الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في غزاة حنين
وتُسمَّى «غزوةَ أوطاس» ، وهما موضعان بين مكة والطائف
(1)
، فسميت الغزوة باسم مكانها، وتسمى «غزوة هوازن» لأنهم الذين أتوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق
(2)
: ولما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه وسلم وما فتح الله عليه من مكة جمع مالكُ بن عوفٍ النَّصْري فاجتمع إليه مع هوازنَ ثقيفٌ كلها، واجتمعت إليه نَصْر
(3)
وجُشَم كلُّها وسعد بن بكر، وناسٌ من بني
(1)
أما حُنين فيقع على قرابة 30 كيلًا إذا خرجت من مكة إلى الطائف على طريق اليمانية، وهو معروف اليوم بـ «الشرائع» . وأما أوطاس فوادٍ لهوازن، وهو بعيد عن حنين، وإنما يقع بقرب بلدة عُشيرة التي تقع شمال مدينة الطائف على قرابة 50 كيلًا، ومعركة حُنين لم تقع فيه، وإنما انحازت إليه هوازن بعد الهزيمة فطاردهم المسلمون حتى أوقعوا بهم فيه، كما سيأتي. انظر:«المعالم الجغرافية في السيرة» (ص 34، 107) و «معالم مكة التاريخية» (ص 87) كلاهما لعاتق بن غيث البلادي.
(2)
كما في «سيرة ابن هشام» (2/ 437)، والمؤلف صادر عن «عيون الأثر» (2/ 187). وابن إسحاق يروي خبر الغزاة عن عدد من شيوخه ــ كما جاء مصرَّحًا في «الدلائل» (5/ 120) من رواية يونس بن بُكير عنه ــ، فبعضه يرويه ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبيه، وبعضه عن الزهري وعمرو بن شعيب وعبد الله بن أبي بكر الحزمي مرسلًا، وقد اجتمع حديثُهم في سياق واحدٍ وقد حدّث بعضهم ما لم يحدّث به بعض.
(3)
في الأصول والمطبوع: «مُضَر» ، وهو تحريف مخالف لمصدر النقل، فإن المذكورة هنا كُلُّها بطون هوازن. فـ «نصر» هم بنو نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن، و «جُشَم» هو ابن معاوية بن بكر بن هوازن. و «سعد بن بكر» هو ابن هوازن، و «هلال» هو ابن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. انظر:«جمهرة أنساب العرب» لابن حزم (ص 269، 481، 482).
هلال وهم قليل، ولم يشهدها من قَيسِ عَيلان إلا هؤلاء، ولم يحضرها من هوازن كعب ولا كِلاب.
وفي جُشَم دريدُ بن الصِّمَّة، شيخ كبير ليس فيه إلا رأيه ومعرفته بالحرب، وكان شجاعًا مِحْرَبًا
(1)
. وفي ثقيف سيِّدان لهم، وفي
(2)
الأحلاف: قارِب بن الأسود، وفي بني مالك: سُبَيع بن الحارث وأخوه أحمر بن الحارث. وجِماعُ أمرِ الناس إلى مالك بن عوف النصري.
فلما أجمع السيرَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس وفيهم دُرَيد بن الصمة، فلما نزل قال: بأيِّ وادٍ أنتم؟ قالوا: بأوطاس، قال: نِعم مَجالُ الخيل، لا حَزْن ضِرْس
(3)
ولا سَهل دَهْس، ما لي أسمع رُغاء البعير ونُهاق الحمير وبُكاء
(1)
في عامة الأصول والمطبوع: «مجرّبًا» ، وكذا في مطبوعة «سيرة ابن هشام» ، ولعل المثبت من «عيون الأثر» هو الصواب. والمِحْرَب: الشجاع الخبير بالحرب.
(2)
«وفي» هكذا في الأصول و «عيون الأثر» ومطبوعة «سيرة ابن هشام» (والظاهر من تعليق المحققين أن الواو لم تكن في نسخه الخطية التي بين أيديهم)، والصواب إسقاط الواو كما في «جوامع السيرة» لابن حزم (ص 236) أو إبدال الفاء بها:«ففي» ، وذلك لأن الأحلاف وبني سعد هما بطنا ثقيف، ويوضحه لفظ ابن عبد البر في «الدرر» (ص 237):«وكان في ثقيف سيدان: أحدهما قارب بن الأسود بن مسعود بن مُعتِّب من الأحلاف، والآخر ذو الخِمار سبيع بن الحارث بن مالك» .
(3)
الضِّرس: ما خشُن من الأرض، كأنها مُضرَّسة.
الصغير ويُعار الشاء؟ قالوا: ساقَ مالكُ بن عوف مع الناس نساءهم وأموالهم وأبناءهم، قال: أين مالك؟ قيل: هذا مالك ــ ودُعِي له ــ، قال: يا مالك، إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يومٌ كائن له ما بعده من الأيام، ما لي أسمع رُغاء البعير ونُهاق الحمير وبكاء الصغير ويُعار الشاء؟ قال: سقتُ مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم، قال: ولِمَ؟ قال: أردت أن أجعل خلف كلِّ رجلٍ أهلَه وماله ليقاتل عنهم، فقال: راعي ضأنٍ والله! وهل يردُّ المنهزم شيء؟! إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فُضِحت في أهلك ومالك.
ثم قال: ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا: لم يشهدها منهم أحد، قال: غاب الحَدُّ والجَدُّ، لو كان يومَ علاءٍ ورِفعة لم تَغِب عنه كعب ولا كلاب، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب، فمن شهدها منكم؟ قالوا: عمرو بن عامر وعوف بن عامر
(1)
، قال: ذانك الجَذَعان من عامر لا ينفعان ولا يضران! يا مالك: إنك لم تصنع بتقديم البيضةِ بيضةِ هوازنَ إلى نحور الخيل شيئًا، ارفعهم إلى مُتمنِّع بلادِهم وعَلياء قومهم، ثم القَ الصُّباة على متون الخيل، فإن كانت لك لحق بك مَن وراءك، وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك، قال: والله لا أفعل، إنك قد كبِرتَ وكبِر عقلك، والله لتُطِيعُنِّي يا معشر هوازن أو لأتكئنَّ على هذا السيف حتى يخرج من ظهري! وكره أن يكون لدُرَيدٍ فيها ذِكرٌ ورأي، فقالوا: أطعناك، فقال دريد: هذا يوم لم أشهده ولم يفتني.
(1)
بطنان من هوازن، هما ابنَي عامر بن ربيعة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. انظر:«جمهرة أنساب العرب» (ص 483).
يا ليتني فيها جَذَعْ
…
أخُبُّ فيها وأَضَعْ
أقود وَطْفَاءَ الزَّمَعْ
…
كأنها شاة صَدَعْ
(1)
ثم قال مالك للناس: إذا رأيتموهم فاكسروا جُفُونَ سيوفكم ثم شُدُّوا شدةَ رجلٍ واحد، وبعث عيونًا من رجاله فأتوه وقد تفرَّقت أوصالُهم، قال: ويلكم ما شأنكم؟ قالوا: رأينا رجالًا بيضًا على خيل بُلْقٍ، والله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى فواللهِ ما ردَّه ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد.
ولمَّا سمع بهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، وأمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم ثم يأتيه بخبرهم، فانطلق ابن أبي حدرد فدخل فيهم حتى سمع وعلم ما قد جمعوا له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع من مالكٍ وأمر هوازن ما هم عليه، ثم أقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر
(2)
.
فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى هوازن ذُكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعًا وسلاحًا، فأرسل إليه ــ وهو يومئذ مشرك
(3)
ــ فقال: «يا أبا أمية، أعِرْنا سلاحَك هذا نلقى فيه عدوَّنا غدًا» ، فقال صفوان: أغَصْبًا يا محمد؟
(1)
الخَبَب والوَضْع: ضربان من المشي السريع والعَدْو. وطفاء الزَّمع: أي فرس طويلةُ شعرِ الزَّمَعِ، والزَّمَعة ــ ويقال لها الثُّنَّة ــ: الشعر المُدَلَّى من رُسغ الدابة في مؤخر الرجل، يُحمَد في الفَرَس وفوره وطوله. والصَّدَع: الفتيُّ الشابُّ القويّ من الأوعال والظباء.
(2)
خبر إرسال النبي صلى الله عليه وسلم ابن أبي حدرد عينًا ذكره أيضًا عروة بن الزبير (في رواية ابن لهيعة عن أبي الأسود عنه) وموسى بن عقبة في مغازيهما، كما في «دلائل النبوة» للبيهقي (5/ 129).
(3)
وهو يومئذ في مدة الخيار الذي جعل له النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفتح، وقد سبق (ص 505).
فقال: «بل هي عارية مضمونة حتى نؤديها إليك» ، قال: ليس بهذا بأس، فأعطاه مائة درعٍ بما يكفيها من السلاح، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أن يكفيهم حملها ففعل
(1)
.
(1)
هذا لفظ ابن إسحاق فيما حدّث به عن شيوخه. وله شواهد تعضده، منها:
- حديث صفوان نفسه عند أحمد (15302) وأبي داود (3562) والنسائي في «الكبرى» (5747) والحاكم (2/ 47) بإسناد ضعيف فيه شريك بن عبد الله النخعي، وقد خالفه غيره فرواه عن أناس من آل صفوان ــ أو من آل عبد الله بن صفوان ــ مرسلًا، كما عند ابن أبي شيبة (20935) وأبي داود (3563، 3564) والبيهقي في «السنن» (6/ 89) وليس فيه وصف العارية بكونها مضمونة.
- وشاهد من مرسل محمد الباقر عند الطبراني في «الأوسط» (1633) والبيهقي (6/ 89)، ولفظه:«بل عارية مضمونة» .
- وشاهدان من حديث ابن عباس وعبد الله بن عمرو بإسنادين ضعيفين، وفيهما وصف العارية بالمؤداة، وسيأتي تخريجهما لاحقًا في فصل ما يستفاد من الغزوة من المسائل الفقهية (ص 599).
- وشاهد من حديث يعلى بن أمية ــ وهو ابن مُنية ــ بإسناد صحيح، إلا أنه هو صاحب القصة فيه بدل صفوان بن أمية الجمحي، وفيه أيضًا وصفها بالمؤداة، وسيأتي تخريجه لاحقًا.
تنبيه: أخرج الحاكم (3/ 48 - 49) هذا الحديث مع بعض أحداث الغزوة مُسنَدًا كلُّه من طريق يونس بن بُكير عن ابن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه. والذي يظهر ــ والله أعلم ــ أنه وهم، لأن في رواية يونس بن بكير لم يميِّز ابنُ إسحاق بين ما رواه بهذا الإسناد المتصل وبين ما رواه بأسانيد أخرى مرسلة ذكرها معه، بل جمع حديثهم في سياق واحد، كما في «الدلائل» (5/ 120) من طريق الحاكم نفسه ــ وقد سبق ذكره في الهامش (ص 575) ــ، وعليه فسياق الخبر كلِّه بالإسناد المتصِّل خطأ، والله أعلم.
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ألفان من أهل مكة، مع عشرة آلافٍ من أصحابه الذين خرجوا معه ففتح الله بهم مكة= فكانوا اثني عشر ألفًا، واستعمل عتَّاب بن أَسِيد على مكة أميرًا ثم مضى يريد لقاء هوازن.
قال ابن إسحاق
(1)
: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر بن عبد الله قال: لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في وادٍ من أودية تهامة أجوفَ حَطُوطٍ، إنما ننحدر فيه انحدارًا، قال: وفي عماية الصبح، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي فكمنوا لنا في شِعابه وأحنائه
(2)
ومضايقه
(3)
، قد أجمعوا وتهيئوا وأعَدُّوا، فواللهِ ما راعنا ونحن منحطُّون إلا الكتائب قد شدوا علينا شدةَ رجلٍ واحد، وانشمر الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد، وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ اليمين ثم قال: «إلى
(4)
أين أيها الناس؟ هلمَّ إليَّ، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله»، وبقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين
(5)
وأهل بيته، وفيمن ثبت معه
(1)
كما في «سيرة ابن هشام» (2/ 442) وإسناده حسن. وأخرجه أيضًا أبو يعلى (1862) وابن حبان (4774) من طريق عبد الأعلى السامي عن ابن إسحاق به بنحوه.
(2)
الأحناء: جمع حِنْو، وهو كلّ ما فيه اعوجاج. وأحناء الوادي كمحانيه: مُنعطفاته. وفي ز، د، ن:«أجنابه» ، وكذا في مطبوعة «عيون الأثر» ، وهو تصحيف.
(3)
كذا في الأصول ومطبوعة «سيره ابن هشام» و «عيون الأثر» . وضبطه أبو موسى المديني في «غريبه» (2/ 339) ــ وعنه ابن الأثير في «النهاية» (3/ 109) ــ بالفاء: «ومضايفه» ، قال:«أي جوانبه، والضيف: جانب الوادي، وتضايف: أي تضايق» .
(4)
«إلى» من هامش ف مصححًا عليها والمطبوع، وهي ساقطة من سائر الأصول، إلا أنه في ز كتب «أين» أوّلًا ثم أصلح إلى «إليَّ» ..
(5)
زِيد في طبعة الرسالة بعده: «والأنصار» من مطبوعة «سيرة ابن هشام» بلا تنبيه، وليس في شيء من الأصول ولا في الطبعة الهندية ولا في «عيون الأثر» الذي صدر عنه المؤلف.
من المهاجرين: أبو بكر وعمر، ومِن أهل بيته: عليٌّ والعباس، وأبو سفيان بن الحارث وابنُه، والفضل بن العباس، وربيعة بن الحارث، وأسامة بن زيد، وأيمن ابنُ أمِّ أيمن وقُتِل يومئذ.
قال
(1)
: ورجل من هوازن على جملٍ له أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمامَ هوازن وهوازن خلفه، إذا أدرك طعن برمحه وإذا فاته الناس رفع رمحَه لمن وراءه فاتبعوه، فبينا هو كذلك إذ أهوى له عليُّ بن أبي طالب ورجل من الأنصار يريدانه، قال: فأتى عليٌّ مِن خلفه فضرب عرقوبي الجمل فوقع على عَجُزه، ووثب الأنصاري على الرجل فضربه ضربةً أطنَّ قدمه
(2)
بنصف ساقه، فانجعف عن رحله، قال: فاجتلد الناس فواللهِ ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق
(3)
: ولما انهزم المسلمون ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن جفاة أهل مكة الهزيمة تكلَّم رجال منهم بما في أنفسهم من الضِّغْن
(4)
، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وإن الأزلام لمعه في كنانته. وصرخ جَبَلة بن الحنبل ــ وقال ابن هشام: صوابه كَلَدة ــ: ألا بَطَل السحرُ اليومَ، فقال له صفوان أخوه لأمه وكان بعدُ مشركًا: اسكت فضَّ الله فاك! فواللهِ لأن يَرُبَّني رجلٌ من قريش أحبُّ إلي من أن يربَّني
(1)
أي: جابر رضي الله عنه.
(2)
أي قطعها فسُمع لضربه طنين.
(3)
كما في «سيرة ابن هشام» (2/ 443) و «عيون الأثر» (2/ 190).
(4)
رُسم في الأصول بالظاء: «الظغن» .
رجل من هوازن
(1)
.
وذكر ابن سعد
(2)
عن شيبةَ بن عثمان الحَجَبي قال: لما كان عام الفتح ودخل
(3)
رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوةً قلت: أسير مع قريش إلى هوازن بحنين فعسى إن اختلطوا أن أُصِيب من محمد غِرَّةً فأثأَرَ منه، فأكون أنا الذي قمتُ بثأر قريشٍ كلها، وأقول: لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتَّبع محمدًا ما تبعتُه أبدًا، وكنت مُرصِدًا لِما خرجتُ له
(4)
، لا يزداد الأمر في نفسي إلا قوةً، فلما اختلط الناس اقتحم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته وأصلتَ السيفَ، فدنوت أريد ما أريد منه ورفعت سيفي حتى كِدت أُشعِرُه
(5)
فرُفِع لي شُواظ من نار
(1)
قول كلدة وجواب صفوان إياه أسنده أبو يعلى (1863) وابن حبان (4774) من حديث ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه. وهو إسناد حسن كما سبق.
(2)
في «الطبقات» (6/ 64) ــ ومنه في مصدر المؤلف «عيون الأثر» (2/ 190) ــ من طريق شيخه الواقدي، وفي باقي رجال الإسناد أيضًا من هو ضعيف أو مجهول. وله شاهد عند الطبراني في «الكبير» (7/ 299) والبيهقي في «الدلائل» (5/ 145) من حديث أبي بكر الهذلي عن عكرمة مرسلًا، ولكن إسناده واهٍ فإن أبا بكر الهُذلي متروك الحديث مع كونه أخباريًّا عالمًا بأيام الناس. وذكره ابن إسحاق ــ كما في «سيرة ابن هشام» (2/ 445) ــ مختصرًا بلا إسناد. وانظر «الإصابة» (5/ 160).
وقد روي عن عثمان بن شيبة ما يخالف ذلك وأنّه إنما خرج أنفةً أن تظهر هوازن على قريش. أخرجه البيهقي في «الدلائل» (5/ 146) بإسناد ضعيف.
(3)
سقطت واو العطف من المطبوع فصار «دخل» جواب «لمَّا» ، وإنما جوابه:«قلت» الآتي.
(4)
أي: متهيِّئًا ومُعِدًّا له.
(5)
أي حتى كدتُ أضربه بالسيف فأدميه، فالإشعار: الإدماء بطعنٍ أو رمي أو وجءٍ بحديدة. في «الطبقات» و «عيون الأثر» : «حتى كدتُ أسوِّرُه» أي: أعلُوه بالسيف ..
كالبرق كاد يَمحَشُني، فوضعت يديَّ على بصري خوفًا عليه، فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداني:«يا شيبُ ادْنُ» ، فدنوت فمسح صدري ثم قال:«اللهم أعِذه من الشيطان» ، قال: فوالله لهو كان ساعتئذ أحبَّ إليَّ من سمعي وبصري ونفسي، وأذهبَ اللهُ ما كان في نفسي، ثم قال:«ادنُ فقاتِل» ، فتقدَّمت أمامَه أضرب بسيفي، اللهُ يعلم أني أحبُّ أن أقيَه بنفسي كلَّ شيء، ولو لقيت تلك الساعة أبي ــ لو كان حيًّا ــ لأوقعتُ به السيف، فجعلت أَلزَمه فيمن لزمه، حتى تراجع المسلمون فكَرُّوا كرةَ رجلٍ واحد وقُرِّبت بغلةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستوى عليها وخرج في أثرهم حتى تفرَّقوا في كل وجه، ورجع إلى معسكره فدخل خباءه فدخلت عليه ــ ما دخل عليه غيري ــ حُبًّا لرؤية وجهه وسرورًا به، فقال:«يا شيبُ، الذي أراد الله بك خير مما أردت لنفسك» ، ثم حدَّثني بكل ما أضمرت في نفسي ما لم أكن أذكره لأحد قطُّ، قال: فقلت: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، ثم قلت: استغفِرْ لي، فقال:«غفر الله لك» .
وقال ابن إسحاق
(1)
: وحدثني الزهري عن كثير بن العباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال: إني لمع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم آخِذٌ بحَكَمة بغلته البيضاء قد شَجَرتُها بها
(2)
، وكنت امرءًا جسيمًا شديد الصوت، قال: ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول حين رأى ما رأى من الناس: «إلى أين أيها الناس؟» قال: فلم أر
(1)
كما في «سيرة ابن هشام» (2/ 444) و «عيون الأثر» (2/ 191). والحديث مخرَّج في «صحيح مسلم» (1775) من طريق يونس ومعمر وابن عيينة، ثلاثتهم عن الزهري به بنحوه.
(2)
أي كففتُها وكبحتُها بالحَكَمة، وهي اللِّجام.
الناس يلوون
(1)
على شيء، فقال: «يا عباس اصرخ: يا معشر الأنصار، يا معشر أصحاب السَّمُرة
(2)
»، فأجابوا: لبيك لبيك! قال: فيذهب الرجل ليَثْني بعيرَه فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعَه فيقذفها في عنقه ويأخذ سيفَه وتُرسَه
(3)
ويقتحم عن بعيره ويخلي سبيله فيؤمُّ الصوت حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا، فكانت الدعوة أول ما كانت: يا لَلأنصار! ثم خلصت آخرًا: يا لَلخزرج! وكانوا صُبُرًا عند الحرب، فأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركائبه فنظر إلى مجتلد القوم وهم يجتلدون فقال:«الآن حمي الوطيس» .
وزاد غيره:
أنا النبي لا كذب
…
أنا ابن عبد المطلب
(4)
وفي «صحيح مسلم»
(5)
: ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حَصَياتٍ فرمى بها في وجوه الكفار ثم قال: «انهزموا وربِّ محمدٍ!» ، فما هو إلا أن رماهم فما زلتُ أرى حدَّهم كليلًا وأمرهم مُدبِرًا.
وفي لفظ له
(6)
: إنه نزل عن البغلة ثم قبض قبضةً من تراب الأرض ثم
(1)
ص، د، ز، س:«يكرون» ، تصحيف.
(2)
يعني: الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان.
(3)
تصحّف في الطبعة الهندية إلى: «وقوسه» ، ثم جُمع بينهما ــ التصحيف والمصحّف عنه ــ في طبعة الرسالة هكذا: «
…
وقوسه وترسه»!
(4)
أخرجه البخاري (2864) ومسلم (1776) من حديث البراء بن عازب.
(5)
من حديث العبَّاس الذي سبق تخريجه.
(6)
برقم (1777) من حديث سلمة بن الأكوع.
استقبل بها وجوههم فقال: «شاهت
(1)
الوجوه»، فما خلق اللهُ منهم إنسانًا إلا ملأ عينيه ترابًا بتلك القبضة فولَّوا مدبرين.
وذكر ابن إسحاق
(2)
عن جبير بن مطعم قال: لقد رأيت قبل هزيمة القوم والناسُ يقتتلون مثلَ البِجادِ الأسود
(3)
أقبلَ من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي، فلم يكن إلا هزيمةُ القوم، فلم أشك أنها الملائكة.
قال ابن إسحاق
(4)
: ولما انهزم المشركون أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف، وعسكر بعضُهم بأوطاس وتوجه بعضُهم نحو نخلةَ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قِبَل أوطاسٍ أبا عامر الأشعري، فأدرك من الناس بعضَ من انهزم فناوشوه القتال فرُمِي بسهمٍ فقُتِل، فأخذ الراية أبو موسى الأشعري ــ وهو ابن عمِّه
(5)
ــ فقاتل ففتح الله عليه وهزمهم الله، وقَتَل قاتِلَ أبي عامر،
(1)
هامش ف بخط الناسخ: «أي: قَبُحت» .
(2)
عن أبيه إسحاق بن يسار أنَّه حُدِّث عن جبير بن مطعم. «سيرة ابن هشام» (2/ 449) و «عيون الأثر» (2/ 192). وأخرجه الواقدي (3/ 905) من طريق سعيد بن محمد بن جبير بن مُطعم عن أبيه عن جدّه بنحوه، وأخرج أيضًا بإسناده عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زُرارة عن شيوخ مِن قومه من الأنصار نحوه.
(3)
البجاد: كساء يُعمل من صوف أو وبر. وفي رواية الواقدي: مثل الظُّلَّة السوداء.
(4)
«سيرة ابن هشام» (2/ 453 - 455) إلى قوله: «ففتح الله عليه وهزمهم» ، وما بعده ففي «طبقات ابن سعد» (2/ 140) بنحوه. والمؤلف صادر عن «عيون الأثر» (2/ 192). والخبر مخرَّج في البخاري (4323) ومسلم (2498) من حديث أبي موسى مطولًا.
(5)
كذا في جميع الأصول والطبعة الهندية و «سيرة ابن هشام» و «عيون الأثر» ، وهو وهم، فإن أبا موسى ابن أخيه كما هو منصوص في كتب التراجم وغيرها، وأيضًا ففي الحديث المتفق عليه أن أبا موسى سأله حين رُمي بسهم فقال:«يا عمِّ مَن رماك؟» . وقد أُثبت الصواب في طبعة الرسالة دون تنبيه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر لأبي عامر واجعله يومَ القيامة فوقَ كثيرٍ من خلقك» واستغفر لأبي موسى.
ومضى مالك بن عوف
(1)
حتى تحصَّن بحصن ثقيف، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبي والغنائم أن تجمع، فجُمع ذلك كله وحَدَوه
(2)
إلى الجِعرانة، وكان السبي ستةَ آلاف رأسٍ، والإبلُ أربعةٌ وعشرون
(3)
ألفًا، والغنمُ أكثرُ مِن أربعين ألفَ شاةٍ، وأربعةُ آلافِ أوقيةٍ فضةً، فاستأنى بهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يَقْدَموا عليه مسلمين بضعَ عشرة ليلةً.
ثم بدأ بالأموال فقسمها، وأعطى المؤلفةَ قلوبُهم أولَ الناس، فأعطى أبا سفيان بن حرب أربعين أوقيةً ومائةً من الإبل، فقال: ابني يزيد؟ قال: «أعطُوه أربعين أوقيةً ومائةً من الإبل» ، قال: ابني معاوية؟ قال: «أعطوه أربعين أوقيةً ومائةً من الإبل»
(4)
.
(1)
في جميع الأصول: «عوف بن مالك» ، سبق قلم، وقد تقدّم على الصواب غير مرّة.
(2)
أي: ساقُوه. وفي «طبقات ابن سعد» و «عيون الأثر» : «حَدَرُوه» أي: أنزلوه.
(3)
المطبوع: «وعشرين» بالنصب. والمثبت من الأصول صواب.
(4)
كذا ذكره ابن سعد (2/ 141) وشيخه الواقدي في «مغازيه» (3/ 945). وذكر ابن إسحاق أيضًا ــ كما في «الدلائل» (5/ 182) ــ أبا سفيان ومعاوية من أصحاب المئين، ولم يذكر منهم يزيد. وفي «صحيح مسلم» (1060) من حديث رافع بن خديج قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان، وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، كلَّ إنسان منهم مائةً من الإبل
…
» فلم يذكر يزيد ولا معاوية. وقال الذهبي مشكِّكًا في عطاء معاوية: «لو كان أعطاه لما قال عندما خطب فاطمة بنت قيس: أما معاوية فصعلوك لا مال له» . «سير أعلام النبلاء» (3/ 122).
وأعطى حكيم بن حزام مائةً من الإبل، ثم سأله مائةً أخرى فأعطاه، وأعطى النُّضَير
(1)
بن الحارث بن كلدة مائةً من الإبل، وأعطى العلاء بن جارية
(2)
الثقفي خمسين. وذكر أصحابَ المائة وأصحاب الخمسين
(3)
.
وأعطى العباس بن مرداس أربعين فقال في ذلك شعرًا فكمَّل له المائة
(4)
.
ثم أمر زيد بن ثابتٍ بإحصاء الغنائم والناس، ثم فضَّها على الناس فكانت سهامهم لكل رجل أربعًا من الإبل وأربعين شاةً، فإن كان فارسًا أخذ
(1)
في الأصول والنسخ المطبوعة: «النضر» ، وكذا في مطبوعة «طبقات ابن سعد» (2/ 141) و «دلائل النبوة» (5/ 182)، وهو خطأ، لأن النضر ــ وهو أخو النُّضَير هذا ــ قُتل كافرًا يوم بدرٍ كما سبق (ص 133، 219). وجاء على الصواب في «مغازي الواقدي» (3/ 945) و «عيون الأثر» (2/ 193) وهو مصدر المؤلف. وانظر: «الإصابة» (11/ 62، 72).
(2)
في عامة الأصول والنسخ المطبوعة: «حارثة» ، وكذا في مطبوعة «الطبقات» ، وهو تصحيف. انظر:«معرفة الصحابة» لأبي نعيم (4/ 2200) و «الإصابة» (7/ 235).
(3)
انظر أسماءهم عند ابن إسحاق في مغازيه ــ كما في «الدلائل» (5/ 182 - 183) ــ وابن سعد في «طبقاته» (2/ 141)، وعنه في «عيون الأثر» (2/ 193) وهو مصدر المؤلف.
(4)
وقد أخرجه مسلم (1060) من حديث رافع بن خَدِيج، وفيه ذكر الأبيات التي قالها وهي:
أتجعل نهبي ونهب العُبَيد
…
بين عيينةَ والأقرعِ
فما كان بدرٌ ولا حابسٌ
…
يفوقان مرداسَ في المجمعِ
وما كنتُ دون امرئٍ منهما
…
ومن تَخفضِ اليوم لا يُرفعِ
اثني عشر بعيرًا وعشرين ومائة شاة
(1)
.
قال ابن إسحاق
(2)
: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدري قال: لما أعطى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب ولم يكُ
(3)
في الأنصار منها شيءٌ، وَجَد هذا الحيُّ من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة، حتى قال قائلهم: لقي واللهِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قومَه، فدخل عليه سعدُ بن عبادة فقال: يا رسول الله، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لِما صنعت في هذا الفيء الذي أصبتَ؛ قسمتَ في قومك وأعطيت عطايا عظامًا في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء. قال:«فأين أنت من ذلك يا سعد؟» فقال: يا رسول الله ما أنا إلا مِن قومي. قال: «فاجمع لي قومَك في هذه الحظيرة» ، قال: فجاء رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا، وجاء آخرون فردهم.
فلما اجتمعوا أتى سعد فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: «يا معشر الأنصار، ما قالةٌ بلغتني عنكم وجِدَةٌ وجدتموها في أنفسكم؟ ألم آتِكم ضُلَّالًا
(1)
«الطبقات» لابن سعد (2/ 141) و «عيون الأثر» (2/ 194).
(2)
كما في «سيرة ابن هشام» (2/ 498) و «مسند أحمد» (11730) و «مصنف ابن أبي شيبة» (38152) و «دلائل النبوة» (5/ 176) من طرق عنه به. وإسناده حسن، وله شاهد من حديثَي عبد الله بن زيد بن عاصم وأنس بن مالك عند البخاري (4330، 4331) ومسلم (1061، 1059).
(3)
كذا في ف، ب، س. وفي سائر الأصول:«يكن» .
فهداكم الله بي، وعالةً فأغناكم الله بي، وأعداءً فألف الله بين قلوبكم؟» قالوا: الله ورسوله أَمَنُّ وأفضل. ثم قال: «ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟» قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله، لِلّاه ولرسوله المنُّ والفضل. قال: «أما والله لو شئتم لقلتم فلصَدَقتم ولصُدِّقتم: أتيتنا مكذَّبًا فصدقناك، ومخذولًا فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلًا فآسيناك؛ أَوَجدتم عليَّ يا معشر الأنصار في أنفسكم في لُعاعةٍ من الدنيا تألَّفتُ بها قومًا ليُسلموا ووَكَلْتكم إلى إسلامكم؟ ألا ترضَون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعون برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمدٍ بيده لما تنقلبون به خيرٌ مما ينقلبون به، ولولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار، ولو سلك الناس شعبًا وواديًا وسلكت الأنصارُ
(1)
لسلكتُ شعب الأنصار وواديها، الأنصار شِعار والناس دِثار
(2)
، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار» قال: فبكى القوم حتى أخضَلُوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قَسْمًا وحظًّا، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا.
وقدمت الشَّيماء بنتُ الحارث بن عبد العُزَّى أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فقالت: يا رسول الله إني أختك، قال:«وما علامة ذلك؟» قالت: عَضَّة عضضتَنيها في ظهري وأنا متورِّكتك، قال: فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة فبسط
(1)
زِيد في المطبوع بعده: «شعبًا وواديًا» ، وليس في شيء من الأصول، وهو مفهوم من السياق.
(2)
الشعار: الثوب الذي يلي الجسد، سمي به لأنه يلي شَعره. والدثار: الثوب الذي يكون فوق الشعار. أي: أن الأنصار هم الخاصة والبطانة، وهم أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وألصق به من هؤلاء الناس الذين أُعطوا العطايا.
لها رداءه وأجلسها عليه، وخيَّرها وقال: «إن أحببتِ
(1)
فعندي محبَّبةً مكرَّمةً، وإن أحببتِ أن أمتِّعَك وترجعي إلى قومك؟» قالت: بل تمتعُني وتردُّني
(2)
إلى قومي، ففعل، فزعمت بنو سعدٍ أنه أعطاها غلامًا يقال له مكحول وجاريةً، فزوَّجت إحداهما من الآخر، فلم يزل فيهم من نسلهما بقية
(3)
.
وقال أبو عمر
(4)
: فأسلمت فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أعبدٍ وجاريةً ونعمًا وشاءً. وسمَّاها
(5)
: حُذافة، قال: والشيماء لقب.
فصل
وقدم وفدُ هوازن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أربعة عشر رجلًا ورأسهم زُهَير بن صُرَد، وفيهم أبو برقان عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، فسألوه أن يمن عليهم بالسَّبْيِ والأموال، فقال:«إن معي من ترون، وإن أحبَّ الحديث إلي أصدقُه، فأبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟» قالوا: ما كنا نعدل بالأحساب شيئًا، فقال: «إذا صليتُ الغداة فقوموا فقولوا: إنا نستشفع برسول
(1)
زِيد في المطبوع بعده: «الإقامة» وليس في شيء من الأصول ولا في مصادر التخريج.
(2)
ص، ز، د:«متِّعْني ورُدَّني» .
(3)
قدوم شيماء ذكره ابن إسحاق ــ كما في «سيرة ابن هشام» (2/ 458) وابن أبي الدنيا في «مكارم الأخلاق» (406) ــ عن يزيد بن عبيد السعدي مرسلًا. وذكر الواقدي في «مغازيه» (3/ 913) نحوه عن شيوخه. وللخبر شاهد من مرسل قتادة عند البيهقي في «الدلائل» (5/ 199) بإسناد ضعيف.
(4)
ابن عبد البر في «الاستيعاب» (4/ 1870 - 1871)، والمؤلف صادر عن «عيون الأثر» (2/ 195). وما ذكره ابن عبد البر هو لفظ رواية الواقدي.
(5)
أي ابنُ عبد البر، ومِن قبله ابن إسحاق كما في «سيرة ابن هشام» (1/ 160). و «حذافة» تصحف في جميع الأصول عدا ن إلى «حذامة» .
الله صلى الله عليه وسلم إلى المؤمنين ونستشفع بالمؤمنين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَرُدَّ
(1)
علينا سبينا» فلما صلى الغداة قاموا فقالوا ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وسأسأل لكم الناس» ، فقال المهاجرون والأنصار: ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميمٍ فلا، وقال عُيَينة بن حِصن: أما أنا وبنو فَزارةَ فلا، وقال العباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا، فقالت
(2)
بنو سليم: ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال العباس بن مرداس: وهَّنتموني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هؤلاء القوم قد جاؤوا مسلمين، وقد كنت استأنيتُ بسبيهم، وقد خيرتهم فلم يعدلوا بالأبناء والنساء شيئًا، فمن كان عنده منهن شيء فطابت نفسه بأن يرده فسبيل
(3)
ذلك، ومن أحب أن يستمسك بحقِّه فليردَّ عليهم وله بكل فريضة ستُّ فرائض مِن أول ما يفيء الله علينا»، فقال الناس: قد طيبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«إنا لا نعرف من رضي منكم ممن لم يرضَ، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمرَكم» ، فردُّوا عليهم نساءَهم وأبناءهم ولم يتخلف منهم أحدٌ غير عُيَينة بن حصنٍ، فإنه أبى أن يرد عجوزًا صارت في يديه منهم، ثم ردَّها بعد ذلك، وكسا رسول الله صلى الله عليه وسلم السَّبْيَ قِبطيةً قبطيةً
(4)
.
(1)
ص، ز، د:«أن يردُّوا» .
(2)
ص، ز، د:«فقال» .
(3)
ص، ز، د:«في سبيل» ، خطأ ..
(4)
خبر وفد هوازن ملَّفق من ثلاث روايات: حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم عند البخاري (4318)، ورواية ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عند ابن هشام في «السيرة» (2/ 489) والبيهقي في «الدلائل» (5/ 194)، ورواية ابن سعد في «طبقاته» (2/ 141 - 142) وعنه ابن سيد الناس في «عيون الأثر» (2/ 195).