الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها: أن الرجل لا يجوز له أن ينتفع بالضالَّة التي لا يجوز التقاطُها كالإبل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُجوِّز للجارود ركوبَ الإبل الضالة وقال:«ضالة المسلم حَرَق النار» ، وذلك لأنه إنما أُمِر بتركها وأن لا يلتقطها حفظًا على ربِّها حتى يجدها إذا طلبها، فلو جوز له ركوبها والانتفاع بها لأفضى إلى أن لا يقدر عليها ربها، وأيضًا تطمع فيها النفوس وتتملَّكها فمنع الشارع من ذلك.
فصل
في قدوم وفد بني حنيفة
قال ابن إسحاق
(1)
: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة فيهم مسيلمة الكذاب، فكان منزلهم في دار امرأةٍ من الأنصار من بني النجار، فأتوا بمسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستتر
(2)
بالثياب ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه في يده عسيب من سَعَف النخل، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب كلَّمه وسأله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لو سألتَني هذا العسيب الذي في يدي ما أعطيتك!»
(3)
.
قال ابن إسحاق: فقال لي شيخ من أهل اليمامة من بني حنيفة: إن حديثه كان على غير هذا؛ زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلَّفوا مسيلمة في رحالهم، فلما أسلموا ذكروا له مكانه فقالوا: يا رسول الله، إنا قد خلَّفنا صاحبًا لنا في رحالنا وركابنا يحفظها لنا، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أمر
(1)
«سيرة ابن هشام» (2/ 576) و «دلائل النبوة» (5/ 330).
(2)
س، ث:«يستر» . ب: «مستتر» . في «الدلائل» : «يسترونه» .
(3)
له شاهد من حديث ابن عباس في «الصحيحين» بنحوه، وسيذكره المؤلف قريبًا.
به للقوم وقال: «أما إنه ليس بشركم مكانًا» يعني: حِفْظَه ضيعةَ أصحابه، وذلك الذي يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انصرفوا وجاؤوه بالذي أعطاه.
فلما قدموا اليمامة ارتدَّ عدوُّ الله وتَنَبَّى، وقال: إني أُشركت في الأمر معه، ألم يقل لكم حين ذكرتموني له:«أما إنه ليس بشركم مكانًا» ؟ وما ذاك إلا لِما كان يعلم أني قد أُشرِكت في الأمر معه. ثم جعل يسجع السَّجَعات فيقول لهم فيما يقول مضاهاةً للقرآن: «لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمةً تسعى، من بين سِفاقٍ
(1)
وحشا». ووضع عنهم الصلاة وأحلَّ لهم الخمر والزنا، وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نبي، فأصفقت معه حنيفة
(2)
على ذلك.
قال ابن إسحاق: وقد كان كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله. أما بعد، فإني قد أشركت في الأمر معك وإن لنا نصفَ الأمر ولقريش نصفَ الأمر، وليس قريش قوم يعدلون
(3)
»، فقدم عليه رسوله بهذا الكتاب، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد
(1)
النسخ المطبوعة: «صِفاق» وكذا في مطبوعة «الدلائل» ، والمثبت من الأصول موافق لمخطوطة «الدلائل» (نسخة كوبريلي). والظاهر أنها لغة في الصفاق، فقد ذكروا أن السَّفْقَ لغة في الصَّفْق، فيقال: سَفَق البابَ، وثوب سفيق، وسَفقة رابحة، ونحوها، وإن لم ينصُّوا على السِّفاق بعينه فإنه من الأصل نفسه. والصفاق: جلدة البطن الباطنة ما بين الجلد الظاهر والأمعاء.
(2)
د، ز، ن، والنسخ المطبوعة:«بنو حنيفة» ، وكذا كتب «بنو» في س بخط صغير فوق السطر. ولم ترد في سائر الأصول ولا في مصدر المؤلف.
(3)
كذا في جميع الأصول والطبعة الهندية، وحاولوا إصلاح العبارة في بعض الطبعات بنصب «قوم» ، فلم يصنعوا شيئًا إذ ليس الخطأ فيه بل فيما قبله وبعده، وصواب العبارة كما في «الدلائل»:«ولكن قريش قوم يعتدون» .
رسول الله إلى مسيلمة الكذاب. سلامٌ على من اتبع الهدى. أما بعد، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين»، فكان ذلك في آخر سنة عشر.
قال ابن إسحاق
(1)
: فحدثني سعد بن طارق، عن سلمة بن نُعَيم بن مسعود، عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه رسولا مسيلمةَ الكذابِ بكتابه يقول لهما: «وأنتما تقولان بمثل ما يقول؟» قالا: نعم، فقال:«أما والله لولا أن الرسل لا تُقتَل لضربت أعناقكما» .
وروينا في «مسند أبي داود الطيالسي»
(2)
عن أبي وائل عن عبد الله
(3)
قال: جاء ابن النَّوَّاحة وابن أُثال رسولَين لمسيلمة
(4)
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
(1)
كما في «الدلائل» (5/ 332). وأخرجه أيضًا أحمد (15989) وأبو داود (2761) والحاكم (2/ 143، 3/ 52) من طريق ابن إسحاق به. وهو حديث حسن، قد حسَّنه البخاري كما نقله الترمذي في «العلل الكبير» (ص 381).
(2)
برقم (248)، ومن طريقه أخرجه البيهقي في «الدلائل» (5/ 332). وأخرجه أيضًا أحمد (3708) والبزّار (1733) وأبو يعلى (5097) وابن حبان (4878) من طرق عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل به. وأخرجه أيضًا أحمد (3642) وأبو داود (2762) والنسائي في «الكبرى» (8622، 8623) وابن حبان (4879) من طريق أبي إسحاق عن حارثة بن مضرِّب عن ابن مسعود بنحوه. والحديث صحيح بمجموع هذين الإسنادين.
(3)
ف، ب، د، ث:«أبي عبد الله» ، خطأ. وجاء في آخر الحديث على الصواب في جميع الأصول. وعبد الله هو ابن مسعود.
(4)
زِيد في النسخ المطبوعة بعده: «الكذّاب» ، وهو كذلك إلا أنه ليس في الأصول ولا في مصدري النقل.
لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تشهدان أني رسول الله؟» فقالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«آمنت بالله ورسوله، ولو كنت قاتلًا رسولًا لقتلتكما» . قال عبد الله: فمضت السنة بأن الرسل لا تقتل.
وفي «صحيح البخاري»
(1)
قلت: وفي «الصحيحين»
(2)
من حديث نافع بن جُبَير عن ابن عباس قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فجعل يقول: إن جعل لي محمدٌ الأمرَ مِن بعده اتَّبعتُه، وقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل النبيُّ صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شمَّاس، وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة جريدٍ، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال:«إن سألتَني هذه القطعة ما أعطيتُكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليَعقِرنَّك الله، وإني أراك الذي أُريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت بن قيس يجيبك عني» ثم انصرف. قال ابن عباس: فسألت عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك الذي أريت فيه ما رأيت» ، فأخبرني أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا نائم رأيتُ في يديَّ سِوارين من ذهب،
(1)
برقم (4376)، واللفظ أشبه بلفظ البيهقي في «الدلائل» (5/ 333). وفي المطبوع غُيِّر بعض ألفاظه واستُبدل بها ألفاظ البخاري، فخرج الحديث مرقّعًا ملفّقًا، لا هو بالذي كتب المؤلف، ولا الذي في «الدلائل» ، ولا الذي عند البخاري!
(2)
البخاري (4373) ومسلم (2273) واللفظ أشبه بلفظ «الدلائل» (5/ 334).