الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكسرته، وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته فلم نجد
(1)
فيه شيئًا، ثم قلت للسادن: كيف رأيت؟ قال: أسلمت لله
(2)
.
ثم بعث سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة، وكانت بالمُشَلَّل عند قُدَيد
(3)
للأوس والخزرج وغسَّان وغيرهم، فخرج في عشرين فارسًا حتى انتهى إليها وعندها سادن، فقال السادن: ما تريد؟ قال: هدم مناة، قال: أنت وذاك، فأقبل سعد يمشي إليها، وتخرج إليه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل وتضرب صدرها، فقال لها السادن: مناة دونكِ بعضَ عُصاتك، ويضربها سعد فقتلها، وأقبل إلى الصنم فهدمه وكسره، ولم يجدوا في خزانته شيئًا
(4)
.
ذكر سرية خالد بن الوليد إلى بني جَذِيمة
قال ابن سعد
(5)
: ولما رجع خالد بن الوليد من هدم العزى ــ ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم بمكة ــ بعثه إلى بني جَذِيمة
(6)
داعيًا إلى الإسلام، ولم يبعثه مقاتلًا،
(1)
س، ن:«فلم يجدوا» .
(2)
أسنده الواقدي (2/ 870) ــ ومن طريقه ابن سعد (5/ 55) ــ عن سعيد بن عمرو الهذلي. وأسنده ابن سعد أيضًا من حديث الحارث بن حسّان البكري رضي الله عنه بإسناد حسن.
(3)
سبق التعريف بهما. انظر (ص 66، 437).
(4)
ذكره ابن سعد في «الطبقات» (2/ 136). وذكر ابن هشام (1/ 86) أن الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم لهدم مناة: أبو سفيان بن حرب، ويقال: علي بن أبي طالب.
(5)
في «الطبقات» (2/ 136)، والمؤلف صادر عن «عيون الأثر» (2/ 185).
(6)
بنو جَذِيمة بطن في عدة قبائل، والمراد هنا: بنو جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كِنانة، كما في «سيرة ابن هشام» (2/ 429) وغيره، وكانوا أسفل مكة بناحية يَلَمْلَم كما ذكره ابن سعد.
فخرج في ثلاثمائة وخمسين رجلًا من المهاجرين والأنصار وبني سليم، فانتهى إليهم، قال: ما أنتم؟ قالوا: مسلمون، قد صلينا وصدَّقنا بمحمد وبنينا المساجد في ساحتنا وأذَّنَّا فيها، قال: فما بال السِّلاح عليكم؟ قالوا: إن بيننا وبين قوم من العرب عداوةً فخِفنا أن تكونوا هم ــ وقد قيل: إنهم قالوا: صبأنا صبأنا
(1)
، ولم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا
(2)
ــ قال: فضعوا السلاح، فوضعوه فقال لهم: استأسروا فاستأسر القوم، فأمر بعضهم فكتَّف بعضًا، وفرقهم في أصحابه، فلما كان في السحر نادى خالد: من كان معه أسير فليضرب عنقه، فأما بنو سليم فقتلوا من كان في أيديهم، وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أسراهم، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ما صنع خالد فقال:«اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد»
(3)
، وبعث عليًّا فودى لهم قتلاهم وما ذهب منهم.
وكان بين خالد وبين عبد الرحمن بن عوف في ذلك كلام وشرٌّ، فبلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال:«مهلًا يا خالد، دع عنك أصحابي، فوالله لو كان لك أُحُد ذهبًا ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غَدوة رجلٍ من أصحابي ولا روحته»
(4)
.
(1)
«صبأنا» الثانية سقطت من المطبوع.
(2)
هذا لفظ حديث ابن عمر عند البخاري (4339، 7189).
(3)
زاد في هامش ز: «مرّتين» وهو كذلك في حديث ابن عمر عند البخاري، ولكن ليس في رواية ابن سعد التي ينقلها المؤلف.
(4)
ذكره ابن إسحاق كما في «سيرة ابن هشام» (2/ 431). وأسنده الواقدي (3/ 880) من حديث سلمة بن الأكوع بنحوه. والحديث عند البخاري (3673) ومسلم (2541) ــ واللفظ له ــ عن أبي سعيد الخُدري قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيءٌ فسبَّه خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تسبُّوا أحدًا من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثلَ أحدٍ ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه» .
فصل
وكان حسان بن ثابت قد قال في عمرة الحديبية
(1)
:
عفت ذاتُ الأصابع فالجِواءُ
…
إلى عذراءَ منزلُها خلاءُ
ديارٌ مِن بني الحسحاس قَفرٌ
…
تُعَفِّيها الرَّوامِس والسماءُ
(2)
وكانت لا يزال بها أنيسٌ
…
خِلالَ مُرُوجها نَعَم وشاءُ
فدَعْ هذا ولكن مَن لِطَيفٍ
…
يؤرِّقني إذا ذهب العِشاءُ
لِشَعثاءَ التي قد تيَّمَتْهُ
…
فليس لقلبه منها شفاءُ
(1)
كذا قال المؤلف، والذي في «سيرة ابن هشام» (2/ 421، 424) و «عيون الأثر» (2/ 181) أنه قالها يوم الفتح، وكذا في «ديوانه» من رواية محمد بن حبيب (1/ 17). وقد روي ثلاثة عشر بيتًا منه في حديث عائشة عند «صحيح مسلم» (2490) مع اختلاف في ترتيبها عمَّا ذكره ابن إسحاق. وسياق حديثها يؤيّد ما قاله المؤلف، فإن فيه ذكر ابن رواحة وكان قد استشهد بمؤتة قبل الفتح. وأيضًا ففي الأبيات هجو أبي سفيان بن الحارث، وقد أسلم قُبيل الفتح كما سبق فلا يمكن أن يكون حسّان هجاه بعد أن قد أسلم.
وما سيأتي في الهامش من شرح الغريب فأكثره مستقًى من «الروض الأنف» (7/ 146 - 152) و «شرح ديوان حسان» للبرقوقي (ص 1 - 10).
(2)
«ذات الأصابع» و «الجِواء» موضعان بالشام، و «عذراء» قرية بقرب دمشق، وهي منازل ملوك غسان الذين كان يفد عليهم حسان في الجاهلية، ولذا ذكرها حنانًا إليها. و «بنو الحسحاس» بطن من عدة قبائل، والظاهر أن المراد هنا ما كان من غسّان، انظر:«جمهرة أنساب العرب» لابن حزم (ص 374).
و «الروامس» : الرياح الدوافن للآثار. و «السماء» : المطر.
كأنَّ سَبيئةً مِن بيتِ رأسٍ
…
يكون مِزاجَها عسلٌ وماءُ
(1)
إذا ما الأَشرباتُ ذُكِرن يومًا
…
فهنَّ لطَيِّب الرَّاح الفداءُ
نُولِّيها الملامة إن أَنَلْنا
…
إذا ما كان مَغْثٌ أو لِحَاءُ
(2)
ونشربها فتتركنا ملوكًا
…
وأُسْدًا ما يُنَهْنِهُنا اللقاءُ
(3)
عَدِمنا خيلَنا إن لم تَرَوها
…
تُثير النَّقْعَ موعدها كَدَاءُ
(4)
ينازعن الأَعِنَّة مُصعِداتٍ
…
على أكتافها الأَسَلُ الظِّماءُ
(5)
(1)
«شعثاء» اسم امرأته، وقيل: هي بنت سلَّام بن مشكم اليهودي. «السبيئة» : الخمر، وفي المطبوع وفاقًا لسيرة ابن هشام:«خبيئةً» ، وهي الخمر المصونة المضنون بها لنفاستها. و «بيت رأس»: موضع بالأردن مشهور بالخمر. قال السهيلي: وهذا البيت موضوع لا يشبه شعر حسَّان ولا لفظَه.
(2)
«أَنَلْنا» : أصبنا أحدًا بأذى، وفي المطبوع والمصادر:«أَلَمْنا» : أي أتينا ما نُلام عليه. و «المغث» : الضرب باليد. و «اللحاء» : السباب. والمعنى: إن نجم بيننا جرّاء شرب الراح شرٌّ وسِباب فنصرف اللوم إلى الخمر ونعتذر بالسكر.
(3)
ذكر السهيلي أنه قيل إن بعض هذه القصيدة ــ وهي الأبيات التي فيها وصف الخمر ــ قالها حسان في الجاهلية، وقال آخر القصيدة في الإسلام. قلت: ويؤيده أن الأبيات التسعة ليس منها شيء في حديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم.
(4)
هذا أول بيتٍ من المذكورة هنا ورد في حديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم، والرواية فيه:
ثكلتُ بُنيَّتي إن لم تروها
…
تثير النقع من كنفي كَدَاء
وكداء هي الثنية العليا بمكة التي دخل منها النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح. فإن كان حسان قال هذا البيت في عمرة الحديبية ــ وهو الظاهر كما سبق ــ فيكون فيه موافقة الغيب لكلامه رضي الله عنه.
(5)
الأَسَل: الرماح. الظماء: العطاش إلى الدماء.
تظلُّ جيادُنا مُتَمَطِّراتٍ
…
يُلَطِّمُهنَّ بالخُمُر النساءُ
(1)
فإمَّا تُعرضوا عنَّا اعتمرنا
…
وكان الفتحُ وانكشف الغطاءُ
وإلا فاصبروا لجِلاد يومٍ
…
يُعِزُّ اللهُ فيه مَن يشاءُ
وجبريلٌ رسول الله فينا
…
وروح القُدْس ليس له كِفاءُ
وقال اللهُ قد أرسلت عبدًا
…
يقول الحق ليس به خفاءُ
(2)
وقال الله قد يسَّرتُ جندًا
…
هم الأنصار عُرضتها اللقاءُ
(3)
لنا في كل يوم من مَعَدٍّ
…
سِبابٌ أو قتال أو هجاءُ
فنُحكم بالقوافي مَن هجانا
…
ونضرب حين تختلف الدماءُ
(4)
(1)
«متمطرات» : مسرعة يسبق بعضها بعضًا. «يلطمهن بالخمر النساء» : أي تمسحهن نساؤنا بخمرهن ليُزلن عنهن الغُبار، وذلك لعزّتها وكرامتها عندهم. وقيل: إن نساء مكة يوم فتحها ظللن يضربن وجوه الخيل بخمرهن ليَرْدُدنها، كما ذكره البيهقي في «الدلائل» (5/ 49) نقلًا عن مغازي موسى بن عقبة. وهذا أيضًا من موافقة القدر لكلام حسان رضي الله عنه.
(2)
كذا في الأصول، وهو لفظ مسلم. وفي المطبوع:«يقول الحق إن نفع البلاء» ، وهو لفظ رواية ابن إسحاق كما في «سيرة ابن هشام» . وبعده بيت عند ابن إسحاق لم يذكره المؤلف، ولا هو في حديث عائشة، وقد أثبتوه في المطبوع بلا تنبيه، وهو:
شهدتُ به فقوموا صدِّقوه
…
فقلتم لا نقوم ولا نشاء
(3)
«يسَّرتُ» كذا في الأصول وفاقًا لـ «صحيح مسلم» و «ديوان حسان بن ثابت» و «عيون الأثر» . وفي المطبوع: «سيَّرتُ» وفاقًا لمطبوعة «سيرة ابن هشام» .
(4)
«تختلف» كذا في الأصول عدا س، وفيه:«تختلط» وفاقًا للمصادر. وهذا البيت والبيتان بعده لم ترد في حديث عائشة رضي الله عنها.