الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يستعلم فقه عمرو في تركه الاغتسال، فقال له:«صلَّيت بأصحابك وأنت جنب؟» ، فلما أخبره أنه تيمم للحاجة علم فقهَه فلم ينكِر عليه، ويدل عليه أن ما فعله عمرو من التيمم كان خشيةَ الهلاك بالبرد كما أخبر به، والصلاةُ بالتيمم في هذه الحال جائزة غيرُ منكَرٍ على فاعلها؛ فعلم أنه أراد استعلام فقهه وعلمه. والله أعلم.
فصل
في سرية الخَبَط
وكان أميرها أبا عبيدة
(1)
بن الجراح، وكانت في رجبٍ سنة ثمان فيما أنبأنا به الحافظ أبو الفتح محمد بن سيِّد الناس في كتاب «عيون الأثر»
(2)
له، وهو عندي وهم كما سنذكره إن شاء الله.
قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في ثلاثمائة رجل من المهاجرين والأنصار ــ وفيهم عمر بن الخطاب ــ إلى حيٍّ من جُهَينة بالقَبَلية
(3)
مما يلي ساحل البحر، وبينها وبين المدينة خمس ليال، فأصابهم في الطريق جوع شديد فأكلوا الخَبَط، وألقى لهم البحرُ حوتًا عظيمًا فأكلوا منه، ثم انصرفوا ولم يلقَوا كيدًا.
(1)
ص، د، ز:«أبو عبيدة» .
(2)
(2/ 158)، وهو قول الواقدي (1/ 6) وابن سعد (2/ 122) وابن سيد الناس صادر عنه هنا وفي السياق الآتي.
(3)
ويقال: «القِبْلية» ، وهي سراة فيما بين المدينة وينبع ذات جبال وأودية. انظر:«معجم البلدان» لياقوت (4/ 307) و «تاج العروس» (30/ 222).
وفي هذا نظر، فإن في «الصحيحين»
(1)
من حديث جابر قال: بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة راكبٍ أميرنا أبو عبيدة بن الجراح نرصد عيرًا لقريش، فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخَبَط
(2)
فسمي «جيشَ الخبط» ، فنحر رجل ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم إن أبا عبيدة نهاه، فألقى إلينا البحر دابةً يقال لها: العنبر، فأكلنا منه نصف شهر وادَّهنَّا منه
(3)
حتى ثابت منه أجسامُنا وصلحت، وأخذ أبو عبيدة ضلعًا من أضلاعه
(4)
فنظر إلى أطول رجل في الجيش وأطول جمل فحمله عليه ومرَّ تحته، وتزوَّدْنا من لحمه وَشَائق
(5)
، فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال:«هو رزق أخرجه اللهُ لكم، فهل معكم مِن لَحمِه شيءٌ تُطعمونا؟» فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكل.
قلت: وهذا السياق يدل على أن هذه الغزوة كانت قبل الهدنة وقبل عمرة الحديبية، فإنه مِن حين صالح أهل مكة بالحديبية لم يكن يرصد لهم عيرًا، بل كان زمنَ أمنٍ وهدنة إلى حين الفتح، ويبعد أن تكون سرية الخبط على هذا الوجه مرَّتين مرةً قبل الصلح ومرةً بعده. والله أعلم.
(1)
البخاري (4361، 5494) ومسلم (1935)، ولفظ المؤلف مجموع من رواياتهما.
(2)
الخَبَط: ورق الشجر يُخبط بالعصا حتى ينتثر ثم يجفَّف ويُطحن ويُعلَف به الإبل.
(3)
كذا في الأصول. وفي المطبوع: «فأكلنا منها
…
مِن وَدَكها» وهو لفظ مسلم (1935/ 18).
(4)
ص، د، ز:«أضلاعها» .
(5)
جمع الوشيقة: لحم يُغلى إغلاءة ثم يُرفع قبل أن ينضج ويقدَّد، وهو أبقى قديد يكون.