الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقيم، أما من نزل في بلد غير بلده، ولم ينو الإقامة، إنما له في هذا البلد مصالح، يريد أن يقضيها، لكنه لا يدري متى تنقضي، بحيث أنها إذا انقضت عاد أدراجه إلى بلده، فما دام أنه لم ينو الإقامة وإنما قال في نفسه: متى أنتهي من قضاء حاجتي رجعت إلى بلدي فهذا غير مقيم، وصورة هذا الذي يقول: والله خلصنا هالشغلة هي سافرنا، يومين ثلاثة أربعة خمسة، وبيعلل نفسه هاه اليوم تنتهي ما انتهت، بكرة بتنتهي ما انتهت، لو راحت أيام طويلة مهما كانت بل وشهور، فهو مسافر.
فإذاً: القضية لها علاقة بوضع الإنسان في حالة الإقامة المؤقتة ونيته، إذا نوى الإقامة والاستقرار أياماً معدودات فهو مقيم، إذا ما نوى الإقامة، وإنما هو مقيم إقامة مؤقتة لقضاء تلك المصالح، ومتابعة تلك الأعمال، فإذا انتهى منها يعود إلى بلده، فهذا مسافر مهما طالت الأيام، هذا هو جواب السؤال.
(الهدى والنور/678/ 45: 00: 00)
(الهدى والنور/678/ 13: 03: 00)
لم يحدد الشارع المسافة التي تتيح الترخص برخص السفر
الشيخ: ينبغي أن نفهم المرض الذي أذن الله عز وجل لمن أصيب به أن يُفطر، وأن يقضي يوماً آخر، فما هو المرض؟ لا يمكن تحديد المرض بأمور مادية كما تُحَدَّد المسافات الأرضية بالكيلومترات، ممكن مثلاً تقولوا: مثلما عرفنا في خمسين كيلو متر بينها وبين العقبة، لكن كم وكم من أمراض تصيب الشخص الواحد فضلاً عن الناس كلهم، لا يمكن أن يوضع لهم خارطة جريدة، يمكن أن تصنف الأمراض فيقال رقم 3، 2، 1، .. ، 5 .. ، 10 إلى آخره، هذه أمراض تُسَوِّغ لمن أُصِيب بشيء منها أن يُفْطر؛ لأنه يكون مريضاً، والأمراض الأخرى ولو أنها أمراض فمن أصيب بشيء منها لا يسوغ له ولا يجوز أن يفطر في رمضان، لا شيء من هذا أبداً، وكما تعلمون بنفس السياق {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 184] في الأخير يقول ربنا عز
وجل {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} .
فلو أن الله عز وجل حَدَّد مسافة السفر لوقع الناس في حرج، وبخاصة في الأزمنة الأولى؛ حيث لم تكن هناك الأراضي مخططة من مدينة كذا إلى مدينة كذا في كذا كيلومتر، لم يكن هناك شيء إطلاقاً.
فلو أن الله عز وجل حَدَّد مسافة السفر لوقع الناس في حرج ولأصابهم العنت والله عز وجل تفضّل على عباده حيث كان يستطيع أن يحقق مشيئة من مشيآته كما قال عز وجل {وَلَوْ شَاءَ الله لأَعْنَتَكُمْ} لكن هل شاء الله أن يعنتنا؟ لا قال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} .
إذاً: لأن هذا الدين الذي اصطفاه الله عز وجل للعالمين، واصطفى لتبليغه سيد المرسلين، بُنِي على قاعدة «وما جعل عليكم في الدين من حرج» أي ما جعل علينا من عنت.
فلو أنه كلفنا لو أراد خاصة العرب الأولين وبصورة أخص منهم البدو الذين يعيشون في الصحارى وأرض الله واسعة يريد أن ينتقل من مخيم إلى مخيم ومن قبيلة إلى قبيلة، كيف يريد أن يعرف ما هي المسافة بين هذا المكان وهذا المكان؟ لا، لذلك يرجع إلى العرف .. عرف الأقوام الذين يعيشون في الصحراء، عرف هؤلاء الأقوام الذين يعيشون في المدن والقرى، فما حَكَم العرف أن هذه المسافة التي يقطعها هو سفر فهو سفر وما لا فلا، كذلك المرض تماماً؛ من أجل هذا ربطت أنا المسألة مسألة السفر بالمرض؛ لأن الله عز وجل جمع بينهما في الآية السابقة.
وكما قلت آنفاً: إن المرض لا يمكن حَصْرُه بخمسين نوع ولا بمائة نوع هذا من جهة، ومن جهة أخرى: ليس من الممكن أن نحصر قوة النوع الواحد من المرض .. مثلاً واحد عنده سخونة وارتفاع حرارة فهذه درجات، فمن الذي يحكم، وكلما أصاب شخصاً ما مرض ما لازم يجيب الطبيب ويعين وزن هذا المرض، حتى يُسمح له بالإفطار في رمضان؟ هذا تكليف لِعَنَتٍ آخر يتبرأ ديننا وإسلامُنا منه.
إذاً: السفر ما عُرف أنه سفر فهو سفر وإلا فليس بسفر، فالآن كما يقال: أهل مكة أدرى بشعابها وأصحاب الدار أدرى بما فيها، حينما يأتي أحدكم من العقبة إلى هنا، هل تقولون إنه مسافر؟ أنا لا أعرف، لكن إذا كان عُرفكم يقول لمن كان في العقبة أنا مسافر إلى الكويرة، فهو سفر طالت المسافة أو لا، وإذا قال لا أنا رايح على الكويرة لا يستعمل لفظة السفر، فهو ليس سفراً، هذا هو الضابط في الموضوع وإلا وقعتم في إشكالات ما تستطيعون .. ليس أنتم ولا مؤاخذة، ما تستطيعون الجواب عليها، أكبر عالم في الدنيا ما يستطيع أن يُعْطيكم جوابًا إذا ما ربطنا السفر بمسافات كيلومترات؛ لأن بعض البلاد كالصحارى مثلاً صحيح الطرقات العامة الآن مخططة وفي حجارة أو لافتات وما شابه ذلك من مثلاً القرية أو البلدة الفلانية في كذا كيلومتر، لكن لما الإنسان يخرج في الصحراء ويخرج في البادية ما في هذه القياسات إطلاقاً، ماذا يفعل هؤلاء المسلمون الذين يعيشون في مثل هذه الصحارى؟ بل ماذا يفعل المسلمون الذين يعيشون في مجاهيل أفريقيا ماذا يفعلون؟ إذا عرفوا يسر الله في دين الله ظهرت لهم حكمة الله في قوله:«فمن كان منكم مريضاً أو على سفر» أي مطلق السفر مطلق ما يُعرف سفر فهو سفر، مطلق ما يُعرف مرض فهو مرض.
ويعجبني بهذا الصدد أن الإمام القرطبي صاحب التفسير «الجامع لأحكام القرآن» ذكر في تفسير هذه الآية «فمن كان منكم مريضاً أو على سفر» ذكر هنا في لفظة المرض أنه على إطلاقه، وذكر رواية عن محمد بن سيرين رحمه الله، بأنه رُئي يوماً في رمضان وهو مفطر ولا يبدو عليه لا أنه مسافر ولا أنه مريض، فلما أحدهم سأل: ما بالك أنت مفطر؟ فأراه إصبعه .. إصبعه مجروحة ورابطها فهو إذاً مريض.
فإذاً: هو ترخّص برخصة الله عز وجل التي نص عليها في هذه الآية الكريمة، إذاً: محمد بن سيرين وهو من كبار التابعين كما هو معروف، ومن علمائهم وفضلائهم، ومن المكثرين من الرواية عن مُحَدِّث الصحابة أبي هريرة رضي الله عنه يُكثر عنه جداً من الرواية.