الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي السنن الرواتب في السفر كما أن هناك أحاديث أخرى تؤكد ذلك، منها ما جاء في صحيح البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان ينكر صلاة السنن الرواتب في السفر ويقول: ليت لي من صلاتي ركعتان متقبلتان.
فالشاهد: أن حديث أنس وأمثاله يعطينا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي الرواتب في السفر باستثناء سنة الفجر وسنة الوتر، فكما أن هذا الاستثناء لا يعني تعميم حكم صلاة الوتر وسنة الفجر على بقية السنن، كذلك لا يعني صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم لصلاة الضحى في فتح مكة تعميم هذا الحكم على بقية السنن؛ لأن النص الصريح دائمًا مقدم على ما يستنبط من نص آخر، فحديث أم هانئ يمكن الاستنباط منه جواز المحافظة على السنن بالنسبة للمسافر، لكن حديث أنس وغيره صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يصلي إلا الفرض ويضاف إلى ذلك مثلًا نصوص أخرى معروفة من أنه لما كان يجمع بين الصلاتين ما كان يصلي السنة التي بينهما.
(أسئلة وفتاوى الإمارات - 7/ 00: 11: 51)
تحديد مسافة القصر في السفر
السؤال: [تحديد المسافة في السفر لكي يقصر الصلاة فيه].
الشيخ: أما عن تحديد المسافة فلم يأت في الشرع تحديدٌ للسفر الذي يترتب عليه أحكام المسافر بل ظاهر النصوص الذي ذكر فيه السفر كان مطلقاً من كل قيد شأنه في ذلك شأن المرض الذي يتعلق بالصائم، فالله عز وجل يقول:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ، فكما أنه أطلق لفظة المرض في «مريضاً» كذلك أطلق لفظة السفر فيمن كان مسافراً {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ} ، فهذا الإطلاق يعني أي سفر يتلبس به المسلم فقد ترتب عليه أحكام السفر من جواز الإفطار فيه في شهر رمضان ومن جواز الجمع بين الصلاتين ومن وجوب القصر فلم يحدد ربنا عز وجل للسفر مدة كذلك المريض.
ومن البداهة بمكان أن أي مريض في رمضان يريد أن يتمتع بالرخصة التي قدمها ربنا عز وجل لعباده المؤمنين في هذه الآية ليس به من حاجة أن يأخذ «راشيته» رخصة من أي طبيب ليقول له أنت مريض فيجوز لك الإفطار، أو لست مريضاً فيحرم عليك الإفطار إذاً من الذي يفتيه من الذي يقول له يجوز لك أو لا يجوز، هو نفسه لأن المريض أدرى بنفسه، أدرى بكونه مريضاً من أي طبيب يجري عليه فحصه مهما كان دقيقاً، فإذاً حينما قال ربنا {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً} هل يعني مرضاً معيناً شديداً خفيفاً، ظاهراً يبدو للعيان، باطناً لا يراه أحد، ولا يحس به إلا ذاك الإنسان، قال تعالى:«مريضاً» فكل مريض له رخصه الإفطار، وكل مسافر كذلك له هذه الرخصة، وله الأحكام الأخرى التي أشرنا إليها.
هذا القول هو الذي ترجح بعد الاختلاف الكثير والكثير جداً جداً في تحديد مسافة القصر ثم أنا أضيف إلى هذ الإطلاق المستفاد، من القرآن الكريم ومن الأحاديث الواردة من الرسول عليه السلام، أنه كان إذا سافر قصر، وما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أنه قصر في مسافة كذا فراسخ مثلاً، فذلك لا يعني تقييد السفر بتلك المسافة لأنها حادثة عينٍ لا عموم لها، فلو أنه اتفق له عليه السلام بأنه قصر دون تلك المسافة بربع فرسخ مثلاً، أليس يكون مسافراً، فالسفر ليس يقاس بالفراسخ والأمتار أو الكيلومترات لأنه تكليف يتنافى مع يسر الإسلام وتسهيل الإسلام في الأحكام.
لو أن رجل خرج من بلدته يريد ناحية في قرية أو في باديةٍ ماذا لو قيل بأنه يجب عليه أن يعرف المسافة لأن السفر يقيد بمسافة معروفة، لكان الشرع كلف الناس ما لا طاقة لهم به - وهذا منفي والحمد لله عن عباده المؤمنين كما هو معروف من قوله تعالى:{آمَنَ الرَّسُولُ .. } إلى آخر الآيات- بمعرفة كل إنسان بالمسافة بينه وبين مقصده أو منزله الذي يريد أن ينزل فيه، هذا لا يمكن أن يتحقق به الإنسان حتى لو كان له ثقافة خاصة بمعرفة مسافات الطرق إلا أن يكون درس من قبل مسافة ما بين هذه البلدة وكل البلاد التي تحيط به وهذا لا ينهض به إلا أفراد قليلون جداً جداً.
هذه المسألة تشبه مسألة أخرى لكنها تختلف عن هذه اختلافا كلياً ذلك لأن العلماء قد ذكروا على اختلافهم في السفر مسافة ما بين القائل ثلاثة أيام بلياليها كالمذهب الحنفي، ما بين القائل يوم وليله كمذهب الشافعي.
أما المسألة التالية والتي سأضرب لها مثلاً يقرب مسألتنا هذه، وهي الماء الكثير الذي لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه، ما هو هذا الماء الكثير، أقوال معروفة أيضاً لكن يهمني منها قول الحنفية:«الماء الكثير ما في حوض مساحته عشرٌ في عشرٍ، عشرٌ في عشرٍ من الذي يستطيع أنه إذا وقف على بحيره على مكان فيه ماء أن يقول أن هذه عشرٌ في عشرٍ وأنها لا تنقص منها ذراع، هذا لا يستطيع إلا أقل الناس وبخاصة إذا كان ذلك المكان لا يشكل مكان مربعاً حتى يستطيع أن يقول قائل هذا مضلع عشر في عشر كأن يكون مثلاً مستديراً بحيرة، تعرفون بالمشاهدة حينما تهطل الأمطار بغزارة تتجمع هناك المستنقعات في أماكن متفرقة فهذه المستنقعات لا تكون بشكل هندسي أي كل ضلع عشرة أمتار، وإنما قد يشكل دائرة أو ما يشبه الأقواس المتقابلة المنحنية أو في داخل أو خارج إلى آخره من ذا الذي يستطيع إذا وقف أمام هذا الماء فيقول هذا عشرٌ في عشرٍ، دعك عن بعض البحيرات المصنوعة صنعاً هندسياً، إذا كانت مثمنة الأضلاع أو مسدسة الأضلاع لاشك أن هذا يحتاج إلى مهندس خريت ماهر حتى يقدِّر هل هذا عشرٌ في عشرٍ، لا يعقل أن يكلف الله عباده عز وجل مثل هذه التكاليف لذلك كان المذهب الصحيح هو ما أطلق النبي صلى الله عليه وسلم: «الماء طهور لا ينجسه شيء» فما دمت تراه ماءً فهو طاهر مطهر، وما دمت تراه على العكس من ذلك قد تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة وقعت فيه خرج عن كونه ذلك الماء الطاهر المطهر.
هكذا الإسلام دين سهل عملي يستطيع البدوي الذي لا ثقافة عنده أن يتجاوب مع أحكامه لسهولتها بينما إذا نظرنا إلى ما اجتهد بعض العلماء فجاؤوا بقيود لم تثبت في السنة كما قلنا آنفاً في الكلام على السفر فيكون ذلك من الأدلة على أن هذه القيود إنما هي قيود اجتهادية وشروط لا يلزم بها المكلف وقد قال عليه السلام في الحديث الصحيح: «كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل ولوكان مائة