المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي قدوم وفد بلي - زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم - جـ ٣

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فصلفي هديه في الجهاد والغزوات

- ‌فصلفي مبدأ الهجرة التي فرق الله فيها بين أوليائه وأعدائه

- ‌فصلفي بناء المسجد

- ‌فصلفي هديه في الأسارى

- ‌فصلفي هديه فيمن جسَّ عليه

- ‌ أنَّ من أسلم على شيءٍ في يده فهو له

- ‌فصلفي هديه في الأرض المغنومة

- ‌فصلفي ترتيب سياق هديه مع الكفار والمنافقينمن حين بُعث(3)إلى حين لقي الله عز وجل

- ‌فصلفي سياق مغازيه وبعوثه على وجه الاختصار

- ‌فصلفي قتل كعب بن الأشرف

- ‌فصلفي غزوة أحد

- ‌فصلفيما اشتملت عليه هذه الغزاة من الأحكام والفقه

- ‌فصلفي ذكر بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أُحُد

- ‌فصلفي غزوة دُومة الجندل

- ‌ سنة خمس

- ‌فصلفي غزوة المُرَيسِيع

- ‌فصلفي غزوة الخندق

- ‌فصلفي سريّة نجد

- ‌فصلفي غزوة الغابة

- ‌ سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القَصَّة

- ‌ سرية زيد بن حارثة إلى الطَّرَف

- ‌ سريةُ عبد الرحمن بن عوف إلى دُومة الجندل

- ‌فصلفي قصة الحديبية

- ‌فصلفي بعض ما في قصة الحديبية من الفوائد الفقهية

- ‌فصلفي الإشارة إلى بعض الحكم التي تضمنتها هذه الهدنة

- ‌فصلفي غزوة خيبر

- ‌فصلفيما كان في غزوة خيبر من الأحكام الفقهية

- ‌ جواز إجلاء أهل الذمة من دار الإسلام إذا استُغني عنهم

- ‌ جواز عتق الرجل أمتَه وجعلِ عتقها صداقًا لها

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌ سرية أبي بكر الصديق إلى نجد قِبَلَ بني فزارة

- ‌ سرية بَشير بن سعد الأنصاري إلى بني مُرَّة بفَدَكٍ

- ‌فصلفي سرية عبد الله بن حُذافة السَّهمي

- ‌فصلفي عمرة القضية

- ‌فصلفي غزوة مؤتة

- ‌ سنة ثمان

- ‌فصلفي غزوة ذات السُّلاسل

- ‌فصلفي سرية الخَبَط

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌ جواز أكل ميتة البحر

- ‌فصلفي الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحَرَمه الأمينواستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدًى للعالمين من أيدي الكفار والمشركين

- ‌ذكر سرية خالد بن الوليد إلى بني جَذِيمة

- ‌فصلفي الإشارة إلى ما في هذه الغزوة من الفقه واللطائف

- ‌فصلفيما في خطبته العظيمة ثاني يوم الفتح من أنواع العلم

- ‌«إن مكة حرَّمها الله ولم يحرمها الناس»

- ‌«فلا يحل لأحد أن يسفك بها دمًا»

- ‌فصلفي غزاة حنين

- ‌فصلفي الإشارة إلى بعض ما تضمنته هذه الغزوة من المسائل الفقهيةوالنكت الحُكمية

- ‌ جواز انتظار الإمام بقَسْم الغنائمِ إسلامَ الكفار

- ‌فصلفي غزوة الطائف في شوال سنة ثمان

- ‌ سنةُ تسعٍ

- ‌فصلفي السرايا والبعوث في سنة تسع

- ‌ذكر سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم

- ‌فصلذكر سرية قُطبة بن عامر بن حَدِيدة إلى خَثْعَمَ

- ‌فصل(2)ذكر سرية الضحاك بن سفيان الكِلابي إلى بني كلاب

- ‌فصلذِكر سرية علقمة بن مُجَزِّزٍ المُدْلِجي إلى الحبشة

- ‌ذكر سرية علي بن أبي طالب إلى صنم طَيِّئٍ ليهدمه

- ‌ذكر قصة كعب بن زُهَير مع النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي غزوة تبوك

- ‌فصلفي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أُكَيدِرِ دُومةَ

- ‌فصلفي خطبته صلى الله عليه وسلم بتبوك وصلاته

- ‌فصلفي جمعه بين الصلاتين في غزوة تبوك

- ‌فصلفي رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك وما همَّ المنافقون به من الكيد به

- ‌فصلفي أمر مسجد الضِّرار الذي نهى الله رسوله أن يقوم فيه

- ‌فصلفي الإشارة إلى بعض ما تضمنته هذه الغزوة من الفقه والفوائد

- ‌ ما اشتملت عليه قصة الثلاثة الذين خلفوا من الحكم والفوائد الجمة

- ‌فصلفي قدوم وفود العرب وغيرهم على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر وفد بني عامر ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم على عامر بن الطفيل وكفاية الله له(3)شرَّه وشرَّ أَرْبَدَ بن قيسٍ بعد أن عصم منهما نبيه

- ‌فصلفي قدوم وفد عبد القيس

- ‌فصلفي قدوم وفد بني حنيفة

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌فصلفي قدوم وفد طيِّئٍ على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد كِندة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم الأشعريين وأهل اليمن

- ‌فصلفي قدوم وفد الأزد على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد بني الحارث بن كعب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد هَمْدان عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد مُزَينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد دَوسٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بخيبر

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌فصلفي قدوم وفد نجران عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌فصلفي قدوم رسول فروة بن عمرو الجُذامي ملك عربِ الروم

- ‌فصلفي قدوم وفد بني سعد بن بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم طارق بن عبد الله وقومه على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد تُجيب

- ‌فصلفي قدومِ وفد بني سعدِ هُذَيمٍ من قُضاعة

- ‌فصلفي قدوم وفد بني فَزارة

- ‌فصلفي قدوم وفد بني أسد

- ‌فصلفي قدوم وفد بَهْراء

- ‌فصلفي قدوم وفد عُذْرة

- ‌فصلفي قدوم وفد بَلِيٍّ

- ‌فصلفي قدوم وفد ذي مُرَّة

- ‌فصلفي قدوم وفد خَولان

- ‌فصلفي قدوم وفد مُحارب

- ‌فصلفي قدوم وفد صُداءٍ في سنة ثمان

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌فصلفي قدوم وفد غسَّان

- ‌فصلفي قدوم وفد سَلامان

- ‌فصلفي قدوم وفد بني عَبْس

- ‌فصلفي قدوم وفد غامد

- ‌فصلفي قدوم وفد الأزد على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد بني المُنتفِق(1)على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد النَّخَع على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر هديه صلى الله عليه وسلم في مكاتباته إلى الملوك وغيرهم

- ‌فصلفي كتابه إلى الحارث بن أبي شِمر الغَسَّاني

الفصل: ‌فصلفي قدوم وفد بلي

فأسلموا وبشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح الشام وهَرَبِ هرقل إلى ممتنع من بلاده، ونهاهم عن سؤال الكاهنة، وعن الذبائح التي كانوا يذبحونها، وأخبرهم أن ليس عليهم إلا الأضحية، فأقاموا أيامًا بدار رملة، ثم انصرفوا وقد أجيزوا

(1)

.

‌فصل

في قدوم وفد بَلِيٍّ

وقدم عليه وفد بَلِيٍّ

(2)

في ربيع الأول من سنة تسع، فأنزلهم رويفع بن ثابت البَلَوي

(3)

عنده، وقدم بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هؤلاء قومي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مرحبًا بك وبقومك» ، فأسلموا وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الحمد لله الذي هداكم للإسلام، فكل من مات على غير الإسلام فهو في النار» .

وقال له أبو الضُّبَيب

(4)

شيخُ الوفد: يا رسول الله، إني رجلٌ لي

(5)

رغبةٌ في الضيافة، فهل لي في ذلك أجر؟ قال:«نعم، وكل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة» . قال: يا رسول الله، ما وقت الضيافة؟ قال: «ثلاثة أيام، فما

(1)

«عيون الأثر» (2/ 251)، وهو في «الاكتفاء» (1: 2/ 340) بأطول منه. وأسنده ابن سعد (1/ 286، 6/ 314) عن الواقدي بإسناده إلى أبي عمرو بن حريث العُذري قال: وجدت في كتاب آبائي قالوا

فذكره بنحوه.

(2)

هم بنو بلي بن عمرو بن الحافي بن قُضاعة، وبلي هذا أخو بَهراء الذي سبق قريبًا.

(3)

هو غير رويفع بن ثابت الأنصاري النجاري. انظر: «الإصابة» (3/ 555، 556).

(4)

ويقال: «أبو الضبيس» . انظر: «الإصابة» (12/ 375).

(5)

كذا في ف، ب، ز. وفي سائر الأصول:«فيَّ» .

ص: 830

كان بعد ذلك فصدقةٌ، ولا يحلُّ للضيف أن يقيم عندك فيُحْرِجَك».

قال: يا رسول الله، أرأيت الضالة من الغنم أجدها في الفلاة من الأرض؟ قال:«لك أو لأخيك أو للذئب» ، قال: فالبعير؟ قال: «ما لك وله؟! دَعْه حتى يجده صاحبه»

(1)

.

قال رويفع: ثم قاموا فرجعوا إلى منزلي، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي منزلي يحمل تمرًا فقال:«استعن بهذا التمر» ، وكانوا يأكلون منه ومن غيره، فأقاموا ثلاثًا ثم ودَّعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجازهم ورجعوا إلى بلادهم

(2)

.

فصل

وفي هذه القصة من الفقه: إن للضيف حقًّا على من نزل به، وهو ثلاث مراتب: حقٌّ واجب، وتمام مستحب، وصدقة من الصدقات. فالحق الواجب يوم وليلة. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المراتب الثلاثة في الحديث المتفق على صحته

(3)

من حديث أبي شُرَيحٍ الخُزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرِمْ ضيفَه جائزتَه» ، قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: «يومُه وليلته، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يَثْوِي عنده حتى يُحْرِجَه» .

(1)

هذه الفقرة لها شاهد من حديث زيد بن خالد الجُهني عند البخاري (91) ومسلم (1722).

(2)

أسنده ابن سعد (1/ 285) عن الواقدي بإسناده إلى رويفع بن ثابت مختصرًا. وهو في «الاكتفاء» (1: 2/ 342) و «عيون الأثر» (2/ 252) بطوله.

(3)

البخاري (6019، 6135) ومسلم (48).

ص: 831

وفيه: جواز التقاط الغنم، وأن الشاة إذا لم يأت صاحبها فهي ملك الملتقط. واستدل بهذا بعض أصحابنا على أن الشاة ونحوها مما يجوز التقاطُه يُخيَّر الملتقط بين أكله في الحال وعليه قيمته، وبين بيعه وحفظ ثمنه، وبين تركه والإنفاق عليه من ماله، وهل يرجع به؟ على وجهين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جعلها له إلا أن يظهر صاحبُها، وإذا كانت له خُيِّر بين هذه الثلاثة، فإذا ظهر صاحبها دفعها إليه أو قيمتها.

وأما متقدِّمو أصحاب أحمدَ فعلى خلاف هذا؛ قال أبو الحسين

(1)

: لا يتصرف فيها قبل الحول روايةً واحدةً، وقال [ابن بَكْروس]

(2)

: إن قلنا: يأخذ ما لا يستقلُّ بنفسه كالغنم فإنه لا يتصرف فيها بأكل ولا غيره روايةً واحدةً، وكذلك قال ابن عقيل. ونص أحمد في رواية أبي طالب

(3)

في الشاة: يعرفها سنةً، فإن جاء صاحبها ردَّها إليه. وكذلك قال الشريفان

(4)

: لا يملك الشاةَ قبل الحول روايةً واحدةً. وقال أبو بكر

(5)

: وضالة الغنم إذا أخذها يُعرِّفها سنةً، وهو الواجب، فإذا مضت السنة ولم يعرف صاحبَها كانت له.

(1)

ابن أبي يعلى. انظر: «الإنصاف» للمرداوي (16/ 219 - 220).

(2)

بياض قدر كلمتين أو ثلاث بعد «قال» في ف، د، ز، ث. والظاهر أن المؤلف ترك البياض ليكتب فيه بعد ذلك اسم القائل. والمثبت بين الحاصرتين مستفاد من «الإنصاف». وابن بكروس هو: علي بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس، أبو الحسن البغدادي الفقيه الحنبلي، صنّف في المذهب كتاب «رؤوس المسائل» وغيره. توفي سنة 576.

(3)

نقلها غلام الخلَّال في «زاد المُسافِر» (3/ 393)

(4)

أبو جعفر العباسي (ت 470) وأبو القاسم الزيدي (ت 433)، كما في «الإنصاف» .

(5)

غلام الخلَّال في «زاد المُسافِر» (3/ 393).

ص: 832

والأول أفقه وأقرب إلى مصلحة الملتقط والمالك، إذ قد يكون تعريفها سنةً مستلزمًا لتغريم مالكها أضعاف قيمتها إن قلنا يرجع عليه بنفقتها، وإن قلنا لا يرجع استلزم تغريم الملتقط ذلك. وإن قيل يدعها ولا يلتقطها كانت للذئب وتَلِفَتْ، والشارع لا يأمر بضياع المال.

فإن قيل: فهذا الذي رَجَّحتموه مخالف لنصوص أحمد وأقوال أصحابه، وللدليل أيضًا. أما مخالفة نصوص أحمد فما تقدم حكايته في رواية أبي طالب، ونصَّ أيضًا في روايته في مضطرٍّ وجد شاةً مذبوحةً وشاةً مَيتةً قال: يأكل من الميتة ولا يأكل من المذبوحة؛ الميتة أحِلَّت والمذبوحة لها صاحب قد ذبحها، يريد: أن يُعرِّفها ويطلب صاحبها. فإذا أوجب إبقاء المذبوحة على حالها، فإبقاء الشاة الحية بطريق الأولى. وأما مخالفة كلام الأصحاب فقد تقدم. وأما مخالفة الدليل ففي حديث عبد الله بن عمرٍو: يا رسول الله، كيف ترى في ضالة الغنم؟ فقال:«هي لك أو لأخيك أو للذئب، احبس على أخيك ضالَّته»

(1)

، وفي لفظ:«رُدَّ على أخيك ضالته»

(2)

، وهذا يمنع البيع والذبح.

قيل: ليس في نص أحمد أكثر من التعريف، ومن يقول: إنه مُخيَّر بين أكلِها وبيعها وحفظها لا يقول بسقوط التعريف، بل يعرِّفها مع ذلك وقد عرف شِيَتها وعلامتها، فإن ظهر صاحبها أعطاه القيمة. فقول أحمد: يعرِّفها

(1)

أخرجه الطحاوي في «معاني الآثار» (4/ 135) والدارقطني (4570) والبيهقي (4/ 153، 6/ 190) من طرق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه.

(2)

أخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (3/ 111). وفي لفظٍ للبيهقي: «اجمَعْها حتى يأتي باغيها» .

ص: 833

أعم من تعريفها وهي باقية أو تعريفها وهي مضمونة في الذمة لمصلحة صاحبها وملتقطها، ولا سيما إذا التقطها في السفر فإن إيجاب تعريفها سنةً فيه من الحرج والمشقة ما لا يأتي

(1)

به الشارع، وفي تركها من تعريضها للإضاعة والهلاك ما ينافي أمرَه بأخذها وإخبارَه أنه إن لم يأخذها كانت للذئب، فيتعين ولا بد إما بيعُها وحفظ ثمنها، وإما أكلُها وضمان قيمتها أو مثلِها.

وأما مخالفة الأصحاب، فالذي اختار التخيير من أكبر أئمة الأصحاب ومن يقاس بشيوخ المذهب الكبار الأجلاء، وهو: أبو محمَّد المقدسي ــ قدَّس الله روحه ــ

(2)

، ولقد أحسن في اختياره التخييرَ كلَّ الإحسان.

وأما مخالفة الدليل فأين في الدليل الشرعي المنعُ من التصرف في الشاة الملتقَطة في المفازة وفي السفر بالبيع والأكل، وإيجابُ تعريفها، والإنفاقُ عليها سنةً مع الرجوع بالإنفاق أو مع عدمه؟ هذا ما لا تأتي به شريعة فضلًا أن يقوم عليه دليل. وقوله صلى الله عليه وسلم:«احبس على أخيك ضالته» صريح في أن المراد به أن لا يستأثر بها دونه ويزيل حقه منها، فإذا كان بيعُها وحفظُ ثمنها خيرًا له من تعريفها سنةً والإنفاقِ عليها وتغريمِ صاحبها أضعافَ قيمتها= كان حبسُها وردُّها عليه هو بالتخيير الذي يكون له فيه الحظ، والحديث يقتضيه بفحواه وقوته، وهذا ظاهر، وبالله التوفيق.

ومنها: أن البعير لا يجوز التقاطه، اللهم إلا أن يكون فَلُوًّا صغيرًا لا يمتنع من الذئب ونحوه، فحكمه حكم الشاة بتنبيه النص ودلالته.

(1)

النسخ المطبوعة: «يرضى» خلافًا للأصول.

(2)

انظر: «المغني» (8/ 339).

ص: 834