الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجعل نقض العهد ساريًا في حق النساء والذرية، وجعل حكم الساكت والمقرِّ حكمَ الناقض المحارب. وهذا موجَب هديه صلى الله عليه وسلم في أهل الذمة بعد الجزية أيضًا: أن يسري نقضُ العهد في ذريتهم ونسائهم، ولكن هذا إذا كان الناقضون طائفةً لهم شوكة ومَنَعة، أما إذا كان الناقض واحدًا من طائفةٍ لم يوافقه بقيتُهم فهذا لا يسري النقض إلى زوجته وأولاده، كما أن من أهدر النبيُّ صلى الله عليه وسلم دماءهم ممن كان يسبُّه لم يَسْبِ نساءهم وذريتهم. فهذا هديه في هذا وهذا
(1)
، وهو الذي لا محيد عنه. وبالله التوفيق.
ومنها:
جواز عتق الرجل أمتَه وجعلِ عتقها صداقًا لها
، ويجعلها زوجته بغير إذنها ولا شهودٍ ولا وليٍّ غيره، ولا لفظِ إنكاحٍ وتزويج، كما فعل صلى الله عليه وسلم
(2)
بصفيَّة ولم يقل قطُّ: هذا خاص بي
(3)
، ولا أشار إلى ذلك مع علمه باقتداء أمته به، ولم يقل أحد من الصحابة: إن هذا لا يصلح لغيره، بل رووا القصة ونقلوها إلى الأمة ولم يمنعوهم ولا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الاقتداء به في ذلك.
والله سبحانه لما خصَّه في النكاح بالموهوبة قال: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50]، فلو كانت هذه خالصةً له من دون أمته لكان هذا التخصيص أولى بالذكر لكثرة ذلك من السادات مع إمائهم، بخلاف المرأة التي تَهَب نفسها للرجل لندرته وقلته؛ أو مِثْلَه في الحاجة إلى البيان، ولا سيما والأصل مشاركة الأمة له واقتداؤها به، فكيف يسكت عن منع
(1)
«وهذا» ساقط من المطبوع.
(2)
ص، ز، د:«كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم» . ب: «النبي صلى الله عليه وسلم» .
(3)
س، ن:«لي» .
الاقتداء به في ذلك الموضع
(1)
الذي لا يجوز مع قيام مقتضي الجواز؟ هذا شبه المُحال، ولم تجتمع الأمة على عدم الاقتداء به في ذلك فيجبَ المصير إلى إجماعها. وبالله التوفيق.
والقياس الصحيح يقتضي جواز ذلك، فإنه يملك رقبتها ومنفعة وطئها وخدمتها، فله أن يُسقط حقَّه من مِلك الرقبة ويستبقي ملك المنفعة أو نوعًا منها، كما لو أعتق عبدَه وشرط عليه أن يخدمه ما عاش، فإذا أخرج المالك رقبةً [مِن]
(2)
ملكه واستثنى نوعًا من منفعته لم يُمنَع من ذلك في عقد البيع، فكيف يُمنَع منه في عقد النكاح؟
ولما كانت منفعة البُضع لا تستباح إلا بعقد نكاحٍ
(3)
أو مِلكِ
(4)
يمينٍ، وكان إعتاقها يزيل ملك اليمين عنها= كان من ضرورة استباحة هذه المنفعة جَعْلُها زوجةً؛ وسيِّدُها كان يلي نكاحها وبيعها ممن شاء بغير رضاها، فاستثنى لنفسه ما كان يملكه منها، ولما كان من ضرورته عقدُ النكاح مَلَكه، لأن بقاء ملكه المستثنى لا يتمُّ إلا به، فهذا محض القياس الصحيح الموافق لسنَّته الصحيحة. والله أعلم.
ومنها: جواز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقِّه، كما كذب الحجَّاج بن عِلاط
(1)
ص، د، ف:«في ذلك في الموضع» .
(2)
زيادة لازمة ليستقيم السياق.
(3)
ص، ز:«النكاح» .
(4)
ص، د، ز:«بملك» .
على المسلمين حتى أخذ مالَه من مكة من غير مضرة لحقت المسلمين
(1)
من ذلك الكذب.
وأما ما نال مَن بمكة من المسلمين مِن الأذى والحزن فمفسدةٌ يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب، ولا سيما تكميلُ الفرح والسرور وزيادةُ الإيمان الذي حصل بالخبر الصادق بعد هذا الكذب، وكان الكذب سببًا في حصول هذه المصلحة الراجحة.
ونظير هذا: الإمامُ والحاكم يوهم الخصمَ خلاف الحق ليتوصَّل بذلك إلى استعلام الحق، كما أوهم سليمان بن داود إحدى المرأتين بشق الولد نصفين حتى توصَّل بذلك إلى معرفة عين الأم
(2)
.
ومنها: جواز بناء الرجل بامرأته في السفر، وركوبِها معه على دابَّةٍ بين الجيش.
ومنها: أن من قتل غيره بسُمٍّ يَقتل مِثلُه قُتِل به قصاصًا، كما قُتلت اليهودية ببشر بن البراء.
ومنها: جواز الأكل من ذبائح أهل الكتاب وحِلُّ طعامهم.
ومنها: قبول هدية الكافر.
فإن قيل: فلعل المرأة قُتِلت لنقض العهد لحرابها بالسم لا قصاصًا. قيل: لو كان قتلها لنقض العهد لقتلت من حين أقرت بأنها سمَّت الشاة ولم يتوقَّف قتلُها على موت الآكل منها.
(1)
س: «بالمسلمين» .
(2)
كما في حديث أبي هريرة عند البخاري (3427، 6769) ومسلم (1720).
فإن قيل: فهلا قُتلت بنقض العهد؟ قيل: هذا حجة من قال: إن الإمام مخيَّر في ناقض العهد كالأسير.
فإن قيل: فأنتم توجبون قتلَه حتمًا كما هو منصوص أحمد
(1)
، وإنما القاضي أبو يعلى ومن تبعه قالوا: يُخيَّر الإمام فيه.
قيل: إن كانت قصة الشاة قبل الصلح فلا حجة فيها، وإن كانت بعد الصلح فقد اختُلِف في نقض العهد بقتل المسلم على قولين، فمن لم يرَ النقض به فظاهر، ومن رأى النقض به فهل يتحتَّم قتلُه أو يخيَّر فيه؟ أو يُفصَّل بين بعض الأسباب الناقضة وبعضها، فيتحتَّم قتلُه بسبب السبِّ
(2)
ويُخيَّر فيه إذا نقضه بحِرابه ولحوقه بدار الحرب؟ وإن نقضه بسواهما، كالقتل، والزنا بالمسلمة، والتجسُّس على المسلمين، وإطلاع العدوِّ على عوراتهم، فالمنصوص: تعيُّنُ القتل.
وعلى هذا، فهذه المرأة لما سمَّت الشاة صارت بذلك محارِبةً، وكان قتلها مخيَّرًا فيه، فلما مات بعض المسلمين من السم قُتِلت حتمًا، إما قِصاصًا وإما لنقض العهد بقتلها المسلمَ، فهذا محتمل. والله أعلم.
واختُلِف في فتح خيبر: هل كان عنوةً، أو كان بعضها صلحًا وبعضها عنوةً؟
فروى أبو داود
(3)
من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فأصبناها
(1)
انظر: «مسائل أحمد» برواية ابنه عبد الله (ص 256).
(2)
المطبوع: «السبب» ، تصحيف.
(3)
برقم (3009)، وقد أخرجه أيضًا البخاري (371) ومسلم (1365) ضمن حديث طويل.
عنوةً فجُمِع السبي.
وقال ابن إسحاق
(1)
: سألت ابن شهاب فأخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوةً بعد القتال.
وذكر أبو داود
(2)
عن ابن شهاب: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوةً بعد القتال، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعدَ القتال.
قال ابن عبد البر
(3)
: هذا هو الصحيح في أرض خيبر: أنها كانت عنوةً كلُّها مغلوبًا عليها بخلاف فَدَك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم جميع أرضها على الغانمين لها، المُوجفين عليها بالخيل والركاب، وهم أهل الحديبية. ولم يختلف العلماء أن أرض خيبر مقسومة، وإنما اختلفوا: هل تُقسَم الأرضُ إذا غُنِمت البلادُ أو توقف؟
فقال الكوفيون
(4)
: الإمام مخيَّر بين قسمتها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرض خيبر، وبين إيقافها كما فعل عمرُ بسواد العراق.
وقال الشافعي
(5)
: تقسم الأرض كلُّها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، لأن الأرض غنيمة كسائر أموال الكفار.
(1)
كما في «سيرة ابن هشام» (2/ 356).
(2)
برقم (3018).
(3)
في «الدرر في اختصار المغازي والسير» (ص 214 - 216)، ونقله ابن سيد الناس في «عيون الأثر» (2/ 136) والمؤلف صادر عنه.
(4)
انظر: «المبسوط» (10/ 37).
(5)
في «الأم» (5/ 688) بمعناه.
وذهب مالك إلى إيقافها اتباعًا لعمر، لأن الأرض مخصوصة من سائر الغنيمة بما فعل عمر في جماعة من الصحابة مِن إيقافها لمن يأتي بعده من المسلمين. وروى مالك
(1)
عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر يقول: «لولا أن يُترك آخِرُ الناس لا شيء لهم ما افتتح المسلمون قريةً إلا قسمتُها سُهمانًا كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر سهمانًا» .
وهذا يدل على أن أرض خيبر قسمت كلها سهمانًا كما قال ابن إسحاق.
وأما من قال: إن خيبر كان بعضُها صلحًا وبعضُها عنوةً، فقد وهم وغلط، وإنما دخلت عليه الشبهة بالحِصنَين اللَّذَين أسلمهما أهلهما في حقن دمائهم، فلما لم يكن أهلُ ذينك الحِصنين من الرجال والنساء والذرية مغنومين ظَنَّ أن ذلك صلحٌ، ولعَمْري إن ذلك في الرجال والنساء والذرية لضربٌ
(2)
من الصلح، ولكنهم لم يتركوا أرضَهم إلا بالحصار والقتال، فكان حكمُ أرضهما
(3)
حكمَ سائرِ أرضِ خيبر كلِّها عنوةً غنيمةً مقسومةً بين أهلها.
وربما شُبِّه على من قال: إن نصفَ خيبر صلحٌ ونصفَها عنوة بحديث يحيى بن سعيد عن بُشَير بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم خيبر نصفين: نصفًا له ونصفًا للمسلمين
(4)
.
(1)
ومن طريقه أخرجه ابن أبي شيبة (33648) ــ واللفظ له ــ وأحمد (284) والبخاري (2334).
(2)
ز، ن، المطبوع:«كضرب» ، تصحيف.
(3)
أي: أرض ذينك الحِصنين. وفي ز، ن:«أرضها» ، تصحيف.
(4)
أخرجه أبو داود (3010) عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة بنحوه. وقد روي تفصيل القسمة عن بُشير بن يسار من أوجه أُخَر. انظر: «سنن أبي داود» (3011 - 3014) وما سبق (ص 391) في مطلع الفصل.
قال أبو عمر: وهذا لو صح لكان معناه أن النصف له مع سائر من وقع في ذلك النصف معه، لأنها قسمت على ستة وثلاثين سهمًا، فوقع السهم للنبي صلى الله عليه وسلم وطائفةٍ معه في ثمانية عشر سهمًا، ووقع سائر الناس في باقيها، وكلُّهم ممن شهد الحديبية ثم خيبر.
وليست الحصون التي أسلمها أهلها بعد الحصار والقتال صلحًا، ولو كانت صلحًا لملكها أهلُها كما يملك أهل الصلح أرضهم وسائر أموالهم، فالحق في هذا ما قاله ابن إسحاق دون ما قاله موسى بن عقبة وغيره عن ابن شهاب. هذا آخر كلام أبي عمر.
قلت: ذكر مالك
(1)
عن ابن شهاب أن خيبر كان بعضها عنوةً وبعضها صلحًا، والكتيبة أكثرها عنوةً وفيها صلح. قال مالك: والكَتِيبة أرضُ خيبرَ، وهو
(2)
أربعون ألف عذق.
وقال مالك
(3)
عن الزهري عن ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح بعض خيبر عنوةً.
فصل
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القُرى
(4)
، وكان بها
(1)
أسنده عنه أبو داود (3017).
(2)
ص، د، ز:«وهوازن» ، تحريف.
(3)
أسنده عنه أبو داود في الموضع السابق.
(4)
وادي القُرى معروف اليوم بوادي العُلا شمال المدينة على قرابة (350) كيلًا. «معجم المعالم الجغرافية في السيرة» (ص 250).
جماعة من اليهود، وقد انضاف إليهم جماعةٌ من العرب، فلما نزلوا استقبلهم يهودُ بالرمي وهم على غير تعبية، فقُتل مِدْعَمٌ عبد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال الناس
(1)
: هنيئًا له الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«كلَّا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تُصِبها المقاسم لتشتعل عليه نارًا» ، فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراك أو شراكين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«شراك من نار» أو «شراكان من نار»
(2)
.
فعبَّى
(3)
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابَه
(4)
للقتال وصفَّهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، ورايةً إلى الحُباب بن المنذر، ورايةً إلى سهل بن حُنَيف، ورايةً إلى عبَّاد بن بِشر، ثم دعاهم إلى الإسلام وأخبرهم أنهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم وحقنوا دماءهم وحسابُهم على الله، فبرز رجل منهم فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله
(5)
، ثم برز آخر فبرز إليه عليٌّ فقتله، حتى قُتِل منهم أحد عشر رجلًا، كلما قُتِل منهم رجل دعا من بقي إلى الإسلام، وكانت الصلاة تحضر ذلك اليوم فيصلي بأصحابه ثم يعود فيدعوهم إلى الإسلام
(1)
بعده في جميع الأصول: «قُتل مدعم
…
فقال الناس»، تكرار لما سبق.
(2)
أخرجه البخاري (4234، 6707) من حديث أبي هريرة بنحوه. وأخرجه البيهقي في «الدلائل» (4/ 270 - 271) من حديثه أيضًا من طريق الواقدي مطوّلًا، وفيه ما سيأتي في الفقرات الثلاث الآتية إلى قوله:«وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم» راجعًا إلى المدينة.
(3)
كذا في الأصول بتسهيل الهمز. ورسمه في ز: «تعبّى» .
(4)
ص، ز، د:«وأصحابه» .
(5)
زِيد في المطبوع بعده: «ثم برز آخر فقتله» ، وليس في شيء من الأصول ولا في «الدلائل» .
وإلى الله ورسوله، فقاتلهم حتى أمسوا وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قِيد رمح حتى أَعطَوا بأيديهم
(1)
وفتحها عنوةً، وغنَّمه الله أموالَهم وأصابوا أثاثًا ومتاعًا كثيرًا.
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي القرى أربعة أيام، وقسم ما أصاب على أصحابه بوادي القرى، وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود وعاملهم عليها، فلما بلغ يهود تَيماء ما واطى عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أهلَ خيبر وفدك ووادي القرى صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاموا بأموالهم، فلما كان عمر بن الخطاب أخرج يهود خيبر وفدك، ولم يُخرج أهل تيماء ووادي القرى لأنهما داخلتان في أرض الشام، ويَرَى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز، وأن ما وراء ذلك من الشام. وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعًا إلى المدينة
(2)
.
فلما كان ببعض الطريق سار ليله حتى إذا كان ببعض الطريق عرَّس وقال لبلال: «اكْلَأ لنا الليل»
(3)
، فغلبت بلالًا عيناه وهو مستنِد إلى راحلته، فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظًا، ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«ما هذا يا بلال؟» فقال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله! فاقتادوا رواحلهم شيئًا حتى خرجوا من ذلك الوادي، ثم قال: «هذا وادٍ به
(1)
أي: استسلموا. وغُيِّر في المطبوع إلى: «أعطوا ما بأيديهم» ففسد المعنى.
(2)
هنا ينتهي النقل من رواية الواقدي التي أخرجها البيهقي.
(3)
زِيد بعده في المطبوع سطر ونصف بين الحاصرتين نقلًا عن «صحيح مسلم» دون تنبيه، ولا حاجة إليه فالقصة واضحة بدونه، ثم إنه ليس عند البيهقي في «الدلائل» والمؤلف صادر عنه.
شيطان»، فلما جاوزه أمرهم أن ينزلوا وأن يتوضؤوا، ثم صلَّى سنة الفجر، ثم أمر بلالًا فأقام الصلاة، وصلَّى بالناس ثم انصرف
(1)
وقال: «يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردَّها إلينا في حينٍ غير هذا، فإذا نام أحدكم عن الصلاة أو نسيها فليصلِّها كما كان يصليها في وقتها» ، ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فقال: «إن الشيطان أتى بلالًا وهو قائم يصلِّي فأضجعه، فلم يزل يُهَدِّيه كما يُهدَّى
(2)
الصبيُّ حتى نام»، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا فأخبره بمثل ما أخبر به أبا بكر
(3)
.
وقد روي أن هذه القصة كانت في مرجعهم من الحديبية، وروي أنها كانت مرجعَه من غزوة تبوك، وقد روى قصةَ النوم عن صلاة الصبح عمرانُ بن حُصَين ولم يوقِّت مدَّتها ولا ذكر في أيِّ غزوةٍ كانت، وكذلك رواها أبو قتادة، كلاهما في قصة طويلة محفوظة
(4)
.
وروى مالك عن زيد بن أسلم أن ذلك كان بطريق مكة، وهذا مرسل.
وقد روى شعبة عن جامع بن شَدَّاد قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي
(1)
زِيد بعده في المطبوع: «إليهم وقد رأى من فزعهم» نقلًا عن «الموطأ» دون تنبيه، وليس في شيء من الأصول.
(2)
كذا في الأصول بتسهيل الهمز.
(3)
سياق الخبر جمعه المؤلف من حديثين: حديث أبي هريرة عند مسلم (680) والبيهقي في «الدلائل» (4/ 272) وذلك إلى قوله: «فاقتادوا رواحلهم شيئًا» ، والباقي من حديث زيد بن أسلم مرسلًا عند مالك في «الموطأ» (26) والبيهقي في «الدلائل» (4/ 273)، وهو صحيح بشواهده المسندة.
(4)
حديثهما عند البخاري (344، 595) ومسلم (682، 681) ولاءً.
علقمة قال: سمعت عبد الله بن مسعود قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمنَ الحديبية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يكلؤنا؟» فقال بلال: أنا ــ وذكر القصة ــ
(1)
.
ولكن قد اضطربت الرواة في هذه القصة، فقال عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن جامع: إن الحارس فيها كان ابنَ مسعود
(2)
، وقال غُنْدَرٌ عنه: إن الحارس كان بلالًا؛ واضطربت الرواية في تاريخها فقال المعتمر بن سليمان
(3)
عن شعبة عنه: إنها كانت في غزوة تبوك، وقال غيره عنه: إنها
(1)
أخرجه أحمد (3657) من طريق يحيى بن سعيد القطان، وهو (4421) وأبو داود (447) والنسائي في «الكبرى» (8802) من طريق محمد بن جعفر «غُندَر» ، كلاهما (يحيى القطان وغندر) عن شعبة به، وفي حديثهما عنه أن ذلك كان زمن الحديبية وأن الحارس كان بلالًا. هذا هو المحفوظ في حديث شعبة برواية هذين الحافظَين الثَّبْتَين عنه.
(2)
رواية عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة لم أجدها، وإنما أشار إليها البيهقي في «الدلائل» (4/ 274) فقال:«رُوي عن عبد الرحمن عن شعبة أن الحارس كان ابن مسعود، وكذلك قاله عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن جامع بن شدّاد» ، ثم أخرج رواية المسعودي، وأخرجها أيضًا أحمد (3710) والنسائي في «الكبرى» (8803) والمسعودي كان قد اختلط، وكلُّ من روى عنه هذا الحديث هم ممن سمعوا منه بعد الاختلاط.
(3)
كذا في جميع الأصول، وهو وهم أو سبق قلم، والصواب:«زافر بن سليمان» فهو الذي روى هذا الحديث عن شعبة وقال فيه: «غزوة تبوك» مخالفًا بذلك رواية يحيى القطان وغندر عن شعبة، وزافر ليس بذاك القوي، فروايته هذه منكرة. وهي مخرجة عند الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (3985) و «معاني الآثار» (1/ 465)، والشاشي في «مسنده» (839)، والبيهقي في «الدلائل» (4/ 156، 275)، والمؤلف صادر عنه فلعل نسخته التي كانت عند المؤلف تصحّف فيها «زافر» إلى «معتمر» .