الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلة بالبدعة إطلاقاً، وإنما بالشرط السابق الذكر ألَاّ يتبادر إلى ذهن الحاضرين بأن هذا التوقيت له فضيلة خاصة، كالذين مثلاً يشرعون الصيام في سبع وعشرين رجب مثلاً، أيش كمان ليلة النصف من شعبان، وقد نُهِي عن هذا الصيام.
مداخلة: صيام ليلتي العيد أو كذا.
الشيخ: وأشياء كثيرة من هذا القبيل، هذه بدع بلا شك في الدين؛ لأنهم يريدون التقرب إلى الله بخصوص هذا الوقت وهذا الزمن، أما الذي يُدَرِّس بعد صلاة الجمعة، فلا يقصد هذا ولا يخطر في البال.
(الهدى والنور /136/ 06: 05: 00)
(الهدى والنور /136/ 31: 09: 00)
الموعظة قبل الجمعة
الشيخ: لما ذكرته آنفًا من أن وقوع العالم في البدعة لا يعني أنه مبتدع، وأن وقوع العالم في ارتكاب المُحَرَّم أي في القول بإباحة ما هو محرم رأى اجتهادا منه هنا وهناك، لا يعني أنه ارتكب مُحَرَّما.
فأقول: أثر أبي هريرة هذا الذي ينص على أنه كان يقوم يوم الجمعة قبل الصلاة يعظ الناس ويُذَكِّرهم، يصلح أن يكون مثالا صالحا بكون البدعة قد تقع من الرجل العالم، وليس معنى ذلك [أن يكون] هو مبتدعًا، وقبل الخوض في تمام الجواب أقول: المبتدع هو أولاً الذي من عادته الابتداع في الدين، وليس الذي يبتدع بدعة واحدة، ولو كان هو فعلاً ليس عن اجتهاد وإنما عن هوى، مع ذلك هذا لا يُسَمّى مبتدعًا.
وأوضح مثال لتقريب هذا المثال: أن الحاكم الظالم قد يعدل في بعض أحكامه، فلا يقال فيه عادل، كما أن العادل قد يظلم في بعض أحكامه فلا يقال فيه ظالم، وهذا يُؤَكِّد القاعدة الإسلامية الفقهية أن الإنسان بما يغلب عليه من خير أو شر.
إذا: عرفنا هذه الحقيقة، عرفنا من هو المبتدع.
فيُشْتَرط في المبتدع إذًا شرطان، الأول: ألاّ يكون مجتهدًا وإنما يكون متبعا للهوى.
الثانية أو الثاني: يكون ذلك من عادته ومن دَيْدنه.
فإذا لاحظنا هذين الشرطين وجئنا إلى أثر أبي هريرة المذكور آنفا، عرفنا أن كُلَّا من الشرطين غير متوفر في أبي هريرة، نحن نقول: نعم هذه بدعة؛ لأنها مخالفة للسنة وسيأتي البيان، لكن ما نقول إن أبا هريرة مبتدع.
ومن هنا غاب عن أذهان كثير من إخواننا أهل السنة في الديار السعودية حينما نقضوا عليَّ قولي بأن وضع اليُمنى على اليسرى في القيام الثاني بدعة، كيف أنت تقول بدعة والشيخ الفلاني يقول هذا سنة والشيخ الفلاني، إذًا عندي مبتدعة، عرفتم الجواب الآن؟ أنه هؤلاء ليسوا مبتدعة، لكن هذا فهم على الأقل في نقلي وفي وجهة نظري هو بدعة.
نعود الآن إلى أثر أبي هريرة، أولا: نقول ليس في النص ما يُشْعِر فضلا عن أن يكون فيه ما يدل على أن أبا هريرة جعل ذلك دَيْدَنُه وهَدْيُه كما يقال، أي كما أن الخطباء يخطبون يوم الجمعة، وكما أن المدرسين اليوم يدرسون يوم الجمعة قبل الصلاة، ليس في الأثر ما يَدُل على أن أبا هريرة كان جعل ذلك عادةً له.
بل وهذا هو الذي يغلب على ظني أنه كان يفعل ذلك؛ لأنه يرى حاجة ليعظ الناس في هذا الوقت؛ لأن العالم كما أنتم ترون اليوم مثلا خطيبنا أبي مالك جزاه الله خيرًا في كثير من الأحيان لا يتكلم بكلمة بعد الصلاة، في كثير من الأحيان يتكلم ويحض على الصدقة أو قد يكمل بعض النقاط التي طرقها في الخطبة، فهذا لأمر عارض، فلو قال لمثله إنه ابتدع، كل هذا يرد على أثر أبي هريرة، أما إن هذا الأمر إذا تصورنا فيه الاستمرارية في الموعظة وفي النصيحة، كما يفعلون اليوم، أما أن هذا بدعة فلا شك ولا ريب في ذلك، وإليكم البيان: أهل العلم يقولون إن قول الصحابي أو فعله حجة، إذا لم يكن له معارض، فهنا المعارضون كُثُر؛ ذلك لأنه من
الثابت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا دخلوا المسجد يوم الجمعة صلوا ما بدا لهم من ركعات حتى روي عن بعضهم أنه كان يصلي ثمان ركعات، فهذا هو الذي أمر به الرسول عليه السلام وحَضّ عليه في الأحاديث الصحيحة في قوله صلى الله عليه وسلم «من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبَكَّر وابتكر، ثم دنا من الإمام وصلى ما كتب الله له» وفي رواية «ما قُدِّر له إلا غفر الله له ما بينه وبين الجمعة التي قبلها» .
إذًا: يوم الجمعة المسجد قبل الخطبة هو مجلس للعبادة الشخصية، من شاء لا بد من التحية من شاء زاد كما ذكرنا عن بعض الصحابة، صلى من النوافل ما كتب الله له، أو جلس يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أمر بذلك حينما قال في الحديث الصحيح:«أكثروا عليَّ من الصلاة يوم الجمعة، فإن صلاتكم تبلغني» قالوا: كيف ذاك وقد أرمت؟ قال: «إن الله حَرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» أو جلس يقرأ سورة الكهف؛ لأن هذا أيضا من السنة كما هو معلوم.
إذًا قبل خطبة الخطيب يوم الجمعة، المسجد مجلس ذكر إنفرادي، هذا يصلي، هذا يقرأ القرآن، هذا يصلي على الرسول عليه السلام، فالذي يقوم ويعظ الناس ويعلمهم يُشاغب ويشوِّش على هؤلاء، وهذا بلا شك خلاف هذه السنة بل وخلاف قوله عليه الصلاة والسلام:«يا أيها الناس كُلُّكم يناجي رَبَّه، فلا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة» .
فالشاهد إذًا: التدريس أو الوعظ بين يدي خطبة الجمعة فيه تشويش على هؤلاء المصلين، قد يأتي رجل والخطيب يخطب فيأمره أن يصلي ركعتين، قد يأتي ما قبل فيصلي هذا من هنا وهذا من هنا، والذي يُدَرِّس ابتداع في الدين يشوش على المصلين.
لذلك نحن نقول: أثر أبي هريرة على القاعدة التي ذكرناها آنفا في بعض المناسبات «التمس لأخيك عذرًا» ، فنحن نلتمس لحافظ الصحابة أحفظ الصحابة لحديث الرسول أبو هريرة، نلتمس له عذرا، نقول لعله كان يبدو له عوارض، وليس ذلك رتيباً ولزاما، لا بد من ذلك.