الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها: جواز أكل ورق الشجر عند المخمصة، وكذلك عشب الأرض.
وفيها: جواز نهي الإمام وأمير الجيش للغزاة عن نحر ظهرهم وإن احتاجوا إليه، خشيةَ أن يحتاجوا إلى ظهرهم عند لقاء عدوِّهم، ويجب عليهم الطاعةُ إذا نهاهم.
وفيها:
جواز أكل ميتة البحر
وأنها لم تدخل في قول الله عز وجل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3]. وقد قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96]، وقد صحَّ عن أبي بكر الصديق وعبد الله بن عباس وجماعة من الصحابة أن صيد البحر ما صِيد منه وطعامه ما مات فيه
(1)
.
وفي «السنن» عن ابن عمر مرفوعًا وموقوفًا: «أُحِلَّت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطِّحال»
(2)
. حديث
(1)
انظر: «تفسير الطبري» (8/ 722 - 728) ولفظ عامّتهم: «وطعامه: ما قذف» ، وفي رواية عن ابن عباس:«ما لفظ من ميتته» ، وفي أخرى:«ما وُجد على الساحل ميتًا» .
(2)
المرفوع أخرجه أحمد (5723) وابن ماجه (3314) والدارقطني (4732) والبيهقي في «السنن» (1/ 254) والضياء في «المختارة» (13/ 175)، وفيه لين لأنه من رواية بني زيد بن أسلم الضعفاء عن أبيهم عن ابن عمر، ثم إنه قد اختُلف على بعض بني زيد في رفعه ووقفه.
والموقوف أخرجه عبد الله بن أحمد عن أبيه في «العلل» (1099) والبيهقي في «السنن» (1/ 254) ــ وصححه ــ والخطيب في «المتفق والمفترق» (37) من طرق عن زيد بن أسلم عن ابن عمر.
والموقوف هو الذي صوَّبه الإمام أحمد وأبو زرعة والدارقطني والبيهقي، وأعلّوا به المرفوع. انظر:«العلل» رواية عبد الله عن أبيه (1/ 480، 2/ 136) و «العلل» لابن أبي حاتم (2/ 17) و «العلل» للدارقطني (2277، 3038).
حسن. وهذا الموقوف في حكم المرفوع، لأن قول الصحابي: أُحِلَّ لنا كذا وحُرِّم علينا ينصرف إلى إحلال النبي صلى الله عليه وسلم وتحريمه.
فإن قيل: فالصحابة في هذه الوقعة
(1)
كانوا مضطرين، ولهذا لما هموا بأكلها قالوا: إنها ميتة، وقالوا: نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مضطرون، فأكلوا. وهذا دليل على أنهم لو كانوا مستغنين عنها لما أكلوا منها.
قيل: لا ريب أنهم كانوا مضطرين، ولكن هيَّأ الله لهم من الرزق أطيبه وأحله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لهم بعد أن قدموا عليه
(2)
: «هل بقي معكم من لحمه شيء؟» قالوا: نعم، فأكل منه النبي صلى الله عليه وسلم وقال:«إنما هو رزق ساقه الله لكم»
(3)
، ولو كان هذا رزق مضطر لم يأكل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال الاختيار.
ثم لو كان أكلهم منها للضرورة فكيف ساغ لهم أن يدهنوا بودكها وينجسوا به ثيابهم وأبدانهم؟
وأيضًا: فكثير من الفقهاء لا يجوِّز الشبع من الميتة، وإنما يجوِّزون منها سدَّ الرمق، والسريةُ أكلت منها حتى ثابت إليهم أجسامهم وسمنوا وتزودوا منها.
فإن قيل: إنما يتم لكم الاستدلال بهذه القصة إذا كانت تلك الدابة قد ماتت في البحر ثم ألقاها ميتةً، ومن المعلوم أنه كما يَحتمِل ذلك يَحتمِل أن
(1)
س، ث، ن، المطبوع:«الواقعة» .
(2)
«عليه» ساقط من س، ث، المطبوع.
(3)
هذا نقل بالمعنى، ولفظه كما سبق:«هو رزق أخرجه الله لكم» .
يكون البحر قد جزر عنها وهي حية فماتت بمفارقة الماء، وذلك ذكاتها وذكاة حيوان البحر، ولا سبيل إلى دفع هذا الاحتمال، كيف وفي بعض طرق الحديث: «فجزر البحرُ عن حوت كالظَّرِب
(1)
»
(2)
.
قيل: هذا الاحتمال مع بُعده جدًّا فإنه يكاد
(3)
يكون خرقًا للعادة
(4)
، فإن مثل
(5)
هذه الدابة إذا كانت حيةً إنما تكون في لُجَّة البحر وثَبَجِه دون ساحله وما رقَّ منه ودنا من البر.
وأيضًا: فإنه لا يكفي ذلك في الحِلِّ، لأنه إذا شُكَّ في السبب الذي مات به الحيوان هل هو سبب مبيح له أو غير مبيح لم يحلَّ الحيوان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصيد يرمى بالسهم ثم يوجد في الماء:«وإن وجدتَه غريقًا في الماء فلا تأكلْه فإنك لا تدري الماءُ قتله أو سهمك»
(6)
؛ فلو كان الحيوان البحريُّ حرامًا إذا مات في البحر لم يُبَح، وهذا مما لا يعلم فيه خلاف بين الأئمة.
(1)
في الأصول عدا ن: «كالضرب» ، والمثبت من ن هو الصواب. والظَرِب: الجبل المنبسط أو الصغير.
(2)
لفظ البخاري وغيره: «ثم انتهينا إلى البحر فإذا حوت مثل الظَّرِب» . وعند الواقدي: «فألقى لنا البحر حوتًا مثل الظرب» .
(3)
ص، ز:«كاد» .
(4)
كلا، بل وقوعه كثير جدًّا كما ثبت بالمشاهدة حول العالم: أن البحر كثيرًا ما يقذف بالحيتان على الساحل وهي حيّة ثم تموت لمفارقة الماء، وهناك وقائع نجح فيها أناس في سحبها إلى البحر وإنقاذها من الهلاك.
(5)
ص، ز:«مقيل» .
(6)
أخرجه مسلم (1929/ 6، 7) من حديث عدي بن حاتم.
وأيضًا: فلو لم تكن هذه النصوص مع المبيحين لكان القياس الصحيح معهم، فإن الميتة إنما حرمت لاحتقان الرطوبات والفضلات والدم الخبيث فيها، والذكاة لما كانت تزيل ذلك الدم والفضلات كانت سببَ الحِلِّ، وإلا فالموت لا يقتضي التحريم فإنه حاصل بالذكاة كما يحصل بغيرها، فإذا لم يكن في الحيوان دم وفضلات تزيلها الذكاةُ لم يَحْرُم بالموت ولم يشترط لحلِّه ذكاة كالجراد، ولهذا لا يَنجسُ بالموت ما لا نفس له سائلة كالذباب والنحلة ونحوهما، والسمكُ من هذا الضرب، فإنه لو كان له دم وفضلات تحتقن بموته لم يحل بموته بغير ذكاة، ولم يكن فرق بين موته في الماء وموته خارجَه، إذ من المعلوم أن موته في البر لا يُذهب تلك الفضلات التي تحرِّمه عند المحرِّمين إذا مات في البحر. ولو لم يكن في المسألة نصوص لكان هذا القياس كافيًا. والله أعلم.
فصل
وفيها دليل على جواز الاجتهاد في الوقائع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره على ذلك، لكن هذا كان في حال الحاجة إلى الاجتهاد وعدمِ تمكُّنهم من مراجعة النص. وقد اجتهد أبو بكر وعمر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة من الوقائع وأقرَّهما على ذلك، لكن في قضايا جُزْوِيَّة
(1)
مُعيَّنة لا في أحكام عامة وشرائعَ كليَّةٍ، فإن هذا لم يقع من أحد من الصحابة في حضوره صلى الله عليه وسلم البتة.
* * *
(1)
س، ن، المطبوع:«جزئية» ، لغتان. والمثبت هي لغة المؤلف، وانظرها في «تهذيب السنن» (2/ 449).