الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعض أحكام المسافرين
مداخلة: رحلة باص طلاب علم وكلهم يعني طيبين ما شاء الله.
الشيخ: وفي باص؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: في ظني سيكون من باب تحصيل الحاصل، مع وجودك معهم أن يؤَمِّروا عليهم أميراً؛ لأن الأمير موجود، لكن الذي يحتاج إلى تنبيه في الحقيقة هو: أن هذه الإمارة مؤقتة أولاً، وثانياً: لا يُشترط فيها ما يُشترط في الإمارة الكبرى، والولاية العظمى، يعني: لا ينبغي أن يؤخذ العهد والميثاق على المأمورين بأنهم يجب عليهم أن يطيعوا أميرهم في المنشط والمكره، وفي ماذا؟
مداخلة: ....
الشيخ: آه، لا، ليس هذا بالشرط إلا بالولاية الكبرى، لكن هذا من باب تنظيم الرحلة، وبخاصة إذا كانت إلى بيت الله الحرام، فلابد من تأمير أحدهم إذا لم يكن ثمة تأمير؛ لقوله عليه السلام:«إذا سافر ثلاثة فليؤمِّروا أحدَهم» .
وهذا بلا شك أمر من كمال الإسلام؛ لأن الإسلام يرفض الفوضى، حتى في هذه المعاشرة المنتهية القصيرة الأمد، وهي سفر الطريق.
فهذا أول ما أُلفت النظر إليه: أنه يجب أن يكون هناك أمير ينظم رحلتهم يأمرهم حيث يرى النزول بالنزول، ويأمرهم بالانطلاق حيث يرى أن الانطلاق هو خير لهم، وهكذا فهو منظم شؤونهم، فعليهم في حدود هذه المصلحة أن يتجاوبوا مع ذاك الأمير.
ناحية أخرى: تتعلق بشخص الأمير، وإن كان هذا أيضاً: أرجو أن يكون من باب تحصيل الحاصل، وهو أن يستشيرهم، وألا ينفرد بالرأي عنهم ودونهم، وإنما كما قال تعالى:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} ، فهو يستشيرهم ثم ينِّفذوا ما انتهى إليه
رأيه، وعلى الآخرين طاعته، ويتساءل الكُتَّاب العصريون اليوم تحت عنوان أصبح كأنه كليشة وهو: هل الشورى مُعْلِمة أو مُلْزِمة؟ في المسألة قولان، لكن الصحيح الذي لا نشك فيه أن الشورى غير ملزمة هي معلمة، هي تفتح الطريق على المستشير، المستشير [يستمع] الآراء ويجمعها إليه، ثم هو كالنحلة يستصفي منها خير تلك الآراء، ويأمر بتنفيذها، فالشورى مُعْلِمة وليست بمُلْزِمة.
بعد هذا تأتي بعض الأحكام الشرعية التي يَحسُن التذكير بها، منها: أنهم إذا كانوا مسافرين فنزلوا في مكان أدركتهم الصلاة، الصلاة الأولى صلاة الظهر، السنة: أن يجمع والحالة هذه بين الظهر العصر جمع تقديم، أما إذا كانوا منطلقين وقت صلاة الظهر، فلا يتعمدون النزول وإنما يستمرون في السفر حتى تدركهم العصر حينذاك ينزل بهم جميعاً، ويصلي بهم الظهر والعصر جَمْع تأخير، فإذاً: إن أدركتهم الصلاة وهم نازلون في وقت الظهر جَمَع بهم جَمْع تقديم، وإلا جَمَع بهم جَمْع تأخير.
ثم يجب عليهم جميعاً: أن يقصروا من الصلاة وألَاّ يُتِمُّوها؛ لأن القصر عزيمة وليس رخصة، وهذا على أصح قَوْلَي العلماء.
مداخلة: الرخصة ما هي .... ؟
الشيخ: كيف؟
مداخلة: عزيمة؟
الشيخ: عزيمة.
مداخلة: وليست رخصة.
الشيخ: عكست أنا.
مداخلة: القصر؟
الشيخ: القصر نعم. ماذا قلت أنا؟
مداخلة: أنت قلت ....
الشيخ: طيب، أقول: عليهم أنهم إذا جَمَعوا بين الصلاتين أن يقْصُرُوا؛ لأن القصر عزيمة، وليس برخصة بخلاف الجمع، الجمع بين الصلاتين إنما هو رخصة، بمعنى: لو أرادوا أن يصلوا كل صلاة في وقتها وهم سَفْر جاز لهم ذلك، ولكن الأحب إلى الله تبارك وتعالى من عباده: أن يتبعوا رخصه، كما قال نبينا صلوات الله وسلامه عليه:«إن الله يحب أن تُؤتَى رخصُه كما يحب أن تُؤتَى عزائمُه» .
وفي الحديث الآخر: «كما يكره أن تُؤتَى معصيتُه» .
«إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تُؤْتَى معصيته» .
لذلك فالأحب [والأفضل]: أن يجمع بين الصلاتين، وبخاصة يتأكد أو تتأكد هذه الرخصة في حالة كون هناك شيء من الحرج في التزام الأصل وهو: أداء كلٍّ من الصلاتين في وقتها، فهنا تتأكد الرخصة على الجماعة.
ولا ينبغي للمسلم أن ينصرف عن أن يتقبل رخصة الله تبارك وتعالى؛ لأن في ذلك معنى خفياً من الأنَفَة والكبرياء على رخصة الله تبارك وتعالى، كما أشار إلى ذلك عليه الصلاة والسلام حينما سأله سائل مذكراً بقوله تعالى:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] قال هذا السائل: ما بالنا يا رسول الله نقصر وقد أَمِنَّا؟ وربنا يقول: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ} [النساء: 101] ما بالنا نقصر وقد أَمِنَّا؟ قال عليه السلام: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» .
فهل يجوز للعبد أن يستنكف عن قبول صدقة سيده وهو سيد الأسياد تبارك وتعالى كما أشار إلى ذلك عليه السلام في الحديث الصحيح لما جاء رجل قال: أنت سيدنا، قال:«السيد الله» .
السيد الحق: هو الله تبارك وتعالى، فإذا كان العبد الرقيق إذا كان لا يَحْسُن به أن يَرُدّ من منحة سيده، وهو عبدٌ مخلوق مثله، فكيف يتجرأ العبد المخلوق أن يرد
صدقة الخالق تبارك وتعالى لذلك، ولو أننا عرفنا الفرق بين القصر وأنه عزيمة، وبين الجمع وأنه رخصة، فينبغي ألا نتساهل بهذه الرخصة وأن نتقبلها من ربنا شاكرين له تبارك وتعالى رأفته بنا.
إذاً: لابد من قصر الصلاة ويستحب الجمع بين الصلاتين، كذلك مما يحسن التذكير به: أن كل صلاتين جمعتا معاً لهما أذان واحد وإقامتان، ليس يؤذن لكل صلاة منهما، وإنما أذان واحد ولكن ليقام لكل منهما إقامة، وهذا أصح ما جاء عن الرسول عليه السلام، ومن حديث جابر بن عبد الله الأنصاري في قصة حجة النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع أقول هذا؛ لأن هناك بعض الروايات، وفي الصحاح أن هناك لما جمع الرسول عليه السلام في المزدلفة، قد أذَّن أذانين وأقام إقامتين.
فذكر الأذانين هنا شاذ في تعبير المحدثين غير محفوظ، والمحفوظ: أذان واحد للصلاتين وإقامتان، فإذا ما صلى الصلاة الأولى منهما أقيمت الصلاة مباشرة دون فصل بينهما بالأذكار فضلاً عن أن يكون الفصل بالسنن؛ لأن السنن تسقط في السفر، السنن التي تشرع أن يؤتى بها قبل الصلاة وبعد الصلاة كالظهر مثلاً، فهذه السنن كلها في السفر تسقط إلا سُنّتان: أولاهما: سُنة الفجر، والأخرى: سُنة الوتر، فسنة الفجر كما تقول السيدة عائشة رضي الله عنها «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعهما حضراً ولا سفراً» وهذا يدل على أهمية هاتين الركعتين.
ويؤكد ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» .
فالركعتين هاتين اللتين يستهين بهما بعض المصلين: سنة الفجر خير من الدنيا وما فيها؛ لذلك كان عليه السلام يصليهما ولو كان مسافراً.
كذلك سُنة الوتر، فكان عليه الصلاة والسلام يحافظ أيضاً عليها حتى في السفر حتى وهو راكب على ناقته، ولم يتيسر له أن ينزل من دابته على الأرض فيصلي وهو راكب.
أيضاً: إذا انتهوا من الصلاة الأولى وأقيم للصلاة الأخرى، فلا فَصْل بينهما لا