الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اليمن
(1)
الجزيةَ من كل حالمٍ أو حالمةٍ ــ زاد أبو عبيد: عبدًا أو أمةً ــ دينارًا أو قيمته مَعافري؟ فهذا فيه أخذها من الرجل والمرأة والحر والرقيق.
قيل: هذا لا يصح وصلُه وهو منقطع، وهذه الزيادة مختلَف فيها، لم يذكرها سائر الرواة، ولعلها من تفسير بعض الرواة. وقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه
(2)
وغيرهم هذا الحديث فاقتصروا على قوله: «أمره أن يأخذ من كلِّ حالمٍ دينارًا» ، ولم يذكروا هذه الزيادة.
وأكثر من أخذ منهم النبي صلى الله عليه وسلم الجزيةَ العربُ من النصارى واليهود والمجوس، ولم يكشف عن أحدٍ منهم: متى دخل في دينه؟ وكان يعتبرهم بأديانهم لا بآبائهم.
فصل
في ترتيب سياق هديه مع الكفار والمنافقين
من حين بُعث
(3)
إلى حين لقي الله عز وجل
أول ما أوحى إليه ربُّه تبارك وتعالى أن يقرأ باسم ربه الذي خلق، وذلك أول
(4)
نبوته، فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ، ثم أنزل عليه:{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر 1 - 2]، فنبَّأه بقوله:{اقْرَأْ} وأرسله بـ: {يَاأَيُّهَا
(1)
ج: «أهل اليمن» .
(2)
كذا، وأصل الحديث وإن كان أخرجه ابن ماجه (1803، 1818) ولكن ليس فيه ذكر للجزية ولا قدرها. وقد سبق تخريجه من سائر المصادر.
(3)
«من حين بعث» ساقط من ص، ز.
(4)
ز، ع:«في أول» .
الْمُدَّثِّرُ} ثم أمره أن يُنذر عشيرتَه الأقربين، ثم أنذر قومه، ثم أنذر من حولهم من العرب، ثم أنذر العرب قاطبةً، ثم أنذر العالمين؛ فأقام بضع عشرة سنةً بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية، ويُؤمر بالكف والصبر والصفح.
ثم أذن له في الهجرة وأذن له في القتال، ثم أمره أن يُقاتِل من قاتله ويكفَّ عمن اعتزله ولم يقاتله، ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كلُّه لله.
ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام: أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة؛ فأُمِر أن يُقيم لأهل العهد
(1)
والصلح بعهدهم، وأن يُوْفِي لهم به ما استقاموا على العهد، فإن خاف منهم خيانةً نبذ إليهم عهدهم ولم يقاتلهم حتى يُعلِمهم بنبذ العهد، وأمر أن يقاتل من نقض عهده. ولما نزلت سورة براءة نزلت ببيان هذه الأقسام كلِّها، فأمره فيها أن يقاتل عدوه من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية أو يدخلوا في الإسلام، وأمره فيها بجهاد الكفار والمنافقين والغِلظة عليهم؛ فجاهَدَ الكفار بالسيف والسنان، والمنافقين بالحجة واللسان.
وأمره فيها بالبراءة من عهود الكفار ونبذ عهودهم إليهم، وجَعَل أهل العهد في ذلك ثلاثة أقسام:
- قسمًا أمره بقتالهم، وهم الذين نقضوا عهده ولم يستقيموا له، فحاربهم وظهر عليهم.
- وقسمًا لهم عهد مؤقت لم ينقضوه ولم يظاهروا عليه، فأمره أن يتم لهم عهدهم
(2)
إلى مدتهم.
(1)
م، ق، ب، ث، ع، هامش ص، هامش ز:«العقد» .
(2)
م، ق:«عدّتهم» ، تصحيف.
- وقسمًا لم يكن لهم عهد ولم يحاربوه، أو كان لهم عهد مطلق، فأمره أن يؤجِّلَهم أربعةَ أشهر، فإذا انسلخت قاتلهم، وهي الأشهر الأربعة المذكورة في قوله:{فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2]، وهي الحُرُم المذكورة في قوله:{الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} [التوبة: 5]، فالحُرُم هاهنا: هي أشهر التسيير
(1)
، أوَّلُها: يوم الأذان وهو اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو يوم الحج الأكبر الذي وقع فيه التأذين بذلك، وآخرها: العاشر من ربيع الآخر.
وليست هي الأربعة المذكورة في قوله: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36]، فإن تلك واحدٌ فرد وثلاثةٌ سرد: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم؛ ولم يُسيِّر المشركين في هذه الأربعة، فإن هذا لا يمكن لأنها غير متوالية، وهو إنما أجَّلهم أربعةَ أشهرٍ ثم أمره بعد انسلاخها أن يقاتِلهم فقاتَل الناقضَ لعهده، وأجَّلَ من لا عهد له أو له عهد مطلق أربعةَ أشهرٍ، وأمره أن يُتمَّ للموفي بعهده عهدَه إلى مدته، فأسلم هؤلاء كلُّهم ولم يُقيموا على كفرهم إلى مدتهم، وضرب على أهل الذمة الجزية.
فاستقر أمر الكفار معه بعد نزول (براءة) على ثلاثة أقسام: محاربين له، وأهل عهد، وأهل ذمة؛ ثم آلت حالُ أهل العهد والصلح إلى الإسلام، فصاروا معه قسمين: محارِبين وأهلَ ذمة، والمحاربون له خائفون منه؛ فصار أهل الأرض معه ثلاثة أقسام: مسلم مؤمن به، ومسالم له آمن، وخائف محارب.
(1)
أي «التي سيَّر اللهُ فيها المشركين في الأرض يأمنون فيها» ، كما سيأتي في كلام المؤلف (ص 473).
وأما سيرته في المنافقين، فإنه أُمِر أن يقبل منهم علانيتهم وَيكِلَ سرائرهم إلى الله، وأن يجاهدهم بالعلم والحجة، وأُمر أن يُعرِض عنهم ويغلُظَ عليهم، وأن يبلُغَ بالقول البليغ إلى نفوسهم، ونُهِي أن يُصلِّي عليهم وأن يقوم على قبورهم، وأُخبِر أنه إن استغفر لهم أو لم يستغفر لهم
(1)
فلن يغفر الله لهم؛ فهذه سيرته في أعدائه من الكفار والمنافقين.
فصل
وأما سيرته مع أوليائه وحزبه، فأُمِر أن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيِّ يريدون وجهه، وأن لا تَعدُوَ عيناه عنهم، وأُمِرَ أن يعفو عنهم ويستغفرَ لهم ويشاورَهم في الأمر، وأن يصليَ عليهم.
وأُمِر بهجر من عصاه وتخلَّف عنه حتى يتوبَ ويُراجعَ طاعته، كما هَجَر الثلاثة الذين خُلِّفوا.
وأُمِر أن يقيم الحدود على من أتى موجِباتها منهم، وأن يكونوا في ذلك عنده سواءً شريفُهم ودنيئُهم.
وأُمِر في دفع عدوه من شياطين الإنس، بأن يدفع بالتي هي أحسن فيقابِلَ إساءةَ من أساء إليه بالإحسان، وجهلَه بالحلم، وظُلمَه بالعفو، وقطيعته بالصلة؛ وأُخبِر
(2)
أنه إن فعل ذلك عاد عدوُّه كأنه ولي حميم. وأُمِر في دفع عدوِّه من شياطين الجن بالاستعاذة بالله منهم. وجَمَع له هذين الأمرين في ثلاثة مواضع
من القرآن: في سورة الأعراف، والمؤمنين
(1)
، و سورة حم السجدة؛ فقال في سورة الأعراف:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، فأمَرَه باتقاء شرِّ الجاهلين بالإعراض عنهم، وباتقاء شرِّ الشيطان بالاستعاذة منه.
وجمع له في هذه الآية مكارمَ الأخلاق والشِّيَم كلَّها، فإن ولي الأمر له مع الرعية ثلاثة أحوال: فإنه لا بد له من حقٍّ عليهم يلزمهم القيام به، وأمرٍ يأمرهم به، ولا بد من تفريطٍ وعدوان يقع منهم في حقه؛ فأُمِر بأن يأخذ من الحق الذي عليهم ما طوَّعت به أنفسهم وسمحت به، وسَهُل عليهم ولم يشق، وهو العفو الذي لا يلحقهم ببذله ضررٌ ولا مشقة؛ وأُمِر أن يأمرهم بالعُرْف وهو المعروف الذي تعرفه العقول السليمة والفِطَر المستقيمة وتقرُّ بحسنه ونفعه، وإذا أمر به يأمر به بالعُرف أيضًا لا بالعُنْف والغِلظة، وأُمِر أن يُقابِل جهل الجاهلين منهم بالإعراض عنه دون أن
(2)
يقابله بمثله، فبذلك يكتفي شرهم.
(1)
كذا في الأصول، وقد سبق مثله في المجلدين الأول (ص 233) والثاني (ص 536). وفي المطبوع:«المؤمنون» ، وهو المشهور رفعًا على الحكاية.
(2)
م، ق، ب:«من» ، خطأ.
وقال تعالى في سورة حم السجدة
(1)
فهذه سيرته مع أهل الأرض إنسِهم وجنِّهم، مؤمنهم وكافرهم
(2)
.
* * *
(1)
هي سورة فُصِّلت.
(2)
هنا انتهت نسخة «عَمجه زاده حسين» المرموز لها بـ (ج). وتبدأ بعده نسخة الظاهرية المرموز لها بـ (د).