الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في غزوة الخندق
وكانت في سنة خمس من الهجرة في شوال على أصح القولين، إذ لا خلاف أن أُحُدًا كانت في شوال سنة ثلاث وواعد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام المقبل ــ وهو سنة أربع ــ، ثم أخلفوه لأجل جدب تلك السنة فرجعوا، فلما كانت سنة خمس جاؤوا لحربه. هذا قول أهل السير والمغازي
(1)
.
وخالفهم موسى بن عقبة وقال: بل كانت سنةَ أربعٍ
(2)
.
قال أبو محمد بن حزم
(3)
: وهذا هو الصحيح الذي لا شك فيه، واحتج عليه بحديث ابن عمر في «الصحيحين»
(4)
أنه عُرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحدٍ
(1)
قال ابن كثير: «نصّ على ذلك ابن إسحاق، وعروة بن الزبير، وقتادة، والبيهقي، وغير واحدٍ من العلماء سلفًا وخلفًا» . وانظر: «سيرة ابن هشام» (2/ 214) و «مغازي الواقدي» (1/ 4).
(2)
أسنده عنه البيهقي في «دلائل النبوة» (3/ 393). وأسند البيهقي ذلك عن عروة وقتادة أيضًا، مع أنهما أنفسهما ذكرا أن الخندق بعد أُحُد بسنتين. وقد جمع البيهقي بين ذلك بقوله:«وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل يوم بدرٍ لسنة ونصف من مقدمه المدينة، ثم قاتل يوم أحد من السنة القابلة لسنتين ونصف من مقدمه المدينة، ثم قاتل يوم الخندق بعد أحد بسنتين على رأس أربع سنين ونصف من مقدمه المدينة، فمن قال: سنة أربع أراد بعد أربع سنين وقبل بلوغ الخمس، ومن قال: سنة خمس أراد بعد الدخول في السنة الخامسة» .
(3)
«جوامع السيرة» (ص 185).
(4)
البخاري (2664) ومسلم (1868).
وهو ابن أربع عشرة سنةً فلم يجزه، ثم عُرِض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنةً فأجازه.
قال: فصح أنه لم يكن بينهما إلا سنة واحدة.
وأجيب عن هذا بجوابين:
أحدهما: أن ابن عمر أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم رده لما استصغره عن القتال، وأجازه لما وصل إلى السن التي رآه فيها مطيقًا، وليس في هذا ما ينفي تجاوزها بسنة أو نحوها.
والثاني: أنه لعله كان يومَ أحد في أول الرابعة عشرة ويومَ الخندق في آخر الخامسة عشرة.
فصل
وكان سبب غزوة الخندق أن اليهود لما رأوا انتصار المشركين على المسلمين يوم أحد، وعلموا بميعاد أبي سفيان لغزو المسلمين، فخرج لذلك ثم رجع إلى العام المقبل= خرج أشرافهم كسلام بن أبي الحُقَيق، وسلام بن مشكم، وكنانة بن الربيع
(1)
وغيرهم إلى قريش بمكة يحرِّضونهم على غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤلِّبونهم عليه، ووعدوهم من أنفسهم بالنصر لهم، فأجابتهم قريش، ثم خرجوا إلى غطفان فدعوهم فاستجابوا لهم، ثم طافوا في قبائل العرب يدعونهم إلى ذلك، فاستجاب لهم من استجاب، فخرجت قريش وقائدهم أبو سفيان في أربعة آلاف ووافتهم بنو سليم بمَرِّ الظهران، وخرجت بنو أسدٍ وفَزارة وأشجع وبنو مرة، وجاءت غطفان وقائدهم عُيَينة بن حصن؛ وكان من وافى الخندق من الكفار عشرةَ آلافٍ.
(1)
ابن أبي الحُقيق، زوج صفية أم المؤمنين قبل إسلامها.
فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسيرهم إليه استشار الصحابة، فأشار عليه سلمان الفارسيُّ بحفر خندقٍ يحول
(1)
بين العدو وبين المدينة
(2)
، فأمر به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فبادر إليه المسلمون وعمل بنفسه فيه، وبادروا هجوم الكفار عليهم. وكان في حفره من آياتِ نبوَّته وأعلام رسالته ما قد تواتر الخبر به.
وكان حفر الخندق أمام سَلْعٍ
(3)
، وجبلُ سلعٍ جبل خلف ظهور المسلمين، والخندق بينهم وبين الكفار.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف من المسلمين فتحصَّن بالجبل
(4)
من خلفه وبالخندق أمامه.
وقال ابن إسحاق: خرج في سبعمائة
(5)
، وهذا غلط من خروجه يومَ أُحُد.
(1)
هنا انتهى السقط في نسخة ق، وقد بدأ (ص 310).
(2)
ذكره أبو معشر نجيح السِّندي ــ كما في «الفتح» (7/ 393) ــ والواقدي في «مغازيه» (2/ 445)، وذكرا أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم:«إنا كنا بفارس إذا حُوصرنا خندقنا علينا» . وقال ابن هشام: يُقال: إن سلمان الفارسي أشار به على النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
جبل صغير معروف بالمدينة شمال غربيِّ المسجد النبوي. وفي سفحه من الجهة الغربية يقع ما يسمى بـ «المساجد السبعة» .
(4)
م، ق، ب، ث:«في الجبل» .
(5)
كذا ذكر المؤلف عنه. والذي ذكره ابن هشام في «سيرته» (2/ 220) عنه أنه قال: «ثلاثة آلاف من المسلمين» . وكذا أسنده عنه البيهقيُّ في «الدلائل» (3/ 428). وأخشى أن يكون «ابن إسحاق» سبق قلم من المؤلف، وإنما أراد «ابن حزم» فإنه هو الذي تفرّد في «سيرته» (ص 186) بذكر «تسعمائة» ، ولعله تصحيف عن سبعمائة، أو ما عند المؤلف تصحيف عن تسعمائة، والله أعلم.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء والذراري فجُعلوا في آطام المدينة، واستخلف عليها
(1)
ابن أم مكتوم.
وانطلق حُيَي بن أخطب إلى بني قريظة فدنا من حِصنهم، فأبى كعبُ بن أسد أن يفتح له، فلم يزل يكلمه حتى فتح له، فلما دخل عليه قال له: لقد جئتك بعز الدهر، جئتك بقريشٍ وغطفان وأسد على قادتها لحرب محمد؛ قال: جئتني والله بذلِّ الدهر وبجَهام
(2)
قد أراق ماءَه فهو يرعُد ويبرُق
(3)
. فلم يزل به حتى نقض العهد الذي بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل مع المشركين في محاربته، فسُرَّ بذلك المشركون، وشرط كعب على حُيَي أنه إن لم يظفروا بمحمدٍ أن يجيءَ حتى يدخل معه في حِصنه فيصيبه ما أصابه، فأجابه إلى ذلك ووفى له به.
وبلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خبرُ بني قريظة ونقضهم العهدَ، فبعث إليهم السَّعدين
(4)
وخَوَّات بن جبير وعبد الله بن رواحة ليعرّفوه: هل هم على عهدهم
(5)
أو قد نقضوه؟ فلما دنوا منهم وجدوهم على أخبث ما يكون، وجاهروهم بالسبِّ والعداوة ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانصرفوا عنهم ولحنوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لحنًا
(6)
يخبرونه أنهم قد نقضوا العهد وغدروا،
(1)
م، ق، ب، ث:«على المدينة» .
(2)
الجَهام: السحاب لا ماء فيه.
(3)
ص، د، ز:«فهو رعدٌ وبرق» .
(4)
أي سعد بن مُعاذ (سيد الأوس) وسعد بن عُبادة (سيد الخزرج).
(5)
ز، ع:«عهده» .
(6)
«لحنا» ليس في ص، د، ز. وإنما لحنوا ولم يصرِّحوا حتى لا يفتُّوا في عضد المسلمين.
فعَظُم ذلك على المسلمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك:«الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين»
(1)
.
واشتد البلاء ونجم النفاق، واستأذن بعضُ بني حارثة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذهاب إلى المدينة وقالوا: بيوتنا عورة {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} [الأحزاب: 13]، وهمَّ بنو سلمة بالفشل ثم ثبت الله الطائفتين
(2)
.
وأقام المشركون محاصِرين رسولَ الله صلى الله عليه وسلم شهرًا، ولم يكن بينهم قتال لأجل ما حال الله به من الخندق بينهم وبين المسلمين، إلا أن فوارسَ من قريشٍ منهم عمرو بن عبد ودٍّ وجماعة معه أقبلوا نحو الخندق، فلما وقفوا عليه قالوا: إن هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها، ثم تيمَّموا مكانًا ضيقًا من الخندق فاقتحموه وجالت بهم خَيلُهم في السبخة بين الخندق وسلع، ودَعَوا إلى البِراز، فانتدب لعمرٍو عليٌّ بن أبي طالب فبارزه، فقتله الله على يديه
(3)
، وكان من شجعان المشركين وأبطالهم، وانهزم الباقون إلى أصحابهم.
وكان شعار المسلمين يومئذ «حم لا ينصرون»
(4)
.
(1)
ذكره ابن إسحاق ــ كما في «سيرة ابن هشام» (2/ 222) و «تفسير الطبري» (19/ 34) و «الدلائل» (3/ 430) ــ ضمن حديث الخندق الذي رواه عن شيوخه من التابعين. وذكره موسى بن عقبة ــ كما في «الدلائل» (3/ 403) ــ بنحوه، وكذا الواقدي في «مغازيه» (2/ 459) عن شيوخه.
(2)
وهذا غير همِّهما بالفشل يوم أُحُد. انظر: «تفسير الطبري» (19/ 46).
(3)
م، ق، ب:«يدي عليٍّ» . ث: «يد عليٍّ» .
(4)
أخرجه أحمد (16615) وأبو داود (2597) والترمذي (1682) والنسائي في «الكبرى» (8810، 10378) وابن أبي شيبة (37954) والحاكم (2/ 107) من حديث المهلّب بن أبي صفرة قال: حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليلة الخندق: «إني لا أرى القوم إلا مبيِّتيكم الليلةَ، فإن شعاركم: حم لا يُنصرون» هذا لفظ النسائي.
ولما طالت هذه الحال على المسلمين أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصالح عُيينة بن حِصن والحارثَ بن عوف رئيسَي غطفان على ثُلُث ثمار المدينة وينصرفا بقومهما، وجرت المراوضة على ذلك فاستشار السَّعدَين في ذلك فقالا: يا رسول الله، إن كان الله أمرك بهذا فسمعًا وطاعةً، وإن كان شيئًا تصنعه لنا فلا حاجة لنا به، لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، وهم لا يطمَعون أن يأكلوا منها ثمرةً إلا قِرًى أو بيعًا، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزَّنا بك نعطيهم أموالنا؟ والله لا نعطيهم إلا السيف! فصوب رأيهما وقال:«إنما هو شيء أصنعه لكم لما رأيتُ العرب قد رمتكم عن قوسٍ واحدة»
(1)
.
ثم إن الله عز وجل ــ وله الحمد ــ صنع أمرًا من عنده خذل به بين
(2)
العدو وهزم جموعهم وفَلَّ حدَّهم، فكان مما هيَّأ مِن ذلك أن رجلًا من غطفان يقال له: نُعَيم بن مسعود بن عامر رضي الله عنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني قد أسلمتُ فمُرْني بما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1)
أسنده ابن إسحاق ــ كما في «سيرة ابن هشام» (2/ 223) و «دلائل النبوة» (3/ 430) ــ عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلًا. وأخرج عبد الرزاق في «مصنفه» (9737) وأبو عبيد في «الأموال» (465) من مرسل الزهري بنحوه. وله شاهد أيضًا من حديث أبي هريرة عند البزار (8017) والطبراني في «الكبير» (6/ 28) وأبي نعيم في «معرفة الصحابة» (3138)، وإسناده لا بأس به في الشواهد.
(2)
«بين» ساقطة من ص، د، ز، ع.
«إنما أنت رجل واحد فخَذِّل عنَّا ما استطعت، فإن الحرب خَدعة»
(1)
، فذهب من فوره ذلك إلى بني قريظة ــ وكان عشيرًا لهم في الجاهلية ــ فدخل عليهم ولا يعلمون بإسلامه فقال: يا بني قريظة إنكم قد حاربتم محمدًا، وإن قريشًا إن أصابوا فرصةً انتهزوها، وإلا انشمروا إلى بلادهم وتركوكم ومحمدًا فانتقم منكم، قالوا: فما العمل يا نُعيم؟ قال: لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن، قالوا: لقد أشرتَ بالرأي. ثم مضى على وجهه إلى قريش فقال لهم: تعلمون ودِّي ونصحي لكم، قالوا: نعم، قال: إن يهود قد ندموا على ما كان منهم مِن نقض عهد محمدٍ وأصحابه، وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه ثم يمالئونه عليكم، فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم.
ثم ذهب إلى غطفان فقال لهم مثل ذلك، فلما كان ليلة السبت من شوال بعثوا إلى اليهود: إنا لسنا بأرض مقامٍ، وقد هلك الكُراع والخفُّ، فانهضوا بنا حتى نناجز محمدًا؛ فأرسل إليهم اليهود
(2)
: أن اليوم يوم السبت، وقد علمتم ما أصاب مَن قبلنا حين أحدثوا فيه، ومع هذا فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن. فلما جاءتهم رسلهم بذلك قالت قريش: صدقكم والله نعيم، فبعثوا إلى يهود: إنا والله لا نرسل إليكم أحدًا فاخرُجوا معنا حتى
(1)
أخرجه ابن إسحاق عن عبد الله بن كعب بن مالك (من كبار التابعين) مرسلًا، كما في «الدلائل» (3/ 445 - 446)، وهو في «سيرة ابن هشام» (2/ 229) دون تعيين إسناد ابن إسحاق في هذه القصة من أحداث الغزوة. وأخرجه موسى بن عقبة في مغازيه ــ كما في «الدلائل» (3/ 405) ــ عن الزهري ضمن قصة نُعيم بن مسعود بلفظ:«إن الحرب خدعة، وعسى الله أن يصنع لنا» . وقوله صلى الله عليه وسلم: «الحرب خدعة» دون ذكر القصة متفق عليه، وقد سبق تخريجه.
(2)
م، ق، ب، ث: «فانهَدُوا بنا إلى محمد حتى نناجزه، فأرسلوا إليهم: أن اليوم
…
».
نناجز محمدًا، فقالت قريظة: صدقكم والله نعيم؛ فتخاذل الفريقان.
وأرسل الله عز وجل على المشركين جندًا من الريح فجعلت تقوِّض خيامهم، ولا تدع لهم قِدرًا إلا أكفأتها، ولا طُنبًا إلا قلعته، ولا تُقِرُّ لهم قرارًا؛ وجُندًا
(1)
من الملائكة يُزلزلون
(2)
بهم، ويُلقون في قلوبهم الرعب والخوف.
وأرسل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان يأتيه بخبرهم، فوجدهم على هذه الحال وقد تهيَّؤوا للرحيل، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلًا فأخبره برحيل القوم، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ردَّ الله عدوَّه بغيظه
(3)
لم ينالوا خيرًا وكفاه الله قتالهم، فصدق وعدَه وأعزَّ جنده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، فدخل المدينة ووضع السلاح، فجاءه جبريل وهو يغتسل في بيت أم سلمة فقال:«أوَضعتم السلاح؟ إن الملائكة لم تضع بعدُ أسلحتها، انهض إلى هؤلاء» يعني بني قريظة
(4)
، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من كان سامعًا مطيعًا فلا يصلينَّ العصر إلا في بني قريظة»
(5)
، فخرج المسلمون سراعًا، فكان من أمره وأمر بني قريظة ما قدَّمناه
(6)
.
واستشهد يومَ الخندق ويوم قريظة نحو عشرة من المسلمين.
فصل
قد قدمنا أن أبا رافع كان ممن ألَّب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم
(1)
معطوف على «جندًا من الريح» . وفي المطبوع: «وجندُ الله» خلافًا للأصول.
(2)
م، ق، ب:«ينزلون» ، تصحيف.
(3)
م، ق، ث، ب:«بغيظهم» ، إلا أن رسمه في الثلاثة الأولى بالضاد.
(4)
أخرجه البخاري (2813، 4117) ومسلم (1769) من حديث عائشة رضي الله عنها بنحوه.
(5)
أخرجه البخاري (946) بنحوه من حديث ابن عمر. وهذا لفظ ابن إسحاق كما في «سيرة ابن هشام» (2/ 234).
(6)
انظر: (ص 153 - 160).
يُقتَل مع بني قريظة كما قُتل صاحبه حُيَي بن أخطب، ورغبت الخزرج في قتله مساواةً للأوس في قتل كعب بن الأشرف، وكان الله سبحانه قد جعل هذين الحيَّين يتصاولان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخيرات، فاستأذنوه في قتله فأذن لهم، فانتدب له رجال كلهم من بني سلمة وهم: عبد الله بن عَتِيك وهو أمير القوم، وعبد الله بن أُنَيس، وأبو قتادة الحارث بن رِبْعي، ومسعود بن سنان، وخزاعي بن أسود، فساروا حتى أتوه في خيبر في دارٍ له فنزلوا عليه ليلًا فقتلوه، ورجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلّهم ادعى قتله فقال:«أروني أسيافكم» ، فلما أَرَوه إياها قال لسيف عبد الله بن أنيس: «هذا قتله، أرى فيه أثر الطعام
(1)
»
(2)
.
فصل
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني لِحيان بعد قريظة بستة أشهر ليغزوهم، فخرج في مِائتي رجل وأظهر أنه يريد الشام، واستخلف على المدينة ابنَ أمِّ مكتوم، ثم أسرع السير حتى انتهى إلى بطن غُرانَ وادٍ من أودية بلادهم ــ وهو بين أَمَجَ
(3)
وعُسفان ــ حيث كان مُصاب أصحابه
(4)
، فترحم عليهم ودعا
(1)
وذلك أن عبد الله بن أنيس كان تحامل عليه بسيفه في بطنه حتى أنفذه.
(2)
هذا السياق للخبر مختصر مما ذكره ابن إسحاق عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك مرسلًا، كما في «سيرة ابن هشام» (2/ 273 - 275). ويخالفه ما عند البخاري (4039) من حديث البراء، ففيه أن أميرهم عبد الله بن عتيك دخل الحصن وقتل أبا رافعٍ وحدَه دون أصحابه.
(3)
«أمج» يُعرف اليوم بـ «خُلَيص» ، وأما «عُسفان» فلا يزال معروفًا بهذا الاسم. انظر:«معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية» لعاتق البلادي (ص 224 - 225).
(4)
أي من أصحاب الرجيع: عاصم بن ثابت وخُبيب بن عدي ومن كان معهما.