المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي سياق مغازيه وبعوثه على وجه الاختصار - زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم - جـ ٣

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فصلفي هديه في الجهاد والغزوات

- ‌فصلفي مبدأ الهجرة التي فرق الله فيها بين أوليائه وأعدائه

- ‌فصلفي بناء المسجد

- ‌فصلفي هديه في الأسارى

- ‌فصلفي هديه فيمن جسَّ عليه

- ‌ أنَّ من أسلم على شيءٍ في يده فهو له

- ‌فصلفي هديه في الأرض المغنومة

- ‌فصلفي ترتيب سياق هديه مع الكفار والمنافقينمن حين بُعث(3)إلى حين لقي الله عز وجل

- ‌فصلفي سياق مغازيه وبعوثه على وجه الاختصار

- ‌فصلفي قتل كعب بن الأشرف

- ‌فصلفي غزوة أحد

- ‌فصلفيما اشتملت عليه هذه الغزاة من الأحكام والفقه

- ‌فصلفي ذكر بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أُحُد

- ‌فصلفي غزوة دُومة الجندل

- ‌ سنة خمس

- ‌فصلفي غزوة المُرَيسِيع

- ‌فصلفي غزوة الخندق

- ‌فصلفي سريّة نجد

- ‌فصلفي غزوة الغابة

- ‌ سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القَصَّة

- ‌ سرية زيد بن حارثة إلى الطَّرَف

- ‌ سريةُ عبد الرحمن بن عوف إلى دُومة الجندل

- ‌فصلفي قصة الحديبية

- ‌فصلفي بعض ما في قصة الحديبية من الفوائد الفقهية

- ‌فصلفي الإشارة إلى بعض الحكم التي تضمنتها هذه الهدنة

- ‌فصلفي غزوة خيبر

- ‌فصلفيما كان في غزوة خيبر من الأحكام الفقهية

- ‌ جواز إجلاء أهل الذمة من دار الإسلام إذا استُغني عنهم

- ‌ جواز عتق الرجل أمتَه وجعلِ عتقها صداقًا لها

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌ سرية أبي بكر الصديق إلى نجد قِبَلَ بني فزارة

- ‌ سرية بَشير بن سعد الأنصاري إلى بني مُرَّة بفَدَكٍ

- ‌فصلفي سرية عبد الله بن حُذافة السَّهمي

- ‌فصلفي عمرة القضية

- ‌فصلفي غزوة مؤتة

- ‌ سنة ثمان

- ‌فصلفي غزوة ذات السُّلاسل

- ‌فصلفي سرية الخَبَط

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌ جواز أكل ميتة البحر

- ‌فصلفي الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحَرَمه الأمينواستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدًى للعالمين من أيدي الكفار والمشركين

- ‌ذكر سرية خالد بن الوليد إلى بني جَذِيمة

- ‌فصلفي الإشارة إلى ما في هذه الغزوة من الفقه واللطائف

- ‌فصلفيما في خطبته العظيمة ثاني يوم الفتح من أنواع العلم

- ‌«إن مكة حرَّمها الله ولم يحرمها الناس»

- ‌«فلا يحل لأحد أن يسفك بها دمًا»

- ‌فصلفي غزاة حنين

- ‌فصلفي الإشارة إلى بعض ما تضمنته هذه الغزوة من المسائل الفقهيةوالنكت الحُكمية

- ‌ جواز انتظار الإمام بقَسْم الغنائمِ إسلامَ الكفار

- ‌فصلفي غزوة الطائف في شوال سنة ثمان

- ‌ سنةُ تسعٍ

- ‌فصلفي السرايا والبعوث في سنة تسع

- ‌ذكر سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم

- ‌فصلذكر سرية قُطبة بن عامر بن حَدِيدة إلى خَثْعَمَ

- ‌فصل(2)ذكر سرية الضحاك بن سفيان الكِلابي إلى بني كلاب

- ‌فصلذِكر سرية علقمة بن مُجَزِّزٍ المُدْلِجي إلى الحبشة

- ‌ذكر سرية علي بن أبي طالب إلى صنم طَيِّئٍ ليهدمه

- ‌ذكر قصة كعب بن زُهَير مع النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي غزوة تبوك

- ‌فصلفي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أُكَيدِرِ دُومةَ

- ‌فصلفي خطبته صلى الله عليه وسلم بتبوك وصلاته

- ‌فصلفي جمعه بين الصلاتين في غزوة تبوك

- ‌فصلفي رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك وما همَّ المنافقون به من الكيد به

- ‌فصلفي أمر مسجد الضِّرار الذي نهى الله رسوله أن يقوم فيه

- ‌فصلفي الإشارة إلى بعض ما تضمنته هذه الغزوة من الفقه والفوائد

- ‌ ما اشتملت عليه قصة الثلاثة الذين خلفوا من الحكم والفوائد الجمة

- ‌فصلفي قدوم وفود العرب وغيرهم على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر وفد بني عامر ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم على عامر بن الطفيل وكفاية الله له(3)شرَّه وشرَّ أَرْبَدَ بن قيسٍ بعد أن عصم منهما نبيه

- ‌فصلفي قدوم وفد عبد القيس

- ‌فصلفي قدوم وفد بني حنيفة

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌فصلفي قدوم وفد طيِّئٍ على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد كِندة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم الأشعريين وأهل اليمن

- ‌فصلفي قدوم وفد الأزد على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد بني الحارث بن كعب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد هَمْدان عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد مُزَينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد دَوسٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بخيبر

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌فصلفي قدوم وفد نجران عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌فصلفي قدوم رسول فروة بن عمرو الجُذامي ملك عربِ الروم

- ‌فصلفي قدوم وفد بني سعد بن بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم طارق بن عبد الله وقومه على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد تُجيب

- ‌فصلفي قدومِ وفد بني سعدِ هُذَيمٍ من قُضاعة

- ‌فصلفي قدوم وفد بني فَزارة

- ‌فصلفي قدوم وفد بني أسد

- ‌فصلفي قدوم وفد بَهْراء

- ‌فصلفي قدوم وفد عُذْرة

- ‌فصلفي قدوم وفد بَلِيٍّ

- ‌فصلفي قدوم وفد ذي مُرَّة

- ‌فصلفي قدوم وفد خَولان

- ‌فصلفي قدوم وفد مُحارب

- ‌فصلفي قدوم وفد صُداءٍ في سنة ثمان

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌فصلفي قدوم وفد غسَّان

- ‌فصلفي قدوم وفد سَلامان

- ‌فصلفي قدوم وفد بني عَبْس

- ‌فصلفي قدوم وفد غامد

- ‌فصلفي قدوم وفد الأزد على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد بني المُنتفِق(1)على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد النَّخَع على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر هديه صلى الله عليه وسلم في مكاتباته إلى الملوك وغيرهم

- ‌فصلفي كتابه إلى الحارث بن أبي شِمر الغَسَّاني

الفصل: ‌فصلفي سياق مغازيه وبعوثه على وجه الاختصار

‌فصل

في سياق مغازيه وبعوثه على وجه الاختصار

(1)

وكان أولُ لواءٍ عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عبد المطلب في شهر رمضان على رأس سبعةِ أشهرٍ من مُهاجَره، وكان لواءً أبيض، وكان حامله أبا مَرْثَدٍ كَنَّاز بن الحُصَين الغَنَوي حليفَ حمزة، وبعثه في ثلاثين رجلًا من المهاجرين خاصةً يعترض عِيرًا لقريش جاءت من الشام، وفيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل، فبلغوا سِيفَ البحر

(2)

من ناحية العِيص

(3)

فالتقوا واصطفوا للقتال، فمشى مَجْديُّ بن عمرٍو الجُهَني ــ وكان حليفًا للفريقين جميعًا ــ بين هؤلاء وهؤلاء حتى حجز بينهم ولم يقتتلوا

(4)

.

فصل

ثم بعث عُبَيدة بن الحارث بن عبد المُطَّلِب

(5)

في سرية إلى بطن رابغٍ

(1)

قد صَدَر المؤلف في الفصول الآتية إلى آخر فصل غزوة العشيراء من «السيرة النبوية» للدمياطي (ق 78 - 79)، وهو قد نقلها من «طبقات ابن سعد» بتصرف يسير.

(2)

أي: ساحله.

(3)

العيص وادٍ لجُهينة في شمال غرب المدينة، وهو اليوم محافظة تابعة لمنطقة المدينة المنورة، وفيها عدّة قرى.

(4)

«طبقات ابن سعد» (2/ 6) من رواية موسى بن عقبة وابن إسحاق والواقدي؛ دخل حديث بعضهم في بعض. وانظر: «سيرة ابن هشام» (1/ 595) و «مغازي الواقدي» (1/ 9) و «الدلائل» للبيهقي (3/ 8 - 10).

(5)

كذا في الأصول، وهو وهمٌ، والصواب:«بن المطلب» أي: ابن عبد مناف، فهو في طبقة والد النبي صلى الله عليه وسلم من حيث النسب، وكان أسنَّ من النبي صلى الله عليه وسلم. انظر:«السير» (1/ 256) و «الإصابة» (7/ 55).

ص: 190

في شوال على رأس ثمانية أشهر من الهجرة، وعقد له لواءً أبيض، وحمله مِسْطَح بن أُثاثة بن المطلب بن عبد مَناف

(1)

، وكانوا في ستِّين

(2)

من المهاجرين ليس فيهم أنصاري؛ فلقي أبا سفيان بن حرب ــ وهو في مائتين ــ على بطن رابغٍ على عشرة أميال من الجحفة فكان بينهم الرمي، ولم يَسُلُّوا السيوفَ ولم يصطفُّوا للقتال وإنما كانت مناوشةً، وكان سعد بن أبي وقاص فيهم وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، ثم انصرف الفريقان على حاميتهم

(3)

.

قال ابن إسحاق: وكان على القوم عكرمة بن أبي جهل، وقدَّم سرية عبيدة على سرية حمزة.

فصل

ثم بعث سعد بن أبي وقاص إلى الخَرَّار

(4)

في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر، وعقد له لواءً أبيض وحمله المقدادُ بن عمرو، وكانوا عشرين

(1)

كذا سياق النسب في الأصول تبعًا لـ «سيرة الدمياطي» و «طبقات ابن سعد» ، وهو صحيح إلا أن أثاثة نُسب فيه إلى جدّه المطلب، فهو أثاثة بن عبَّاد بن المطلب. انظر:«الإصابة» (10/ 139).

(2)

م، ق، ب:«وكانوا ستِّين» .

(3)

«طبقات ابن سعد» (2/ 6). وانظر خبر السريّة عند عروة بن الزبير (من رواية أبي الأسود عنه) وموسى بن عقبة كما في «الدلائل» (3/ 9)، وعند ابن إسحاق كما في «سيرة ابن هشام» (1/ 591 - 592)، وعند الواقدي في «مغازيه» (1/ 10).

(4)

هو وادي الجُحفة وغَدِير خمٍّ، يقع شرق رابغٍ على قرابة (25) كيلًا. انظر:«معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية» للبلادي (ص 112).

ص: 191

راكبًا

(1)

يعترضون عِيرًا لقريش، وعهد إليه أن لا يجاوز الخرَّار، فخرجوا على أقدامهم فكانوا يكمنون بالنهار ويسيرون بالليل، حتى صَبَّحوا المكانَ صبيحةَ خمسٍ فوجدوا العِيرَ قد مرَّت بالأمس، والله أعلم

(2)

.

فصل

ثم غزا بنفسه غزوة الأبواء، ويقال لها: وَدَّان

(3)

، وهي أول غزوة غزاها بنفسه. وكانت في صفرٍ على رأس اثني عشر شهرًا من مهاجَره، وحمل لواءَه حمزةُ بن عبد المطلب ــ وكان أبيض ــ، واستخلف على المدينة سعدَ بن عبادة، وخرج في المهاجرين خاصةً يعترض عِيرًا لقريش، فلم يلق كيدًا.

وفي هذه الغزوة وادَعَ مَخْشيَّ بن عمروٍ الضَمْري ــ وكان سيد بني ضَمْرة في زمانه ــ على أن لا يغزو بني ضَمْرة، ولا يغزوه ولا يُكثِّروا عليه جمعًا ولا يعينوا عليه عدوًّا، وكتب بينه وبينهم كتابًا. وكانت غيبته خمس عشرة ليلةً

(4)

.

(1)

هامش ز: «راجلًا» ، وهو يُناسب قوله الآتي:«فخرجوا على أقدامهم» . وعند ابن سعد والدمياطي: «في عشرين رجلًا» .

(2)

«طبقات ابن سعد» (2/ 7). وانظر: «سيرة ابن هشام» (1/ 600) و «مغازي الواقدي» (1/ 11).

(3)

وذلك لتقاربهما، ذكر ابن سعدٍ أن بينهما ستة أميال، وذكر عاتق البلادي في «معالم السيرة» (ص 14، 332) أن وادي الأبواء (ويسمّى اليوم: وادي الخُرَيبة) إذا انحدر إلى البحر فأنقاض ودّان (وقد اندثرت من زمن بعيد) على يساره.

(4)

«طبقات ابن سعد» (2/ 7). وانظر: مغازي ابن إسحاق عند ابن هشام (1/ 591) والبيهقي في «الدلائل» (3/ 10)، و «مغازي الواقدي» (1/ 11 - 12).

ص: 192

فصل

ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بُواطَ في شهر ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرًا من مُهاجَره، وحمل لواءَه سعدُ بن أبي وقاص ــ وكان أبيض ــ، واستخلف على المدينة سعدَ بن معاذ، وخرج في مائتين من أصحابه يعترض

(1)

عيرًا لقريش فيها أمية بن خلف الجمحي ومائة رجل من قريش وألفان وخمسمائة بعير، فبلغ بواطًا

(2)

ــ وهما جبلان فرعان أصلهما واحد من جبال جُهَينة مما يلي طريق الشام، وبين بواط والمدينة نحو أربعة بُرُد

(3)

ــ فلم يلق كيدًا فرجع

(4)

.

فصل

ثم خرج على رأس ثلاثة عشر شهرًا من مُهاجَره لطلب كُرْز بن جابر الفِهْري، وحمل لواءَه علي بن أبي طالب ــ وكان أبيض ــ، واستخلف على المدينة زيدَ بن حارثة. وكان كرز قد أغار على سرح المدينة فاستاقه، وكان يرعى بالحِمى

(5)

، فطلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ واديًا يقال له: سَفْوان من

(1)

ص، د:«معترضًا» .

(2)

كذا في الأصول مصروفًا تبعًا لكتاب الدمياطي، وقد سبق في أول الفصل غيرَ منصرف.

(3)

أي ثمانية وأربعين ميلًا (قرابة 80 كيلًا) غرب المدينة. انظر: «معجم معالم الحجاز» للبلادي (ص 236).

(4)

«طبقات ابن سعد» (2/ 8). وانظر: «سيرة ابن هشام» (1/ 598) و «مغازي الواقدي» (1/ 12).

(5)

أي كان السَّرْح ــ وهو النَّعَم ــ يرعى بالحِمى حين أغار عليه كرز. وقوله: «بالحمى» هكذا في «السيرة» للدمياطي (ق 79). وفي «طبقات ابن سعد» : «بالجَمَّاء» وفسَّره بأنه جبل ناحية العقيق إلى الجُرف.

ص: 193

ناحية بدر

(1)

، وفاته كرز فلم يلحقه

(2)

، فرجع إلى المدينة

(3)

.

فصل

ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جُمادى الآخرة على رأس ستة عشر شهرًا، وحمل لواءه حمزةُ بن عبد المطلب ــ وكان أبيض ــ، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وخرج في خمسين ومائة ــ ويقال: في مائتين ــ من المهاجرين، ولم يُكره أحدًا على الخروج، وخرجوا على ثلاثين بعيرًا يَعتَقِبونها يعترضون عِيرًا لقريش ذاهبةً إلى الشام، وكان قد جاءه الخبرُ بفصولها

(4)

من مكة فيها أموال قريشٍ

(5)

، فبلغ ذا العُشَيرة ــ وقيل: العُشَيراء بالمد، وقيل: العسيرة بالمهملة، وهي بناحية يَنبُعَ

(6)

، وبين ينبع والمدينة تسعة بُرُد ــ فوجد العير قد فاتته بأيام. وهذه هي العير التي خرج في طلبها حين رجعت من الشام، وهي التي وعده الله إياها أو المقاتلةَ وذاتَ الشوكة، ووفى له بوعده.

(1)

ولذا يقال لها: غزوة بدرٍ الأولى.

(2)

ثم أسلم بعدُ وحسن إسلامه، وولَّاه النبي صلى الله عليه وسلم على السرية التي أرسل إلى العرنيين الذين قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما سيأتي (ص 336).

(3)

«طبقات ابن سعد» (2/ 8). وانظر: «سيرة ابن هشام» (1/ 601) و «مغازي الواقدي» (1/ 12).

(4)

أي بخروجها، ومنه قوله تعالى:{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} .

(5)

م، ق، ب:«وفيها أموالٌ لقريش» ، والمثبت موافق لـ «سيرة الدمياطي» .

(6)

أي: ينبع النخل، فهو المراد إذا ذُكر في كتب السيرة لا ينبع البحر.

ص: 194

وفي هذه الغزوة وادَعَ بني مُدْلِجٍ وحلفاءَهم من بني ضَمْرة

(1)

.

قال عبد المؤمن بن خَلَفٍ الحافظ

(2)

: وفي هذه الغزوة كَنَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا أبا تراب.

وليس كما قاله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كَنَاه أبا تراب بعد نكاحه فاطمة، وكان نكاحُها بعد بدرٍ، فإنه لما دخل عليها وقال:«أين ابنُ عمِّكِ؟» قالت: خرج مغاضبًا، فجاء إلى المسجد فوجده مضطجعًا فيه وقد لصق به التراب، فجعل ينفضه عنه ويقول:«اجلس أبا تراب، اجلس أبا تراب»

(3)

، وهو أول يوم كُنِي فيه أبا تراب.

فصل

ثم بعث عبدَ الله بن جَحش الأسدي إلى نخلةَ

(4)

في رجبٍ على رأسِ سبعةَ عشرَ شهرًا من الهجرة، في اثني عشر رجلًا من المهاجرين، كل اثنين يَعتَقِبان على بعير، فوصلوا إلى بطنِ نخلةَ يرصدون عِيرًا لقريش.

(1)

«طبقات ابن سعد» (2/ 9). وانظر: «سيرة ابن هشام» (1/ 598) و «مغازي الواقدي» (1/ 12).

(2)

الدمياطي في كتابه «السيرة النبوية» (ق 79 - نسخة شستربيتي)، وهو صادر عن «طبقات ابن سعد» . وقد أسند ذلك ابن إسحاق ــ كما في «سيرة ابن هشام» و «مسند أحمد» (18321) ــ عن عمار بن ياسر بسند ضعيف. انظر حاشية محققي «المسند» طبعة الرسالة.

(3)

أخرجه البخاري (441، 3703، 6204، 6280) ومسلم (2409) من حديث سهل بن سعد.

(4)

وهي اليمانية، وادٍ على الطريق بين مكة والطائف. وقد سبق التعريف بها.

ص: 195

وفي هذه السرية سُمِّي عبدُ الله بن جحشٍ أميرَ المؤمنين

(1)

.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب له كتابًا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظرَ فيه

(2)

، ولمَّا فتح الكتاب وجد فيه:«إذا نظرتَ في كتابي هذا فامضِ حتى تنزل نخلةَ بين مكة والطائف فترصُدَ بها قريشًا وتعلمَ لنا من أخبارهم» ، فقال: سمعًا وطاعةً، وأخبر أصحابه بذلك وبأنه لا يستكرههم، فمن أحبَّ الشهادة فلينهض ومن كره الموتَ فليرجع، وأمَّا أنا فناهض، فمضَوا

(3)

كلُّهم.

فلما كان في أثناء الطريق أضلَّ سعدُ بن أبي وقاص وعتبةُ بن غزوان بعيرًا لهما كانا يعتقبانه، فتخلَّفا في طلبه، وبَعُد عبدُ الله بن جحش حتى نزل بنخلةَ، فمرت به عِيرٌ لقريش تحمل زبيبًا وأدمًا وتجارةً، فيها عمرو بن الحضرمي، وعثمان ونوفل ابنا عبد الله بن المغيرة، والحكم بن كيسان مولى

(1)

ذكره ابن سعد في «الطبقات» (2/ 10، 3/ 85). وفي «مصنف ابن أبي شيبة» (37806) عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: «كان عبد الله بن جحش أول أميرٍ في الإسلام» . وفي «مستدرك الحاكم» (3/ 200) عن ابن مسعود أنه قال: «أول راية عقدت في الإسلام لعبد الله بن جحش» . وفي إسنادهما لين.

(2)

خبر هذا الكتاب علّقه البخاري مجزومًا به في كتاب العلم، باب ما يُذكر في المُناولة وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان، فقال:«واحتج بعضُ أهل الحجاز في المناولة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث كتب لأمير السرية كتابًا وقال: لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا، فلمّا بلغ ذلك المكان قرأة على الناس وأخبر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم» . قال الحافظ: هو صحيح بمجموع طرقه. انظر: «فتح الباري» (1/ 155) و «تغليق التعليق» (2/ 75).

(3)

ن، هامش ز مصحّحًا عليه:«فنهضوا» . والمثبت موافق لـ «جوامع السيرة» لابن حزم (ص 105) والظاهر أن المؤلف صادر عنه.

ص: 196

بني المغيرة؛ فتشاور المسلمون وقالوا: نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام، فإن قاتلناهم انتهكنا الشهرَ الحرام، وإن تركناهم الليلة دخلوا الحَرَم ثم أجمعوا على ملاقاتهم فرمى أحدُهم عمرَو بن الحضرمي فقتله، وأسروا عثمان والحكم، وأفلت نوفلٌ.

ثم قدموا بالعِير والأسيرَين قد عزلوا من ذلك الخُمس، وهو أولُ خُمسٍ كان في الإسلام

(1)

، وأول قتيل في الإسلام، وأول أسيرين في الإسلام، وأنكر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليهم ما فعلوه، واشتدَّ تعنُّت

(2)

قريش وإنكارُهم ذلك، وزعموا أنهم وجدوا مقالًا فقالوا: قد أحلَّ محمدٌ الشهرَ الحرام، واشتد على المسلمين ذلك، حتى أنزل الله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217]

(3)

.

يقول سبحانه: هذا الذي أنكرتموه عليهم وإن كان كبيرًا؛ فما ارتكبتموه أنتم من الكفر بالله، والصدِّ عن سبيله وعن بيته، وإخراجِ المسلمين الذين هم

(1)

سياق م، ق، ب، ث:«وهو كان أولَ خمس في الإسلام» .

(2)

ص، ز، د:«تعتُّب» .

(3)

خبر السرية أسنده ابن إسحاق ــ ومن طريقه ابن هشام (1/ 601 - 605) والطبري في «تفسيره» (3/ 650 - 653) ــ عن يزيد بن رومان والزهري، كلاهما عن عروة بن الزبير مرسلًا. وأخرجه البيهقي في «الدلائل» (3/ 17) من طريق آخر عن الزهري عن عروة. وله شاهد عند الطبري (3/ 654) من رواية السُّدِّي عن أشياخه. وله شاهد آخر مختصر من حديث جندب بن عبد الله البجلي عند النسائي في «الكبرى» (8752) وأبي يعلى (1534) والطبراني في «الكبير» (2/ 162) بإسناد حسن، وفيه أنهم لم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو آخر يوم من جُمادى.

ص: 197

أهلُه منه، والشركِ الذي أنتم عليه، والفتنةِ التي حصلت منكم به= أكبرُ عند الله من قتالهم في الشهر الحرام. وأكثر السلف فسروا الفتنة هاهنا بالشرك

(1)

، كقوله تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193]. ويدلُّ عليه قوله: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]، أي: لم يكن مآلُ شركهم وعاقبتُه وآخرُ أمرهم إلا أن تبرؤوا منه وأنكروه. وحقيقتها: أنها الشرك الذي يدعو صاحبُه إليه ويقاتِلُ عليه ويعاقبُ من لم يفتتن به، ولهذا يقال لهم وقت عذابهم بالنار وفتنتهم بها:{ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} [الذاريات: 14]، قال ابن عباس: تكذيبكم

(2)

؛ وحقيقته: ذوقوا نهاية فتنتكم وغايتَها ومصيرَ أمرِها، كقوله:{ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} [الزمر: 24]، وكما فَتَنوا عباده على الشرك فُتِنوا على النار وقيل لهم: ذوقوا فتنتكم.

ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} [البروج: 10]، فُسِّرت الفتنةُ هاهنا بتعذيبهم المؤمنين وإحراقِهم إياهم بالنار، واللفظ أعمُّ مِن ذلك، وحقيقته: عَذَّبوا المؤمنين ليفتتنوا عن دينهم؛ فهذه الفتنة المضافة إلى المشركين.

وأما الفتنة التي يضيفها سبحانه إلى نفسه، أو يضيفُها رسوله إليه، كقوله:{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [الأنعام: 53]، وقولِ موسى:{إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [الأعراف: 155] = فتلك بمعنًى آخر،

(1)

كذا فسَّره جندب والسُّدِّي في حديثيهما، وبه فسَّره أيضًا ابن عبّاس وأبو مالك غزوان الغفاري. انظر:«تفسير الطبري» (3/ 657 - 658).

(2)

أسنده الطبري (22/ 405) من طريق العَوفيين عنه.

ص: 198

وهي بمعنى الامتحان والاختبار والابتلاء من الله لعباده بالخير والشر بالنِّعَم والمصائب؛ فهذه لون، وفتنة المشركين لون، وفتنة المؤمن في ماله وولده وجاره لونٌ آخر.

والفتنة التي يوقعها بين أهل الإسلام، كالفتنة التي أوقعها بين أصحاب عليٍّ ومعاويةَ، وبين أهل الجمل وصِفِّين، وبين المسلمين حتى يتقاتلوا ويتهاجروا

(1)

= لون آخر، وهي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم:«ستكون فتنة: القاعدُ فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي»

(2)

. وأحاديث الفتنة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها باعتزال الطائفتين هي هذه الفتنة.

وقد تأتي الفتنة مرادًا بها المعصية، كقوله تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي} ، يقوله الجَدُّ بن قَيس لمَّا ندبه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، يقول: ايذن لي في القعود ولا تفتنِّي بتعرُّضي لبنات الأصفر، فإني لا أصبر عنهن

(3)

، قال تعالى:{أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: 49]، أي: وقعوا في فتنة النفاق وفرُّوا إليها من فتنة بنات الأصفر.

والمقصود: أن الله سبحانه حكم بين أوليائه وأعدائه بالعدل والإنصاف، ولم يُبَرِّئ أولياءَه من ارتكاب الإثم بالقتال في الشهر الحرام، بل أخبر أنه كبير وأنَّ ما عليه أعداؤُه المشركون أكبرُ وأعظمُ من مجرَّدِ القتال في الشهر

(1)

ص، د:«أو يتهاجروا» . ع: «تقاتلوا وتهاجروا» .

(2)

أخرجه البخاري (3601) ومسلم (2886) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

انظر: «تفسير الطبري» (11/ 491 - 493). وقال ابن عبد البر: وقد قيل إنه تاب فحسنت توبته، والله أعلم. «الاستيعاب (1/ 267).

ص: 199

الحرام، فهم أحقُّ بالذمِّ والعيبِ والعقوبة، لا سيما وأولياؤه كانوا متأوِّلين في قتالهم ذلك أو مُقصِّرين نوعَ تقصيرٍ يغفره الله لهم في جنب ما فعلوه من التوحيد والطاعات والهجرةِ مع رسوله وإيثارِ ما عند الله، فهم كما قيل:

وإذا الحبيبُ أتى بذنبٍ واحدٍ

جاءت محاسنه بألف شفيع

فكيف يُقاس ببغيضٍ عدوٍّ جاء بكل قبيح، ولم يأتِ بشفيع واحد من المحاسن!

فصل

فلما كان في شعبان من هذه السنة حُوِّلت القبلة، وقد تقدم ذكر ذلك

(1)

.

فصل

فلما كان في رمضان من هذه السنة بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر العِير المُقبلةِ من الشام لقريش صحبةَ أبي سفيان، وهي العير التي خرجوا في طلبها لما خرجت من مكة، وكانوا نحو أربعين رجلًا، وفيها أموال عظيمة لقريش، فندب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الناس للخروج إليها، وأمر من كان ظهره حاضرًا بالنهوض، ولم يحتفل لها احتفالًا بليغًا، لأنه خرج مسرعًا في ثلاثمائة وبضعةَ عشرَ رجلًا. ولم يكن معهم من الخيل إلا فَرَسان: فرس للزبير بن العوام وفرس للمقداد بن الأسود الكندي

(2)

.

(1)

(ص 80).

(2)

ذِكر الفرسَين روي من حديث علي عند الحاكم (2/ 105، 3/ 20) والبيهقي في «الدلائل» (3/ 39) بإسناد لا بأس به. وروي عنه من وجهٍ آخر أنه قال: «ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد» . أخرجه أحمد (1023) وابن خزيمة (899) وابن حبان (2257) بإسناد جيِّد. والأول يؤيده ما ذكره أهل المغازي بأسانيدهم. انظر: «مغازي الواقدي» (1/ 27) و «طبقات ابن سعد» (2/ 21).

ص: 200

وكان معهم سبعون بعيرًا يَعْتَقِب الرجلان والثلاثة على البعير الواحد، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليٌّ ومَرْثَد بن أبي مرثدٍ الغَنَوي يعتقبون بعيرًا

(1)

، وزيد بن حارثة وأَنَسة

(2)

و [أبو]

(3)

كبشة موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقبون بعيرًا

(4)

، وأبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيرًا.

واستخلف على المدينة وعلى الصلاة ابنَ أُمِّ مكتوم، فلما كان بالرَّوحاء ردَّ أبا لبابة بن عبد المنذر واستعمله على المدينة.

ودفع اللواءَ إلى مصعبِ بن عُمَير، والرايةَ الواحدة إلى علي بن أبي طالب، والأخرى التي للأنصار إلى سعد بن معاذ، وجعل على الساقةِ قيسَ بن أبي صَعْصَعة. وسار، فلما قَرُب من الصفراء بعث بَسْبَس بن عمروٍ

(1)

كذا قال ابن إسحاق كما في «سيرة ابن هشام» (1/ 613). ولكن أخرج أحمد (3901) وابن حبان (4733) والحاكم (2/ 91) عن ابن مسعود أن زميلَي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانا عليًّا وأبا لبابة. قال ابن كثير: ولعل هذا كان قبل أن يردَّ أبا لبابة [كما سيأتي] من الرَّوحاء، ثم كان زميلاه عليًّا ومرثدًا بدل أبي لبابة. «البداية والنهاية» (5/ 66).

(2)

في الأصول والنسخ المطبوعة: «وابنه» ، ولعله تصحيف من النساخ، فإن ابنه أسامةَ كان في العاشرة من عمره فلا يُمكن أن يكون خرج للغزو، كيف وقد استُصغر ابن عمر والبراء فلم يؤذَن لهما بالخروج وهما أكبر منه؟! ولا عدَّه أحد من أصحاب المغازي في البدريين. والمثبت هو الذي في كتب السير والمغازي. انظر:«سيرة ابن هشام» (1/ 612) و «مغازي الواقدي» (1/ 24) و «جوامع السيرة» (ص 108) و «الإصابة» (1/ 267).

(3)

ساقط من الأصول والمطبوع، واستدركته من كتب المغازي والتراجم.

(4)

ذكر ابن إسحاق والواقدي معهم رابعًا: حمزة بن عبد المطلب.

ص: 201

الجهني وعَدِيَّ بن الزَّغْباء

(1)

إلى بدرٍ يتجسَّسان أخبار العِير.

وأما أبو سفيان فإنه بلغه مخرجُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَصْدُه إياه، فاستأجر ضَمْضَم بن عمرٍو الغِفاري إلى مكة مستصرخًا لقريش بالنَّفِير إلى عِيرهم ليمنعوه من محمد وأصحابه، وبلغ الصريخ أهلَ

(2)

مكة فنهضوا مُسرِعين، وأَوعبوا في الخروج ولم يتخلَّف من أشرافهم أحدٌ سوى أبي لهب فإنه عوَّض عنه رجلًا كان له عليه دَين، وحشدوا فيمن حولَهم من قبائل العرب، ولم يتخلَّف عنهم أحدٌ من بطون قريشٍ إلا بني عدي فلم يخرج معهم منهم أحد، وخرجوا من ديارهم كما قال تعالى:{بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: 47]، وأقبلوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بحَدِّهم وحديدهم تُحادُّه وتحادُّ رسولَه

(3)

، وجاؤوا على حَرْدٍ قادرين، وعلى حميَّةٍ وغضب وحَنَقٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لِما يريدون مِن أخذِ عيرهم وقتلِ مَن فيها، وقد أصابوا بِالأَمسِ عمرَو بن الحضرمي والعِيرَ التي كانت معه؛ فجمعهم الله على غير ميعادٍ كما قال تعالى:{وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ} [الأنفال: 42].

ولمَّا بلغ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خروجَ قريشٍ استشار أصحابه، فتكلم المهاجرون فأحسنوا، ثم استشارهم ثانيًا فتكلم المهاجرون فأحسنوا، ثم

(1)

ث: «عدي بن أبي الزغباء» ، وهو الأشهر في نسبه كما في عامّة كتب المغازي. وانظر:«الاستيعاب» (3/ 1059).

(2)

ث، ز، ع:«إلى» . والمثبت في هامش ز مصححًا عليه.

(3)

يشير إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: «اللهم هذه قريش قد جاءت بخُيلائها وفخرها تحادُّك وتكذّب رسولك

»، وسيأتي.

ص: 202

استشارهم ثالثًا ففهمت الأنصار أنه يَعْنِيهم فبادر سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله! كأنك تُعرِّض بنا؟ وكان إنما يَعنيهم لأنهم بايعوه على أن يمنعوه من الأحمر والأسود في ديارهم، فلما عزم على الخروج استشارهم ليعلم ما عندهم، فقال له سعد: لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى عليها

(1)

أن لا ينصروك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم: فاظعَنْ حيث شئتَ، وصِلْ حبلَ من شئتَ، واقطَعْ حبلَ من شئتَ، وخُذْ من أموالنا ما شئتَ، وأعطِنا ما شئت، وما أخذتَ منا كان أحبَّ إلينا مما تركت، وما أمرتَ فيه من أمرٍ فأمرُنا تبعٌ لأمرك، فواللهِ لئن سِرْتَ حتى تبلغ البَرْكَ من غُمْدَان

(2)

لنَسِيرَنَّ معك، وواللهِ لئن استعرضتَ بنا هذا البحرَ خُضناه معك

(3)

!

(1)

سياقه في د: «أن لا تكون الأنصار ترى حقًّا عليها» . كذا كان في ص ثم أصلحه.

(2)

«البَرك من غُمدان» هكذا سمَّاه الأموي في «مغازيه» كما في «البداية والنهاية» (5/ 74)، وسمَّاه موسى بن عقبة:«البَرك من غِمدِ ذي يَمَن» ، والذي في عامّة كتب الحديث والسيرة:«بَرْك الغِماد» وهو موضع على الساحل جنوب مكة، وهو الذي بلغه أبو بكر عندما خرج مهاجرًا إلى الحبشة فلقيه فيه ابنُ الدَّغِنَة فأمره أن يرجع إلى مكة آمنًا في جواره، كما في «صحيح البخاري» (2297)، وهو اليوم بلدة معروفة بـ «البِرْك» على الساحل على قرابة (500) كيلًا جنوب مكة.

وأما «غُمْدَان» فقصر مَشيد مشهور كان بصنعاء اليمن، هُدِم في أيام عثمان رضي الله عنه. انظر:«معجم البلدان» (4/ 210).

(3)

كلمة سعد بن معاذ ذكرها موسى بن عقبة في مغازيه ــ كما في «الدلائل» للبيهقي (3/ 107) ــ بنحوها. وأسندها ابن إسحاق ــ ومن طريقه ابن هشام (1/ 615) والطبري في «تفسيره» (11/ 41 - 43) ــ بنحوها ضمن حديث طويل في أحداث الغزوة رواه من عدّة طرقٍ فجمع حديثهم في سياق واحد، وليس فيها ذكر «برك الغماد» ، وإنما ورد ذكرُها عند ابن إسحاق في كلمة مقداد الآتية. وأخرجها مسلم (1779) بنحوها من حديث أنس ولكنه جعل المتكلم سعدَ بن عُبادة، وفيه نظر لأنه لم يشهد بدرًا. انظر:«الفتح» (7/ 288).

ص: 203

وقال له المقداد: لا نقول لك كما قال قومُ موسى لموسى: {اذْهَبْ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا} [المائدة: 24]، ولكنَّا نقاتل عن يمينك وعن شمالك، ومِن بين يديك ومن خلفك

(1)

.

فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسُرَّ بما سمع من أصحابه، وقال:«سيروا وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، وإني قد رأيتُ مصارعَ القوم»

(2)

.

فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدرٍ، وخَفَض أبو سفيان فلحق بساحل البحر، ولمّا رأى أنه قد نجا وأحرز العيرَ كتب إلى قريش أن ارجِعُوا، فإنكم إنما خرجتم لتُحرِزوا عيرَكم؛ فأتاهم الخبرُ وهم بالجُحفة فهمُّوا بالرجوع، فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نَقْدَم بدرًا فنقيمَ بها ونُطعمَ من حضرنا من العرب، وتخافنا العرب بعد ذلك. وأشار الأخنس بن شُرَيق عليهم بالرجوع فعصوه، فرجع هو وبنو زُهرة، فلم يشهد بدرًا زُهريٌّ، فاغتبطت بنو زهرة بعدُ برأي الأخنس، فلم يزل فيهم مُطاعًا معظمًا. وأرادت بنو هاشم الرجوع فاشتدَّ عليهم أبو جهل وقال: لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع.

(1)

كلمة المقداد أخرجها البخاري (3952، 4609) من حديث ابن مسعود، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سُرَّ بذلك وأشرق وجهُه.

(2)

ذكره ابن إسحاق ــ كما عند ابن هشام (1/ 615) ــ والواقدي (1/ 49) وابن سعد (2/ 13) بنحوه. وقد ثبت من غير وجهٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم أُري مصارعَ القوم فأرى الصحابة إيَّاها، وسيأتي تخريجها قريبًا.

ص: 204

وساروا، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل عشيًّا

(1)

أدنى ماءٍ من مياه بدر، فقال:«أشيروا عليَّ في المنزل» ، فقال الحُباب بن المُنذِر: يا رسول الله، أنا عالم بها وبقُلُبها، إن رأيتَ أن نسير إلى قُلُبٍ قد عرفناها فهي كثيرةُ الماء عَذْبة فننزلَ عليها ونسبقَ القوم إليها، ونُغوِّر ما سواها من المياه

(2)

.

وسار المشركون سراعًا يريدون الماء، وبعث عليًّا وسعدًا والزبير إلى بدر يلتمسون الخبر، فقَدِموا بعَبدين لقريشٍ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي فسألهما أصحابُه: من

(3)

أنتما؟ قالا: نحن سُقاة لقريشٍ، فكره ذلك أصحابه ووَدُّوا لو كانا لعيرِ أبي سفيان، فلما سلَّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال لهما:«أخبِراني أين قريش؟» قالا: وراء هذا الكثيب، فقال:«كم القوم؟» فقالا: لا علم لنا، فقال:«كم ينحرون كلَّ يوم؟» فقالا: يومًا عشرًا ويومًا تسعًا، فقال صلى الله عليه وسلم

(4)

: «القوم ما بين التسعمائة إلى الألف»

(5)

.

(1)

م، ق، ب، هامش ز:«عِشاءً» .

(2)

خبر استشارة النبي صلى الله عليه وسلم ذكره موسى بن عُقبة كما في «الدلائل» للبيهقي (3/ 110). وأخرج ابن سعد (3/ 525) وأبو داود في «المراسيل» (318) نحوه من مرسل يحيى بن سعيد الأنصاري بإسناد صحيح إليه.

وفي سياق الخبر عند ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا نزل بأدنى ماءٍ من بدر قال الحُباب: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدّمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال:«بل هو الرأي والحرب والمكيدة» ، فقال الحباب:(فذكر بنحوه). وجمع الواقدي في «مغازيه» (1/ 53) بينهما ــ استشارة النبي صلى الله عليه وسلم فسؤال الحباب إياه ــ في سياق واحد.

(3)

ز، ن:«لمن» .

(4)

د، ن، المطبوع:«رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

(5)

ذكره ابن إسحاق ــ كما في «سيرة ابن هشام» (1/ 617) ــ والواقدي في «مغازيه» (1/ 53) وابن سعد (2/ 14). وله شاهد من حديث علي بلفظ: «القوم ألفٌ؛ كلُّ جَزورٍ لِمائةٍ وتبعِها» . أخرجه أحمد (948) وابن أبي شيبة (37834) بإسناد جيّد.

ص: 205

وأنزل الله عز وجل في تلك الليلة مطرًا واحدًا، فكان على المشركين وابلًا شديدًا منعهم من التقدُّم، وكان على المسلمين طلًّا طهَّرهم به وأذهب عنهم رجزَ

(1)

الشيطان، ووطَّأَ به الأرضَ وصلَّب الرمل وثبَّت الأقدامَ، ومهَّد به المنزل، وربط به على قلوبهم؛ فسبق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى الماء، فنزلوا عليه شطرَ الليل وصنعوا الحياض، ثم غوَّروا ما عداها من المياه، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على الحياض.

وبُني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشٌ يكون فيها على تَلٍّ يُشرف على المعركة. ومشى في موضع المعركة وجعل يشير بيده: «هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان إن شاء الله» ، فما تعدَّى أحدٌ منهم موضعَ إشارته

(2)

.

فلما طلع المشركون وتراءى الجمعان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم هذه قريش جاءت بخُيلائها وفخرها، جاءت تحادُّك وتكذِّبُ رسولَك» ، وقام ورفع يديه واستنصر ربَّه وقال: «اللهم أنجِزْ لي ما وعدتَني، اللهم إني

(3)

أنشدك عهدَك ووعدَك»، فالتزمه الصدِّيق من ورائِه وقال: يا رسول الله، أبشِرْ فوالذي نفسي بيده ليُنْجِزَنَّ اللهُ لك ما وعدك

(4)

.

(1)

النسخ المطبوعة: «رجس» خلافًا للأصول وللفظ الآية. ومعنى «رجز الشيطان» : وسوسته، كما فسّره مجاهد وغيره. انظر:«تفسير الطبري» (11/ 63 - 67).

(2)

أخرجه مسلم (1779، 2873) من حديث أنس وعمر رضي الله عنهما.

(3)

«إني» سقطت من ص، د، ز.

(4)

ذكره موسى بن عقبة كما في «الدلائل» للبيهقي (3/ 110). وذكره أيضًا ابنُ إسحاق ــ كما في «السيرة» لابن هشام (1/ 621) ــ والواقدي (1/ 59) كلاهما دون قول أبي بكر. وكذا أخرجه الطبري في «تفسيره» (11/ 84) عن هشام بن عروة دونه. وأخرجه الطبري (11/ 219) أيضًا عن قتادة مقتصرًا على الجزء الأول: «اللهم إن قريشًا

» بنحوه. وسيأتي مرّة أخرى مناشدة النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه وموقف أبي بكر معه.

ص: 206

واستنصر المسلمون اللهَ واستغاثوه، وأخلصوا له وتضرعوا إليه، فأوحى الله إلى ملائكته:{أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال: 12]، وأوحى إلى رسوله:{أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9]، قرئ بكسر الدال وفتحها

(1)

، فقيل: المعنى أنهم رِدْفٌ لكم، وقيل: يُرْدِفُ بعضُهم بعضًا أرسالًا لم يأتوا

(2)

دفعةً واحدةً.

فإن قيل: هاهنا ذكر أنه أمدَّهم بألفٍ وفي سورة آل عمران قال: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [124 - 125]، فكيف الجمع بينهما؟

قيل: قد اختلف في هذا الإمداد الذي بالثلاثة آلاف وبالخمسة على قولين

(3)

:

أحدهما: أنه كان يوم أحدٍ، وكان إمدادًا معلَّقًا على شرط، فلمَّا فات شرطُه فات الإمداد. وهذا قول الضحاك، ومقاتل، وإحدى الروايتين عن عكرمة.

(1)

قرأ جعفر ونافع المدنيّان ويعقوب البصري بفتح الدال، وقرأ سائر العشرة بكسرها. «النشر» (2/ 275).

(2)

ص، د، ز، ن:«لم يأتوه» .

(3)

انظر: «زاد المسير» (1/ 450 - 451) والمؤلف صادر عنه، وسيأتي ما في نسبة بعض الأقوال من النظر.

ص: 207

والثاني: أنه كان يوم بدر. هذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والرواية الأخرى عن عكرمة؛ اختاره جماعة من المفسرين.

وحجة هؤلاء أن السياق يدل على ذلك، فإنه سبحانه قال:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ} إلى أن قال: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ} أي: هذا الإمداد

(1)

{إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ} [آل عمران: 123 - 126] قال هؤلاء: فلما استغاثوه أمدهم بألفٍ، ثم

(2)

أمدّهم بتمام ثلاثة آلاف، ثم أمدهم بتمامِ خمسةِ آلافٍ لما صبروا واتقوا، وكان هذا التدريجُ ومتابعةُ الإمداد أحسنَ موقعًا وأقوى لنفوسهم وأَسَرَّ لها من أن يأتي به مرةً واحدةً

(3)

، وهو بمنزلة متابعة الوحي ونزوله مرةً بعد مرة.

وقالت الفرقة الأولى: القصة في سياق أُحُدٍ، وإنما دخل ذكرُ بدرٍ اعتراضًا في أثنائها، فإنه سبحانه قال:{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 121 - 122]، ثم قال:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123]، فذكَّرهم نعمتَه عليهم لمّا نصرهم ببدرٍ وهم أذلة، ثم عاد إلى قصة أُحُدٍ وأخبر عن قول رسوله لهم: {أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ

(1)

ق: «هذا البشرى» .

(2)

«أمدّهم بألفٍ ثم» ساقط من المطبوع.

(3)

م، ق، ب:«أن يأتي به دفعة» .

ص: 208

مُنْزَلِينَ} [آل عمران: 124]، ثم وعدهم أنهم إن صبروا واتَّقَوا أمدَّهم بخمسة آلاف؛ فهذا من قولِ رسوله والإمدادُ الذي ببدرٍ من قوله تعالى، وهذا بخمسة آلاف وإمدادُ بدرٍ بألف، وهذا معلَّق على شرط وذاك مطلق، والقصة في سورة آل عمران هي قصة أُحُدٍ مستوفاةً مطولة وبَدْرٌ ذُكِرت فيها اعتراضًا، والقصة في سورة الأنفال قصة بدرٍ مستوفاةً مطولةً؛ فالسياق في آل عمران غير السياق في الأنفال.

يُوضِّح هذا أن قوله: {وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا} [آل عمران: 125] قد قال مجاهد: إنه يومُ أُحُدٍ

(1)

، وهذا يستلزم أن يكون الإمداد المذكور فيه؛ فلا يصحُّ قولُه: إن الإمداد بهذا القدر

(2)

كان يومَ بدرٍ

(3)

، وإتيانَهم من فورهم هذا يومَ أحد. والله أعلم.

فصل

وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جِذْمِ شجرةٍ هناك

(4)

، وكانت ليلةَ

(1)

أخرجه الطبري (6/ 31) وابن أبي حاتم (3/ 753) بإسناد صحيح إليه.

(2)

ز، ع، ن، النسخ المطبوعة:«العدد» .

(3)

كما نسبه إليه ابن الجوزي، ولعل منشأ وهمه أن الطبري (6/ 25) أسند عن مجاهد أنه قال:«لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر» ، وليس فيه أن الإمداد المذكور في الآية كان يوم بدرٍ، ولكن لمّا ساق الطبري قوله مع أقوال القائلين بذلك، ظنّه ابن الجوزي منهم، وليس كذلك لأنه يتناقض مع ما صحّ عنه أن إتيانهم من فورهم كان يوم أحد.

(4)

«إلى جذم شجرة» ، أي: إلى أصلها. وفي المطبوع: «جذع شجرة» خلافًا للأصول. والحديث أخرجه أحمد (1161) والنسائي في «الكبرى» (825) بإسناد جيّد عن عليٍّ قال: «لقد رأيتُنا ليلة بدرٍ وما منا إنسان إلا نائم، إلا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يصلّي إلى شجرة ويدعو حتى أصبح» .

ص: 209

الجمعة السابع عشر من رمضان في السنة الثانية، فلما أصبحوا أقبلت قريشٌ في كتائبها واصطفَّ الفريقان، فمشى حكيمُ بن حزامٍ وعتبةُ بن ربيعةَ في قريشٍ أن يرجعوا ولا يقاتلوا، فأبى ذلك أبو جهلٍ وجرى بينه وبين عتبة كلامٌ أَحْفَظَه

(1)

، وأمر أبو جهل أخا عمرو بن الحضرمي أن يطلب دمَ أخيه عمرًا

(2)

، فكشف عن اسْتِهِ وصرخ: واعَمْراه! فحمي القوم ونشبت الحربُ، وعدَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف، ثم رجع إلى العريش هو وأبو بكر خاصةً، وقام سعدُ بن معاذ في قوم

(3)

من الأنصار على باب العريش يحمون رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وخرج عُتبة وشَيبة ابنا ربيعة والوليدُ بن عتبة يطلبون المبارزة، فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار: عبدُ الله بن رواحة وعوفٌ ومُعَوِّذ ابنا عفراء، فقالوا لهم: من أنتم؟ قالوا: من الأنصار. قالوا: أَكْفاءٌ كِرام، وإنما نريد بني عمِّنا، فبرز إليهم عليٌّ وعبيدةُ بن الحارث وحمزةُ، فقَتل عليٌّ قِرْنَه الوليدَ، وقتل حمزةُ قِرْنَه عُتبة ــ وقيل: شيبة ــ، واختلف عبيدةُ وقِرْنُه ضربتين فكرَّ عليٌّ وحمزةُ على قرن عبيدةَ فقتلاه، واحتملا عبيدةَ وقد قُطِعت رِجلُه، فلم يزل ضَمِنًا

(4)

حتى مات بالصفراء

(5)

.

(1)

أي: أغضبه.

(2)

ن، النسخ المطبوعة:«عمرٍو» .

(3)

م، ق، ب:«وقوم» .

(4)

الضَّمِن كالزَّمِن وزنًا ومعنًى.

(5)

وهي قرية من قُرى وادي يَلْيَل، مرَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم عند قفوله من بدرٍ. وهي اليوم تُعرف باسم «الواسطة». انظر:«معجم المعالم الجغرافية» للبلادي (ص 176).

ص: 210

وكان علي رضي الله عنه يقسم بالله لنزلت هذه الآية فيهم: {اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا} الآية [الحج: 19]

(1)

.

ثم حَمِي الوطيس واستدارت رَحى الحرب واشتدَّ القتال، وأخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء والابتهال ومناشدة ربِّه عز وجل حتى سقط رداؤه عن منكبه، فردَّه عليه الصدِّيقُ وقال: بعضَ مناشدتك ربَّك، فإنه منجزٌ لك ما وعدك

(2)

.

فأغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءةً

(3)

، وأخذ القومَ النعاسُ في حال الحرب، ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه وقال:«أبشِرْ يا أبا بكر! هذا جبريلُ على ثناياه النَّقْعُ»

(4)

.

وجاء النصر، وأنزل الله جندَه، وأيَّدَ رسولَه والمؤمنين، ومنحهم أكتاف المشركين أسرًا وقتلًا، فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين.

(1)

أخرجه البخاري (3965، 3967، 4744) دون أن يكون أقسم عليه، وأخرج (3968، 3969، 4743) عن أبي ذرٍّ أنه هو الذي أقسم عليه.

(2)

أخرجه مسلم (1763) من حديث ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم بنحوه. وهو عند البخاري (2915) عن ابن عباس من وجه آخر.

(3)

بعده في ن، هامش ز، النسخ المطبوعة:«واحدة» .

(4)

«النقع» هو الغبار. والحديث ذكره موسى بن عقبة عن الزهري كما في «دلائل النبوة» (3/ 114)، وابنُ إسحاق عن شيوخه كما في «سيرة ابن هشام» (1/ 627) و «الدلائل» (3/ 81)، والواقدي في «مغازيه» (1/ 81). ويشهد له ما أخرجه البخاري (3995) عن ابن عبّاس بلفظ:«هذا جبريل آخِذٌ برأس فرسه عليه أداةُ الحرب» .

ص: 211

فصل

ولمَّا عزموا على الخروج ذكروا ما بينهم وبين بني كنانة من الحرب، فتبدَّى لهم إبليس في صورة سُراقة بن مالك المُدْلِجي ــ وكان من أشراف بني كنانة ــ فقال لهم: لا غالب لكم اليوم من الناس، وإني جار لكم من أن تأتيكم كنانةُ بشيءٍ تكرهونه، فخرجوا والشيطان جار لهم لا يفارقهم، فلما تَعَبَّئُوا للقتال ورأى عدوُّ الله جندَ الله قد نزلت من السماء فرَّ ونكص على عقبيه، فقالوا: إلى أين يا سُراقة؟ ألم تكن قلت: إنك جار لنا لا تفارقنا؟ فقال:

(1)

إني أرى ما لا ترون، إني أخاف اللهَ والله شديد العقاب

(2)

؛ وصدق في قوله: إني أرى ما لا ترون، وكذب في قوله: إني أخاف الله، وقيل: كان خوفُه على نفسه أن يهلك معهم، وهذا أظهر.

ولما رأى المنافقون ومن في قلبه مرض قلةَ حزبِ الله وكثرةَ أعدائه ظنُّوا أن الغلبة إنما هي بالكثرة، فقالوا:{غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ} [الأنفال: 49]، فأخبر سبحانه أن النصر بالتوكل عليه لا بالكثرة ولا بالعدد، والله عزيزٌ لا يغالَب، حكيمٌ ينصر من يستحق النصرَ وإن كان ضعيفًا، فعزَّتُه وحكمته أوجبت نصرَ الفئة المتوكلة عليه.

ولما دنا العدوُّ وتواجه القوم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فوعظهم

ص: 212

وذكَّرهم بما لهم في الصبر والثبات من النَّصْر والظَفَرِ العاجل وثوابِ الله الآجل، وأخبرهم أن الله قد أوجب الجنة لمن استشهد في سبيله، فقام عُمَير بن الحُمام فقال: يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال:«نعم» ، قال: بخٍ بخٍ يا رسول الله، قال:«ما يحملك على قولِك: بخ بخ؟» قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءَ أن أكون مِن أهلها، قال:«فإنك من أهلها» ، قال: فأخرج تمراتٍ من قَرَنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن حَيِيتُ حتى آكلَ تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتل حتى قُتِل

(1)

؛ فكان أولَ قتيلٍ.

وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ملء كفه من الحصباء فرمى بها وجوهَ العدو، فلم تترك رجلًا منهم إلا ملأت عينَيه، وشُغِلوا بالتراب في أعينهم وشُغِل المسلمون بقتلهم وأنزل الله عز وجل في شأن هذه الرَّمْية على رسوله:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17]

(2)

.

وقد ظن طائفة أن الآية دلَّت على نفي الفعلِ عن العبد وإثباتِه لله، وأنه هو الفاعل حقيقةً. وهذا غلط منهم من وجوه عديدة مذكورة في غير هذا الموضع

(3)

. ومعنى الآية: أن الله سبحانه أثبت لرسوله ابتداءَ الرمي، ونفى عنه الإيصالَ الذي لم يحصل برَمْيته، فالرمي يُراد به الحَذْفُ والإيصال، فأثبت لنبيه الحذفَ ونفى عنه الإيصال.

(1)

أخرجه مسلم (1901) بنحوه. والقَرَن: جُعبة للسِّهام والنَّبْل.

(2)

انظر: «تفسير الطبري» (11/ 82 - 86).

(3)

انظر: «مدارج السالكين» للمؤلف (3/ 426) و «مجموع الفتاوى» لشيخ الإسلام (2/ 330 - 331). وانظر ما سيأتي (ص 713).

ص: 213

وكانت الملائكة يومئذ تبادر المسلمين إلى قتل أعدائهم؛ قال ابن عباس: بينما رجل من المسلمين يومئذٍ يشتدُّ في أثر رجلٍ من المشركين أمامَه إذ سمع ضربةً بالسَّوط فوقَه وصوتَ الفارس فوقَه يقول: «أَقدِمْ حَيْزُوم» ، إذ نظر إلى المشرك أمامه مستلقيًا، فنظر إليه فإذا هو

(1)

قد خُطِم أنفه وشُقَّ وجهه كضربة السوط فاخضرَّ ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال:«صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة»

(2)

.

وقال أبو داود المازني: إني لأَتْبَع رجلًا من المشركين لِأضربَه إذ وقع رأسُه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفتُ أنه قد قتله غيري

(3)

.

وجاء رجل من الأنصار بالعباس بن عبد المطلب أسيرًا فقال العباس: إن هذا والله ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلحُ من أحسن الناس وجهًا على فرسٍ أبلقَ، ما أراه في القوم، فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله، فقال:«اسكت، فقد أيدك الله بملكٍ كريم» ؛ وأُسِرَ من بني [عبد]

(4)

المطلب ثلاثة: العباس، وعَقِيل، ونوفل بن الحارث

(5)

.

(1)

«هو» ساقط من ص، ز، د.

(2)

أخرجه مسلم (1763).

(3)

أخرجه ابن هشام في «السيرة» (1/ 633) وأحمد (23778) والطبري في «تفسيره» (6/ 23) من طرق عن ابن إسحاق عن أبيه عن رجال من بني مازن بن النجّار عن أبي داود المازني رضي الله عنه. وإسناده حسن.

(4)

زيادة لازمة من مصادر التخريج.

(5)

أخرجه أحمد (948) وابن أبي شيبة (37834) والبيهقي في «الدلائل» (3/ 64) من حديث عليٍّ بإسناد جيِّد.

ص: 214

وذكر الطبراني في «معجمه الكبير»

(1)

عن رفاعة بن رافع قال: «لما رأى إبليسُ ما تفعل الملائكة بالمشركين يومَ بدر أشفق أن يَخْلُصَ القتلُ إليه، فتشبَّث به الحارث بن هشام وهو يظنُّه سراقةَ بن مالكٍ، فوكز في صدر الحارث فألقاه ثم خرج هاربًا حتى ألقى نفسه في البحر ورفع يديه فقال: اللهم إني أسألك نَظْرَتَك إيَّاي، وخاف أن يَخْلُصَ إليه القتلُ، فأقبل أبو جهل بن هشام فقال: يا معشر الناس، لا يهزمَنَّكم خُذلانُ سراقةَ إياكم، فإنَّه كان على ميعادٍ من محمد، ولا يَهُولَنَّكم قتلُ عتبةَ وشيبةَ والوليد، فإنهم قد عَجَّلُوا، فواللاتِ والعُزَّى! لا نرجع حتى نُقْرِنَهم بالحِبال، ولا ألفَيَنَّ رجلًا منكم قتل منهم رجلًا، ولكن خذوهم أخذًا حتى نُعرِّفَهم سوءَ صنيعهم» .

واستفتح أبو جهل في ذلك اليوم فقال: اللهم أقطعُنا للرحم وآتانا بما لا نعرفه فأَحِنْه

(2)

الغداةَ، اللهم أيُّنا كان أحبَّ إليك وأرضى عندك فانصُرْه اليوم؛ فأنزل الله عز وجل:{(18) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ} [الأنفال: 19]

(3)

.

ولما وضع المسلمون أيديهم في العدوِّ يقتلون ويأسرون، وسعد بن معاذ واقف على باب الخيمة التي فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ــ وهي العريش ــ

(1)

(5/ 47)، وإسناده ضعيف، فيه عبد العزيز بن عمران الزهري، وهو ضعيف منكر الحديث، وقد تفرّد بروايته.

(2)

أي: أهلِكْه. يقال: (حان الرجل حَينًا) إذا هلك، و (أحانه الله) أهلكه.

(3)

أخرجه أحمد (23661) والنسائي في «الكبرى» (11137) والطبري (11/ 91 - 94) والحاكم (2/ 328) من طرق عن الزهري عن عبد الله بن ثَعلبة بن صُعَير العُذْري ــ وله رؤية رضي الله عنه ــ دون قوله: «اللهم أينا كان أحب

فانصره اليوم».

ص: 215

متوشحًا بالسيف في ناس من الأنصار= رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعدٍ: «كأنك تكره ما يصنع الناس؟» قال: أجل والله، كانت أولَ وقعةٍ أوقعها الله بالمشركين وكان الإثخانُ في القتل

(1)

أحبَّ إلي من استبقاء الرجال

(2)

.

ولما بردت الحرب وولَّى القومُ منهزمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ينظر لنا ما صنع أبو جهل؟» فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد، فأخذ بلحيته فقال: أنت أبو جهل؟ فقال: لمن الدائرة اليوم؟ فقال: لله ولرسوله، هل أخزاك الله يا عدوَّ الله؟ فقال: وهل فوقَ رجلٍ قتله قومُه

(3)

؟! فقتله عبد الله ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قتلته، فقال

(4)

: «آللهُ الذي لا إله إلا هو؟» فرددها ثلاثًا ثم قال: «الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعدَه ونصر عبدَه وهزم الأحزاب وحدَه؛ انطلق فأَرِنيه» ، فانطلقنا فأريتُه إياه، فقال:«هذا فرعونُ هذه الأمة»

(5)

.

(1)

ز، ع:«بالقتل» .

(2)

ذكره ابن إسحاق في سياق أحداث الغزاة عن شيوخه كما في «سيرة ابن هشام» (1/ 628). ورواه الواقدي في «المغازي» (1/ 106) من وجه آخر منقطع بمعناه.

(3)

أي: وهل يزيد الأمر على أن رجلًا قتله قومه؟ فأيُّ خزيٍ في ذلك؟!

(4)

«فقال» ساقط من ص، ز، ع.

(5)

أخرجه البخاري (3962) ومسلم (1800) من حديث أنس دون استحلاف النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود إلى آخر القصة، فإنه عند أحمد (4246، 4247) والطبراني في «الكبير» (9/ 82) بإسناد صحيح عن أبي عبيدة ــ وهو: ابن عبد الله بن مسعود ــ عن أبيه، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه لكنه كان شديدَ العناية بحديث أبيه وعنده من ذلك من العلم ما ليس عند غيره. وأصله في «صحيح البخاري» (3961) من طريق آخر عن ابن مسعود، إلا أنه مختصر جدًّا.

ص: 216

وأسر عبدُ الرحمن بن عوف أميةَ بن خلفٍ وابنَه عليًّا، فأبصره بلال ــ وكان أمية يُعذِّبه بمكة ــ فقال: رأس الكفر أمية بن خلف! لا نجوتُ إن نجا! ثم استوخى جماعةً من الأنصار، واشتدَّ عبدُ الرحمن بهما يُحرِزهما

(1)

منهم، فأدركوهم فشغلهم عن أميةَ بابنه، ففرغوا منه ثم لحقوهما، فقال له عبد الرحمن: ابرُكْ، فبرك فألقى عليه نفسه، فضربوه بالسيوف من تحته حتى قتلوه وأصاب بعضُ السيوف رِجل عبد الرحمن بن عوف. وقال له أمية قبل ذلك: مَن الرجل المعلَّم في صدره بريشةِ نَعامة؟ فقال: ذاك حمزة بن عبد المطلب، قال ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل. وكان مع عبد الرحمن أدراع قد استلبها، فلما رآه أميةُ قال له: أنا خير لك من هذه الأدراع، فألقاها وأخذه، فلما قتله الأنصار كان يقول: يرحم الله بلالًا، فجعني بأدراعي وبأَسِيريَّ

(2)

!

وانقطع يومئذ سيفُ عُكَّاشة بن مِحْصَنٍ فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم جِذْلًا من حطب فقال: «دونك هذا» ، فلما أخذه عكاشة وهزَّه عاد في يده سيفًا طويلًا شديدًا أبيض، فلم يزل عنده يقاتل به حتى قُتِل في الردة أيام أبي بكر

(3)

.

ولقي الزبير عبيدةَ بن سعيد بن العاص وهو مُدجَّج في السلاح لا يُرى منه إلا الحَدَق، فحمل عليه الزبير بحَربته فطعنه في عينه فمات، فوضع رِجْلَه على الحربة ثم تمطَّى فكان الجَهْدُ أن نَزَعها وقد انثنى طرفاها، فسأله إياها

(1)

ص، ز، د، ع:«يحوزهما» .

(2)

أخرجه ابن إسحاق ــ كما في «سيرة ابن هشام» (1/ 631، 632) ــ عن عبد الرحمن بن عوف بأسانيد جياد. وهو في «صحيح البخاري» (2301) بنحوه.

(3)

ذكره ابن إسحاق كما في «سيرة ابن هشام» (1/ 637). وأسنده بنحوه الواقديُّ في «مغازيه» (1/ 93) وابن سعد في «الطبقات» (1/ 158) بإسنادين واهيين.

ص: 217

رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه، فلما قُبِض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أخذها، ثم طلبها أبو بكر فأعطاه، فلما قُبض أبو بكر سأله إياها عمر فأعطاه، فلما قبض عمر أخذها، ثم طلبها عثمان فأعطاه، فلما قُبض وقعت عند آل عليٍّ، فطلبها عبد الله بن الزبير وكانت عنده حتى قُتِل

(1)

.

وقال رفاعة بن رافع: رُمِيتُ بسهم يوم بدرٍ فَفُقِئتْ عيني، فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لي، فما آذاني منها شيء

(2)

.

ولما انقضت الحرب أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف على القتلى فقال: «بئس عشيرةُ النبي كنتم لنبيكم؛ كذَّبتموني وصدَّقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس»

(3)

.

ثم أمر بهم فسُحبوا إلى قليب من قُلُب بدرٍ فطُرِحوا فيه، ثم وقف عليهم فقال: «يا عتبةُ بنَ ربيعة، ويا شيبةُ بنَ ربيعة، ويا فلان ويا

(4)

فلان، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا فإني وجدتُ ما وعدني ربي حقًّا»، فقال له عمر بن الخطاب: يا رسول الله! ما تخاطب من أقوام قد جيَّفوا؟ فقال:

(1)

أخرجه البخاري (3998) من حديث عروة بن الزبير عن أبيه.

(2)

أخرجه البزّار (3729) والطبراني في «الأوسط» (9124) والحاكم (3/ 232)، وإسناده ضعيف، فيه عبد العزيز بن عمران الزهري، وهو ضعيف منكر الحديث، وبه تعقّب الذهبي تصحيح الحاكم لإسناده.

(3)

ذكره ابن إسحاق ــ كما في «سيرة ابن هشام» (1/ 638) ــ فقال: «حدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

». وله شاهد من حديث عائشة بلفظ: «جزاكم الله شرًّا من قوم نبي، ما كان أسوأ الطَّرد وأشدَّ التكذيب» . أخرجه أحمد (25372) بإسناد فيه انقطاع.

(4)

«يا» سقطت من م، ق.

ص: 218

«والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمعَ لِما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون الجواب»

(1)

.

ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعَرْصة ثلاثًا، وكان إذا ظهر على قوم أقام بعرصتهم ثلاثًا

(2)

.

ثم ارتحل مؤيَّدًا منصورًا، قريرَ العين بنصر الله له، ومعه الأسارى والمغانم، فلما كان بالصَّفْراءِ قسم الغنائمَ، وضرَبَ عنقَ النضرِ بن الحارث بن كَلَدة، ثم لما نزل بعِرْقِ الظُّبْية ضرب عنق عقبةَ بن أبي مُعَيط

(3)

.

ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مؤيدًا مظفَّرًا منصورًا قد خافه كلُّ عدو له بالمدينة وحولها، فأسلم بَشَرٌ كثير من أهل المدينة، وحينئذ دخل عبد الله بن أُبيٍّ المنافقُ وأصحابُه في الإسلام ظاهرًا.

وجملة من حضر بدرًا من المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا: مِن المهاجرين ستة وثمانون، ومن الأوس أحد وستون، ومن الخزرج مائة وسبعون. وإنما قل عدد الأوس عن الخزرج وإن كانوا أشدَّ منهم وأقوى شوكةً وأصبرَ عند اللقاء= لأن

(4)

منازلهم كانت في عوالي المدينة وجاء النفير بغتةً وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتبعنا إلا من كان ظهرُه حاضرًا» ، فاستأذنه رجال ظهورهم في عُلْوِ المدينة أن يستأني بهم حتى يذهبوا إلى ظهورهم

(1)

أخرجه مسلم (2873، 2874) من حديث أنس بنحوه. وأخرجه البخاري (1370) من حديث ابن عمر مختصرًا.

(2)

أخرجه أحمد (16356) والبخاري (3065) من حديث أنس رضي الله عنه.

(3)

خبر قتلهما صبرًا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم استفاض من غير وجهٍ، وقد سبق تخريجه (ص 133).

(4)

م، ق، ب، ث:«أن» .

ص: 219

فأبى

(1)

؛ ولم يكن عزمُهم على اللقاء، ولا أَعَدُّوا له عُدَّته، ولا تأهبوا له أُهبته، ولكن جمع الله بينهم وبين عدوِّهم على غير ميعاد.

واستشهد من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلًا: ستة من المهاجرين وستة من الخزرج، واثنان من الأوس.

وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأن بدر والأسارى في شوال.

فصل

ثم نهض بنفسه صلوات الله وسلامه عليه بعد فراغه بسبعة أيام إلى غزو بني سليم، واستعمل على المدينة سِباعَ بنَ عُرْفُطة ــ وقيل: ابن أم مكتوم ــ، فبلغ ماءً يقال له: الكُدْرِ

(2)

فأقام عليه ثلاثًا، ثم انصرف ولم يلقَ كيدًا

(3)

.

فصل

ولما رجع فَلُّ المشركين

(4)

إلى مكة مَوتُورين محزونين نذر أبو سفيان أن لا يُمِسَّ رأسَه ماء حتى يغزوَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فخرج في مائتي راكب حتى

(1)

أخرجه مسلم (1901) من حديث أنس رضي الله عنه.

(2)

هو غير معروف بالتحديد اليوم، ولكن الراكب إذا سار من المدينة يؤم القصيم فقطع قرابة 80 كيلًا كان الكُدر على يمينه في ذلك الفضاء الواسع الذي يمتدُّ إلى معدن بني سليم (مهد الذهب). انظر:«معجم المعالم في السيرة» (ص 262).

(3)

«سيرة ابن هشام» (2/ 43 - 44). وأما الواقدي فجعل هذه الغزاة في المحرَّم، أي بعد غزوة السويق الآتية، وتبعه ابن سعد. انظر:«مغازي الواقدي» (1/ 182) و «طبقات ابن سعد» (2/ 28).

(4)

أي المنهزمون منهم. والفلُّ في الأصل مصدر فلَّه يفُلُّه إذا هزمه، ويأتي بمعنى اسم المفعول فيستوي فيه المفرد والجمع، يقال: رجل فلٌّ وقوم فَلٌّ، وربّما قالوا: فُلُول.

ص: 220

أتى العُرَيض

(1)

في طرف المدينة، وبات ليلةً واحدةً عند سلَام بن مِشْكَم اليهودي، فسقاه الخمرَ وبَطَن له مِن خبر الناس، فلما أصبح قطع أصوارًا

(2)

من النخل، وقتل رجلًا من الأنصار وحليفًا له، ثم كرَّ راجعًا.

ونَذِرَ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فخرج في طلبه، فبلغ قَرْقَرة الكُدْر

(3)

وفاته أبو سفيان، وطرح الكفارُ سَوِيقًا كثيرًا من أزوادهم يتخفَّفُون به، فأخذها المسلمون، فسُمِّيت غزوةَ السويق، وكان ذلك بعد بدر بشهرين

(4)

.

فصل

(5)

فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بقية ذي الحجة ثم غزا نجدًا يريد غطفان، واستعمل على المدينة عثمان بن عفان، فأقام هناك صفرًا كلَّه من السنة الثالثة، ثم انصرف ولم يلقَ حربًا

(6)

.

(1)

وهو اليوم حيٌّ معروف بهذا الاسم شرقيَّ المسجد النبوي.

(2)

جمع «الصَّور» بفتح الصاد، وهو النخل المُجتمِع الصِّغار. والذي عند أهل السير أنهم حرقوا فيها، ولم أجد مَن ذكر القطع.

(3)

القرقرة: أرض مطمئنة وسط القاع، لا شجر فيها ولا حجارة، وإنما هي طين. والكُدر سبق التعريف به آنفًا.

(4)

انظر خبر هذه الغزاة عند أبي الأسود عن عروة في «الدلائل» للبيهقي (4/ 165)، وعند موسى بن عقبة في «الدلائل» أيضًا (3/ 164)، وابن إسحاق في «سيرة ابن هشام» (2/ 44)، والواقدي في «مغازيه» (1/ 181)، وابن سعد في «الطبقات» (2/ 27).

(5)

العنوان ساقط من المطبوع.

(6)

ويقال لها «غزوة ذي أمرَّ» . وانظر خبرها عند ابن إسحاق في «سيرة ابن هشام» (2/ 46) والواقدي (1/ 193) وابن سعد (2/ 31)، وسياق المؤلف برواية ابن إسحاق أشبه.

ص: 221

فصل

فأقام بالمدينة ربيعَ الأولِ، ثم خرج يريد قريشًا

(1)

، واستخلف على المدينة ابنَ أمِّ مكتوم، فبلغ «بَحران» معدنًا بالحجاز

(2)

، ولم يلق حربًا، فأقام هنالك ربيعَ الآخرِ وجُمادى الأولى ثم انصرف إلى المدينة

(3)

.

فصل

ثم غزا بني قينقاع

(4)

، وكانوا من يهود المدينة فنقضوا عهده، فحاصرهم خمس عشرة ليلةً حتى نزلوا على حكمه، فشفع فيهم عبدُ الله بن أُبَيٍّ وألحَّ عليه، فأطلقهم له

(5)

، وهم قوم عبد الله بن سلام، وكانوا سبعمائة مقاتلٍ، وكانوا صاغةً وتجارًا

(6)

.

(1)

كذا عند ابن هشام عن زياد البكّائي عن ابن إسحاق. وعند البيهقي في «الدلائل» (3/ 172) من طريق سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق: «قريشًا وبني سليم» . واقتصر الواقدي على ذكر بني سليم.

(2)

من ناحية وادي الفُرُع، شرق مدينة رابغٍ على (90) كيلًا. «معجم المعالم في السيرة» (ص 40).

(3)

«سيرة ابن هشام» (2/ 46)، و «مغازي الواقدي» (1/ 196)، و «طبقات ابن سعد» (2/ 32).

(4)

ظاهر لفظ المؤلف هنا أن غزوة بني قينقاع كانت بعد الغزوات السابقة، وابنُ إسحاق وإن كان ذكره في هذا الموضع ولكنه صرّح أنه كان «فيما بين» تلك الغزوات التي ذكرها سابقًا. وقد سبق (ص 149) أن ذكر المؤلف أنها كانت في النصف من شوَّال، أي بعد أقلَّ من شهرٍ من غزوة بدر، قبل غزوة السويق. وهو قول الواقدي وابن سعد.

(5)

أي: تركهم من القتل، ولكن أجلاهم من المدينة.

(6)

قد سبق (ص 148 - 150) خبر الغزوة بشيء من التفصيل. وانظر: «سيرة ابن هشام» (2/ 47) و «مغازي الواقدي» (1/ 176) و «طبقات ابن سعد» (2/ 26).

ص: 222