الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطفيل مع المسلمين حتى فرغوا مِن طُلَيحة، ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة ومعه ابنه عمرو بن الطفيل، فقال لأصحابه: إني قد رأيت رؤيا فاعبُرُوها لي؛ رأيت أن رأسي قد حُلق، وأنه قد خرج من فمي طائر، وأن امرأةً لقيتني فأدخلتني في فرجها، ورأيت أن ابني يطلبني طلبًا حثيثًا ثم رأيته حُبِس عني. قالوا: خيرًا رأيت. قال: أما والله إني قد أوَّلتُها. قالوا: وما أولتَها؟ قال: أما حلق رأسي فوضعه، وأما الطائر الذي خرج من فمي فروحي، وأما المرأة التي أدخلَتْني في فرجها فالأرض تُحفَر فأغيَّب فيها، وأما طلب ابني إياي وحبسه عني فإني أراه سيجهد لأن يصيبه من الشهادة ما أصابني؛ فقُتِل الطفيل شهيدًا باليمامة وجرح ابنه عمرو جراحًا شديدًا، ثم قتل عام اليرموك شهيدًا في زمن عمر.
فصل
في فقه هذه القصة
فيها: أن عادة المسلمين كانت غسلَ الإسلام قبل دخولهم فيه، وقد صحَّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم به
(1)
. وأصحُّ الأقوال وجوبه على من أجنب في حال كفره ومن لم يُجنب.
وفيها: أنه لا ينبغي للعاقل أن يقلد الناس في المدح والذم، ولا سيما تقليد من يَمدح بهوًى ويَذمُّ بهوًى، فكم حالَ هذا التقليد بين القلوب وبين
(1)
أخرجه أحمد (20611) وأبو داود (355) والترمذي وحسَّنه (605) والنسائي (188) وابن خزيمة (254) وابن حبان (1240) بإسناد صحيح من حديث قيس بن عاصم التميمي السعدي أنه قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل بماءٍ وسدر. لفظ أبي داود.
الهدى، ولم ينج منه إلا من سبقت له من الله الحسنى.
ومنها: أن المدد إذا لحق بالجيش قبل انقضاء الحرب أُسهِم لهم.
ومنها: وقوع كرامات الأولياء، وأنها إنما تكون لحاجة في الدين أو لمنفعة للإسلام
(1)
والمسلمين، فهذه هي الأحوال الرحمانية، سببها متابعة الرسول ونتيجتها إظهار الحق وكسر الباطل، والأحوال الشيطانية ضدُّها سببًا ونتيجةً.
ومنها: التأني والصبر في الدعوة إلى الله، وأن لا يَعْجَل بالعقوبة والدعاء على العصاة.
وأما تعبيره حلق رأسه بوضعه، فهذا لأن حلق الرأسِ وضعُ شعره على الأرض، وهو لا يدل بمجرَّده على وضع رأسه، فإنه دالٌّ على خلاصٍ من همٍّ أو مرض أو شدة لمن يليق به ذلك، وعلى فقر ونكد
(2)
وزوال رياسةٍ وجاه لمن لا يليق به ذلك، ولكن في منام الطفيل قرائن اقتضت أنه وَضْعُ رأسِه، منها: أنه كان في الجهاد ومقاتلة العدو أولي الشوكة والبأس، ومنها: أنه دخل في بطن المرأة التي رآها، وهي الأرض التي هي بمنزلة أُمِّه، ورأى أنه قد دخل في الموضع الذي خرج منه، وهذا هو إعادته إلى الأرض كما قال تعالى:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55]، فأوَّل المرأة بالأرض إذ كلاهما محل الوطء، وأوَّل دخوله في فرجها عَودَه إليها كما خُلِق منها.
(1)
ب، ز:«لمنفعة الإسلام» . د، ن:«في الإسلام» . ث، س:«والمنفعة للإسلام» .
(2)
غير محرَّر في ف، ث، س إلا أن فيها دالين في آخره، فيحتمل أن يكون «تَكَدُّدٍ» وهو الطرد الشديد. والمثبت من سائر الأصول.