الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العليا خير من اليد السفلى؛ أمَّك وأباك وأختَك وأخاك وأدناك أدناك»، إذ أقبل رجل من بني يربوع ــ أو قال: من الأنصار ــ فقال: يا رسول الله، لنا في هؤلاء دماء في الجاهلية، فقال:«إن أُمًّا لا تجني على ولدٍ» ثلاث مرات.
فصل
في قدوم وفد تُجيب
وقدم عليه صلى الله عليه وسلم وفد تُجيبَ وهم من السَّكُون
(1)
ثلاثة عشر رجلًا قد ساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض الله عليهم، فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وأكرم منزلهم، وقالوا: يا رسول الله، سُقنا إليك حقَّ الله في أموالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ردُّوها فاقسموها على فقرائكم» ، قالوا: يا رسول الله، ما قَدِمنا عليك إلا بما فضل عن فقرائنا، فقال أبو بكر: يا رسول، الله ما وفد من العرب بمثل ما وفد به هذا الحيُّ من تجيب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن الهدى بيد الله عز وجل، فمن أراد به خيرًا شرح صدره للإيمان» . وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء فكتب لهم بها، وجعلوا يسألونه عن القرآن والسنن، فازداد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم رغبةً وأمر بلالًا أن يحسن ضيافتهم، فأقاموا أيامًا ولم يطيلوا اللبث فقيل لهم: ما يُعْجِلكم
(2)
؟ فقالوا: نرجع إلى مَن وراءنا فنخبرهم برؤيتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلامنا إياه وما ردَّ علينا.
(1)
من قبائل كندة، وهو السَّكون بن أشرس بن كندة. وتُجيب هم بنو عديٍّ وسعدٍ ابني أشرس بن شبيب بن السَّكون. وسمُّوا تجيب نسبةً إلى جدّتهم تجيب بنت ثوبان المذحجيّة، أم عديٍّ وسعدٍ ابني أشرس. انظر:«جمهرة أنساب العرب» لابن حزم (ص 429، 477).
(2)
في المطبوع: «يعجبكم» ، تصحيف.
ثم جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يودِّعُونه فأرسل إليهم بلالًا فأجازهم بأرفع ما كان يجيز به الوفود، قال:«هل بقي منكم أحد؟» قالوا: غلام خلَّفناه على رحالنا هو أحدثنا سنًّا، قال:«أرسلوه إلينا» ، فلما رجعوا إلى رحالهم قالوا للغلام: انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقضِ حاجتك منه فإنا قد قضينا حوائجنا منه وودَّعْناه، فأقبل الغلام حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني امرؤ من بني أبذى
(1)
ــ يقول: من الرهط الذين أتوك آنفًا فقضيت حوائجهم ــ فاقضِ حاجتي يا رسول الله، قال:«وما حاجتك؟» قال: إن حاجتي ليست كحاجة أصحابي وإن كانوا قدموا راغبين في الإسلام وساقوا ما ساقوا من صدقاتهم، وإني والله ما أعمَلَني
(2)
من بلادي إلا أن تسأل الله عز وجل أن يغفر لي ويرحمني وأن يجعل غناي في قلبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل إلى الغلام:«اللهم اغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه» ، ثم أمر له بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه، فانطلقوا راجعين إلى أهليهم.
ثم وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم بمنًى سنة عشر، فقالوا: نحن بنو أبذى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما فعل الغلام الذي أتاني معكم؟» قالوا: يا رسول الله، ما رأينا مثلَه قط، ولا حُدِّثنا بأقنع منه بما رزقه الله، لو أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها ولا التفت إليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الحمد لله، إني لأرجو أن يموت جميعًا» ، فقال رجل منهم: أوليس يموت الرجل جميعًا يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَشَعَّبُ أهواؤه وهمومه في أودية الدنيا، فلعل أجلَه أن يدركه في بعض تلك الأودية فلا يبالي الله عز وجل في
(1)
بطن من تجيب، وهو أبذى بن عدي بن أشرس.
(2)
أي: ما حثَّني وساقني.