الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم الجمع في الحضر دون عذر
السائل: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
ورد في صحيح البخاري حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ترويه عائشة رضي الله عنها، إن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى في الحضر جمعًا الظهر والعصر، فهل يجوز للمسلم أن يصلي صلاتين دون عذر -تقول عائشة ولا سفر- هل يجوز للإنسان المقيم في بلده أن يجمع الظهر مع العصر دون عذر؟ أفيدونا ..
الشيخ: السؤال مفهوم لكن فيه خطأٌ يجب تصحيحه وهو أن السيدة عائشة رضي الله عنها ليس لها حديثٌ في هذا المعنى إطلاقًا، وكذلك ليس في صحيح البخاري حديثٌ بهذا المعنى أيضًا ولو عن غير عائشة، وإنما أنت تشير إلى حديث ابن عباس الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال:«جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء دون سفر ولا مطر، قالوا: ماذا أراد بذلك يا أبا العباس؟ - كنية عبد الله بن عباس- ماذا أراد بذلك؟ قال: أراد ألاّ يحرجَ أمّته» فظاهر الحديث أنه يجوز الجمع بين صلاتين في حالة الإقامة وبدون عذر المطر؛ لأن المطر عذرٌ شرعي يجيز الجمع بين صلاتين، وهنا يقول ابن عباس بأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع مقيمًا وجمع دون عذر المطر، وأكّد ذلك حينما وُجّه إليه السؤال السابق: لمَ فعل ذلك؟ قال: «أراد ألاّ يحرج أمته» ؛ هذا هو الحديث وفي صحيح مسلم دون البخاري، يوجد في البخاري معنى هذا الحديث جمع بين الصلوات في المدينة ثمانيًا، لكن ليس فيه هذا التفصيل الذي ذكره أو رواه الإمام مسلم عن ابن عباس وفيه هذه النكتة الهامة التي كانت جوابًا لذاك السؤال ألا وهو قوله رضي الله عنه:«أراد ألاّ يحرج أمّته» فيذهب بعض العلماء قديمًا وحديثًا إلى جواز هذا الجمع في الإقامة بدون عذرٍ، ولا أرى ذلك صوابًا؛ ذلك لأن راوي الحديث يعلّل جمع الرسول عليه السلام بدون عذرٍ بعذرٍ آخر من باب التشريع والبيان للنّاس، حيث قال ابن عباس:«أراد ألاّ يحرج أمته» عليه الصلاة والسلام، ومعنى ذلك قيدُ حكم الجمع في الإقامة بوجود الحرج في عدم الجمع،
فحيث وُجِد الحرج في إقامة الصلوات في مواقيتها المعروفة، فدفعًا للحرج الذي نفاهُ الله عز وجل في مثل قوله:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] يجوز الجمع، أما إذا لم يكن هناك حرج حينذاك وَجَب المحافظة على أداء الصلوات
الخمس كل صلاة في وقتها؛ لأنه لا حرج، مثلاً أنا جالس هنا وأسمع الأذان هناك في المسجد القريب منّي وأنا قادر على الخروج وليس شيء من الحرج عليّ أن أخرج فلا يجوز لي الجمع، وعلى العكس من ذلك لما جئت في هذه السَّفرة وجدتُ هذا المصعد الكهربائي متعطلاً وأنا يصعب عليّ جدًا كما ترون لوجع في ركبي أن أهبط وأنزل بطريق السلم أو أن أصعد فمضى عليّ بعض الصلوات لا أخرج إلى المسجد، لكن لما صُلّحَ المصعد الكهربائي فوفّر عليّ صعوبة الطلوع والنزول، صار لزامًا عليّ أن أصلي كل صلاة في المسجد لأنّي لا أجد ذاك الحرج الذي وجدته أول ما حللتُ ها هنا.
فإذَن إنما يجوز الجمع لدفع الحرج فحيث لا حرج لا جمعَ فهما أمران متلازمان لا حرج لا جمع، فيه حرج فيه جمع؛ وهذا أحسن ما يقال في التوفيق بين هذا الحديث الصحيح وبين الأحاديث التي تأتي مصرِّحة بكل صلاة لوقتها وأنه لا يجوز الإلتهاء عنها وبخاصّة أنّ الجمع يستلزم في أكثر الأحوال الإعراض عن الصّلاة مع الجماعة، كما وصفت لكم حالي الأولى، هذا جواب عما سألته.
(فتاوى جدة-موقع أهل الحديث والأثر- 32)