الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن إسحاق
(1)
: وحدثني سالم أبو النضر قال: لم يقبلوا الدية حتى قام الأقرع بن حابس فخلا بهم فقال: يا معشر قيسٍ، سألكم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قتيلًا تتركونه ليصلح به بين الناس فمنعتموه إياه، أفأمنتم أن يغضب عليكم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيغضبَ الله عليكم لغضبه، أو يلعنكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيلعنكم الله بلعنته لكم، والله لتُسلِمُنَّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لآتين بخمسين من بني تميم كلهم يشهدون أن القتيل ما صلى قط فلأُبطِلنَّ
(2)
دمه، فلما قال ذلك أخذوا الدية.
فصل
في سرية عبد الله بن حُذافة السَّهمي
ثبت في «الصحيحين»
(3)
من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نزل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] في عبد الله بن حُذافة السهمي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية
(4)
.
وثبت في «الصحيحين»
(5)
أيضًا من حديث الأعمش عن سعد
(6)
بن عُبَيدة عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي عن علي رضي الله عنه قال: استعمل
(1)
كما أخرجه عنه ابن هشام (2/ 628) والبيهقي في «الدلائل» (4/ 308).
(2)
كذا في الأصول. وفي المطبوع ومصدر النقل: «فلأَطُلَّنَّ» ، وهما بمعنى.
(3)
البخاري (4584) ومسلم (1834).
(4)
هذه السرية كانت في ربيع الآخر سنة تسع ــ أي: بعد غزوة الطائف ــ على ما ذكره ابن سعد (2/ 149)، وسيُعيد المؤلف ذكرها هناك (ص 645 - 647).
(5)
البخاري (4340، 7145) ومسلم (1840).
(6)
كذا في س وهو الصواب، وفي سائر الأصول:«سعيد» .
رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من الأنصار على سرية بعثهم وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، قال: فأغضبوه في شيء فقال: اجمعوا لي حطبًا، فجمعوا، فقال: أوقدوا لي نارًا، فأوقدوا، ثم قال: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى، قال: فادخلوها، قال: فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار
(1)
، قال: فسكن غضبه وطفئت النار، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له، فقال:«لو دخلوها ما خرجوا منها؛ إنما الطاعة في المعروف» . وهذا هو عبد الله بن حُذافة السهمي
(2)
.
فإن قيل: فلو دخلوها لدخلوها طاعةً لله ورسوله في ظنهم فكانوا متأولين مخطئين، فكيف يخلَّدون فيها؟
قيل: لمَّا كان إلقاء نفوسهم في النار معصيةً يكونون بها قاتلي أنفسهم، فهمُّوا بالمبادرة إليها من غير اجتهاد منهم هل هو طاعة وقربة أو معصية= كانوا مُقْدِمين على ما هو محرَّم عليهم ولا تسوغ طاعة ولي الأمر فيه، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فكانت طاعةُ مَن أمرهم بدخول النار معصيةً لله ورسوله، فكانت هذه الطاعة هي سبب العقوبة، لأنها نفس المعصية، فلو دخلوها لكانوا عصاةً لله ورسوله وإن كانوا مطيعين لولي الأمر، فلم تَدفع طاعتُهم لوليِّ الأمر معصيتَهم لله ورسوله، لأنهم قد علموا
(1)
زِيد في هامش ز مصححًا عليه: «أفندخلها» ، وهو في لفظٍ عند البخاري (7145).
(2)
يُشكل عليه أن حديث عليٍّ صريح بأن الأمير كان من الأنصار، وعبد الله بن حُذافة ليس كذلك، فإنه قرشي مُهاجري. وسيأتي (ص 646 - 647) استشكال المؤلف لهذا مع أمرين آخرين، وسيجيب عنها بقوله:«فإما أن يكون واقعتين، أو يكون حديث علي هو المحفوظ» .
أن من قتل نفسه فهو مستحق للوعيد، والله قد نهاهم عن قتل أنفسهم، فليس لهم أن يقدموا على هذا النهي طاعةً لمن لا تجب طاعته إلا في المعروف.
فإذا كان هذا حكمَ من عذَّب نفسه طاعةً لولي الأمر، فكيف بمن عذب مسلمًا لا يجوز تعذيبه طاعةً لولي الأمر.
وأيضًا فإذا كان الصحابة المذكورون لو دخلوها لما خرجوا منها مع قصدهم طاعةَ الله ورسوله بذلك الدخول، فكيف بمن حمله على ما لا يجوز من الطاعةِ الرَّغبةُ والرَّهبةُ الدُّنيوية.
وإذا كان هؤلاء لو دخلوها لما خرجوا منها مع كونهم قصدوا طاعة الأمير وظنوا أن ذلك طاعةٌ لله ورسوله، فكيف بمن دخلها من هؤلاء المُلبِّسين إخوانِ الشياطين، وأوهموا الجهال أن ذلك ميراثٌ مِن إبراهيم الخليل، وأن النار قد تصير عليهم بردًا وسلامًا كما صارت على إبراهيم، وخيارُ هؤلاء ملبوس عليه يظن أنه دخلها بحالٍ رحماني، وإنما دخلها بحال شيطاني؛ فإن كان لا يعلم بذلك فهو ملبوس عليه، وإن كان يعلم به فهو مُلبِّس على الناس يوهمهم أنه من أولياء الرحمن وهو من أولياء الشيطان، وأكثرهم يدخلها بحال بهتاني وتحيُّل إنساني، فهم في دخولها في الدنيا ثلاثة أصناف: ملبوس عليه، وملبِّس، ومتحيِّل؛ ونار الآخرة أشد عذابًا وأبقى
(1)
.
* * *
(1)
انظر خبر هؤلاء المُلبِّسين والمتحيِّلين ومناظرة شيخ الإسلام إياهم في «مجموع الفتاوى» (11/ 445 وما بعدها).