلك نرى أنه لابد للمؤذن من البروز على المسجد والتأذين أمام المكبر، فيجمع بين المصلحتين، وهذا التحقيق يقتضي اتخاذ مكان خاص فوق المسجد يصعد إليه ويوصل إليه مكبر الصوت فيؤذن أمامه وهو ظاهر للناس.
ومن فائدة ذلك أنه قد تنقطع القوة الكهربائية ويستمر المؤذن على أذانه وتبليغه إياه إلى الناس من فوق المسجد كما هو ظاهر، ولا بد من التذكير هنا بأنه لابد للمؤذنين من المحافظة على سنة الالتفاف يمنة ويسرة عند الحيعلتين فإنهم كادوا أن يطبقوا على ترك هذه السنة تقيدا منهم باستقبال لاقط الصوت ولذلك نقترح وضع لاقطين على اليمين وعلى اليسار قليلا بحيث يجمع بين تحقيق السنة المشار إليها والتبليغ الكامل. ولا يقال: إن القصد من الالتفاف هو التبليغ فقط وحينئذ فلا داعي إليه مع وجود المكبر لأننا نقول: إنه لا دليل على ذلك فيمكن أن يكون في الأمر مقاصد أخرى قد تخفى على الناس فالأولى المحافظة على هذه السنة على كل حال.
[الأجوبة النافعة ص 14 - 19]
وقت أذان الجمعة وهل للجمعة سنة قبلية
[وجهت أسئلة للعلامة الألباني من لجنة مسجد الجامعة جاء فيها]:
4 -
إذا كان هناك أذان واحد فقط فمتى وقته؟ هل هو أول وقت الظهر أم ماذا، وإذا كان كذلك وكان وقته عند صعود الخطيب فمتى تصلى السنة القبلية إذا ثبتت؟ وهل تصلى السنة عقب دخول الوقت بلا أذان ثم يصعد الخطيب ويؤذن المؤذن أم ماذا؟
[قال الإمام مجيبا]:
الجواب عن الفقرة الرابعة: تحقيق أن للجمعة وقتين:
4 -
للأذان المحمدي وقتان:
الأول: بعد الزوال مباشرة وعند صعود الخطيب.
والآخر: قبل الزوال عند صعود الخطيب أيضا وهذا مذهب أحمد بن حنبل رحمه الله وغيره.
أما الأول: فدليله ما تقدم في حديث السائب: «أن الأذان كان أوله حين جلس على المنبر وإذا قامت الصلاة» . فهذا صريح في أن الأذان كان حين قيام سبب الصلاة وهو زوال الشمس كما تقدم مع جلوس الإمام على المنبر في ذلك الوقت ويشهد لهذا أحاديث:
أ - «عن سعد القرظ مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يؤذن يوم الجمعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الفيء مثل الشراك» (1). أخرجه ابن ماجه «/ 342» والحاكم «3/ 607» .
ب - «قال الحافظ ابن حجر (2): في النسائي: أن خروج الإمام بعد الساعة
(1) وذلك يكون أول ما يظهر زوال الشمس وهو المراد قاله أبو الحسن السندي على ابن ماجه. [منه].
(2)
في التلخيص الحبير 4/ 580 وهو يشير بذلك إلى حديث أبي هريرة مرفوعا: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة .. " وفيه: "ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر".
وهو في الصحيحين أيضا ولعل عزو الحافظ إياه للنسائي وحده لأنه ترجم له بقوله: "وقت الجمعة" والآخرون إنما أورده في فضل الجمعة ونحوه ذلك.
وقد ناقش السندي ما ذكره الحافظ أن خروج الإمام بعد الساعة السادسة فقال: ولا يخفى أن زوال الشمس في آخر الساعة السادسة وأول الساعة السابعة ومقتضى الحديث أن الإمام يخرج عند أول الساعة السادسة ويلزم منه أن يكون خروج الإمام قبل الزوال فليتأمل.
وقد أجاب عن هذا الحافظ بما تراه مشروحا في كتابه فتح الباري 2/ 294 فليراجعه من يشاء. [منه].
السادسة وهو أول الزوال». الأحاديث في الوقت الآخر وأما الوقت الآخر ففيه أحاديث:
أ - عن سلمة بن الأكوع قال: «كنا نجمع (1) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء» . أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما وابن شيبة في المصنف «1/ 207/1» .
ب - عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس رواه البخاري وغيره.
ج - عن جابر رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ زالت الشمس صلى الجمعة» . رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. وهذه الأحاديث ظاهرة الدلالة على ما ذكرنا وذلك أنه من المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب قبل الصلاة خطبتين يقرأ فيهما القرآن ويذكر الناس حتى كان أحيانا يقرأ فيها {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} ففي صحيح مسلم «3/ 139» عن أم هشام بنت حارثة ابن النعمان قالت: «ما أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس» . وصح عنه أنه قرأ فيها سورة براءة رواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم صححه ووافقه الذهبي وغيره فإذا تذكرنا هذا علمنا أن الأذان كان قبل الزوال حتما وكذا الخطبة طالما أن الصلاة كانت حين الزوال وهذا بين لا يخفى والحمد لله. وأصرح من هذه الأحاديث في الدلالة على المطلوب حديث جابر الآخر وهو:
د - «وعنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس يعني النواضح» . أخرجه مسلم «3/ 8 - 9» والنسائي
(1) أي نصلى الجمعة. [منه].
«1/ 206» والبيهقي «3/ 190» وأحمد «3/ 331» وابن أبي شيبة في المصنف «1/ 207/1» . فهذا صريح في أن الصلاة كانت قبل الزوال فكيف بالخطبة والأذان؟ الآثار في الوقت الآخر: ويشهد لذلك آثار من عمل الصحابة نذكر بعضها للاستشهاد بها:
أ - عن عبد الله بن سيدان السلمي قال: «شهدت الجمعة مع أبي بكر الصديق فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار، ثم شهدنا عمر فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: انتصف النهار، ثم شهدنا مع عثمان فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: زال النهار فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره» . رواه ابن أبي شيبة «1/ 206/2» والدارقطني «169» .
قلت: وإسناده محتمل للتحسين بل هو حسن على طريقة بعض العلماء كابن رجب وغيره فإن رجاله ثقات غير عبد الله بن سيدان قال الحافظ في الفتح «2/ 321» : «تابعي كبير إلا أنه غير معروف العدالة» .
قلت: قد روى عنه أربعة من الثقات وهم ثابت بن الحجاج وجعفر بن برقان كما في الجرح والتعديل «2/ 2/86» وميمون بن مهران وحبيب بن أبي مرزوق كما في ثقات ابن حبان «5/ 31 - 32» . وقول الحافظ بعد أن ساق له هذا الأثر: «وقال البخاري: لا يتابع على حديثه بل عارضه ما هو أقوى منه» . ثم ذكر آثارا صحيحة عن أبي بكر وعمر في التجميع بعد الزوال.
فأقول: لا تعارض بينها وبين هذا الأثر كما لا تعارض بين الأحاديث الموافقة له وبين الأحاديث الموافقة لها فالصحابة تلقوا الأمرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا - كما كان عليه السلام يفعلون تارة هذا وتارة هذا.
ب - عن عبد الله بن سلمة قال: «صلى بنا عبد الله الجمعة ضحى وقال خشيت عليكم الحر» . أخرجه ابن أبي شيبة. قلت ورجاله ثقات غير عبد الله بن سلمة قال الحافظ في الفتح: «صدوق إلا أنه ممن تغير لما كبر» .
قلت: ومثله إنما يخشى منه الخطأ في رفع الحديث أو في روايته عن غيره مما
يشاهد وهو هنا يروي حادثة شاهدها بنفسه وهي في الواقع غريبة لمخالفتها للمعهود من الصلاة بعد الزوال فاجتماع هذه الأمور مما يرجح حفظه لما شاهد فالأرجح أن هذا الأثر صحيح ولعله من أجل ما ذكرنا احتج به الإمام أحمد فقال ابنه عبد الله في مسائله عنه «ص 112» : «سئل عن وقت صلاة الجمعة؟ قال: إن صلى قبل الزوال فلا بأس، حديث عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة: أن عبد الله صلى بهم الجمعة ضحى. وحديث سهل بن سعد: كنا نصلي ونتغدى بعد الجمعة كأنه يدل على أنه قبل الزوال» .
ج - عن سعيد بن سويد قال: «صلى بنا معاوية الجمعة ضحى» . رواه ابن أبي شيبة عن عمرو بن مرة عنه.
قلت: وسعيد هذا لم يذكروا له راويا غير عمرو هذا ومع ذلك ذكره ابن حبان في «الثقات» «1/ 62» .
د - عن بلال العبسي: «أن عمارا صلى بالناس الجمعة والناس فريقان: بعضهم يقول: زالت الشمس وبعضهم يقول: لم تزل» . رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح
هـ - عن أبي رزين قال: «كنا نصلي مع علي الجمعة فأحيانا نجد فيئا وأحيانا لا نجده» . رواه ابن أبي شيبة وإسناده صحيح على شرط مسلم.
قلت: وهذا يدل لمشروعية الأمرين الصلاة قبل الزوال والصلاة بعده كما هو
ظاهر (1). ولهذه الأحاديث والآثار كان الإمام أحمد رحمه الله يذهب إلى جواز صلاة الجمعة قبل الزوال كما سبق وهو الحق كما قال الشوكاني وغيره وتفصيل القول في هذه المسألة لا تحتمله هذه العجالة فلتراجع في المطولات ك «نيل الأوطار» والسيل الجرار 1/ 296 - 297 وغيره.
(1) وأما قول الحافظ:
"وهذا محمول على المبادرة عند الزوال أو التأخير قليلا فلا يخفى بعده فإن أبا رزين يخبر عما كانوا يشاهدونه فيقول إنهم كانوا لا يجدون الفيء بعد صلاة الجمعة مع العلم أنه سبقها الخطبة والأذان. [منه].
سنة الجمعة القبلية لا تثبت:
ومما سبق تعلم الجواب عن السؤال الثاني الوارد في الفقرة الرابعة:
«فمتى تصلى السنة القبلية إذا ثبتت؟ » . وهو أنه لا أصل لهذه السنة في السنة الصحيحة ولا مكان لها فيها، فقد علمت من الأحاديث المتقدمة أن الزوال فالأذان فالخطبة فالصلاة سلسلة متصلة آخذ بعضها برقاب بعض فأين وقت هذه السنة؟ ولهذا المعنى يشير كلام الحافظ العراقي:«لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي قبل الجمعة لأنه كان يخرج إليها فيؤذن بيين يديه ثم يخطب» (1). وقد انتبه لهذا المعنى بعض علماء الحنفية حين ذهبوا إلى أنه إنما يجب السعي وترك البيع يوم الجمعة بالأذان الأول الذي يكون قبل صعود الخطيب وقالوا إنه هو الصحيح في المذهب مع علمهم أنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم زمن نزول الآية {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} الآية وأنها نزلت في الأذان الذي عند صعود الخطيب على المنبر كما تقدم علموا هذا كله لشهرته في كتب السنة، ولم يكتفوا بذلك بل وضعوا قول الطحاوي منهم الذي وافق ما في السنة بقوله: إن الأذان الذي يجب به ترك البيع إنما هو الذي عند صعود الخطيب فقالوا: «لأنه لو اعتبر في وجوب السعي لم يتمكن من السنة القبلية الخ» (2).
فهذا اعتراف ضمني بأن السنة القبلية المزعومة لم تكن معروفة في العهد النبوي وأن الصحابة كانوا لا يصلونها لأنه لم يكن آنئذ الوقت الذي يتمكنون فيه من أدائها وهذا أمر صحيح، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد في هدي خير العباد:«ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال من الأذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين فهو أجهل الناس بالسنة» . وتعقبه الكمال ابن الهمام في فتح القدير «1/ 422» فقال بعد أن نقل معنى كلامه دون أن يعزوه إليه: «وهذا مدفوع بأن خروجه صلى الله عليه وسلم كان بعد الزوال بالضرورة فيجوز كونه بعدما يصلي الأربع ويجب الحكم بوقوع هذا المجوز لما
(1) نيل الأوطار 3/ 216 وللحافظ في الفتح 2/ 341 معناه وسيأتي نص كلامه ص 58 - 59. [منه].
(2)
البحر الرائق 2/ 168 والعناية على الهداية 1/ 421. [منه].
قدمنا في باب النوافل من عموم أنه كان يصلي إذا زالت الشمس أربعا ويقول: «هذه ساعة تفتح فيها أبواب السماء فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح» وكذا يجب في حقهم لأنهم أيضا يعلمون الزوال».
قلت: وهذا التعقب لا طائل تحته وهو مردود من وجوه:
أولا: أنه بناه على أن خروجه صلى الله عليه وسلم كان بعد الزوال بالضرورة وليس كذلك على الإطلاق بل كان يخرج أحيانا قبل الزوال كما تقدم.
ثانياً: تقدم أنه صلى الله عليه وسلم كان يبادر إلى الصعود على المنبر عقب الزوال مباشرة فأين الوقت الذي يتسع لهذا الأمر المجوز؟
ثالثا: لو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربع ركعات بعد الزوال وقبل الأذان لنقل ذلك عنه لا سيما وأن فيه أمرا غريبا غير معهود مثله في بقية الصلوات وهو الصلاة قبل الأذان ومثله صلاة الصحابة جميعا لهذه السنة في وقت واحد في المسجد الجامع فإن هذا كله مما تتوافر الدواعي على نقله وتتضافر الروايات على حكايته، فإذا لم ينقل شيء من ذلك دل على أنه لم يقع. وقد قال أبو شامة في كتابة:«الباعث على إنكار البدع والحوادث» : «فإن قلت لعله صلى الله عليه وسلم صلى السنة في بيته بعد زوال الشمس ثم خرج؟ قلت: لو جرى ذلك لنقله أزواجه رضي الله عنهن كما نقلن سائر صلواته في بيته ليلا ونهارا وكيفية تهجده وقيامه بالليل وحيث لم ينقل شيء من ذلك فالأصل عدمه ودل على أنه لم يقع وأنه غير مشروع» .
قلت: وأما الحديث الذي رواه أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن ياسر في حديث أبي القاسم علي بن يعقوب «108» عن إسحاق بن إدريس ثنا أبان ثنا عاصم الأحول عن نافع عن عائشة مرفوعا بلفظ: «كان يصلي قبل الجمعة ركعتين في أهله» .
فهو باطل موضوع وآفته إسحاق هذا وهو الأسواري البصري قال ابن معين: «كذاب يضع الحديث» .
قلت: وتفرُّد هذا الكذاب برواية هذا الحديث من الأدلة الظاهرة على صدق قول أبي شامة: أنه لو جرى ذلك لنقله أزواجه، وذلك لأنه لو وقع لنقله الثقات الذين تقوم بهم الحجة، ولا يعقل أن يصرفهم الله عن نقله ويخص به أمثال هذا الكذاب فذلك دليل على اختلاقه لهذا الحديث وأنه لا أصل له.
رابعا: أن العموم الذي ادعاه في الحديث الذي أشار إليه غير صحيح عند التأمل في نصه الوارد في كتب السنة المطهرة بل هو خاص بصلاة الظهر، وإنما جره إلى هذا الخطأ خطأ آخر وقع له في نقل الحديث في المكان الذي أشار إليه وأحال عليه فقد قال فيه «1/ 317»: أخرج أبو داود في سننه والترمذي في الشمائل عن أبي أيوب الأنصاري عنه صلى الله عليه وسلم قال: «أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء» . وضعف بعبيدة بن معتب الضبي. وله طريق آخر قال محمد بن الحسن في الموطأ: «حدثنا بكر ابن عامر البجلي عن إبراهيم والشعبي عن أبي أيوب الأنصاري أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعا إذا زالت الشمس، فسأله أبو أيوب عن ذلك فقال: إن السماء تفتح في هذه الساعة فأحب أن يعد لي في تلك الساعة خير، قلت: أفي كلهن قراءة؟ قال نعم قلت: أيفصل بينهن بسلام؟ قال: لا» . والعموم الذي سبق أن أشار إليه هو قوله: «كان يصلي أربعا إذا زالت الشمس» وصحيح أن هذا عموم وأنه يشمل زوال الجمعة كما يشمل زوال الظهر. ولكن ليس صحيحا نقله بهذا اللفظ الشامل فإن سياقه في موطأ محمد «ص 158» هكذا: «كان يصلي قبل الظهر أربعا إذا زالت الشمس» الحديث.
وهكذا نقله الزيلعي في نصب الراية «2/ 142» عن الموطأ فقد عاد الحديث إلى أنه خاص بصلاة الظهر وزواله كما رجع حجة عليه لا له. ومثل هذا الحديث بل أصرح منه حديث عبد الله بن السائب: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعا بعد أن تزول الشمس قبل الظهر وقال: إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء وأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح» . أخرجه أحمد «3/ 411» والترمذي «2/ 343» وحسنه وإسناده صحيح على شرط مسلم. فانظر إلى النكتة في قوله: «قبل الظهر» عقب قوله: «بعد أن تزول الشمس» فإن كل أحد يعلم أن الزوال إنما يكون قبل الظهر
فإنما قيده بذلك ليخرج من عموم: «بعد أن تزول الشمس» صلاة الجمعة فقد آب الحديث متفقا مع الأحاديث المتقدمة النافية لسنة الجمعة القبلية.
خامسا: لو سلمنا بـ «عمومية الحديث» لقلنا بأنه من العام المخصوص بدليل النصوص المتقدمة ولهذا لا يقال أن العلة المذكورة فيه: «إنها ساعة .... الخ» تقتضي أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الجمعة أيضا لأنا نقول: يمنع من ذلك الأدلة المشار إليها، على أن غاية ما تفيده هذه العلة محبته صلى الله عليه وسلم أن يصعد له في تلك الساعة عمل صالح ولا نشك في أن ذلك كان حاصلا له صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة أكثر من غيره من الأيام، ذلك لأنه في تلك الساعة كان يخطب خطبة الجمعة التي لا بد منها، يعظ الناس ويذكرهم بربهم ويعلمهم أمور دينهم فذلك أفضل له صلى الله عليه وسلم من أربع ركعات فائدتها خاصة به بينما تلك فائدتها عائدة على المجموع فكانت أفضل.
سادسا: «صحيح» روى البخاري «1/ 394» عن ابن عمر قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد الجمعة وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء» .
ورواه مسلم «2/ 162» وزاد: «فأما المغرب والعشاء والجمعة فصليت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيته» . فهذا كالنص على أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي قبل الجمعة شيئا لا في البيت ولا في المسجد إذ لو كان شيء من ذلك لنقله لنا ابن عمر رضي الله عنه كما نقل سنتها البعدية وسنة الظهر القبلية فذكر هذه السنة للظهر دون الجمعة أكبر دليل على أنه ليس لها سنة قبلية، فبطل بذلك دعوى وقوع هذا المجوز كما يبطل به دعوى قياس الجمعة على الظهر في السنة القبلية. لم يقل أحد من الأئمة بالسنة القبلية: فثبت مما تقدم أن لا دليل في حديث أبي أيوب على سنية أربع ركعات قبل الجمعة بعد الزوال «ولهذا جماهير الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة موقتة بوقت مقدرة بعدد لأن ذلك إنما يثبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله، وهو لم يسن في ذلك شيئا لا بقوله ولا بفعله وهذا مذهب الشافعي وأكثر أصحابه وهو المشهور في مذهب
أحمد» (1).
وقال العراقي: «ولم أر للأئمة الثلاثة ندب سنة قبلها» (2).
وأما الحديث الذي أخرجه ابن ماجه «1/ 347» عن ابن عباس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يركع قبل الجمعة أربعا لا يفصل في شيء منهن» . فإسناده ضعيف جدا كما قال الزيلعي في نصب الراية «2/ 206» وابن حجر في التلخيص «4/ 626» وقال النووي في الخلاصة: إنه حديث باطل. وتفصيل القول في ضعفه يراجع في زاد المعاد «1/ 170 - 171» والباعث «ص 75» . وسلسلة الأحاديث الضعيفة رقم 1001 من المجلد الثالث وقد صدر حديثا والحمد لله. ولا يغيب عنا أن في الباب أحاديث أخرى عن غير ابن عباس ولكن أسانيدها ضعيفة أيضا فإن مدارها على ضعفاء ومجاهيل وقد ضعفها كلها الحافظ في الفتح «2/ 341» فاقصده إن شئت. ثم تكلمت بصورة خاصة مفصلة على حديث ابن مسعود وحديث أبي هريرة في المجلد المذكور آنفا برقم 1016 و 1017.
ولذلك رأيت ابن الهمام فيما سبق ينصرف عن الاحتجاج بشيء منها إلى الاحتجاج بما صح سنده ولكن ليس له علاقة بالباب، وقد سبقه إلى نحو ذلك النووي رحمه الله فاحتج بحديث آخر صحيح لكنه غير صريح في دلالته وهو ما أخرجه أبو داود «صحيح» في سننه بإسناده صحيح على شرط البخاري عن أيوب عن نافع قال:«كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك» .
فهذا ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل كلا من الأمرين الصلاة قبل الجمعة والصلاة
(1) شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين ابن تيمية في الفتاوى 1/ 136 ومجموعة الرسائل الكبرى له 2/ 167 - 168 .. [منه].
(2)
المناوي في فيض القدير ولذلك لم يرد لهذه السنة المزعومة ذكر في كتاب الأم للإمام الشافعي ولا في المسائل للإمام أحمد ولا عند غيرهما من الأئمة المتقدمين فيما علمت ولهذا فإني أقول:
إن الذين يصلون هذه السنة لا الرسول صلى الله عليه وسلم اتبعوا ولا الأئمة قلدوا بل قلدوا المتأخرين الذين هم مثلهم في كونهم مقلدين غير مجتهدين فاعجب لمقلد يقلد مقلدا! ! ! [منه].