الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جواز الصلاة قبل الزوال يوم الجمعة
حديث سلمان عند البخاري:
«لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهن أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى» . وأخرجه النسائي والدارمي. [قال الإمام]: قلت: فهذا الحديث يبين بجلاء وظيفة الداخل إلى المسجد يوم الجمعة في أي وقت كان هي أن يصلي ما قدر له وفي حديث آخر: ما بدا له حتى يخرج الإمام فينصت له فهو دليل صريح أو كالصريح على جواز الصلاة قبل الزوال يوم الجمعة وذلك من خصوصيات هذا اليوم كما بينه المحقق ابن القيم في الزاد «1/ 143» واحتج له بهذا الحديث فقال عقبه: «فندبه إلى صلاة ما كتب له ولم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإمام لانتصاف النهار» . ثم ذكر مذاهب العلماء في الصلاة قبل الزوال:
وهي ثلاثة: مباح مطلقا يوم الجمعة وغيره، ومكروه مطلقا، والثالث أنه وقت كراهة إلا يوم الجمعة وهو مذهب الشافعي وهو الحق الذي اختاره جماعة من الحنفيين وغيرهم وهو قول الإمام أبي يوسف رحمه الله وهو المعتمد المصحح في المذهب كما في الأشباه والنظائر وعليه الفتوى كما في الطحطاوي على مراقي الفلاح (1). وعلى هذا جرى عمل الصحابة رضي الله عنهم فروى ابن سعد في الطبقات «8/ 360» بإسناد صحيح على شرط مسلم عن صافية قالت:«رأيت صفية بنت حيي وهي من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ماتت في ولاية معاوية «صلت أربعا قبل خروج الإمام وصلت الجمعة مع الإمام ركعتين» . وفي «الزاد» قال ابن المنذر: روينا عن ابن عمر أنه كان يصلي قبل الجمعة اثنتي عشرة ركعة وعن ابن عباس أنه
(1) وراجع تحقيق القول في ذلك في إعلام أهل العصر بأحكام ركعتي الفجر لشمس الحق العظيم آبادي. [منه].
كان يصلي ثمان ركعات، وهذا دليل على أن ذلك كان منهم من باب التطوع المطلق ولذلك اختلف العدد المروي عنهم في ذلك وقال الترمذي في الجامع:«وروي عن ابن مسعود أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا وإليه ذهب ابن المبارك والثوري» .
وقال أبو شامة «ص 70» بعد أن نقل المذكور: «ولذلك اختلف العدد المروي عنهم وباب التطوع مفتوح ولعل ذلك كان يقع منهم أو معظمه قبل الأذان ودخول وقت الجمعة لأنهم كانوا يبكرون ويصلون حتى يخرج الإمام، وقد فعلوا مثل ذلك في صلاة العيد وقد علم قطعا أن صلاة العيد لا سنة، لها وكانوا يصلون بعد ارتفاع الشمس في المصلى وفي البيوت ثم يصلون العيد، روى ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين وبوب له الحافظ البيهقي بابا في سننه، ثم الدليل على صحة ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته يوم الجمعة فيصعد منبره ثم يؤذن المؤذن فإذا فرغ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته ولو كان للجمعة سنة قبلها لأمرهم بعد الأذان بصلاة السنة وفعلها هو صلى الله عليه وسلم ولم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الأذان وعلى ذلك مذهب المالكية إلى الآن» . وقد يشير إلى أنه لا سنة للجمعة قبلها قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا» (1).
فإنه لو كان قبلها سنة لذكرها في هذا الحديث مع السنة
(1) رواه مسلم 3/ 16 - 17 والنسائي 210 والترمذي 2/ 399 - 400 والدارمي 1/ 37 وابن ماجه 1132 والبيهقي 2/ 240 وأحمد 2/ 249 و 442 و 499 وكذا الطيالسي 2406 والدولابي في الكنى والأسماء 1/ 109 وأبو نعيم في حلية الأولياء 7/ 334 والخطيب في تاريخ بغداد 2/ 138 و 8/ 85 و 14/ 28 من طريق كثيرة منها سفيان كلهم عن سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا وقال الترمذي:
حديث حسن صحيح ولفظه: من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا.
وهو رواية لمسلم.
ورواه عبيد بن سعيد عن أبيض بن أبان عن سهل بن أبي صالح به بلفظ:
فليصل قبلها أربعا وبعدها أربعا". فزاد الأربع قبلها.
أخرجه ابن السماك في الأول من الرابع من حديث ق 107/ 2 وأبو جعفر الرزاز في ستة مجالس من الأمالي ق 232/ 1 عن عبيد به وزاد:
قال عبيد قلت لأبيض إن سفيان الثوري حدثني عن سهل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا: "من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا" قال أبيض: ذاك كما سمع سفيان وهذا كما سمعت أنا! .
قلت ولا يشك حديثي في بطلان هذه الزيادة لتفرد ابن أبان بها وهو ليس بالقوي كما قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 1/ 1/312 عن أبيه ولأنه خالف سفيان ومن معه من الثقات الذين أشرنا إليهم فلا جرم أعرض عنها أصحاب السنن وغيرهم فضلا عن مسلم في صحيحه.
ولقد وهم الباجوري على ابن القاسم في هذا الحديث وهما فاحشا حيث أورده 1/ 134 بهذه الزيادة الباطلة معزوا لمسلم واستدل به على أن الجمعة كالظهر قال: فيسن قبلها أربع وبعدها أربع.
البعدية فهو أليق مكان لذكرها.
والخلاصة: أن المستحب لمن دخل المسجد يوم الجمعة في أي وقت أن يجلس ما شاء نفلا مطلقا غير مقيد بعدد ولا موقت بوقت حتى يخرج الإمام أما أن يجلس عند الدخول بعد صلاة التحية أو قبلها فإذا أذن المؤذن بالأذان الأول قام الناس يصلون أربع ركعات فمما لا أصل له في السنة بل هو أمر محدث وحكمه معروف. وقد يتوهم متوهم أن هذا القيام والصلاة كان معروفا على عهد عثمان وأن من أسباب أمره بالأذان الأول هو إيجاد فسحة من الوقت بينه وبين الأذان الثاني ليتمكنوا من السنة القبلية، وهذا مع أنه مما لا دليل عليه وإنما هو مجرد ظن والظن لا يغني من الحق شيئا، ومع أنه لم ينقل، فإن في حديث السائب السابق ما يبعد وقوعه ففيه أن الأذان الأول كان في السوق والسنة القبلية لا تكون في السوق عادة بل في المسجد ومن كان فيه لا يسمعه حتى يصلي حينئذ، ثم إنه لم ينقل أيضا أن هشاما لما نقل الأذان العثماني من الزوراء إلى باب المسجد ونقل الأذان النبوي إلى داخل المسجد كما تقدم لم ينقل أنهم كانوا يصلون بين الأذانين ولو فعلوا لما كان في ذلك حجة لأنه بعد انقراض عهد الصحابة وما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى.
ولذلك قال ابن الحاج في المدخل «2/ 239» : «وينهي الناس عما أحدثوه من الركوع بعد الأذان الأول للجمعة لأنه مخالف لما كان عليه السلف رضوان الله عليهم لأنهم كانوا على قسمين: فمنهم من كان يركع حين دخوله المسجد ولا يزال كذلك حتى يصعد الإمام المنبر فإذا جلس عليه قطعوا تنفلهم، ومنهم من كان يركع ويجلس حتى يصلي الجمعة، ولم يحدثوا ركوعا بعد الأذان الأول ولا غيره فلا المتنفل يعيب على الجالس ولا الجالس يعيب على المتنفل، وهذا بخلاف ما هم اليوم
يفعلونه فإنهم يجلسون حتى إذا أذن المؤذن قاموا للركوع (1) فإن قال قائل: هذا وقت يجوز فيه الركوع فقد روى البخاري عن عبد الله بن المغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بين كل أذانين صلاة» قالها ثلاثا وقال في الثالثة: «لمن شاء» فالجواب أن السلف رضوان الله عليهم أفقه بالحال وأعرف بالمقال فما يسعنا إلا أتباعهم فيما فعلوه». قلت: وهذا الجواب غير كاف ولا شاف لأنه أوهم التسليم بأن الحديث يدل على مشروعية قصد الصلاة بين أذان عثمان والأذان النبوي وليس كذلك. فلا بد من توضيح ذلك فأقول: إن الحديث لا يدل على ذلك البتة لأن معنى قوله فيه: «أذانين» أي أذان وإقامة قال الحافظ: وقد جرى الشراح على أن هذا من باب التغليب كقولهم «القمرين» للشمس والقمر ويحتمل أن يكون أطلق على الإقامة أذان لأنها إعلان بحضور فعل الصلاة كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت.
قلت: وسواء كان هذا أو ذاك فالمراد بالأذان الثاني فيه الإقامة قولا واحدا فإذا كان الأمر كذلك فلا يصلح لما ذهب إليه القائل المذكور. ثم إننا فرضنا أن الحديث على ظاهره وإنه يشمل أذان عثمان مع أنه لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم اتفاقا - لما دل إلا على استحباب صلاة مطلقة غير مقيدة بعدد وليس البحث في ذلك وإنما هو في كونها سنة راتبة مؤكدة وفي كونها أربع ركعات فهذا مما لا يقوم بصحته دليل لا هذا الحديث ولا غيره كما تقدم بيانه مفصلا.
ويؤيد ما ذكرته أن أحدا من العلماء لم يستدل بالحديث المذكور على سنية صلاة معينة بركعات محدودة بين الأذانين وخاصة أذان المغرب وإقامته بل غاية ما قالوا أنه يدل على الندب فقط وعلى صلاة مطلقة غير محدودة الركعات فليكن الأمر كذلك هنا على الفرض الذي ذكرنا وهذا ظاهر لمن أنصف ولكن الحق أن الحديث لا يدل على مشروعية التنفل إطلاقا بين أذاني الجمعة كما سبق بيانه في أول البحث فهو المعتمد. هذا وأما قول السائل في هذه الفقرة: «وهل تصلى السنة عقب دخول
(1) يعني الصلاة قلت وهذا بخلاف ما هم اليوم عليه حيث إنهم ينكرون على الجالس زاعمين أنه تارك للسنة والسنة معه وعليهم. [منه].