الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«انطلق فزَوِّدهم» ، قال: فانطلق بهم عمر فأدخلهم منزله ثم أصعدهم إلى عِلِّيَّةٍ، فلما دخلنا إذا فيها من التمر مثلُ الجَمَل الأَورق، فأخذ القومُ منه حاجتهم قال النعمان: وكنتُ في آخر من خرج، فنظرت وما أفقِدُ موضعَ تمرةٍ مِن مكانها.
فصل
في قدوم وفد دَوسٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بخيبر
قال ابن إسحاق
(1)
: كان الطفيل بن عمرٍو الدَّوسي يحدِّث أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها، فمشى إليه رجالُ قريشٍ، وكان الطفيل رجلًا شريفًا شاعرًا لبيبًا، فقالوا له: إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل ــ وهو الذي بين أظهرنا ــ فرَّق جماعتنا وشتَّت أمرَنا، وإنما قوله كالسِّحر يفرق بين المرء وابنه، وبين المرء وأخيه، وبين الرجل
(2)
وزوجته، وإنَّا
(3)
نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمه ولا تسمع منه، قال: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعتُ أن لا أسمع منه شيئًا ولا أكلِّمه حتى حَشَوتُ في أُذُنيَّ حين غدوت إلى المسجد كُرْسُفًا فَرَقًا من أن يبلغني شيء من قوله.
قال: فغدوتُ إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة فقمت قريبًا منه، فأبى الله إلا أن يُسمعني بعضَ قوله، فسمعت كلامًا حسنًا فقلت في نفسي: واثُكْلَ أُمِّياه! والله إني لَرجل لبيب شاعر ما يخفى عليَّ الحسنُ من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان ما يقول حسنًا قبلت وإن كان قبيحًا تركت.
(1)
كما في «سيرة ابن هشام» (1/ 382) و «دلائل النبوة» (5/ 360) وهو مصدر النقل.
(2)
ن، والنسخ المطبوعة:«المرء» .
(3)
د، والنسخ المطبوعة:«إنما» .
قال: فمكثت حتى انصرف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت: يا محمد، إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا، فواللهِ ما برحوا يخوِّفُوني أمرك حتى سددتُ أذني بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله عز وجل إلا أن يُسمعنيه، فسمعت قولًا حسنًا، فاعرِضْ عليَّ أمرك، فعرض عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الإسلام وتلا عليَّ القرآن، فلا واللهِ ما سمعت قولًا قطُّ أحسنَ منه ولا أمرًا أعدل منه، فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبيَّ الله، إني امرؤ مُطاعٌ في قومي، وإني راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام، فادعُ الله أن يجعل لي آيةً تكون عونًا لي عليهم فيما أدعوهم إليه، فقال:«اللهم اجعل له آيةً» .
قال: فخرجتُ إلى قومي حتى إذا كنت بثنيَّةٍ تُطلعني على الحاضر وقع نور بين عينيَّ مثلُ المصباح، قال: قلت: اللهم في غير وجهي؛ إني أخشى أن يظنوا أنها مَثُلَةٌ
(1)
وقعت في وجهي لفراقي دينَهم، قال: فتحوَّل فوقع في رأس سوطي كالقنديل المعلَّق، وأنا أنهبط إليهم من الثنية حتى جئتهم وأصبحت فيهم، فلما نزلت أتاني أبي ــ وكان شيخًا كبيرًا ــ فقلت: إليك عني يا أَبَهْ
(2)
فلستَ مني ولستُ منك! قال: لم يا بُنيَّ؟ قلت: قد أسلمت وتابعت دين محمد، قال: يا بني فديني دينك، قال: فقلت: فاذهب فاغتسل وطهِّر ثيابَك ثم تعال حتى أعلمك ما علمت، قال: فذهب فاغتسل وطهَّر ثيابه ثم جاء،
(1)
أي: عقوبة.
(2)
في طبعة الرسالة: «أبتِ» خلافًا للأصول وللطبعة الهندية، وكذا في مطبوعة «الدلائل» خلافًا لمخطوطته (نسخة كوبريلي). والمثبت وجه جائز في النداء. انظر:«الكتاب» لسيبويه (2/ 210 - 211).
فعرضتُ عليه الإسلام فأسلم.
ثم أتتني صاحبتي فقلتُ لها: إليكِ عني فلستُ منكِ ولستِ مني، قالت: لِمَ بأبي أنت وأمي؟ قلت: فرق الإسلام بيني وبينك، أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم، قالت: فديني دينك، قال: قلت: فاذهبي فاغتسلي، ففعلت ثم جاءت، فعرضت عليها الإسلام فأسلمت.
ثم دعوتُ دوسًا إلى الإسلام فأبطؤوا عليَّ، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبيَّ الله، إنه قد غلبني على دوسٍ الزنا، فادعُ الله عليهم، فقال:«اللهم اهدِ دوسًا»
(1)
، ثم قال:«ارجع إلى قومك فادعهم إلى الله وارفُقْ بهم» ، فرجعتُ إليهم فلم أزل بأرض دوسٍ أدعوهم إلى الله، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر
(2)
، فنزلتُ المدينة بسبعين أو ثمانين بيتًا من دوس، ثم لحِقْنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فأسهم لنا مع المسلمين
(3)
.
قال ابن إسحاق
(4)
: فلما قُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدَّت العرب خرج
(1)
هذا القدر له شاهد عند البخاري (4392) ومسلم (2524) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء الطفيل بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن دوسًا قد هلكت؛ عصت وأبت، فادع الله عليهم، فقال صلى الله عليه وسلم:«اللهم اهد دوسًا وأتِ بهم» . لفظ البخاري.
(2)
كذا في جميع الأصول، وأخشى أن يكون حصل سقط من المؤلف لانتقال النظر، فإن السياق في «الدلائل»:«ثم قدمت المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معي من قومي ــ ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ــ فنزلتُ المدينة .... » . وفي النسخ المطبوعة: «
…
على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم بخيبر».
(3)
لحاقهم بالنبي صلى الله عليه وسلم في خيبر وإسهامه لهم صحَّ من حديث أبي هريرة، وقد سبق (ص 377 - 378).
(4)
كما في «سيرة ابن هشام» (1/ 385) و «الدلائل» (5/ 362).