المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفيما كان في غزوة خيبر من الأحكام الفقهية - زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم - جـ ٣

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فصلفي هديه في الجهاد والغزوات

- ‌فصلفي مبدأ الهجرة التي فرق الله فيها بين أوليائه وأعدائه

- ‌فصلفي بناء المسجد

- ‌فصلفي هديه في الأسارى

- ‌فصلفي هديه فيمن جسَّ عليه

- ‌ أنَّ من أسلم على شيءٍ في يده فهو له

- ‌فصلفي هديه في الأرض المغنومة

- ‌فصلفي ترتيب سياق هديه مع الكفار والمنافقينمن حين بُعث(3)إلى حين لقي الله عز وجل

- ‌فصلفي سياق مغازيه وبعوثه على وجه الاختصار

- ‌فصلفي قتل كعب بن الأشرف

- ‌فصلفي غزوة أحد

- ‌فصلفيما اشتملت عليه هذه الغزاة من الأحكام والفقه

- ‌فصلفي ذكر بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أُحُد

- ‌فصلفي غزوة دُومة الجندل

- ‌ سنة خمس

- ‌فصلفي غزوة المُرَيسِيع

- ‌فصلفي غزوة الخندق

- ‌فصلفي سريّة نجد

- ‌فصلفي غزوة الغابة

- ‌ سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القَصَّة

- ‌ سرية زيد بن حارثة إلى الطَّرَف

- ‌ سريةُ عبد الرحمن بن عوف إلى دُومة الجندل

- ‌فصلفي قصة الحديبية

- ‌فصلفي بعض ما في قصة الحديبية من الفوائد الفقهية

- ‌فصلفي الإشارة إلى بعض الحكم التي تضمنتها هذه الهدنة

- ‌فصلفي غزوة خيبر

- ‌فصلفيما كان في غزوة خيبر من الأحكام الفقهية

- ‌ جواز إجلاء أهل الذمة من دار الإسلام إذا استُغني عنهم

- ‌ جواز عتق الرجل أمتَه وجعلِ عتقها صداقًا لها

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌ سرية أبي بكر الصديق إلى نجد قِبَلَ بني فزارة

- ‌ سرية بَشير بن سعد الأنصاري إلى بني مُرَّة بفَدَكٍ

- ‌فصلفي سرية عبد الله بن حُذافة السَّهمي

- ‌فصلفي عمرة القضية

- ‌فصلفي غزوة مؤتة

- ‌ سنة ثمان

- ‌فصلفي غزوة ذات السُّلاسل

- ‌فصلفي سرية الخَبَط

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌ جواز أكل ميتة البحر

- ‌فصلفي الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحَرَمه الأمينواستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدًى للعالمين من أيدي الكفار والمشركين

- ‌ذكر سرية خالد بن الوليد إلى بني جَذِيمة

- ‌فصلفي الإشارة إلى ما في هذه الغزوة من الفقه واللطائف

- ‌فصلفيما في خطبته العظيمة ثاني يوم الفتح من أنواع العلم

- ‌«إن مكة حرَّمها الله ولم يحرمها الناس»

- ‌«فلا يحل لأحد أن يسفك بها دمًا»

- ‌فصلفي غزاة حنين

- ‌فصلفي الإشارة إلى بعض ما تضمنته هذه الغزوة من المسائل الفقهيةوالنكت الحُكمية

- ‌ جواز انتظار الإمام بقَسْم الغنائمِ إسلامَ الكفار

- ‌فصلفي غزوة الطائف في شوال سنة ثمان

- ‌ سنةُ تسعٍ

- ‌فصلفي السرايا والبعوث في سنة تسع

- ‌ذكر سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم

- ‌فصلذكر سرية قُطبة بن عامر بن حَدِيدة إلى خَثْعَمَ

- ‌فصل(2)ذكر سرية الضحاك بن سفيان الكِلابي إلى بني كلاب

- ‌فصلذِكر سرية علقمة بن مُجَزِّزٍ المُدْلِجي إلى الحبشة

- ‌ذكر سرية علي بن أبي طالب إلى صنم طَيِّئٍ ليهدمه

- ‌ذكر قصة كعب بن زُهَير مع النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي غزوة تبوك

- ‌فصلفي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أُكَيدِرِ دُومةَ

- ‌فصلفي خطبته صلى الله عليه وسلم بتبوك وصلاته

- ‌فصلفي جمعه بين الصلاتين في غزوة تبوك

- ‌فصلفي رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك وما همَّ المنافقون به من الكيد به

- ‌فصلفي أمر مسجد الضِّرار الذي نهى الله رسوله أن يقوم فيه

- ‌فصلفي الإشارة إلى بعض ما تضمنته هذه الغزوة من الفقه والفوائد

- ‌ ما اشتملت عليه قصة الثلاثة الذين خلفوا من الحكم والفوائد الجمة

- ‌فصلفي قدوم وفود العرب وغيرهم على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر وفد بني عامر ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم على عامر بن الطفيل وكفاية الله له(3)شرَّه وشرَّ أَرْبَدَ بن قيسٍ بعد أن عصم منهما نبيه

- ‌فصلفي قدوم وفد عبد القيس

- ‌فصلفي قدوم وفد بني حنيفة

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌فصلفي قدوم وفد طيِّئٍ على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد كِندة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم الأشعريين وأهل اليمن

- ‌فصلفي قدوم وفد الأزد على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد بني الحارث بن كعب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد هَمْدان عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد مُزَينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد دَوسٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بخيبر

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌فصلفي قدوم وفد نجران عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌فصلفي قدوم رسول فروة بن عمرو الجُذامي ملك عربِ الروم

- ‌فصلفي قدوم وفد بني سعد بن بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم طارق بن عبد الله وقومه على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد تُجيب

- ‌فصلفي قدومِ وفد بني سعدِ هُذَيمٍ من قُضاعة

- ‌فصلفي قدوم وفد بني فَزارة

- ‌فصلفي قدوم وفد بني أسد

- ‌فصلفي قدوم وفد بَهْراء

- ‌فصلفي قدوم وفد عُذْرة

- ‌فصلفي قدوم وفد بَلِيٍّ

- ‌فصلفي قدوم وفد ذي مُرَّة

- ‌فصلفي قدوم وفد خَولان

- ‌فصلفي قدوم وفد مُحارب

- ‌فصلفي قدوم وفد صُداءٍ في سنة ثمان

- ‌فصلفي فقه هذه القصة

- ‌فصلفي قدوم وفد غسَّان

- ‌فصلفي قدوم وفد سَلامان

- ‌فصلفي قدوم وفد بني عَبْس

- ‌فصلفي قدوم وفد غامد

- ‌فصلفي قدوم وفد الأزد على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد بني المُنتفِق(1)على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلفي قدوم وفد النَّخَع على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر هديه صلى الله عليه وسلم في مكاتباته إلى الملوك وغيرهم

- ‌فصلفي كتابه إلى الحارث بن أبي شِمر الغَسَّاني

الفصل: ‌فصلفيما كان في غزوة خيبر من الأحكام الفقهية

على ما أقول لك، قالت: فمن أخبرك بهذا؟ قال: الذي أخبركِ بما أخبرك، ثم ذهب حتى أتى مجالس قريشٍ، فلما رأوه قالوا: هذا والله التجلد يا أبا الفضل، لا يصيبك إلا خير، قال: أجل، لم يصبني إلا خير والحمد لله، خبَّرني الحجاج بكذا وكذا، وقد سألني أن أكتم عليه ثلاثًا لحاجة؛ فردَّ الله ما كان بالمسلمين من كآبة وجزع على المشركين، وخرج المسلمون من مواضعهم حتى دخلوا على العباس فأخبرهم الخبر فأشرقت وجوه المسلمين.

‌فصل

فيما كان في غزوة خيبر من الأحكام الفقهية

فمنها: محاربة الكفار ومقاتلتهم في الأشهر الحرم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من الحديبية في ذي الحجة، فمكث بها أيامًا ثم سار إلى خيبر في المحرَّم كذلك قال الزهري عن عروة عن مروان والمِسْوَر

(1)

. وكذلك قال الواقدي: خرج في أول سنة سبع من الهجرة

(2)

. ولكن في الاستدلال بذلك نظر، فإن خروجه كان في أواخر المحرَّم لا في أوله، وفتحُها إنما كان في صفر.

وأقوى من هذا الاستدلالِ بيعةُ النبي صلى الله عليه وسلم أصحابَه بيعةَ الرضوان عند الشجرة على القتال

(3)

وأن لا يفروا، وكانت في ذي القعدة. ولكن لا دليل في

(1)

أسنده البيهقي في «الدلائل» (4/ 197) من طريق ابن إسحاق عن الزهري به.

(2)

المؤلف صادر عن «الدلائل» (4/ 197)، وإلا فلا مستدَلَّ في كلام الواقدي، فإن لفظه في «المغازي» (2/ 634):«خرج في صفرٍ سنةَ سبع ــ ويقال: خرج لهلال ربيع الأول ــ إلى خيبر» .

(3)

السياق في س، ن:«بيعة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابَه تحت الشجرة بيعة الرضوان على القتال» .

ص: 407

ذلك، لأنه إنما بايعهم على ذلك لمّا بلغه أنهم قد قتلوا عثمان وهم يريدون قتاله، فحينئذ بايع الصحابة، ولا خلاف في جواز القتال في الشهر الحرام

(1)

إذا بدأ العدُّو، إنما الخلاف هل يقاتل فيه ابتداءً، فالجمهور جوزوه وقالوا: تحريم القتال فيه منسوخ، وهو مذهب الأئمة الأربعة.

وذهب عطاء وغيره إلى أنه ثابت غير منسوخ، وكان عطاء يحلف بالله ما يحل القتال في الشهر الحرام ولا نَسَخ تحريمَه شيء

(2)

.

وأقوى من هذين الاستدلالين الاستدلال بحصار النبي صلى الله عليه وسلم للطائف، فإنه خرج إليها في أواخر شوال، فحاصرهم بضعًا وعشرين ليلةً، فبعضها كان في ذي القعدة، فإنه فتح مكة لعشرٍ بقين من رمضان

(3)

، وأقام بها بعد الفتح تسع عشرة يقصر الصلاة

(4)

، فخرج إلى هوازن وقد بقي من شوال عشرون يومًا، ففتح الله عليه هوازن وقسم غنائمها، ثم ذهب منها إلى الطائف فحاصرها بضعًا وعشرين ليلةً، وهذا يقتضي أن بعضها في ذي القعدة بلا شك.

وقد قيل: إنما حاصرهم بضع عشرة ليلةً. قال ابن حزم

(5)

: وهو الصحيح بلا شك. وهذا عجب منه! فمن أين له هذا التصحيح والجزم به؟

(1)

زيد بعده في هامش ز: «دفعًا» ، وكذا في س مصححًّا عليه مع الضرب على قوله:«إذا بدأ العدو» ، وعلى وفقه جاء السياق في ن.

(2)

انظر: «تفسير الطبري» (3/ 663).

(3)

ص، ز، د:«لعشرين من رمضان» ، والمعنى واحد. وانظر:«دلائل النبوة» (5/ 24).

(4)

أخرجه البخاري (4298) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(5)

في «جوامع السيرة» (ص 243).

ص: 408

وفي «الصحيحين»

(1)

عن أنس بن مالك في قصة الطائف قال: فحاصرناهم أربعين يومًا فاستعصَوا وتمنَّعُوا

وذكر الحديث؛ فهذا الحصار وقع في ذي القَعدة بلا ريب. ومع هذا فلا دليل في القصة، لأن غزو الطائف كان من تمام غزوة هوازن، وهم بدؤوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالقتال، ولما انهزموا دخل ملِكهم وهو مالك بن عوف النَّصري مع ثقيفٍ في حصن الطائف محاربين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان غزوُهم من تمام الغزوة التي شرع فيها، والله أعلم.

وقد قال تعالى في سورة المائدة ــ وهي من آخر القرآن نزولًا وليس فيها منسوخ ــ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ} [المائدة: 2].

وقال في سورة البقرة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217].

فهاتان آيتان مدنيتان بينهما في النزول نحو ثمانية أعوام، وليس في كتاب الله ولا سنَّة رسوله ناسخ لحكمهما، ولا أجمعت الأمة على نسخه. ومن استدل على نسخه بقوله تعالى:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] ونحوها من العمومات، فقد استدل على النسخ بما لا يدل عليه. ومن استدل عليه بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا عامر في سريةٍ إلى أوطاس في ذي القعدة

(2)

، فقد استدل بغير دليل لأن ذلك كان من تمام الغزوة التي بدأ فيها المشركون بالقتال، ولم يكن ابتداءً منه لقتالهم في الشهر الحرام.

(1)

مسلم (1059/ 136) بنحوه، وحديث أنس أخرجه البخاري (4337) ولكن ليس فيه قوله هذا.

(2)

وذلك عقب غزاة حُنَين، كما سيأتي (ص 585).

ص: 409

فصل

ومنها: قسمة الغنائم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم، وقد تقدم تقريره.

ومنها: أنه يجوز لآحاد الجيش إذا وجد طعامًا أن يأكله ولا يخمِّسه، كما أخذ عبد الله بن المغفَّل جِراب الشحم الذي دُلِّي يومَ خيبر واختص به بمحضر النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

.

ومنها: أنه إذا لحق مددٌ بالجيش بعد تقضِّي الحرب فلا سهم لهم إلا بإذن الجيش ورضاهم

(2)

؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كلَّم أصحابه في أهل السفينة حين قدموا عليه بخيبر ــ جعفرٍ وأصحابِه ــ أن يُسهم لهم فأسهم لهم.

فصل

ومنها: تحريم لحوم الحمر الإنسية. صحَّ عنه تحريمها يوم خيبر، وصح عنه تعليل التحريم بأنها رجس

(3)

، وهذا مقدم على قول من قال من الصحابة: إنما حرَّمها لأنها كانت ظهر القوم وحمولتهم، فلمّا قيل له: أُفني الظهر وأُكلت الحمر، حرَّمها

(4)

؛ وعلى قول من قال: إنما حرمها لأنها لم

(1)

أخرجه مسلم (1772) وغيره من حديث عبد الله بن مغفل. وقد تقدَّم لفظ الحديث (ص 124).

(2)

ص، د:«زمامهم» ، تصحيف.

(3)

أخرجه البخاري (4198، 5528) ومسلم (1940) من حديث أنس رضي الله عنه.

(4)

مال إليه ابن عباس كما عند البخاري (4227) ومسلم (1939)، وانظر حديث أنس عند البخاري (4199) ومسلم (1940).

ص: 410

تُخمَّس

(1)

؛ وعلى قول من قال: إنما حرمها لأنها كانت جوالَّ

(2)

القرية وكانت تأكل العذرة

(3)

؛ وكل هذا في «الصحيح» ، لكن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنها رجس» مقدَّمٌ على هذا كله، لأنه من ظن الراوي وقولِه بخلاف التعليل بكونها رجسًا.

ولا تعارض بين هذا التحريم وبين قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145]، فإنه لم يكن قد حُرِّم حين نزول هذه الآية من المطاعم إلا هذه الأربعة، والتحريمُ كان يتجدد شيئًا فشيئًا، فحُرِّم الحمر بعد ذلك تحريمًا مبتدأً لِما سكت عنه النص، لا أنه رافع لما أباحه القرآن ولا مخصِّصٌ لعمومه فضلًا عن أن يكون ناسخًا له. والله أعلم.

فصل

ولم تُحرَّم المتعة يوم خيبر، وإنما كان تحريمها عام الفتح، هذا هو الصواب. وقد ظن طائفة من أهل العلم أنه حرَّمها يوم خيبر، واحتجوا بما في «الصحيحين»

(4)

من حديث علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحُمُر الإنسية.

(1)

قاله عبد الله بن أبي أوفى. أخرجه البخاري (3155، 4220) ومسلم (1937).

(2)

المطبوع: «حول» ، تحريف. و «الجوالُّ» جمع الجالَّة، وهي التي تأكل الجلَّة وهي العذرة، ويقال لها أيضًا: الجلّالة.

(3)

هو قول بعض الصحابة كما عند البخاري (4220).

(4)

البخاري (4216، 5115، 5523) ومسلم (1407).

ص: 411

وفي «الصحيحين»

(1)

أيضًا: أن عليًّا سمع ابن عباس يُليِّن في متعة النساء فقال: مهلًا يا ابن عباس، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية. وفي لفظ للبخاري

(2)

عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية.

ولما رأى هؤلاء أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحها عام الفتح ثم حرمها قالوا: حُرِّمت ثم أبيحت ثم حرمت. قال الشافعي

(3)

: لا أعلم شيئًا حرم ثم أبيح ثم حرم

(4)

إلا المتعة. قالوا: فنسخت مرتين.

وخالفهم في ذلك آخرون

(5)

وقالوا: لم تُحرَّم إلا عام الفتح، وقبل ذلك كانت مباحةً. قالوا: وإنما جمع عليُّ بن أبي طالب بين الإخبار بتحريمها وتحريم الحُمُر الأهلية لأن ابن عباس كان يبيحهما، فروى له علي تحريمهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ردًّا عليه، وكان تحريمُ الحمر يومَ خيبرَ بلا شك، فذَكَر يوم خيبر ظرفًا لتحريم الحمر، وأطلق تحريمَ المتعة ولم يُقيِّده بزمنٍ، كما جاء ذلك في «مسند الإمام أحمد» بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، وحرم متعة النساء. وفي لفظ: حرم متعة النساء

(1)

البخاري (6961) ومسلم (1407/ 31) واللفظ له.

(2)

برقم (4216)، وهو أيضًا عند مسلم (1407/ 29، 32).

(3)

لم أجد كلامه في «الرسالة» و «الأم» ، ولا نقله البيهقي في «معرفة السنن» .

(4)

بعده في جميع الأصول: «ثم أبيح» ، إلا أنه ضُرب عليه في ز، س. ولعله كان سبق قلم من المؤلف.

(5)

انظر: «الناسخ والمنسوخ» لأبي عبيد القاسم بن سلَّام (ص 75)، و «مستخرج أبي عوانة» (11/ 247) ط. الجامعة الإسلامية.

ص: 412

وحرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر. هكذا رواه سفيان بن عُيينة مفصَّلًا مميَّزًا

(1)

،

فظن بعض الرواة أن يوم خيبر زمن للتحريمين فقيّدهما به، ثم جاء بعضهم فاقتصر على أحد المُحرَّمَين وهو تحريم الحُمُر

(2)

وقيَّده بالظرف، فمن هاهنا نشأ الوهم.

وقصة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتَّعون باليهوديات، ولا استأذنوا في ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ولا نقله أحد قطُّ في هذه الغزوة، ولا كان للمتعة فيها ذِكرٌ البتة لا فعلًا ولا تحريمًا، بخلاف غزاة الفتح فإن قصة المتعة كانت فيها فعلًا وتحريمًا مشهورةً. وهذه الطريقة أصح الطريقتين.

وفيها طريقة ثالثة وهي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرمها تحريمًا عامًّا البتة، بل حرمها عند الاستغناء عنها وأباحها عند الحاجة إليها، وهذه كانت طريقة

(1)

لم أجده باللفظين المذكورين عند أحمد، ولكن أخرجه برقم (592) عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن الحسن وعبد الله ابني محمد ابن الحنفية، عن أبيهما أن عليًّا قال لابن عباس:«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر» . وأخرجه أيضًا الحميدي (37) والترمذي (1121) والنسائي (4334) عن سفيان به، زاد الحميدي: قال سفيان: «يعني أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر، لا يعني نكاح المتعة» .

ورواه بعضهم عن سفيان فلم يضبطوا لفظه فجعلوا «يوم خيبر» ظرفًا لتحريم المتعة، كما عند مسلم (1407/ 30) وأبي يعلى (576).

(2)

كذا في جميع الأصول، وهو سبق قلم من المؤلف فإن السياق يقتضي:«تحريم المتعة» ، وسيأتي على الصواب في فقه غزوة الفتح (ص 569) حيث قال: «

واقتصر بعضهم على رواية بعض الحديث فقال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة زمن خيبر، فجاء بالغلط البيِّن».

ص: 413

ابن عباس حين

(1)

كان يفتي بها ويقول: «هي كالميتة والدم ولحم الخنزير، تباح عند الضرورة وخشية العَنَت»

(2)

، فلم يفهم عنه أكثر الناس ذلك، وظنوا أنه أباحها إباحةً مطلقةً، وشبَّبوا

(3)

في ذلك بالأشعار

(4)

، فلما رأى ابن عباس ذلك رجع إلى القول بالتحريم

(5)

.

فصل

ومنها: جواز المساقاة والمزارعة بجزءٍ مما يخرج من الأرض من ثمر أو زرع، كما عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على ذلك، واستمر ذلك إلى حين وفاته لم يُنسَخ البتة، واستمر عملُ خلفائه الراشدين عليه.

وليس هذا من باب المؤاجرة في شيء، بل من باب المشاركة، وهو نظير المضاربة سواءً، فمن أباح المضاربة وحرَّم ذلك فقد فرَّق بين متماثلين.

(1)

ث، ن، المطبوع:«حتى» ، وكأنه تصحيف.

(2)

أخرجه أبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» (139) والفاكهي في «أخبار مكة» (3/ 12، 13) وابن المنذر في «تفسيره» (2/ 643 - 644) والطبراني في «الكبير» (10/ 315) والبيهقي في «السنن» (7/ 205)، وفي أسانيده لين، ولكن له شاهد عند البخاري (5116) عن أبي جَمرة قال: سمعتُ ابن عباس سئل عن متعة النساء، فرخَّص، فقال له مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة ــ أو نحوه ــ؟ فقال ابن عباس: «نعم» .

(3)

س: «شنَّعوا» ، تصحيف.

(4)

انظر بعض تلك الأشعار في المصادر السابقة عدا «صحيح البخاري» .

(5)

روي رجوعه من وجوه لا تخلو من مقال. انظرها في «جامع الترمذي» (1122) و «أخبار مكة» (3/ 13) و «الكنى» للدولابي (1426) و «مستخرج أبي عوانة» (11/ 230).

ص: 414

فصل

ومنها: أنه دفع إليهم الأرض على أن يعملوها من أموالهم، ولم يدفع إليهم البذر، ولا كان يَحمل إليهم البذر من المدينة قطعًا، فدل على أن هديه عدمُ اشتراط كون البذر من رب الأرض، وأنه يجوز أن يكون من العامل. وهذا هديُ خلفائه الراشدين من بعده، وكما أنه المنقول فهو الموافق للقياس، فإن الأرض بمنزلة رأس المال في القِراض

(1)

، والبذرُ يَجري مجرى سقي الماء، ولهذا يموت في الأرض ولا يرجع إلى صاحبه، ولو كان بمنزلة رأس مال المضاربة لاشتُرِط عَودُه إلى صاحبه، وهذا يفسد المزارعة؛ فعُلِم أن القياس الصحيح هو الموافق لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين في ذلك. والله أعلم.

فصل

ومنها: خَرْصُ الثمار على رؤوس النخل وقسمُها كذلك، وأن القسمة ليست بيعًا.

ومنها: الاكتفاء بخارص واحد وقاسم واحد.

ومنها: جواز عقد المهادنة عقدًا جائزًا للإمام فسخُه متى شاء.

ومنها: جواز تعليق عقد الصلح والأمان بالشرط، كما عقد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرط أن لا يُغيِّبوا ولا يكتموا.

ومنها: جواز تقرير أرباب التُّهَم بالعقوبة

(2)

، وأن ذلك من الشريعة

(1)

القِراض هو المضاربة في كلام أهل الحجاز.

(2)

أي: جواز عقوبة المُتَّهمِين حتى يُقِرُّوا بجرائمهم.

ص: 415

العادلة لا من السياسة الظالمة.

ومنها: الأخذ في الأحكام بالقرائن والأمارات، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لكنانة:«المال كثير والعهد قريب» ، فاستدل بهذا على كذبه في قوله: أذهبتْه الحروبُ والنفقة.

ومنها: أن من كان القول قولَه، إذا قامت قرينة على كذبه لم يُلتفَت إلى قوله ونُزِّل منزلةَ الخائن.

ومنها: أن أهل الذمة إذا خالفوا شيئًا مما شرط عليهم لم تبقَ لهم ذمة وحلَّت دماؤهم وأموالهم، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لهؤلاء الهدنة وشرط عليهم أن لا يُغيِّبوا

(1)

ولا يكتموا، فإن فعلوا حلَّت دماؤهم وأموالهم، فلما لم يَفُوا بالشرط استباح دماءهم وأموالهم. وبهذا اقتدى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في الشروط التي شرطها على أهل الذمة، فشرط عليهم أنهم متى خالفوا شيئًا منها فقد حلَّ له منهم ما يحل من أهل الشقاق والعداوة

(2)

.

ومنها: جواز نسخ الأمر قبل فعله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بكسر القدور ثم نسخه عنهم بالأمر بغسلها.

ومنها: أن ما لا يؤكل لحمه لا يَطهُر بالذكاة لا جلدُه ولا لحمُه، وأن

(1)

س: «يغزوا» ، تصحيف.

(2)

أخرجه القاضي عبد الله بن أحمد بن زَبْر الرَّبعي (ت 329) في «جزئه» في الشروط العمرية ــ كما في «مسند الفاروق» لابن كثير (2/ 335 - 338) ــ والبيهقي في «السنن» (9/ 202) وابن عساكر في «تاريخه» (2/ 174 - 179) من طرق «يشد بعضها بعضًا» كما قال ابن كثير رحمه الله.

ص: 416