الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد روى الإمام أحمد في «مسنده»
(1)
عن ابن عباس في قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ
(2)
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] قال: «نزلت في عبد الله بن حُذافة بن قَيس بن عديٍّ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية» ؛ فإما أن يكون واقعتين، أو يكون حديث علي هو المحفوظ، والله أعلم.
ذكر سرية علي بن أبي طالب إلى صنم طَيِّئٍ ليهدمه
في هذه السنة
قالوا
(3)
: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في خمسين ومائةِ رجلٍ
(4)
من الأنصار على مائة بعيرٍ وخمسين فرسًا، ومعه رايةٌ سوداءُ ولواءٌ أبيضُ إلى الفُلْس وهو صنم طيئ ليهدمه، فشَنُّوا الغارة على مَحَلَّة آل حاتمٍ مع الفجر فهدموه ومَلَؤوا أيديَهم من السبي والنَّعَم والشاء، وفي السبي أخت عدي بن حاتم، وهرب عديٌّ إلى الشام، ووجدوا في خِزانته ثلاثة أسياف وثلاثة أدراع، واستُعمِل على السبي أبو قتادة
(5)
وعلى الماشية والرِّقَة
(6)
عبد الله بن عَتِيك، وقَسَم الغنائمَ في الطريق وعَزَل الصفيَّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
(1)
برقم (3124)، وأخرجه أيضًا البخاري (4584) ومسلم (1834).
(2)
في الأصول عدا ن: «وأطيعوا الله» ، سبق قلم أو سهو.
(3)
النقل عن «طبقات ابن سعد» (2/ 150) بواسطة «عيون الأثر» (2/ 207). والخبر عند الواقدي (3/ 984) بإسناده عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب مرسلًا.
(4)
في النسخ المطبوعة: «في مائة وخمسين رجلًا» خلافًا للأصول ومصدري النقل.
(5)
في «الطبقات» و «عيون الأثر» : «واستعمل رسولُ الله على السبي أبا قتادة» .
(6)
كذا في الأصول و «عيون الأثر» . والرقة: الوَرِق، فالهاء فيه عوض عن الواو كالصفة والوصف والعِدة والوعد. والذي في مطبوعة «مغازي الواقدي» و «الطبقات»:«الرِّثَّة» ، وهو رديء المتاع والبالي من الثياب وغيرها، ولعله تصحيف.
ولم يقسم آلَ حاتمٍ
(1)
حتى قدم بهم المدينة.
قال ابن إسحاق
(2)
:
قال عدي بن حاتم: ما كان رجل من العرب أشد كراهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني حين سمعت به، وكنت امرءًا شريفًا وكنت نصرانيًّا وكنت أسير في قومي بالمرباع
(3)
، وكنت في نفسي على دينٍ وكنت مَلِكًا في قومي، فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته فقلتُ لغلامٍ عربيٍّ كان
(4)
لي وكان راعيًا لإبلي: لا أبا لك، أَعْدِدْ لي من إبلي أجمالًا ذُلُلًا سِمانًا فاحبسها قريبًا مني، فإذا سمعت بجيشٍ لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني، ففعل، ثم إنه أتاني ذاتَ غداةٍ فقال: يا عديُّ، ما كنت صانعًا إذا غشيتْك خيلُ محمدٍ فاصنعْه الآن، فإني قد رأيت راياتٍ فسألت عنها فقالوا: هذه جيوش محمد، قال: فقلت: فقرِّبْ لي أجمالي، فقرَّبها فاحتملت بأهلي وولدي، ثم
(1)
في المطبوع: «ولم يقسم على آل حاتم» ، إقحام مفسد للمعنى.
(2)
كما في «سيرة ابن هشام» (2/ 578) و «عيون الأثر» (2/ 237). وأسنده ابن سعد في «الطبقات» (6/ 214) عن عدي بن حاتم بنحوه، وإسناده واهٍ. ولأكثره شاهد من حديث سماك بن حرب عن عبّاد بن جيش عن عدي مطوّلًا. أخرجه أحمد (19381) ــ ومن طريقه البيهقي في «الدلائل» (5/ 340) ــ والترمذي (2953) وابن خزيمة في «التوحيد» (314) وابن حبان (7206) والطبراني في «الكبير» (17/ 99، 100) من طرق عن سماك بن حرب به، وإسناده لا بأس به في الشواهد والمتابعات، وقال الترمذي: حسن غريب، ولبعض جمله متابعات في «الصحيحين» وغيرهما، وسيأتي ذكرها في موضعها.
وسياق المؤلف مجموع من حديث ابن إسحاق وحديث سماك بن حرب، كما سيأتي التنبيه عليه في موضعه.
(3)
أي: يأخذ ربع الغنائم دون الجيش، على عادة الرؤساء في الجاهلية.
(4)
«كان» ساقطة من ص، ز، د، ن. ولفظ «السيرة» و «عيون الأثر»:«لغلامٍ كان لي عربي» .
قلتُ: ألحَقُ بأهل ديني من النصارى بالشام، وخلَّفتُ بنتًا لحاتم في الحاضر، فلما قدمتُ الشام أقمت بها، وتخالفني خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتصيب ابنةَ حاتمٍ فيمن أصابت، فقُدِم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيئ، وقد بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم هَرَبي إلى الشام
(1)
.
فمَّر بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، غاب الوافدُ وانقطع الوالد
(2)
، وأنا عجوزٌ كبيرة ما بي مِن خدمة، فمُنَّ عليّ منَّ الله عليك، قال:«من وافدك؟» قالت: عدي بن حاتم، قال:«الذي فرَّ من الله ورسوله؟» قالت: فمَنَّ عليَّ، قالت: فلما رجع ورَجلٌ إلى جنبه ــ تُرَى أنه علي ــ قال: سَلِيه الحُملان، قال
(3)
: فسألَتْه فأمر لها به، قال عدي: فأتتني أختي فقالت: لقد فعلتَ
(4)
فِعلةً ما كان أبوك يفعلها، ايْتِهِ راغبًا أو راهبًا، فقد أتاه فلانٌ فأصاب منه وأتاه فلان فأصاب منه.
قال عدي
(5)
: فأتيته وهو جالس في المسجد، فقال القوم: هذا عدي بن
(1)
هنا انتهى النقل عن ابن إسحاق، وما يلي هو حديث سماك بن حرب عن عبّاد بن حُبيش عن عدي، ولفظ الفقرة الآتية أشبه بلفظ «المسند» و «الدلائل» .
(2)
في «المسند» و «الدلائل» وغيرهما: «وانقطع الولد» ، ولفظ ابن إسحاق:«هلك الوالد وغاب الوافد» .
(3)
أي: عديٌّ، وفي النسخ المطبوعة:«قالت» خلافًا للأصول.
(4)
ف، ب، ث، ن:«فعل» . والمثبت من سائر الأصول موافق لمصادر التخريج، والسياق عليه، فإنها تؤنبّه على الفِرار إلى الشام وتركها خلفَه، وفي لفظ ابن إسحاق أنها قالت:«القاطع الظالم! احتملتَ بأهلك وولدك وتركتَ بقية والدك عورتَك» .
(5)
لفظ الحديث من هنا إلى آخره أشبه بلفظ الترمذي في «جامعه» ، وبنحوه أولى روايتي الطبراني في «معجمه الكبير» .
حاتم، وجئتُ بغير أمانٍ ولا كتاب، فلما دُفِعت إليه أخذ بيدي ــ وقد كان قبل ذلك قال:«إني أرجو أن يجعل الله يدَه في يدي» ــ، قال: فقام بي
(1)
فلقيتْه امرأة ومعها صبي فقالا: إن لنا إليك حاجةً، فقام معهما حتى قضى حاجتهما، ثم أخذ بيدي حتى أتى داره فألقت له الوليدةُ وسادةً فجلس عليها وجلست بين يديه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «ما يُفِرُّك
(2)
؟
أيفرك أن يقال لا إله إلا الله؟ فهل تعلم من إله سوى الله؟» قال: قلت: لا، قال: ثم تكلم ساعةً ثم قال: «إنما تَفِرُّ أن يقال: الله أكبر، وهل تعلم شيئًا أكبر من الله؟» قال: قلت: لا، قال:«فإن اليهود مغضوب عليهم وإن النصارى ضالُّون» ، قال: فقلت: فإني حنيف مسلم، قال: فرأيت وجهه ينبسط فرحًا، قال: ثم أمر بي فأُنزلت عند رجلٍ من الأنصار وجعلت أغشاه آتيه طرفي النهار، قال: فبينا أنا عنده إذ جاء قوم في ثياب من الصوف من هذه النِّمار، قال: فصلى وقام فحثَّ عليهم ثم قال: «أيها الناس ارضخوا من الفضل، ولو صاعٌ ولو بنصف صاع، ولو بقبضة ولو ببعض قبضة؛ يقي أحدكم وجهه حرَّ جهنم ــ أو: النار ــ ولو بتمرة، ولو بشِقِّ تمرة
(3)
، فإن أحدكم لاقي اللهَ وقائِلٌ له ما أقول لكم: ألم
(1)
غير محرّر في ف، وساقط من س، ث. وفي سائر الأصول والنسخ المطبوعة:«لي» . والمثبت موافق لـ «جامع الترمذي» (نسخة الكروخي ق 193، وهو ساقط من عامة الطبعات) و «معجم الطبراني الكبير» .
(2)
غير محرّر في ف. وفي ص، ث:«ما يغرُّك؟» . في س: «ما أبعدك؟ أيضرك
…
». في د: «ما يضرك؟ أيضرك» . وفي مطبوعة «معجم الطبراني» : «لم يغرك إلا أن
…
». والمثبت موافق لسائر مصادر التخريج في كونه مشتقًّا من الفرار، على اختلاف بينها في الصياغة ..
(3)
زِيد بعده في النسخ المطبوعة: «فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة» ، وليس في الأصول إلا في هامش ن مصححًا عليه، وليس في مصادر التخريج.
أجعل لك مالًا وولدًا؟ فيقول: بلى، فيقول: أين ما قدمت لنفسك؟ فينظر قُدَّامه وبَعده وعن يمينه وعن شماله ثم لا يجد شيئًا يقي به وجهه جهنم، ليقِ أحدُكم وجهَه النارَ ولو بشقِّ تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة، فإني لا أخاف عليكم الفاقة، فإن الله ناصركم ومعطيكم حتى تسير الظعينةُ ما بين يثرب والحِيرَةِ أكثرَ
(1)
ما تخاف على مطيَّتها السَّرَق»، قال: فجعلت أقول في نفسي: فأين لصوص طيئ
(2)
؟!
(1)
كذا في الأصول، وأيضًا في النسخ الخطية من «جامع الترمذي» و «كتاب التوحيد» لابن خزيمة. وفي «المسند» ومخطوطة «الدلائل»: «إن أكثر ما تخاف
…
». وعند الطبراني في الرواية الأولى: «وأكثر ما تخاف» ، وفي الثانية:«أخوف ما تخاف» . وتأويل الكلام ــ والله أعلم ــ أن الظعينة ستسير في المفاوز التي أكثر ما يخافه السائر في مثلها السرقة، ولكنها ستسير فيها آمنة لا يحصل لها من ذلك المخوف شيء.
هذا، والذي في عامة مطبوعات «جامع الترمذي» و «كتاب التوحيد» و «الدلائل»:«أو أكثر» ليكون عطفًا على ما قبله وتكونَ «ما» نافية، أي: تسير هذه المسافة أو أكثر لا تخاف فيها السرقة، ولكن بمراجعة أصولها الخطية تبيّن أن «أو» إما مقحمة وإما مصحَّفة عن «إنّ» .
(2)
لحديث عدي هذا شواهد في «الصحيحين» وغيرهما من طرق عنه، وأطولها حديث البخاري (3595) بلفظ:«بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال: «يا عدي، هل رأيت الحيرة؟» قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها، قال «فإن طالت بك حياة، لترين الظعينة ترتحل من الحيرة، حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدًا إلا الله، ــ قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دعار طيئ الذين قد سعروا البلاد ــ، ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى» ، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: «كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة، لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة، يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدًا يقبله منه، وليلقينَّ الله أحدُكم يوم يلقاه، وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فليقولن له: ألم أبعث إليك رسولًا فيبلغك؟
=
…
فيقول: بلى، فيقول: ألم أعطك مالًا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم»، قال عدي: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اتقوا النار ولو بشقة تمرة، فمن لم يجد شقة تمرة فبكلمة طيبة» . وانظر: «صحيح البخاري» (1413، 1417، 6023، 7512) ومسلم (1016).