الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الله فزجر بعيرَه ثم اقتحم عن البعير يسوق القوم حتى إذا استمكن من اليسير ضرب رِجله فقطعها، واقتحم اليسير وفي يده مِخْرَش من شَوحطٍ
(1)
فضرب به وجه عبد الله فشجَّه مأمومةً
(2)
، فانكفأ كلُّ رجلٍ من المسلمين على رديفه فقتله، غيرَ رجل من اليهود أعجزهم شدًّا، ولم يُصَبْ من المسلمين أحد، وقَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق في شَجَّة عبد الله بن أنيس، فلم تَقِحْ ولم تُؤذه حتى مات
(3)
.
ومنها:
سرية بَشير بن سعد الأنصاري إلى بني مُرَّة بفَدَكٍ
في ثلاثين رجلًا، فخرج إليهم فلقي رِعاءَ الشاء، فاستاق الشاءَ والنَّعم ورجع إلى المدينة، فأدركه الطلب عند الليل فباتوا يُرامونهم بالنبل حتى فني نبل بشير وأصحابه، فولَّى منهم من ولى وأصيب من أصيب، وقاتل بشير قتالًا شديدًا، ورجع القوم بنعمهم وشائهم، وتحامل بشير حتى انتهى إلى فدك، فأقام عند يهود حتى برأت جراحه فرجع إلى المدينة
(4)
.
(1)
المخرش هو المِحجن، عصا معقّفة الرأس. والشوحط: ضرب من شجر النَّبْع.
(2)
أي: شجَّةً مأمومة، وهي التي بلغت أمَّ الرأس، وهي الجلدة التي تجمع الدماغ.
(3)
ذكره موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري مرسلًا، كما في «الدلائل» (4/ 294). وروي عن أبي الأسود عن عروة بنحوه كما في «مغازي الواقدي» (2/ 522) و «الدلائل» (4/ 293)، وذكره أيضًا ابن إسحاق بنحوه، كما في «سيرة ابن هشام» (2/ 618).
(4)
أخرجه الواقدي (2/ 723) ــ ومن طريقه البيهقي في «الدلائل» (4/ 295) ــ عن عبد الله بن الحارث بن فضيل عن أبيه مرسلًا. وقد ذكر موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري وابنُ إسحاق هذه السرية عند تعداد البعوث والسرايا دون أن يسوقا خبرها. انظر: «الدلائل» (5/ 464، 467).
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريةً إلى الحُرَقات من جُهَينة وفيهم أسامة بن زيد، فلما دنا منهم بعث الأمير الطلائع، فلما رجعوا بخبرهم أقبل حتى إذا دنا منهم ليلًا وقد احتلبوا وهدؤوا قام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال:«أوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وأن تطيعوني ولا تعصوني ولا تخالفوا أمري، فإنه لا رأي لمن لا يطاع» ثم رتَّبهم وقال: «يا فلان أنت وفلان، ويا فلان أنت وفلان، لا يفارق كلٌّ منكما صاحبَه وزميله، وإياكم أن يرجع أحد منكم فأقول: أين صاحبك؟ فيقول: لا أدري، فإذا كبَّرتُ فكبروا وجَرِّدوا السيوف» ، ثم كبَّروا وحملوا حملةً واحدةً وأحاطوا بالقوم، وأخذتهم سيوفُ الله فَهُم يضعونها حيث شاؤوا منهم، وشِعارهم:«أمت أمت» . وخرج أسامة في أثر رجل منهم يقال له: نَهِيك بن مِرداس
(1)
، فلما دنا منه ولَحَمَه بالسيف قال: لا إله إلا الله، فقتله. ثم استاقوا النساء
(2)
والنعم والذرية، وكانت سُهمانهم عشرة أبعرةٍ لكل رجل أو عدلها من النعم.
ولمَّا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أُخبِر بما صنع أسامة، فكَبُرَ ذلك عليه وقال:«أقتلتَه بعد ما قال: لا إله إلا الله؟» فقال: إنما قالها متعوِّذًا، قال:«فهلَّا شققت عن قلبه!» ثم قال: «من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟» فما زال يكرِّر ذلك عليه حتى تمنى أن يكون أسلم يومئذ، وقال: يا رسول الله، أعطي الله عهدًا أن لا أقتل رجلًا يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«بعدي» ،
(1)
كذا في جميع الأصول وفاقًا للواقدي، وغُيِّر في المطبوع إلى «مرداس بن نهيك» وفاقًا لما عند ابن إسحاق.
(2)
س، المطبوع:«الشاء» ، وهو كذلك في «مغازي الواقدي» . والمثبت من الأصول موافق لما في «الدلائل» .
فقال أسامة: «بعدك»
(1)
.
فصل
وبعث غالبَ بن عبد الله الكلبي إلى بني المُلوَّح بالكَدِيد وأمره أن يُغير عليهم
(2)
.
قال ابن إسحاق
(3)
: فحدثني يعقوب بن عُتبة، عن مسلم بن عبد الله الجُهَني، عن جُندب بن مَكِيث الجهني قال: كنتُ في سريته فمضينا حتى إذا كنا بقُدَيد لقينا به الحارث بن مالك بن البَرصاء الليثي، فأخذناه فقال: إنما جئت لأُسلِم، فقال له غالب بن عبد الله: إن كنتَ إنما جئت لتُسلم فلا يضرُّك رباط يوم وليلة، وإن كنتَ على غير ذلك استوثقنا منك، فأوثقه رباطًا وخلَّف عليه رُويجِلًا أسودَ وقال: امكُثْ معه حتى نمُرَّ عليك، فإن نازعك فاحتزَّ رأسَه، ومضينا حتى أتينا بطن الكَدِيد فنزلناه عشيةً بعد العصر، فبعثني
(1)
سياق الخبر مجموع من مغازي ابن إسحاق والواقدي، كما أسنده البيهقي عنهما في «الدلائل» (4/ 296 - 297). وانظر:«سيرة ابن هشام» (2/ 622) و «مغازي الواقدي» (2/ 724). وقصة أسامة أخرجها أيضًا البخاري (4269) ومسلم (96) من حديث أسامة بن زيد، وكذا أخرجها مسلم (97) من حديث جندب بن عبد الله البجلي، وليس فيهما قول أسامة: يا رسول الله، أعطي الله عهدًا
…
إلخ، وإنما ذكره ابن إسحاق عن محمد بن أسامة بن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه عن جدّه.
(2)
قال الواقدي: إنها كانت في صفر سنة ثمانٍ. «المغازي» (2/ 750). وبنو المُلوَّح بطن من بني لَيث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. انظر: «جمهرة أنساب العرب» (ص 180، 465). و «الكَدِيد» ماءٌ بين قُديدٍ وعُسفان، وسيأتي مزيد تعريف به (ص 485).
(3)
كما أخرجه عنه ابن هشام (2/ 609) وأحمد (15844) والحاكم مختصرًا (2/ 124) والبيهقي في «الدلائل» (4/ 298) والسياق له.
أصحابي إليه
(1)
فعمدت إلى تَلٍّ يُطْلِعني على الحاضر فانبطحتُ عليه، وذلك قبل غروب الشمس، فخرج رجل منهم فنظر فرآني منبطحًا على التل فقال لامرأته: إني لأرى سوادًا على هذا التلِّ ما رأيتُه في أول النهار، فانظري لا تكون الكلاب اجترَّت بعضَ أوعيتك، فنظرت فقالت: واللهِ ما أفقد شيئًا، قال: فناوليني قوسي وسهمين من نبلي، فناولَتْه، فرماني بسهم فوضعه في جنبي، فنزعتُه فوضعتُه ولم أتحرك، ثم رماني بالآخر فوضعه في رأس منكبي، فنزعته فوضعته ولم أتحرك، فقال لامرأته: أما واللهِ لقد خالطه سهامي، ولو كان زائلًا لتحرَّك، فإذا أصبحتِ فابتغي سهميَّ فخُذِيهما لا تمضغهما الكلاب عليَّ.
قال: فأمهلنا حتى إذا راحت رائحتهم
(2)
، واحتلبوا وسكنوا، وذهبت عَتَمة من الليل= شننَّا عليهم الغارةَ، فقتلنا من قتلنا، واستقنا النَّعَم فوجَّهنا قافلين به، وخرج صريخُهم إلى قومهم، وخرجنا سراعًا حتى نمرَّ بالحارث بن مالك وصاحبه، فانطلقنا به معنا، وأتانا صريخ الناس فجاءنا ما لا قِبَلَ لنا به حتى إذا لم يكن بيننا وبينهم إلا بطن الوادي من قُدَيد أرسل الله عز وجل من حيث شاء سيلًا، لا واللهِ ما رأينا قبل ذلك مطرًا، فجاء بما لا يقدر أحد يقوم عليه، فلقد رأيتُهم وقوفًا ينظرون إلينا ما يقدر أحدٌ منهم أن
(1)
«إليه» كذا في «الدلائل» مصدر المؤلف، والظاهر أنه تصحيف عن «رَبيئةً» كما عند ابن هشام وغيره، أو عن «رَئيَّةً» كما في «المسند». والربيئة: طليعة القوم يرقب العدو من مربأ، والرئيَّة: عين القوم.
(2)
الرائحة هي الماشية التي تروح ــ أي تعود بالعشي ــ إلى مُراحها. وهي ضد السارحة، وهي المتوجهة إلى المرعى.
يُقدِم عليه ونحن نحدوها، فذهبْنا سِراعًا حتى أسندناها في المُشَلَّل
(1)
، ثم حدرنا عنه، فأعجَزْنا القومَ بما في أيدينا.
وقد قيل: إن هذه السرية هي السرية التي قبلها، فالله أعلم.
فصل
ثم قدم حُسَيل بن نُوَيرة، وكان دليلَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«ما وراءك؟» قال: تركتُ جمعًا من يَمْنٍ وغطفانَ وحيَّان
(2)
وقد بعث
(1)
هي الثنية المشرفة على قُدَيد.
(2)
س: «جناب» ، وفي سائر الأصول رُسِم بالنون في آخره، والنقط المثبت من ص، د، ن. وضُبِط في «تاريخ الإسلام» للذهبي (1/ 303):«حَنان» ، وذكر محققه أن ناسخه البدر البشتكي هكذا جوّد ضبطه عن المؤلف. وكذا كان رسمه ــ أي بالنون في آخره ــ في الأصل الخطي من «مغازي الواقدي» (2/ 727) و «الدلائل» (4/ 301) كما ذكره محققوهما في الهامش، إلا أنهم غيروه في صلبهما إلى «جناب» . و «جِناب» (بكسر الجيم) أرض لغطفان بعِراض خيبرَ وسِلاحٍ ووادي القرى، وله ذِكر في خبر السريّة أيضًا، إلا أنه لا يلزم أن يكون «حيان» ــ أو «حنان» ــ مصحّفًا عنه، بل قد تكون النون فيه مصحّفة عن الراء ويكون الصواب:«جُبار» فإن له ذِكرًا في خبر السريّة أيضًا؛ قال ابن سعد في «الطبقات» (2/ 133): «سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى يَمْنٍ وجُبارٍ
…
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعًا مِن غَطَفان بالجِناب
…
حتى أتوا إلى يَمْنٍ وجُبار وهي نحو الجِناب». ويَمْن (بفتح الياء وقد تُضم) وجُبار كلاهما ماءٌ يقع شرقيَّ سِلاحٍ ــ وتُعرَف اليومَ بقرية «العِشاش» ــ شمالَ خيبر، وكثيرًا ما يُذكر «يَمْن وجُبار» مَقرُونين. قال عامر بن الطفيل:
ألا مَن مُبلِغٌ أسماءَ عني
…
ولو حَلَّتْ بيُمْنٍ أو جُبارِ
انظر: «طبقات ابن سعد» (3/ 493، 5/ 168) و «عيون الأثر» (2/ 147) و «الإشارة» لمُغلطاي (ص 289) و «معجم ما استعجم» (1/ 291، 2/ 1400) و «معجم البدان» لياقوت (2/ 98، 5/ 449)، و «معجم معالم الحجاز» للبلادي (ص 332، 1157، 1865).
إليهم عيينة: إما أن تسيروا إلينا وإما أن نسير إليكم، فأرسلَوا إليه أن سِرْ إلينا وهم يريدونك أو بعضَ أطرافِك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر فذكر لهما ذلك، فقالا جميعًا: ابعَثْ بشيرَ بن سعدٍ، فعقد له لواءً وبعث معه ثلاثمائة رجل، وأمرهم أن يسيروا الليل ويَكمُنُوا النهار، وخرج معهم حُسَيل دليلًا، فساروا الليل وكمنوا النهار حتى أتوا أسفل خيبر، حتى دنوا من القوم فأغاروا على سرحهم، وبلغ الخبرُ جميعَهم
(1)
فتفرَّقوا، فخرج بشير في أصحابه حتى أتى محالَّهم، فيجدها ليس بها أحد فرجع بالنعم، فلما كانوا بسِلاحٍ
(2)
لَقُوا عينًا لعيينة فقتلوه، ثم لقوا جمعَ عيينةَ وعيينةُ لا يشعر بهم، فناوشوهم، ثم انكشف جمعُ عيينة وتبعهم أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابوا منهم رجلين فقدموا بهما على النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلما فأرسلهما.
وقال الحارث بن عوف
(3)
لعيينة ولقيه منهزمًا تعدو به فرسه: قف، فقال: لا أقدِر خلفي الطلب، فقال له الحارث: أما آن لك أن تبصر بعض ما أنت عليه؛ إن محمدًا قد وطئ البلاد وأنت تُوضِع في غير شيء؟ قال
(1)
أي جَمْعَهم، وفي ن، المطبوع:«جمعهم» .
(2)
تقع في موضعه اليوم قريةُ العِشاش في الجزء الشمالي من محافظة خيبر. وتوجد آثار سلاح في آخر العشاش من الجنوب. انظر: «معجم معالم الحجاز» للبلادي (ص 821).
(3)
هو سيد بني مُرَّة من غطفان، وكان هو وعيينة بن حصن الفَزاري قائدَي غَطَفان في الأحزاب، أسلم سنة تسع منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك. انظر:«طبقات ابن سعد» (6/ 210).
الحارث: فأقمتُ من حين زالت الشمس إلى الليل وما أرى أحدًا ولا طلبوه، إلا الرعب الذي دخله!
(1)
.
فصل
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا حَدْرَد
(2)
الأسلمي في سرية وكان من قصته ما ذكر ابن إسحاق
(3)
: أن رجلًا من جُشَم بن معاوية يقال له: قيس بن رفاعة ــ أو رفاعة بن قيس ــ أقبل في عدد كثير حتى نزلوا بالغابة يريد أن يجمع قيسًا على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذا اسمٍ وشرف في جشم.
قال
(4)
: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلين من المسلمين، فقال:«اخرجوا إلى هذا الرجل حتى تأتوا منه بخبر وعلم» ، وقدَّم لنا شارفًا عجفاءَ
(5)
فحمل عليها أحدنا فواللهِ ما قامت به ضعفًا حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم
(1)
أخرجه الواقدي (2/ 727) ــ ومن طريقه البيهقي في «الدلائل» (4/ 301) ــ عن بشير بن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري معضلًا. وقد ذكر ابن إسحاق هذه السرية عند تعداد البعوث والسرايا دون أن يسوق خبرها. انظر: «سيرة ابن هشام» (ص 612).
(2)
المطبوع: «ابن أبي حدرد» خلافًا للأصول، لكنه موافق لما في «سيرة ابن هشام» من طريق البكائي عن ابن إسحاق. والمثبت من الأصول موافق لما نقله البيهقي في «الدلائل» من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق.
(3)
كما في «سيرة ابن هشام» (2/ 629) و «الدلائل» للبيهقي (4/ 303) والمؤلف صادر عنه. وقد ذكر الواقدي أيضًا هذه السرية في «مغازيه» (2/ 777) ولكن سياقها يختلف عمّا ذكره ابن إسحاق، وأرَّخ لها بشعبان سنة ثمان.
(4)
أي: أبو حدرد الأسلمي.
(5)
الشارف هي التي شَرُفت في السن، أي أسنَّت وهَرِمت.
حتى استقلت وما كادت، وقال:«تبلَّغوا على هذه» ، فخرجنا ومعنا سِلاحُنا من النبل والسيوف، حتى إذا جئنا قريبًا من الحاضر مع غروب الشمس فكمنت في ناحية وأمرتُ صاحبَيَّ فكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم، قلت لهما: إذا سمعتماني قد كبَّرتُ وشددت في العسكر فكبِّرا وشُدَّا معي، فوالله إنا لكذلك ننتظر أن نرى غِرَّةً أو نرى شيئًا وقد غشينا الليلُ حتى ذهبت فحمة العشاء.
وقد كان لهم راعٍ قد سرح في ذلك البلد فأبطأ عليهم حتى تخوفوا عليه، فقام صاحبهم رفاعة بن قيس فأخذ سيفه فجعله في عنقه وقال: والله لأتبعنَّ أثر راعينا هذا ولقد أصابه شرٌّ
(1)
، فقال نفر ممن معه: واللهِ لا تذهب نحن نكفيك، فقال: لا يذهب إلا أنا، قالوا: نحن معك، قال: والله لا يتبعني منكم أحد، وخرج حتى يمر
(2)
بي، فلما أمكنني نفحتُه بسهمٍ فوضعته في فؤاده، فوالله ما تكلم، فوثبتُ إليه فاحتززت رأسه، ثم شددت في ناحية العسكر وكبَّرت، وشدَّ صاحباي وكبَّرا، فوالله ما كان إلا النجاء ممن كان فيه: عندك عندك! بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم وما خف معهم من أموالهم، واستقنا إبلًا عظيمةً وغنمًا كثيرةً فجئنا بها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وجئتُ برأسه أحمله معي، فأعطاني من تلك الإبل ثلاثة عشر بعيرًا في صداقي، فجمعتُ إليَّ أهلي، وكنت قد تزوجتُ امرأةً من قومي فأصدقتها مائتي درهم فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستعينه على نكاحي فقال:«والله ما عندي ما أعينُك» ، فلبثت أيامًا ــ ثم ذكر هذه السرية ــ.
(1)
ص، ز، د، ف:«شيء» ، والمثبت من باقي الأصول موافق لمطبوعة «الدلائل» .
(2)
ص، ز، د:«مرّ» .
فصل
وبعث سَريةً إلى إضَمٍ
(1)
،
وكان فيهم أبو قتادة ومُحلِّم بن جَثَّامة في نفرٍ من المسلمين، فمرَّ بهم عامرُ بن الأضبط الأشجعي على قَعودٍ له معه مُتَيِّعٌ
(2)
له ووَطْبٌ مِن لبن، فسلم عليهم بتحية الإسلام فأمسكوا عنه وحمل عليه مُحلِّم بن جَثَّامة فقتله لشيءٍ كان بينه وبينه وأخذ بعيره ومُتيِّعَه، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر، فنزل فيهم القرآن:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 94]
(3)
.
(1)
وادٍ كبير يشق الحجاز حتى يفرغ في البحر، ويسمى اليوم «وادي الحمض» ، ومن روافده أودية المدينة وأودية خيبر، ويصب في البحر بين مدينتَي أُملج والوجه. انظر:«معجم معالم الحجاز» (ص 109) و «المعالم الجغرافية الواردة في السيرة» (ص 29).
هذا، وقد ذكر أهل المغازي أن هذه السرية كانت قُبيل الفتح في سنة ثمان، وذلك تعميةً للأخبار حتى يظن الظان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوجه إلى تلك الناحية. انظر:«مغازي الواقدي» (2/ 796) و «سيرة ابن هشام» (2/ 621) و «طبقات ابن سعد» (4/ 379).
(2)
تصغير «متاع» .
(3)
أخرجه ابن هشام في «السيرة» (2/ 626) وأحمد (23881) والطبري في «تفسيره» (7/ 354) والبيهقي في «الدلائل» (4/ 305) من طرق عن ابن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قُسيط عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد عن أبيه.
إسناده حسن، وقد اختاره الضياء (9/ 247).
فلما قدموا أُخبِر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال صلى الله عليه وسلم: «أقتلتَه بعدما قال: آمنت بالله؟»
(1)
.
ولما كان عام حُنين
(2)
جاء عيينة بن بدر
(3)
يطلب بدم عامر بن الأضبط وهو سيِّدُ قيس، وكان الأقرع بن حابس يرد عن مُحلِّم وهو سيد خِندِف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوم عامر:«هل لكم أن تأخذوا منَّا الآن خمسين بعيرًا وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة؟» فقال عيينة بن بدر: والله لا أدعه حتى أذيقَ نساءَه من الحرِّ مثلَ ما أذاق نسائي، فلم يزل به حتى رضوا بالدية، فجاؤوا بمحلِّم حتى يستغفر له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام بين يديه قال:«اللهم لا تغفر لمحلِّم» قالها ثلاثًا، فقام وإنه ليتلقَّى دموعَه بطرف ثوبه
(4)
. قال ابن إسحاق: وزعم قومه أنه استغفر له بعد ذلك.
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (3/ 1040) والبغوي في «معجم الصحابة» (1473) وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (3426) والبيهقي في «الدلائل» (4/ 306) من طريق حماد بن سلمة عن ابن إسحاق بإسناده السابق.
(2)
كذا في ن. وفي عامة الأصول والنسخ المطبوعة: «خيبر» ، وهو تصحيف؛ إذ السرية كانت بعد خيبر فكيف يأتي عيينة يُطالب بدم المقتول فيها عام خيبر؟! فضلًا عن أن عيينة لم يكن مسلمًا عام خيبر، وسياق الخبر واضح أنه كان بعد إسلامه.
(3)
هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، نسبه إلى جدّه الأعلى.
(4)
أخرجه ابن هشام (2/ 627) وأحمد (23879) وأبو داود (4503) والبيهقي في «الدلائل» (4/ 306) من طرق عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن زياد بن ضميرة بن سعد، عن عروة، عن أبيه ضميرة وجدّه، وكانا شهدا حنينًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي إسناده ضعف لجهالة زياد بن ضميرة.