المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي قدوم وفود العرب وغيرهم على النبي صلى الله عليه وسلم - زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم - جـ ٣

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فصلفي هديه في الجهاد والغزوات

- ‌فصلفي مبدأ الهجرة التي فرق الله فيها بين أوليائه وأعدائه

- ‌فصلفي بناء المسجد

- ‌فصلفي هديه في الأسارى

- ‌فصلفي هديه فيمن جسَّ عليه

- ‌ أنَّ من أسلم على شيءٍ في يده فهو له

- ‌فصلفي هديه في الأرض المغنومة

- ‌فصلفي ترتيب سياق هديه مع الكفار والمنافقينمن حين بُعث(3)إلى حين لقي الله عز وجل

- ‌فصلفي سياق مغازيه وبعوثه على وجه الاختصار

- ‌فصلفي قتل كعب بن الأشرف

- ‌فصلفي غزوة أحد

- ‌فصلفيما اشتملت عليه هذه الغزاة من الأحكام والفقه

- ‌فصلفي ذكر بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أُحُد

- ‌فصلفي غزوة دُومة الجندل

- ‌ سنة خمس

- ‌فصلفي غزوة المُرَيسِيع

- ‌فصلفي غزوة الخندق

- ‌فصلفي سريّة نجد

- ‌فصلفي غزوة الغابة

- ‌ سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القَصَّة

- ‌ سرية زيد بن حارثة إلى الطَّرَف

- ‌ سريةُ عبد الرحمن بن عوف إلى دُومة الجندل

- ‌فصلفي قصة الحديبية

- ‌فصلفي بعض ما في قصة الحديبية من الفوائد الفقهية

- ‌فصلفي الإشارة إلى بعض الحكم التي تضمنتها هذه الهدنة

- ‌فصلفي غزوة خيبر

- ‌فصلفيما كان في غزوة خيبر من الأحكام الفقهية

- ‌ جواز إجلاء أهل الذمة من دار الإسلام إذا استُغني عنهم

- ‌ جواز عتق الرجل أمتَه وجعلِ عتقها صداقًا لها

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌ سرية أبي بكر الصديق إلى نجد قِبَلَ بني فزارة

- ‌ سرية بَشير بن سعد الأنصاري إلى بني مُرَّة بفَدَكٍ

- ‌فصلفي سرية عبد الله بن حُذافة السَّهمي

- ‌فصلفي عمرة القضية

- ‌فصلفي غزوة مؤتة

- ‌ سنة ثمان

- ‌فصلفي غزوة ذات السُّلاسل

- ‌فصلفي سرية الخَبَط

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌ جواز أكل ميتة البحر

- ‌فصلفي الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحَرَمه الأمينواستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدًى للعالمين من أيدي الكفار والمشركين

- ‌ذكر سرية خالد بن الوليد إلى بني جَذِيمة

- ‌فصلفي الإشارة إلى ما في هذه الغزوة من الفقه واللطائف

- ‌فصلفيما في خطبته العظيمة ثاني يوم الفتح من أنواع العلم

- ‌«إن مكة حرَّمها الله ولم يحرمها الناس»

- ‌«فلا يحل لأحد أن يسفك بها دمًا»

- ‌فصلفي غزاة حنين

- ‌فصلفي الإشارة إلى بعض ما تضمنته هذه الغزوة من المسائل الفقهيةوالنكت الحُكمية

- ‌ جواز انتظار الإمام بقَسْم الغنائمِ إسلامَ الكفار

- ‌فصلفي غزوة الطائف في شوال سنة ثمان

- ‌ سنةُ تسعٍ

- ‌فصلفي السرايا والبعوث في سنة تسع

- ‌ذكر سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم

- ‌فصلذكر سرية قُطبة بن عامر بن حَدِيدة إلى خَثْعَمَ

- ‌فصل(2)ذكر سرية الضحاك بن سفيان الكِلابي إلى بني كلاب

- ‌فصلذِكر سرية علقمة بن مُجَزِّزٍ المُدْلِجي إلى الحبشة

- ‌ذكر سرية علي بن أبي طالب إلى صنم طَيِّئٍ ليهدمه

- ‌ذكر قصة كعب بن زُهَير مع النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي غزوة تبوك

- ‌فصلفي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أُكَيدِرِ دُومةَ

- ‌فصلفي خطبته صلى الله عليه وسلم بتبوك وصلاته

- ‌فصلفي جمعه بين الصلاتين في غزوة تبوك

- ‌فصلفي رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك وما همَّ المنافقون به من الكيد به

- ‌فصلفي أمر مسجد الضِّرار الذي نهى الله رسوله أن يقوم فيه

- ‌فصلفي الإشارة إلى بعض ما تضمنته هذه الغزوة من الفقه والفوائد

- ‌ ما اشتملت عليه قصة الثلاثة الذين خلفوا من الحكم والفوائد الجمة

- ‌فصلفي قدوم وفود العرب وغيرهم على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر وفد بني عامر ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم على عامر بن الطفيل وكفاية الله له(3)شرَّه وشرَّ أَرْبَدَ بن قيسٍ بعد أن عصم منهما نبيه

- ‌فصلفي قدوم وفد عبد القيس

- ‌فصلفي قدوم وفد بني حنيفة

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌فصلفي قدوم وفد طيِّئٍ على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد كِندة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم الأشعريين وأهل اليمن

- ‌فصلفي قدوم وفد الأزد على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد بني الحارث بن كعب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد هَمْدان عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد مُزَينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد دَوسٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بخيبر

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌فصلفي قدوم وفد نجران عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌فصلفي قدوم رسول فروة بن عمرو الجُذامي ملك عربِ الروم

- ‌فصلفي قدوم وفد بني سعد بن بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم طارق بن عبد الله وقومه على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد تُجيب

- ‌فصلفي قدومِ وفد بني سعدِ هُذَيمٍ من قُضاعة

- ‌فصلفي قدوم وفد بني فَزارة

- ‌فصلفي قدوم وفد بني أسد

- ‌فصلفي قدوم وفد بَهْراء

- ‌فصلفي قدوم وفد عُذْرة

- ‌فصلفي قدوم وفد بَلِيٍّ

- ‌فصلفي قدوم وفد ذي مُرَّة

- ‌فصلفي قدوم وفد خَولان

- ‌فصلفي قدوم وفد مُحارب

- ‌فصلفي قدوم وفد صُداءٍ في سنة ثمان

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌فصلفي قدوم وفد غسَّان

- ‌فصلفي قدوم وفد سَلامان

- ‌فصلفي قدوم وفد بني عَبْس

- ‌فصلفي قدوم وفد غامد

- ‌فصلفي قدوم وفد الأزد على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد بني المُنتفِق(1)على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد النَّخَع على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر هديه صلى الله عليه وسلم في مكاتباته إلى الملوك وغيرهم

- ‌فصلفي كتابه إلى الحارث بن أبي شِمر الغَسَّاني

الفصل: ‌فصلفي قدوم وفود العرب وغيرهم على النبي صلى الله عليه وسلم

‌فصل

في قدوم وفود العرب وغيرهم على النبي صلى الله عليه وسلم

-

فقدم عليه وفدُ ثقيفٍ، وقد تقدم مع سياق غزوة الطائف

(1)

. قال موسى بن عقبة

(2)

: وأقام أبو بكر للناس حجهم، وقدم عروة بن مسعود الثقفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرجع إلى قومه ــ فذكر نحو ما تقدم ــ وقال: فقدم وفدهم وفيهم كِنانة بن عبد يالِيل وهو رأسهم يومئذ، وفيهم عثمان بن أبي العاص وهو أصغر الوفد، فقال المغيرة بن شعبة: يا رسول الله، أنزِلْ قومي عليَّ فأُكرمَهم فإني حديث الجرح فيهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أمنعك أن تكرم قومك، ولكن ننزلهم

(3)

حيث يسمعون القرآن»، وكان من جرح المغيرة في قومه أنه كان أجيرًا لثقيفٍ وأنهم أقبلوا من مصر

(4)

حتى إذا كانوا ببعض الطريق عدا عليهم وهم نيام فقتلهم، ثم أقبل بأموالهم حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنا

(5)

لا نغدر» وأبى

(1)

(ص 623) من رواية ابن إسحاق.

(2)

كما أسنده عنه البيهقي في «الدلائل» (5/ 299). وبمعناه رواية ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة، كما قال البيهقي.

(3)

ف، س، ث، ن:«نزلهم» ، وفي «الدلائل»:«منزلهم» .

(4)

كذا في الأصول، وكذا في مطبوعة «الدلائل» ومخطوطته، وأيضًا في «تاريخ الإسلام» (1/ 448). وفي النسخ المطبوعة:«مُضَر» ، فليحرَّر.

(5)

في النسخ المطبوعة: «أما الإسلام فنقبل وأما المال فلا، فإنا

»، وهي زيادة ليست في شيء من الأصول ولا في مصدر النقل، إلا أنها جاءت في هامش ن بخط مغاير.

ص: 750

أن يُخمِّس ما معه

(1)

،

وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد ثقيفٍ في المسجد وبنى لهم خيامًا لكي يسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلَّوا.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب لا يذكر نفسه فلما سمعه وفدُ ثقيفٍ قالوا: يأمرنا أن نشهد أنه رسول الله ولا يشهد به في خطبته، فلما بلغه قولُهم قال:«فإني أول من شهد أني رسول الله» .

وكانوا يغدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّ يوم، ويخلِّفُون عثمان بن أبي العاص على رحالهم لأنه أصغرهم، فكان عثمان كلما رجع الوفد إليه وقالوا بالهاجرة عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن الدين واستقرأه القرآن، فاختلف إليه عثمان مرارًا حتى فقه في الدين وعلم، وكان إذا وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم نائمًا عمد لأبي بكر، وكان يكتم ذلك من أصحابه فأعجب ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأحبَّه.

فمكث الوفد يختلفون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعوهم إلى الإسلام فأسلموا، فقال كنانة بن عبد ياليل: هل أنت مُقاضينا حتى نرجع إلى قومنا؟ قال: «نعم، إن أنتم أقررتم بالإسلام أقاضيكم، وإلا فلا قضية ولا صلح بيني وبينكم» ، قالوا: أفرأيت الزنا، فإنا قوم نغترب، لا بد لنا منه؟ قال: «هو عليكم حرام، فإن الله عز وجل يقول: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً

(2)

وَسَاءَ

(1)

له شاهد من حديث المسور ومروان عند البخاري (2731) في قصة الحديبية، وفيه أن عروة بن مسعود للمغيرة:«أي غُدَر، ألستُ أسعى في غدرَتك؟ وكان المغيرة صحب قومًا في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء» .. وقد سبق (ص 346 - 347).

(2)

في د، ث، ب زيادة:«ومقتًا» ، خطأ، وهي مضروب عليها في ف.

ص: 751

سَبِيلًا} [الإسراء: 32]»، قالوا: أفرأيت الربا فإنه أموالنا كلها؟ قال: «لكم رؤوس أموالكم؛ إن الله يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]» ، قالوا: أفرأيت الخمر، فإنها عصير أرضنا لا بد لنا منها؟ قال:«إن الله قد حرمها» ، وقرأ:{(89) الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].

فارتفع القوم فخلا بعضهم ببعض فقالوا: ويحكم! إنا نخاف إن خالفناه يومًا كيوم مكة، انطلقوا نكاتِبْه على ما سألنَا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: نعم لك ما سألت، أرأيت الربَّة ماذا نصنع فيها؟ قال:«اهدِموها» ، قالوا: هيهات، لو تعلم الربة أنك تريد هدمها قتلَتْ أهلَها، فقال عمر بن الخطاب: ويحك يا ابنَ عبد يالِيل! ما أجهلَك، إنما الربة حجر! فقال: إنا لم نأتك يا ابن الخطاب، وقالوا: يا رسول الله، تولَّ أنت هدمها، فأما نحن فإنا لن نهدمها أبدًا، قال:«فسأبعث إليكم من يكفيكم هدمها» ، فكاتَبوه فقال كنانة بن عبد ياليل: ائذن لنا قبلَ رسولك، ثم ابعث في آثارنا، فإنا أعلم بقومنا، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكرمهم وحباهم.

وقالوا: يا رسول الله! أَمِّرْ علينا رجلًا يؤمُّنا

(1)

، فأمَّر عليهم عثمان بن أبي العاص لِما رأى من حرصه على الإسلام، وكان قد تعلم سورًا من القرآن قبل أن يخرج.

فقال كنانة بن عبد ياليل: أنا أعلم الناس بثقيف، فاكتموهم القضيةَ وخوِّفوهم بالحرب والقتال، وأخبِروهم أن محمدًا سألَنا أمورًا أبيناها عليه،

(1)

زِيد في النسخ المطبوعة بعده: «مِن قومنا» ، وليس في شيء من الأصول.

ص: 752

سألَنا أن نهدم اللات والعزى، وأن نحرِّم الخمر والزنا، وأن نُبطل أموالَنا في الربا. فخرجت ثقيف حين دنا منهم الوفد يتلقونهم، فلما رأوهم قد ساروا العَنَق وقَطَروا الإبلَ وتغشَّوا ثيابهم كهيئة القوم قد حزنوا وكربوا ولم يرجعوا بخير، فقال بعضهم لبعض: ما جاء وفدكم بخير ولا رجعوا به.

ودخل

(1)

الوفد فقصدوا اللات ونزلوا عندها ــ واللات وثن كان بين ظَهرَي

(2)

الطائف يُسْتر ويُهدى له الهدي كما يهدى لبيت الله الحرام ــ فقال ناسٌ مِن ثقيف حين نزل الوفد إليها: إنهم لا عهد لهم برؤيتها، ثم رجع كل رجل منهم إلى أهله، وجاء كلًّا منهم خاصَّتُه من ثقيفٍ فسألوهم: ماذا جئتم به وماذا رجعتم به؟ قالوا: أتينا رجلًا فظًّا غليظًا يأخذ من أمره ما يشاء، قد ظهر بالسيف وداخ له العرب ودان له الناس، فعرض علينا أمورًا شدادًا: هَدْمَ اللات والعزى، وتركَ الأموال في الربا إلا رؤوس أموالكم، وحرَّم الخمر والزنا، فقالت ثقيف: والله لا نقبل هذا أبدًا، فقال الوفد: أصلِحوا السلاح وتهيؤوا للقتال وتَعبَّوا له ورُمُّوا حِصنكم، فمكثت ثقيف بذلك يومين أو ثلاثةً يريدون ــ زعموا

(3)

ــ القتال، ثم ألقى الله عز وجل في قلوبهم الرعب فقالوا: والله ما لنا به طاقة وقد أداخ العربَ

(4)

كلَّها، فارجِعوا إليه فأعطوه ما سأل وصالحوه عليه.

فلما رأى الوفدُ أنهم قد رغبوا واختاروا الأمان على الخوف والحرب

(1)

المطبوع: «وترجَّل» خلافًا للأصول ومصدر النقل.

(2)

د، ز، المطبوع:«ظهراني» ، والمثبت من سائر الأصول موافق لـ «دلائل النبوة» .

(3)

«زعموا» سقط من ن، والنسخ المطبوعة.

(4)

أي: قهرهم واستولى عليهم. وقد تحرّف «أداخ العرب» في س، ث، ن، والنسخ المطبوعة إلى ألوان شتَّى يطول المقام بذكرها.

ص: 753

قال الوفد: فإنا قد قاضيناه وأعطيناه ما أحببنا وشرطنا ما أردنا، ووجدناه أتقى الناس وأوفاهم وأرحمَهم وأصدقَهم، وقد بورك لنا ولكم في مسيرنا إليه وفيما قاضيناه عليه، فاقبلوا عافيةَ الله، فقالت ثقيف: فلِمَ كتمتمونا هذا الحديث وغممتمونا أشد الغم؟ فقالوا: أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان، فأسلَموا مكانهم ومكثوا أيامًا.

ثم قدم عليهم رسلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمَّر عليهم خالد بن الوليد وفيهم المغيرة بن شعبة، فلما قدموا عمدوا إلى اللات ليهدموها، واستكفت ثقيف كلها الرجال والنساء والصبيان حتى خرج العواتق من الحِجال، لا ترى عامة ثقيف أنها مهدومة ويظنون أنها ممتنعة، فقام المغيرة بن شعبة فأخذ الكِرْزِين

(1)

وقال لأصحابه: والله لأضحكنكم من ثقيف، فضرب بالكرزين ثم سقط يركض فارتجَّ أهل الطائف بضجةٍ واحدة وقالوا: أبعد الله المغيرةَ قتلَتْه الربَّة، وفرحوا حين رأوه ساقطًا وقالوا: من شاء منكم فليقترب

(2)

وليجتهد على هدمها فوالله لا تستطاع، فوثب المغيرة بن شعبة فقال: قبحكم الله يا معشر ثقيف! إنما هي لَكاعِ حجارةٌ ومَدَر، فاقبلوا عافية الله واعبدوه، ثم ضرب الباب فكسره، ثم علا سورها وعلا الرجالُ معه، فما زالوا يهدمونها حجرًا حجرًا حتى سووها بالأرض، وجعل صاحب المفتاح يقول: ليغضبَنَّ الأساسُ

(3)

فليخسفنَّ بهم، فلما سمع ذلك المغيرة قال لخالد: دعني أحفر

(1)

الكرزين: الفأس العظيمة.

(2)

د، ث، س، المطبوع:«فليقرب» . ولم تتضح نسخة ف لأن الأرضة حالت بين القاف والراء، والمثبت من ب، ز موافق لمصدر النقل.

(3)

في هامش ف: «الاساف» وعليه علامة (خ)، ولم يتبيَّن لي وجهه.

ص: 754

أساسها، فحفره

(1)

حتى أخرجوا ترابها وانتزعوا حليَّها وثيابها

(2)

، فبهتت ثقيف فقالت عجوز منهم: أسلمها الرُّضَّاع وتركوا المِصاع

(3)

.

وأقبل الوفد حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحِليتها وكسوتها، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه، وحمد الله على نصرة نبيه وإعزاز دينه ــ وقد تقدم

(4)

أنه أعطاه لأبي سفيان بن حرب ــ؛ لفظ موسى بن عقبة.

وزعم ابن إسحاق

(5)

أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم من تبوك في رمضان، وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف.

ورُوينا في «سنن أبي داود»

(6)

عن جابر قال: اشترطت ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك:«سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا» .

وروينا في «مسند

(7)

أبي داود الطيالسي»

(8)

عن عثمان بن أبي العاص

(1)

ز، س، ث، ن:«فحفروا» .

(2)

النسخ المطبوعة: «ولباسها» خلافًا للأصول ومصدر النقل.

(3)

الرُّضَّاع: جمع الراضع، وهو اللئيم، وقد سبق وجه تسميته (ص 326 - هامش). والمِصاع: المضاربة بالسيف، مرادها تعنيف ثقيف على عدم قتالهم دون إلههم.

(4)

(ص 627) حيث ساق الخبر من مغازي ابن إسحاق.

(5)

كما في «سيرة ابن هشام» (2/ 537) و «الدلائل» (5/ 304).

(6)

برقم (3025) ــ ومن طريقه البيهقي في «الدلائل» (5/ 306) ــ بإسناد جيّد. وأخرجه أحمد (14673، 14674) من طريق آخر عن جابر بنحوه.

(7)

ن، والنسخ المطبوعة:«سنن» ، خطأ.

(8)

كذا قال المؤلف، وهو وهمٌ سببه انتقال النظر أو سقط في نسخة «دلائل النبوة» التي كانت بين يدي المؤلف، فإن البيهقي أسند فيه (5/ 306) من طريق أبي داود الطيالسي حديثًا آخر قبل هذا الحديث مباشرةً، وهو عن عثمان بن أبي العاص قال: آخر ما عهد إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أَمَمْتَ قومًا فأخفَّ بهم الصلاة» ــ وهو في «مسند الطيالسي» (982) ــ، ثم أسند هذا الحديث بإسناد آخر من غير طريق الطيالسي. وقد أخرجه أيضًا أبو داود السجستاني (450) وابن ماجه (743) والحاكم (3/ 618)، وفي إسناده لين لجهالة محمد بن عبد الله بن عياض الطائفي الراوي عن عثمان بن أبي العاص.

ص: 755

أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طاغيتهم.

وفي مغازي المعتمر

(1)

بن سليمان قال: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي يحدث [عن عثمان بن عبد الله]

(2)

عن عمِّه عمرو بن أوس عن عثمان بن أبي العاص قال: استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصغر الستة الذين وفدوا عليه من ثقيف، وذلك أني كنت قرأت سورة البقرة فقلت: يا رسول الله، إن القرآن يتفلَّت مني، فوضع يده على صدري وقال:«يا شيطان، اخرج من صدر عثمان» ، فما نسيتُ شيئًا بعده أريد حفظه.

وفي «صحيح مسلم»

(3)

عن عثمان بن أبي العاص قلت: يا رسول الله!

(1)

ومن طريقه أخرجه عمر بن شبَّة في «أخبار المدينة» (2/ 105) والبيهقي في «الدلائل» (5/ 308)، وإسناده لا بأس به في المتابعات والشواهد. وقد روي من طريق آخر بإسناد جيّد عند ابن ماجه (3548) والرُّوياني (1515) بنحوه. وله طرق أخرى لا تخلو من مقال. انظر:«السلسلة الصحيحة» للألباني (2918).

(2)

ما بين الحاصرتين استُدرك من «أخبار المدينة» لابن شبّة، وقد سقط من جميع الأصول تبعًا لـ «دلائل النبوة» مصدر المؤلف. وعثمان بن عبد الله هو ابن أوس الثقفي الطائفي، ابن أخي عمرو بن أوس.

(3)

برقم (2203)، وأخرجه أيضًا البيهقي في «الدلائل» (5/ 307) واللفظ له.

ص: 756

إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، فقال:«ذاك شيطان يقال له: خنزب، فإذا أحسسته فتعوَّذْ بالله منه واتْفِل عن يسارك ثلاثًا» ، قال: ففعلت فأذهبه الله عني.

فصل

وفي قصة هذا الوفد من الفقه أن الرجل من أهل الحرب إذا غدر بقومه وأخذ أموالهم ثم قدم مسلمًا لم يتعرَّض له الإمام، ولا لما أخذه من المال، ولا يضمن ما أتلفه قبل مجيئه من نفس ولا مال، كما لم يتعرَّض النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذه المغيرة من أموال الثقفيِّين، ولا ضمن ما أتلفه عليهم، وقال:«أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء» .

ومنها: جواز إنزال المشرك في المسجد، ولا سيما إذا كان يرجو إسلامه وتمكينه من سماع القرآن ومشاهدة أهل الإسلام وعباداتهم

(1)

.

ومنها: حسن سياسة الوفد وتلطُّفهم حتى تمكَّنوا من تبليغ

(2)

ثقيفٍ ما قدموا به، فتصوَّروا لهم بصورة المُنكِر لما يكرهونه المُوافِقِ لهم فيما يَهْوَونه، حتى ركنوا إليهم واطمأنُّوا، فلما علموا أنهم ليس لهم بد من الدخول في دعوة الإسلام أذعنوا، فأعلمهم الوفد أنهم بذلك قد جاؤوهم، ولو فاجؤوهم به من أول وهلة لما أقرُّوا به ولا أذعنوا، وهذا من حُسن

(3)

الدعوة وتمام التبليغ، ولا يتأتى إلا

(4)

مع ألبَّاء الناس وعقلائهم.

(1)

ث، ن، والنسخ المطبوعة:«عبادتهم» .

(2)

ز، والنسخ المطبوعة:«إبلاغ» .

(3)

ن، والنسخ المطبوعة:«أحسن» ، تصحيف.

(4)

«إلا» سقطت من المطبوع.

ص: 757

ومنها: أن المستحقَّ لإمرة القوم وإمامتِهم أفضلُهم وأعلمهم بكتاب الله وأفقهُهم في دينه.

ومنها: هدم مواضع الشرك التي تُتَّخذ بيوتًا للطواغيت، وهدمُها أحبُّ إلى الله ورسوله وأنفع للإسلام والمسلمين من هدم الحانات والمواخير

(1)

. وهذا حال المشاهد المبنية على القبور التي تُعبَد من دون الله ويُشرَك بأربابها مع الله، لا يحل إبقاؤها في الإسلام ويجب هدمُها، ولا يصح وقفها ولا الوقف عليها، وللإمام أن يقطعها وأوقافها لجند الإسلام، ويستعين بها على مصالح المسلمين. وكذلك ما فيها من الآلات والمتاع والنذور التي تُساق إليها يُضاهى بها الهدايا التي تساق إلى البيت الحرام= للإمام أخذُها كلِّها وصرفها في مصالح المسلمين، كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم أموال بيوت هذه الطواغيت وصرفها في مصالح الإسلام، وكان يُفعَل عندها ما يفعل عند هذه المشاهد سواء، من النذور لها والتبرُّك بها والتمسُّح بها وتقبيلها واستلامها؛ هذا كان شرك القوم بها ولم يكونوا يعتقدون أنها خلقت السماوات والأرض، بل كان شركهم بها كشرك أهل الشرك من أرباب المشاهد بعينه.

ومنها: استحباب اتخاذ المساجد مكانَ بيوت الطواغيت، فيُعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا في الأمكنة التي كان يُشرَك به فيها، وهكذا الواجب في مثل هذه المشاهد أن تُهدَم وتجعل مساجد إن احتاج إليها المسلمون، وإلا أقطعها الإمام هي وأوقافها للمقاتلة وغيرهم.

ومنها: أن العبد إذا تعوَّذ بالله من الشيطان

(2)

وتفل عن يساره لم يضرَّه

(1)

المواخير: جمع الماخور، وهو الحانوت، أي: بيت الخمر، في لغة أهل العراق.

(2)

بعده في هامش ز، ن، المطبوع:«الرجيم» .

ص: 758