الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجهك، فقد أصبح وجهك أحبَّ الوجوه كلِّها إليَّ، واللهِ ما كان على الأرض دين أبغضَ إليَّ من دينك، فقد أصبح دينُك أحبَّ الأديان إليَّ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فبشَّره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر.
فلما قدم على قريش قالوا: صبوتَ يا ثُمامة؟ قال: لا والله، ولكني أسلمت مع محمد صلى الله عليه وسلم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبَّة حنطةٍ حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ وكانت اليمامة ريف مكة ــ، فانصرف إلى بلاده ومنع الحمل إلى مكة حتى جهدت قريشٌ، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلي إليهم حمل الطعام، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
فصل
في غزوة الغابة
(2)
ثم أغار عيينة بن حصن الفَزاري في بني عبد الله بن غطفان على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم التي بالغابة
(3)
فاستاقها وقتل راعيها ــ وهو رجل من غفار
(4)
ــ
(1)
أخرج الخبر بتمامه ابن إسحاق ــ كما في «الدلائل» (4/ 79 - 80) ــ عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه. وهو عند البخاري (4372) ومسلم (1764) من طريق الليث عن سعيد عن أبي هريرة إلى قوله: «حتى يأذن فيها رسول الله» .
(2)
ويُقال لها أيضًا: «غزوة ذي قَرَد» .
(3)
قال ابن سعد: هي على بريد من المدينة طريق الشام. «الطبقات» (2/ 76). وقد دخل اليوم الجزء الجنوبي منها في مسمى «حي العيُّون» شماليَّ المدينة. انظر: «معجم معالم الحجاز» للبلادي (ص 1237).
(4)
ث، طبعة الرسالة:«عُسفان» ، تحريف.
واحتملوا امرأته. قال عبد المؤمن بن خلف
(1)
: «وهو ابن أبي ذر» ، وهو غريب جدًّا.
وجاء الصريخ فنودي: «يا خيلَ الله اركبي!» وكان أول ما نودي بها، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم مقنَّعًا في الحديد، فكان أول من أقبل إليه المِقداد بن عمرٍو في الدرع والمِغفر، فعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواءَ في رمحه وقال:«امض حتى تلحق الخيولُ، وإنَّا على أثرك»
(2)
، واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنَ أمِّ مكتوم.
وأدرك سلمةُ بن الأكوع القومَ وهو على رِجليه، فجعل يرميهم بالنبل ويقول:
خذها وأنا ابن الأكوع
…
واليوم يوم الرُّضَّع
(3)
حتى انتهى بهم إلى ذي قَرَد وقد استنقذ منهم جميعَ اللِّقاح وثلاثين بردةً. قال سلمة: فلحقَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والخيلُ عشاءً فقلت: يا رسول الله، إن
(1)
«السيرة النبوية» لعبد المؤمن الدمياطي (ق 88)، وإنما صدر الدمياطي عن «طبقات ابن سعد» (2/ 76)، ثم هو عن شيخه الواقدي. انظر:«مغازيه» (2/ 538، 539).
(2)
ذكره الواقدي ــ وعنه ابن سعد ــ بهذا اللفظ، «وإنَّا» يحتمل:«وأنا» . وذكره ابن إسحاق ضمن خبر الغزوة عن شيوخه من التابعين بلفظ: «اخرج في طلب القوم حتى ألحقك في الناس» .
(3)
أي اليوم يوم هلاك الرُّضَّع وهم اللئام. وسُمّي اللئيم راضعًا قيل: لأنه يرضع الناسَ، أي: يسألهم ويستعطيهم، وقيل: لأنه لِلُؤمه لا يكون معه محلب، فإذا سُئل اللبن اعتلَّ بذلك، وإذا أراد الشرب رضع بفِيه مباشرة! وقيل غير ذلك. انظر:«النهاية» و «التاج» (رضع).
القوم عِطاش، فلو بعثتني في مائة رجل استنقذت ما في أيديهم من السَّرْح وأخذت بأعناق القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ملكتَ فأَسجِحْ» ثم قال: «إنهم الآن ليُقْرَون في غطفان»
(1)
.
وذهب الصريخ بالمدينة إلى بني عمرو بن عوف، فجاءت الأمداد ولم تزل الخيل تأتي والرجال على أقدامهم وعلى الإبل حتى انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذِي قَرَد.
قال عبد المؤمن بن خلف
(2)
: فاستنقذوا عشرَ لقاح وأفلتَ القومُ بما بقي وهي عشر.
قلت: وهذا غلط بيِّن، والذي في «الصحيحين»
(3)
: أنهم استنقذوا اللقاح كلها، ولفظ مسلم في «صحيحه»
(4)
(1)
أخرجه البخاري (3041، 4194) ومسلم (1806، 1807) من حديث سلمة بن الأكوع. قوله: «ملكت فأسجح» من أمثال العرب ومعناه: إذا ملكت الأمر وظفِرت به فاعفُ وأحسن، وكأن المعنى هنا: استنقذتَ اللقاح وملكتها فارفق ولا تبالغ في المطالبة. وقوله: «يُقرَون في غطفان» أي قد وصلوا إلى بلادهم ويُضيَّفون هنالك، فلا فائدة في البعث في أثرهم.
(2)
«السيرة» للدمياطي (ق 88 ب). هكذا ذكره ابن سعد في «الطبقات» (6/ 175) ــ والدمياطي صادر عنه ــ من طريق شيخه الواقدي، وهو عنده في «المغازي» (2/ 542).
(3)
من حديث سلمة، وقد سبق تخريجه آنفًا.
(4)
برقم (1807) بفروق يسيرة في لفظه عمَّا ذكره المؤلف، ولعله كتبه من حفظه.
فصل
وهذه الغزوة كانت بعد الحديبية، وقد وهم فيها جماعة من أهل المغازي والسير فذكروا أنها قبل الحديبية
(1)
،
والدليل على صحة ما قلناه ما رواه الإمام أحمد، والحسن بن سفيان
(2)
عن أبي بكر بن أبي شيبة: حدثنا
(3)
هاشم بن القاسم، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثني إياس بن سلمة عن أبيه قال:«قدمت المدينة زمن الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، قال: «فخرجت أنا ورباحٌ بفرسٍ لطلحةَ أُندِّيه
(4)
مع الإبل، فلما كان بغلس أغار
(1)
هو قول ابن إسحاق والواقدي وابن سعد ومن تبعهم، جعلوه عقب غزوة بني لحيان، إلا أنهم اختلفوا في الشهر، فقال ابن إسحاق ومن تبعه كابن عبد البر وابن حزم: إنها كانت في جُمادى الأولى سنة ستٍّ، أي: على رأس ستة أشهر من فتح بني قريظة، وقال ابن سعد ومن تبعه كالدمياطي: كانت في ربيع الأول، وقال الواقدي: ربيع الآخر. وعلى كلٍّ فعمرة الحديبية بعد ذلك في ذي القَعدة كما سيأتي في محلِّه.
انظر: «سيرة ابن هشام» (2/ 281) و «مغازي الواقدي» (2/ 537) و «طبقات ابن سعد» (2/ 76) و «الدرر» (ص 197، 198) و «جوامع السيرة» (ص 200، 201) و «سيرة الدمياطي» (ق 88).
(2)
أخرجه أحمد (16539) عن هاشم بن القاسم به، وأخرجه ابن حبان (7173) عن الحسن بن سفيان عن ابن أبي شيبة عن هاشم به، ومن طريقهما (الإمام أحمد والحسن بن سفيان) أخرجه البيهقي في «الدلائل» (4/ 182)، وهو مصدر المؤلف.
(3)
ص، د، ن:«قال: حدثنا» ، وكذا في المواضع الآتية، وهو ممّا يكثر حذفه في الأسانيد خطًّا مع وجوب التلُّفظ به. والصواب في هذا الموضع بعينه:«قالا» أي: الإمام أحمد وأبو بكر بن أبي شيبة.
(4)
غير محرر النقط في الأصول، وقد اختُلف في ضبط هذه الكلمة على وجهين. الأول:«أندِّيه» بالنون وتشديد الدال، هكذا ضبطه الأكثرون، ومعنى التندية أن يورد الرجل فرسه الماء حتى يشرب ثم يردّه إلى المرعى ساعة يرتعي ثم يعيده إلى الماء. والثاني:«أُبْدِيه» بالباء، أي أخرجه إلى البدو وأبرزه إلى موضع الكلأ. انظر:«التقاسيم والأنواع» (4/ 324 - الهامش) و «غريب الحديث» لأبي عبيد (5/ 14) و «تهذيب اللغة» (14/ 191) و «مشارق الأنوار» (1/ 81) و «شرح مسلم» للنووي (12/ 178).
عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل راعيها
…
» وساق القصة، رواها مسلم في «صحيحه»
(1)
بطولها.
ووهم عبد المؤمن بن خلف في «سيرته»
(2)
في ذلك وهمًا بينًا فذكر غزاة بني لحيان بعد قريظة بستة أشهر، ثم قال: «فلمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لم يمكث إلا ليالي حتى أغار عبد الرحمن بن عيينة
…
» وذكر القصة، فأين هذا من قول سلمة: قدمتُ المدينة زمن الحديبية؟!
(3)
.
والذي أغار عبد الرحمن ــ وقيل: أبوه عيينة
(4)
ــ، وهو: عبد الرحمن بن
(1)
برقم (1807) من طرق عن عكرمة بن عمّار به.
(2)
كذا قال المؤلف، وهو وهمٌ أو سبق قلم، فإن السياق الذي ذكره هنا هو لابن إسحاق ومن صدر عنه كابن حزم. وعلى قول عبد المؤمن بن خلف الدمياطي كانت غزاة بني لحيان بعد قريظة بأربعة أشهر كما سبق تفصيل ذلك في الهامش قريبًا. وهذا أو ذاك، فكلا القولين يبطله حديث سلمة بن الأكوع على ما قرّره المؤلف.
(3)
«فأين هذا
…
» إلخ وقع في الأصول بعد الفقرة الآتية مع أن هذا موضعه، وأخشى أن تكون الفقرة الآتية زادها المؤلف لحقًا في الهامش فأدخلها بعض النساخ في غير موضعها.
(4)
والصواب أن الذي أغار هو عبد الرحمن بن عيينة في رجال من غطفان، ثم بعد ما تبعهم سلمة يرشقهم بنبله أتاهم أبوه عيينة مددًا لهم. هكذا في حديث سلمة عند أحمد (16539) وأبي داود (2752) وابن حبان (7173)، وأصله عند مسلم (1807).