الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صفة الخطبة
[قال الإمام في تلخيص المسائل المتعلقة بالجمعة من رسالة «الموعظة الحسنة بما يخطب به في شهور السنة» لصديق حسن خان]:
اعلم أن الخطبة المشروعة هي ما كان يعتاده صلى الله عليه وسلم من ترغيب الناس وترهيبهم فهذا في الحقيقة هو روح الخطبة الذي لأجله شرعت.
وأما اشتراط الحمد لله أو الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قراءة شيء من القرآن فجميعه خارج عن معظم المقصود من شرعية الخطبة، واتفاق مثل ذلك في خطبه صلى الله عليه وسلم لا يدل على أنه مقصود متحتم وشرط لازم، ولا يشك منصف أن معظم المقصود هو الوعظ دون ما يقع قبله من الحمد والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم. وقد كان عرف العرب المستمر أن أحدهم إذا أراد أن يقوم مقاما ويقول مقالا شرع بالثناء على الله والصلاة على رسوله وما أحسن هذا وأولاه ولكن ليس هو المقصود بل المقصود ما
= قلت وهذا مع كونه مخالفا لما مال إليه في أول المسألة من أن الخطبة هي المراد بذكر الله فإنه لا ينفي أنها مرادة به ولو بدرجة دون درجة الصلاة وعليه فالأمر بالسعي إلى الذكر لا يزال شاملا للخطبة وإذا كان الأمر كذلك فيرد ما ذكره أنه إذا وجب السعي إليها كانت واجبة بالأولى ويضعف الجواب الذي ذكره إن شاء الله تعالى.
على أن هناك طريقة أخرى لإثبات وجوب الخطبة وهي استحضار أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما الذي استمر عليه إذا كان صدر بيانا لأمر قرآني أو نبوي فهو دليل على وجوب هذا الفعل وهذا النوع من الاستدلال مقرر في علم الأصول معروف عند العلماء الفحول ومنهم المؤلف نفسه رحمه الله تعالى فقد استدل بهذا الدليل ذاته على وجوب مسألة أخرى تتعلق ببعض صفات الخطبة لا الخطبة نفسها فقال بعد أن ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام ..... الخ ما يأتي في آخر المسألة التالية ص 99 - 100.
وظاهر محافظته على ما ذكر في الخطبة وجوب ذلك لأن فعله صلى الله عليه وسلم بيان لما أجمل في أية الجمعة وقد قال صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي".
قلت أفلا يدل هذا الدليل بعينه على وجوب الخطبة نفسها؟ بلى، بل هو به أولى وأحرى كما لا يخفى على أولي النهي.
ثم رأيت الشوكاني قد صرح بهذا في السيل الجرار 1/ 298. ثم قال:
"وأما كونها شرطا من شروط الجمعة فلا". [منه].
بعده. والوعظ في خطبة الجمعة هو الذي إليه يساق الحديث فإذا فعله الخطيب فقد فعل الفعل المشروع إلا أنه إذا قدم الثناء على الله والصلاة على رسوله أو استطرد في وعظه القوارع القرآنية كان أتم وأحسن، وأما قصر الوجوب بل الشرطية على الحمد والصلاة وجعل الوعظ من الأمور المندوبة فقط فمن قلب الكلام وإخراجه عن الأسلوب الذي تقبله الأعلام.
والحاصل: أن روح الخطبة هو الموعظة الحسنة من قرآن أو غيره. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي في خطبته بالحمد لله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم (1) بالشهادتين بسورة كاملة والمقصود الموعظة بالقرآن وإيراد ما يمكن من زواجره وذلك لا يختص بسورة كاملة. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم ويقول: «أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة» . أخرجه مسلم وفي رواية له: «كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يحمد الله ويثني عليه ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته» .
«وفي أخرى له» : «من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له» (2). وللنسائي عن جابر: «وكل ضلالة في النار» (3) أي بعد قوله: «كل بدعة ضلاله» . والمراد بقوله: «كل بدعة ضلالة» . والمراد بقوله: «وكل بدعة ضلالة» صاحبها. والبدعة لغة ما عمل على غير مثال، والمراد هنا ما عمل من دون أن سبق له شرعية من كتاب أو سنة. وفي الحديث دلالة على ضلالة كل بدعة وعلى أن قوله هذا ليس
(1) قلت تبع المؤلف الشوكاني في السيل الجرار 1/ 299 لكن المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر اسمه الشريف في الشهادة في الخطبة وأما أنه كان يأتي بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فمما لا أعرفه في حديث صريح وانظر المنتقى 3/ 224 بشرح الشوكاني. [منه].
(2)
قلت هذه قطعة من خطبة الحاجة التي كان صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه والتي تشرع بين يدي كل خطبة وخاصة خطبة الجمعة ولي في خطبة الحاجة رسالة خاصة مطبوعة. [منه].
(3)
قلت وإسناده صحيح وكذلك رواه البيهقي في الأسماء والصفات. [منه].
عاما مخصوصا كما زعم بعضهم. وفيه دليل على أنه يستحب للخطيب أن يرفع بالخطبة صوته ويجزل كلامه ويأتي بجوامع الكلم من الترغيب والترهيب. ويأتي بقول: «أما بعد» . وظاهره أنه كان صلى الله عليه وسلم يلازمها في جميع خطبه. وذلك بعد الحمد والثناء والتشهد كما تفيدها الرواية المشار إليها بقوله: «وفي رواية له» الخ. وفيه إشارة إلى أنه كان صلى الله عليه وسلم يلازم قوله: «أما بعد فإن خير الحديث» الخ في جميع خطبه (1). وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: «كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء» (2).
وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام وشرائعه ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض أمر أو نهي، كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين ويذكر معالم الشرائع في الخطبة والجنة والنار والمعاد فيأمر بتقوى الله ويحذر من غضبه ويرغب في موجبات رضاه، وقد ورد قراءة آية ففي حديث مسلم:«كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس ويحذر» . وظاهر محافظته على ما ذكر في الخطبة وجوب ذلك لأن فعله بيان لما أجمل في آية الجمعة وقد قال صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (3).
وقد ذهب إلى هذا الشافعي. وقال بعضهم: مواظبته صلى الله عليه وسلم دليل الوجوب. قال في «البدر التمام» : «وهو الأظهر» . والله أعلم (4).
[الأجوبة النافعة ص 53].
(1) قلت ومما يؤسف له أن هذا الحديث قد أصبح اليوم نسيا منسيا فلا أحد من الخطباء والمدرسين والمرشدين في سوريا ومصر والحجاز وغيرها يقوله بين يدي خطبته ودرسه إلا من عصم الله وقليل ما هم فأنا أذكرهم بهذا {فَإِنَّ الذِّكْرَى} وأدعوهم إلى إحياء هذه السنة كما أحيى بعضهم خطبة الحاجة التي سبقت الإشارة إليها والله الموفق. [منه].
(2)
رواه أبو داود وأحمد وهو في الصحيحة رقم 169. [منه].
(3)
رواه البخاري وأحمد. [منه].
(4)
قلت: تأمل هذا فإن فيه حجة على حجة على المؤلف في ذهابه إلى أن خطبة الجمعة من أصلها غير واجبة وهذا الدليل الذي ذكره هنا يدل على وجوبها وهو الحق كما سبق ببيانه في التعليق على المسألة السابقة ص 92. [منه].