الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنهم كانوا يجمعون للمطر والجمع للمطر لا يحتمل إطلاقاً جمع صوري، وإنما هو الجمع الحقيقي، لكي يحظى الجامعون بين الصلاتين بفضيلة صلاة الجماعة الأولى والثانية التي قدمت إلى وقت الصلاة الأولى، هذا موجز ما ذكرناه أكثر من مرة.
(الهدى والنور / 563/ 57: 37: 00)
الرد على من يقول بالجمع الصوري دون الحقيقي
الشيخ: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فقد كنا نتكلم قبيل أذان المغرب في جوابي عن سؤال طرح علي يتعلق بحديث الجمع بين الصلاتين في الحضر، وجرى الحديث سجالاً وانتهى إلى أنني ذَكَّرْتُ السائل بحديث ابن عباس الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عنه رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء سبعاً دون سفر ولا مطر، وفي رواية بدل المطر الخوف، قالوا: يا أبا العباس! وهي كنية عبد الله بن عباس .. يا أبا العباس! ماذا أراد بذلك، أي: ماذا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الجمع الذي رويته لنا عنه؟ قال: أراد ألا يحرج أمته.
وكنت تكلمت قبل ذكري وروايتي لهذا الحديث حول الجمع الذي جاء في السنة، وذكرت ما خلاصته: أنه نوعان أحدهما: جمع مطلق ليس فيه بيان نوعية هذا الجمع، والجمع الآخر فيه بيان أنه جمع حقيقي يقابل هذا الجمع الذي هو النوع الثاني ولا ثالث لهما، نوع يذهب إليه علماء الحنفية بخاصة وبعض الزيدية بعامة إلى أنه جمع صوري، أما الحنفية فيذهبون إلى معارضة كل الأحاديث التي جاءت من النوع الثاني الذي هو الجمع الحقيقي، وهو كما جاء في صحيح مسلم من حديث
أنس رضي الله تعالى عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في السفر بين الظهر والعصر، أخر الظهر إلى أول وقت العصر» هذا هو الجمع الحقيقي، أي: أنه أخر صلاة الظهر حتى دخل أول وقت العصر فصلى الظهر ثم صلى العصر، هذا الجمع الحقيقي، ثم قال أنس رضي الله عنه:«ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء جمعاً أخر المغرب إلى أول صلاة العشاء فجمع بينهما - جمعاً حقيقياً - لوقت الأخرى منهما» هذا حديث رواه الإمام مسلم في صحيحه كما ذكرنا.
أما الجمع الثالث الذي يسمى بالجمع الصوري وهو نستطيع أن نقول: إنه صوري لا حقيقة له ولا وجود له إلا في أذهان بعض المتأولين لبعض الأحاديث وأبعد الناس عن هذه الأحاديث هم الحنفية الذين ينكرون شرعية الجمع الحقيقي في السفر اللهم إلا في عرفة وفي مزدلفة فقط ويتأولون كل الأحاديث التي جاءت بالجمع تأويل الجمع الصوري، ويعنون بذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جمع في السفر أخر الصلاة الأولى كالظهر مثلاً مع العصر إلى قبيل وقت العصر وإلى آخر وقت الظهر، فما يكاد يصلي الظهر إلا ويكون دخل وقت العصر، وهكذا المغرب مع العشاء.
هذا الجمع الصوري لا نجد له حقيقةً صريحة في كل الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الصلوات، وكما قلت آنفاً: إنما هما قسمان:
أحاديث تقول جمع رسول الله وليس بيان صورة هذا الجمع.
والأحاديث الأخرى تبين حقيقة هذا الجمع بعضها جمع تأخير كما سبق ذكره في حديث أنس، وبعضها جمع تقديم كما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه الذي أخرجه الإمام مالك في موطئه وأبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل في غزوة تبوك فلما حضرت صلاة الظهر أمر بالأذان فأذن ثم خرج فصلى الظهر ثم صلى العصر مع الظهر فهذا جمع تقديم، قدم صلاة العصر إلى وقت صلاة الظهر وجمع بينهما في وقت صلاة الظهر، هذا جمع حقيقي وجمع تقديم، ثم كذلك فعل عليه الصلاة والسلام في صلاة المغرب وصلاة العشاء جمعهما أيضاً وهو نازل في رجوعه من تبوك، هذا
أيضاً جمع تقديم.
فإذاً: الجمع الثابت في السنة إما جمعاً مطلقاً وإما جمعاً مقيداً، وهذا قسمان: جمع تأخير وجمع تقديم، فكلما جاءنا حديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وجب علينا أن نحمله على الجمع المعروف الثابت في الأذان، وعند أهل العلم بطبيعة الحال وإذ لم يكن هناك إلا الجمع الحقيقة على الوجهين المذكورين آنفاً تقديماً وتأخيراً فحينما يأتينا حديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع وليس فيه بيان نوعية هذا الجمع كحديث ابن عباس الذي ذكرته آنفاً وجب حينذاك على كل فقيه أن يفسر هذا الجمع بالتفسير المعروف في السنة وليس في التفسير القائم في بعض الأذهان والذي لا حقيقة له في الواقع ألا وهو الجمع الصوري.
وكان قد انتهى حديثي حينما أذن لصلاة المغرب أنني لما رويت حديث ابن عباس هذا قلت: إن هذا الحديث يصرح فيه راويه بالسبب الذي جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة مقيماً غير مسافر حيث سئل ابن عباس كما سمعتم عن سبب الجمع؛ لأن المعهود أن الجمع إنما هو في السفر، فما بال الرسول عليه السلام جمع وهو مقيم في المدينة، كان جوابه: يبطل الجمع الصوري إبطالاً لا جواب عليه حيث قال: أراد ألا يحرج أمته.
فقوله هذا فيه تصريح أن الجمع لم يكن جمعاً صورياً وأن الحقيقة لو أراد الإنسان أن يجمع بين الصلاتين صلاة الظهر مع العصر .. المغرب مع العشاء إذا تربص وترقب نهاية الوقت الأول وقت الظهر فيصلي الظهر وما يكاد ينتهي من هذه الصلاة إلا يكون دخل وقت العصر هذا ليس فيه رفع للحرج بل فيه تأكيد الحرج بينما المقصود من الجمع وبخاصة إذا كان في السفر فهو تيسير على الناس؛ لأنهم يحتاجون كثيراً إلى أن يضموا صلاة إلى أخرى، فلما كان الحديث هذا يصرح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جمع لرفع الحرج فهذا التعبير إنما يؤكد أن الجمع كان جمعاً حقيقياً بين صلاتين في وقت إحداهما، فلا وجه لحمل هذا الحديث كما فعل بعض المتأخرين من العلماء المحققين أنه حمله على الجمع الصوري فهذا الجمع الصوري لا نجد له
أصلاً في شيء من أحاديث الرسول عليه السلام وإن كان ظن ذلك بعض الرواة كما جاء ذلك في صحيح البخاري أنه قيل لأبي الشعثاء أنا أرى أنه أخر الأولى إلى الأخرى فقال: وأنا أظن ذلك .. هذا ظني لا يسمن ولا يغني من جوع، ولكننا إذا درسنا حديث ابن عباس الذي أخرجه مسلم كما سبق بهذه الدقة والملاحظة عرفنا حينذاك أن الجمع الذي جمعه الرسول عليه السلام أراد ألا يحرج أمته بهذا التسهيل وبهذا الشرع الذي جاء به من رب العالمين ليرفع الحرج عن بعض الناس سواء كانوا جماعة في مسجد، أو كانوا فرادى كل في عمله أو في داره أو ما شابه ذلك إذا وجد حرجاً حينذاك وجود الحرج ينفي الفرضية التي نعهدها من المحافظة على الصلاة التي جاء الأمر بها لقوله تبارك وتعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103].
فكما أن النبي صلى الله عليه وسلم بين بقوله وبفعله أن هذا التوقيت الذي أشار إليه رب العالمين هي خمس صلوات كل صلاة تصلى في وقتها، كذلك أضاف إلى ذلك بياناً ثانياً فأباح الجمع في السفر سواء كان جمع تقديم أو تأخير ثم أخيراً بين للناس أنه يجوز للمقيم أن يجمع بين الصلاتين جمعاً حقيقاً وليس ترخصاً، وهذا هو الفرق بين الجمع في حالة الإقامة وبين الجمع في حالة السفر لا يتوهمن أحد أنه يجوز للمقيم على هواه .. على كيفه وعلى رأيه سواء كان هناك في المحافظة على التوقيت المشروع أصله حرج أو لم يكن في المحافظة حرج، ليس الأمر كذلك بل حديث ابن عباس يفيدنا فائدتين سبق ذكرهما آنفاً وهي أن الجمع كان حقيقياً.
والفائدة الأخرى وهذه التي أردت أن أختم الحديث الذي بدأته قبل صلاة المغرب بالتنبيه عليها؛ لأنني أعرف من تجربتي الخاصة أن كثيراً ممن يتبعون السنة ويتعصبون للحديث دون تعصب للأئمة وهذا واجب على كل مسلم يعرف السنة، أعرف من هؤلاء من يذهب إلى أن الجمع في حالة الإقامة حكمه كالجمع في حالة السفر.
الجواب: لا؛ لأن الجمع في حالة السفر رخصة لا يلاحظ فيها رفع الحرج،
بمعنى: لو أن مسافراً أقام إقامة مؤقتة في منزل له سواء كان منزلاً تحت خيمة أو منزل مدر وحجر فهو لا يزال في حكم السفر فأراد أن يترخص فيجمع بين الصلاتين فله ذلك ولو لم يكن ثمة حرج ما فيما إذا حافظ على أداء كل صلاة في وقتها، هذا المسافر، أما المقيم فليس له أن يجمع إلا إذا وجد حرجاً ما إذا حافظ إلى أداء الصلاة في وقتها فحينذاك يجوز له هذا الجمع الحقيقي.
لهذا نماذج ووقائع كثيرة وكثيرة جداً وأحسن صورة يمكن عرضها من كان له وظيفة كأن يكون مثلاً شرطياً أو جندياً أو حارساً أو ما شابه ذلك فلا يستطيع أن يؤدي كل صلاة في وقتها؛ لأنه مكلف بأداء هذه الوظيفة التي لا يستطيع أن يتساهل بها أو يحيد عن القيام بها حينئذٍ ينظر أي الجمعين هو يرفع الحرج عنه يأتيه، إن كانت أدركته مثلاً صلاة الظهر وهو خارج الوظيفة ثم يعلم أن الوظيفة سيستلمها قبل صلاة العصر وهو لا يستطيع أن يصلي هذه الصلاة؛ لأنه مقيد بهذه الوظيفة فحينئذٍ يجد الحرج ماذا يفعل بهذه الصلاة؟ فإذاً: هو يخفف لنفسه فيجمع في مثل هذه الصورة جمع تقديم .. يصلي الظهر في المسجد ثم يضيف إليها صلاة العصر فإذا ذهب إلى عمله كان بريء الذمة مرتاح الفؤاد والبال، والعكس بالعكس من كان في وظيفته في وقت صلاة الظهر ولكنه يعلم أنه سيصبح طليقاً من عمله بعد الظهر بمدة فينوي أن يؤخر صلاة الظهر إلى وقت صلاة العصر فلا يصلي العصر إلى بعيد فراغه من صلاة الظهر في وقت العصر، هذا ما أردت التذكير به بمناسبة ذلك الحديث الذي بدأته قبل صلاة المغرب.
مداخلة: ينطبق على كل الوظائف أو في وظائف معينة يعني؟
الشيخ: أنا أظن أن جوابي كان واضحاً .. ليس كل الوظائف؛ لأن هناك وظائف الإنسان يخرج بلا مبالاة من وظيفته ويلتقي مع صاحبه خارج الدائرة وإلى آخره فبالأولى أن يستطيع أن يخرج لأداء الصلاة في وقتها، لكني أكدت فيما إذا كان عليه وظيفة لا يستطيع أن يحيد عنها، وكررت هذه الكلمة، في هذه الحالة يجوز له أن يجمع هذا الجمع دفعاً للحرج الذي ذكرناه آنفاً، أما سائر الموظفين فعليهم فرض
لازم أن يحافظوا على أداء الصلاة .. على أداء الصلوات في أوقاتها ومع الجماعة وفي المسجد وليس في مصلى أو في أي مكان آخر.
مداخلة: هل يوجد ضرر في حالة السفر فصليت قصراً وجمعاً، ثم بعد هذه الصلاة حدث لي حادث ماذا أفعل في هذا؟
الشيخ: حدث لك حادث.
مداخلة: نعم، بعد أن قصرت وجمعت بين مغرب وعشاء.
الشيخ: طيب! ما هو السؤال؟
مداخلة: ماذا تصنع في هذه؟ فلم أسافر بعد القصر والجمع ما سافرت.
الشيخ: المهم أنك حينما جمعت كنت مسافراً.
مداخلة: نعم، موعد سفر.
الشيخ: كنت مسافراً؟ !
مداخلة: يعني نوى السفر.
الشيخ: لا، هنا واحد يعمل تشويش على الكلام، يقول: نوى السفر، فلربما تكون هذه رمية من غير رام، صحيح أنك أنت نويت السفر وما باشرت السفر؟
مداخلة: نويت السفر وصليت على هذا السفر، بعد الصلاة ..
الشيخ: اسمع يا أخي الله يهديك! افهمني وأجبني هن سؤالي: هنا صورتان: إنسان عزم على السفر جمع عفشه وأمتعته ووضعها في السيارة وقبل أن يتحرك من بلدته جمع وقصر هذا لا يجوز فإن كنت أنت فعلت هذا لا يجوز، وإن كنت مثلاً ركبت السيارة سواء كانت خاصتك أو كانت بالأجرة وانطلقت تمشي فنزلت في مكان حضرت فيه الصلاة فجمعت وقصرت ثم بعد ذلك حدث ما حدث، في هذه الصورة الثانية أنت فعلت ما هو جائز، أما في الصورة الأولى ما يجوز أن يجمع الإنسان ويقصر ولما يخرج بعد من البلدة.