الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرط».
فإذاً إذا قال الله عز وجل: «فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ» ، آه خرجنا مسافرين، تلبسنا بأحكام المسافرين، وعلى أساس ذلك جاء قوله تعالى في القرآن الكريم:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} إذا ضربتم في الأرض هو كقوله مريضاً أو على سفر لأن الضرب في الأرض كناية عن السفر فكما أُطلق هناك على سفر أطلق هنا أيضاً الضرب في الأرض ولم يقيده بقيد من تلك القيود الطويلة أو القصيرة هذا هو الذي يُترجح من الأقوال الكثيرة التي قيلت في السفر وهو المتناسب واللائق بيسر الإسلام وسماحته بقي عليَّ أن أجيب عن الشطر الثاني من السؤال وهو
هل القصر في السفر عزيمة أم رخصة
.
(فتاوى جدة-موقع أهل الحديث والأثر- شريط 10)
هل القصر في السفر عزيمة أم رخصة
السؤال: [هل القصر في السفر عزيمة أم رخصة]؟
الشيخ: لا شك أن هذه المسألة من المسائل الكثيرة التي اختلف فيها العلماء أيضاً فمن قائل إنه عزيمة ومن قائل إنه رخصة، ولاشك أن جميع الحاضرين إن شاء الله يعرفون يفرقون أو يعرفون ما هو الفرق بين العزيمة وبين الرخصة، العزيمة هي التي لابد للمسلم من أن يأتي بها كما شرعت والرخصة هي التي يخير المسلم في إتيانه بها فإن جاء به جاز وإن لم يأتِ بها جاز فهو مخير بين هذا وهذا مع ترجيح الإتيان بالرخصة لكن ليس على سبيل الوجوب وإنما على سبيل الاستحباب لقوله عليه الصلاة والسلام:«إن الله يحب أن تُؤتى رخصه كما يحب أن تُؤتى عزائمه» ، وفي حديث آخر «كما يكره أن تؤتى معصيته» هذا حكم الرخصة، أما العزيمة فهي تساوي لفظة الفريضة، عزيمة فريضة، وزناً ومعنى.
القصر في السفر في أرجح قولي العلماء هو عزيمة وليس برخصة، أي يجب عليه أن يقصر فلا يجوز له الإتمام وذلك لأحاديث كثيرة جاءت بهذا الصدد، من أهمها قول السيدة عائشة رضي الله عنها «فرضت الصلاة في السفر ركعتين، فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فأُقرت في السفر وزيدت في الحضر» فإذاً أصل المفروض من الصلوات هو ركعتان ركعتان، إلا صلاة المغرب كما في رواية في مسند الإمام أحمد رحمه الله، فقولها فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، تنبيه قوي جداً إلى أن الأصل في الصلاة أنها ثنائية، فإذا قالت فيما بعد فأُقرت في السفر أي هذه الفريضة أُقرت في السفر وزيدت في الحضر.
كذلك يدل على تأكيد فريضة أو عزيمة القصر في السفر ما رواه الإمام مسلم في صحيحه أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لو أنني أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته، قال له ماكنت تسأله قال عن قوله تعالى الآية السابقة «ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا» ، فقلت ما بالنا نقصر وقد أمنا، قال قد سألته عليه الصلاة والسلام هذا السؤال فأجاب بقوله «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» ، ربنا الكريم تصدق علينا فخفف علينا صلاتنا المعتادة في حالة الإقامة الرباعية فجعلها ركعتين ركعتين، فهل يجوز للعبد أن لا يقبل صدقة سيده هذا لوكان بين بشر بعضهم مع بعض لم يكن مقبولاً فكيف يقبل أن يستنكف العبد المخلوق عن قبول صدقة الخالق سبحانه وتعالى، هذا استنباط معنوي لكن قوله عليه السلام «فاقبلوا صدقته» يؤكد هذا المعنى ويوجب علينا ان نقصر في الصلاة وألا نتم، هذا استدلال بالأمر الذي يقتضي الوجوب ثم النظر يؤكد ذلك أيضاً فيما إذا نظرنا إلى بعض المبادئ العامة التي فيها ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركز معنى ما سيأتي في أذهان أصحابه.
حينما يخطب على الناس فيقول «وخير الهُدى هُدى محمد صلى الله عليه وسلم» ، وهذه حقيقة لا خلاف بين المسلمين فيها، والحمد لله وإذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ما سافر سفراً إلا وقصر ولم يتم، وما رواه الدارقطني وغيره عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم «في السفر كان يتم ويقصر ويصوم ويفطر» فهذا الحديث بهذا اللفظ لا يصح
وبخاصه أنه خالف هديه المطرد وكان إذا سافر يقصر كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم «لما خرج من المدينة إلى حجة الوداع قال لم يزل يقصر حتى رجع إلى المدينة» ، هكذا كان هديه عليه الصلاة والسلام فلو قيل بجواز التربيع وجواز القصر، أيهما يكون أفضل، إذا قلنا بجواز الأمرين، آلذي يقتصر على نصف العبادة أم الذي يأتي بتمامها، لاشك ولا ريب أنه على هذه الفرضية أن الصلاة الرباعية تكون أفضل من الصلاة الثنائية بحكم اشتراكهما أولاً في الجواز ثم بحكم زيادة ركعتين على الركعتين وفيها قراءة وقيام وركوع وسجود وذكر لله رب العالمين، ترى هل كان النبي صلى الله عليه وسلم زاهداً في العبادة لا يكثر فيها كما هو شأننا نحن أم كان يقوم الليل حتى تفطرت قدماه وقيل له عليه السلام قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر كأنهم يقولون إرفق بنفسك يا رسول الله وأشفق عليها فقد حصلت مرادك من ربك وهي «إنا فتحنا لك فتحاً مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر» فماذا كان يكون جوابه عليه الصلاة والسلام:«أفلا أكون عبداً شكورا» إذا كان فعله عليه السلام فيما لم يفرضه عليه، فإذا كان المفروض عليه خمس صلوات في كل يوم وليلة وكان الأفضل إتمام دون القصر فكيف يحافظ الرسول عليه السلام الذي هو سيد المجتهدين في العبادة على ركعتين ولا يزيد عليهما هذا يؤكد أن الواجب هو الركعتان لأنه لو كان يجوز الزيادة لكانت الزيادة حين ذاك ليس فقط جائزة بل هي أيضاً
مستحبة فإعراض الرسول عليه السلام طيلة حياته في أسفاره وحده دليل كاف لنقول بأن الزيادة في الصلاة في السفر على الركعتين هي زيادة غير مقبول.
من أجل ذلك روى الإمام النسائي في سننه عن عبد الرحمن بن عوف مرفوعاً وموقوفاً أن من أتم في السفر صلاته كالذي يقصر في الحضر، لكن قد ترجح عند علماء الحديث أن هذا الحديث موقوف على عبد الرحمن بن عوف ولا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكن ألا يكفينا هذا استشهاداً أن أحد العشرة المبشرين بالجنة يقول بأن الذي يتم في السفر شأنه من حيث المعصية كالذي يقصر في الحضر، كلاهما لا يجوز ولذلك فنحن نقطع بأن القصر في السفر عزيمة لا يجوز للمسلم أن يتم لأن النبي