الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك وما همَّ المنافقون به من الكيد به
وعصمة الله إياه
ذكر أبو الأسود في مغازيه
(1)
عن عروة قال: ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلًا من تبوك إلى المدينة، حتى إذا كان ببعض الطريق مكر برسول الله صلى الله عليه وسلم ناسٌ من المنافقين فتأمَّرُوا
(2)
أن يطرحوه من عقبة في الطريق، فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، فلما غشيهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أُخبِر خبرَهم فقال:«من شاء منكم أن يأخذ ببطن الوادي فإنه أوسع لكم» ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة وأخذ الناس ببطن الوادي، إلا النفر الذين هموا بالمكر برسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا سمعوا بذلك استعدُّوا وتلثَّمُوا وقد هموا بأمر عظيم، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر فمشيا معه، وأمر عمارًا أن يأخذ بزِمام الناقة وأمر حذيفة بِسَوقها، فبينا هم يسيرون إذ سمعوا وَكزة القَوم مِن ورائهم قد غشوه، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر حذيفة أن يردَّهم، وأبصر حذيفة غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع ومعه مِحجن فاستقبل وجوه رواحلهم فضربها ضربًا بالمحجن، وأبصر القومَ وهم مُتلثِّمون ولا يشعر إلا أن ذلك فِعلُ
(1)
كما في «دلائل النبوة» للبيهقي (5/ 256) من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود. وله شاهد من حديث أبي الطفيل عند أحمد (23792) والضياء في «المختارة» (8/ 221) بإسناد حسن. وآخر من حديث حذيفة عند البزار (2947) والطبراني في «الأوسط» (3831) والبيهقي في «الدلائل» (5/ 260) من طرق فيها لين. ومن حديثه أيضًا شاهد مختصر لأصل القصة عند مسلم (2779/ 11).
(2)
كذا جاء مضبوطًا في ف. وفي المطبوع: «فتآمروا» ، وهما بمعنى ..
المسافر، فأرعبهم الله سبحانه حين أبصروا حذيفةَ وظنُّوا أن مكرهم قد ظهر عليه فأسرعوا حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أدركه قال:«اضرب الراحلة يا حذيفة، وامشِ أنت يا عمار» ، فأسرعوا حتى استووا بأعلاها، فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفة:«هل عرفت من هؤلاء الرهط ــ أو: الركب ــ أحدًا؟» قال حذيفة: عرفت راحلة فلان وفلان، وقال: كانت ظلمةُ الليل وغشيتُهم وهم متلثمون، فقال صلى الله عليه وسلم
(1)
: «هل علمتم ما كان شأن الركب وما أرادوا؟» قالوا: لا والله يا رسول الله، قال: «فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا أظلمْتُ
(2)
في العقبة طرحوني منها»، قالوا: أَوَلا تأمر بهم يا رسول الله إذا جاءك الناسُ
(3)
فتُضرَب أعناقُهم؟ قال: «أكره أن يتحدث الناس ويقولون
(4)
: إن محمدًا قد وضع يده في أصحابه»، فسمّاهم لهما وقال:«اكتماهم» .
وقال ابن إسحاق
(5)
في هذه القصة: «إن الله قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم، وسأخبرك بهم إن شاء الله عند وجه الصبح، فانطلِقْ، إذا أصبحتَ فاجْمعهم» ، فلما أصبح قال: «ادعُ عبدَ الله بن أبي، وسعد بن أبي سرح، وأبا
(1)
س، ن، المطبوع:«رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
(2)
أي: دخلتُ في الظلام، قال تعالى:{وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} أي: داخلون في الظلام .. وفي النسخ المطبوعة: «اطلعت» ، تصحيف.
(3)
في الأصول: «إذا قال الناس» ، تصحيف، والتصحيح من «الدلائل» . أما في النسخ المطبوعة فضربوا عنه الذكر صفحًا فلم يثبتوه، فصار السياق:«أولا تأمر بهم يا رسول الله إذًا فنضرب أعناقهم؟» .
(4)
كذا في الأصول، وهو كذلك في مخطوطة «الدلائل» .
(5)
كما أسنده عنه البيهقي في «الدلائل» (5/ 257).
حاضر
(1)
الأعرابي، وعامرًا، وأبا عامر، والجُلاس بن سُوَيد بن الصامت»، وهو الذي قال: لا ننتهي حتى نرمي محمدًا من العقبة الليلة، وإن كان محمد وأصحابه خيرًا منا إنَّا إذًا لغنمٌ وهو الراعي ولا عقلَ لنا وهو العاقل!
وأمره أن يدعو مُجَمِّع بن جارية
(2)
ومليح
(3)
التيمي، وهو الذي سرق طيب الكعبة وارتد عن الإسلام فانطلق هاربًا في الأرض فلا يُدرى أين ذهب.
وأمره أن يدعو حُصَين
(4)
بن نمير الذي أغار على تمر الصدقة فسرقه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويحك ما حملك على هذا؟» فقال: حملني عليه أني ظننت أن الله لم يُطلعك عليه، فأما إذا أطلعك اللهُ عليه وعلمتَه فإني أشهد اليوم أنك رسول الله، وإني لم أومن بك قط قبل الساعة، فأقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عثرتَه وعفا عنه.
وأمره أن يدعو طُعَيمة بن أُبَيرق وعبد الله بن عيينة، وهو الذي قال لأصحابه: اسهَروا هذه الليلة تَسْلموا الدهرَ كلَّه، فوالله ما لكم أمر دون أن تقتلوا هذا الرجل، فدعاه فقال:«ويحك ما كان ينفعك من قتلي لو أني قُتِلت؟» فقال عبد الله: يا نبيَّ الله، واللهِ لا تزال
(5)
بخير ما أعطاك الله النصر على عدوك، إنما نحن بالله وبك، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1)
في النسخ المطبوعة: «أبا خاطر» ، تصحيف.
(2)
في الأصول عدا س: «حارثة» ، وكذا في النسخ المطبوعة، وهو تصحيف.
(3)
ص، ز، د، المطبوع:«مليحًا» ، وفي مطبوعة «الدلائل»:«فليح» ، والمثبت من سائر الأصول موافق لمخطوطته.
(4)
في الأصول والمطبوع: «حِصن» ، تصحيف. وانظر:«الإصابة» (2/ 569).
(5)
المطبوع: «لا نزال» وله وجه، والمثبت هو الذي في الأصول و «الدلائل» .
وقال: «ادعوا مُرّة بن الربيع» ، وهو الذي قال: نقتل الواحد الفرد فيكون الناس عامةً بقتله مطمئنين، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«ويحك ما حملك على أن تقول الذي قلت؟» فقال: يا رسول الله، إن كنتُ قلت شيئًا من ذلك إنك لعالم به، وما قلتُ شيئًا من ذلك.
فجمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم اثنا عشر رجلًا الذين حاربوا الله ورسوله وأرادوا قتله، فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم ومنطقهم وسرهم وعلانيتهم، وأطلع الله سبحانه نبيَّه على ذلك بعلمه، ومات الاثنا عشر منافقين محاربين لله ولرسوله، وذلك قوله عز وجل:{وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} [التوبة: 74].
وكان أبو عامر رأسَهم وله بَنَوا مسجد الضرار، وهو الذي كان يقال له: الراهب، فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم «الفاسق» ، وهو أبو حنظلة غسيلِ الملائكة، فأرسلوا إليه فقدم عليهم، فلما قدم عليهم أخزاه الله وإياهم فانهارت تلك البقعة في نار جهنم.
قلت: وفي سياق ما ذكره ابن إسحاق وهم من وجوه:
أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أسرَّ إلى حذيفة أسماء أولئك المنافقين ولم يطلع عليهم أحدًا غيرَه، وبذلك كان يقال لحذيفة: إنه صاحب السر الذي لا يعلمه غيره، ولم يكن عمر ولا غيره يعلم أسماءهم، وكان إذا مات الرجل وشكُّوا فيه يقول عمر:«انظروا فإن صلى عليه حذيفة وإلا فهو منافق منهم»
(1)
.
(1)
أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (8/ 200) من حديث الزهري عن عروة مرسلًا بنحوه. وله شاهد مرسل عن زيد بن وهب ــ وهو ثقة مخضرم ــ عند ابن أبي شيبة (38545) بإسناد صحيح.
الثاني: ما ذكرناه من قوله: «فيهم عبد الله بن أُبيّ» ، وهو وهم ظاهر، وقد ذكر ابن إسحاق نفسه
(1)
أن عبد الله بن أبي تخلَّف في غزوة تبوك.
الثالث: أن قوله: «وسعد بن أبي سرح» وهمٌ أيضًا وخطأ ظاهر، فإن سعد بن أبي سرح لم يُعرَف له إسلام البتة، وإنما ابنه عبد الله كان قد أسلم وهاجر ثم ارتد ولحق بمكة حتى استأمن له عثمان النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح فأمَّنه فأسلم وحَسُن إسلامه، ولم يظهر منه بعد ذلك شرٌّ ينكر عليه ولم يكن مع هؤلاء الاثني عشر البتة، فما أدري ما هذا الخطأ الفاحش!
الرابع: قوله: وكان أبو عامر رأسهم، وهذا وهمٌ ظاهر لا يخفى على من دون ابن إسحاق، بل هو نفسه قد ذكر
(2)
قصة أبي عامر هذا في قصة الهجرة عن عاصم بن عمر بن قتادة أن أبا عامر لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة خرج إلى مكة ببضعة عشر رجلًا، فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة خرج إلى الطائف، فلما أسلم أهل الطائف خرج إلى الشام فمات بها طريدًا غريبًا وحيدًا؛ فأين كان الفاسق وغزوة تبوك ذهابًا وإيابًا؟!
(3)
.
(1)
كما في «سيرة ابن هشام» (2/ 519) و «الدلائل» (5/ 219).
(2)
كما في «سيرة ابن هشام» (1/ 585 - 586).
(3)
ومن وجوه الوهم فيما ذكره ابن إسحاق: ذِكرُ «مجمع بن جارية» فيهم، فإنه كان أحد قرَّاء الأنصار الذين جمعوا القرآن، ولم يبقَ عليه إلا سورة أو سورتان حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم. وإنما كان أبوه جارية ممن اتخذ مسجد الضرار، وغاية ما أُخذ على مجمع أنه كان يؤم المنافقين فيه، وقد اعتَذَر عنه بأنه كان غلامًا حدثًا قارئًا للقرآن فقدّموه ليصلي بهم وهو لا يعلم بشيء من أمرهم. وله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم في السنن والمسانيد. وعلى كلٍّ فلم يكن من المنافقين الاثني عشر الذين ماتوا على النفاق. انظر:«سيرة ابن هشام» (1/ 522) و «طبقات ابن سعد» (2/ 306، 5/ 290) و «معرفة الصحابة» لأبي نُعيم (5/ 2544) و «الإصابة» (9/ 526). وانظر حديثه في «مسند أحمد» (15466 - 15470).