الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونظير هذا قتلُ شارب الخمر في الثالثة أو الرابعة
(1)
، فليس
(2)
بحدٍّ ولا منسوخ، وإنما هو تعزير يتعلَّق باجتهاد الإمام
(3)
.
فصل
في هديه في الأسارى
كان يَمُنُّ على بعضهم، ويَقتل بعضَهم، ويُفادي بعضَهم بالمال وبعضَهم بأسرى المسلمين؛ قد فعل ذلك كلَّه بحسب المصلحة:
- ففادى بأسارى بدر بمال، وقال:«لو كان المُطْعِم بن عديٍّ حيًّا ثم كلَّمني في هؤلاء النَّتْنَى لتركتُهم له»
(4)
.
- وهبط عليه في صلح الحديبية سبعون
(5)
متسلِّحين
(6)
يريدون غِرَّته، فأَسَرهم ثم مَنَّ عليهم
(7)
.
(1)
حديث جلد شارب الخمر ثلاثًا ثم قَتلِه إن عاد الرابعة أخرجه أحمد (10729) وأبو داود (4484) والنسائي (5662) وابن حبان (4447) والحاكم (4/ 371) من حديث أبي هريرة بإسناد جيد.
وفي الباب عن معاوية، وعبد الله بن عمرو، والشريد بن سُويد في آخرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. انظر:«أنيس الساري» لنبيل البصارة (254) و «نزهة الألباب في قول الترمذي وفي الباب» للوائلي (4/ 2197).
(2)
ز، ع:«فإنه ليس» .
(3)
م، ق، ب، ث، هامش ز:«الأئمة» .
(4)
أخرجه البخاري (3139) من حديث جبير بن مطعم.
(5)
المطبوع: «ثمانون» خلافًا للأصول، وإن كان موافقًا لإحدى روايتي القصة.
(6)
كذا في جميع الأصول بالنصب على الحال، وله وجه. وفي م، ق، ب، ن بنصب «سبعين» أيضًا، وهو خطأ.
(7)
كما في حديث سلمة بن الأكوع الطويل عند مسلم (1807). وجاء في حديث أنس عند مسلم أيضًا (1808) أنهم كانوا ثمانين رجلًا.
- وأسر ثُمامة بن أُثال سيِّدَ بني حنيفة فربطه بسارية المسجد، ثم أطلقه فأسلم
(1)
.
- واستشار الصحابة في أُسارى بدرٍ، فأشار عليه الصديقُ أن يأخذَ منهم فديةً تكون لهم قوةً على عدوِّهم ويُطلقَهم، لعلَّ الله أن يهديهم للإسلام، وقال عمر: لا والله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكِّنَنا فنضربَ أعناقهم، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدُها، فهَوِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قال عمر، فلمّا كان من الغد أقبل عمر فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يبكيان، فقال: أخبرني يا رسول الله، من أي شيءٍ تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدتُ بكاءً بكيت، وإن لم أجد بكاءً تباكيتُ لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أبكي للذي عَرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عُرِض عليَّ عذابُهم أدنى من هذه الشجرة» ، وأنزل الله:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} الآية
(2)
[الأنفال: 67]
(3)
.
وقد تكلم الناس في أيِّ الرَّأيين كان أصوب، فرجحت طائفة رأيَ عمر لهذا الحديث؛ ورجَّحت طائفة رأي أبي بكر لاستقرار الأمر عليه، وموافقته
(4)
الكتابَ الذي سبق من الله بإحلال ذلك لهم، ولموافقته الرحمةَ التي غلبت
(1)
كما في حديث أبي هريرة المتفق عليه، وسيأتي (ص 324).
(2)
كذا ضبطت الآية في م، ص، ج:{تَكُونَ} ، وهي قراءة أبي عمرو، وقرأ الباقون بالياء.
(3)
أخرجه مسلم (1763) من حديث ابن عباس عن عمر.
(4)
م، ق، ب، ث:«وموافقة» .
الغضب، ولتشبيه النبي صلى الله عليه وسلم له في ذلك بإبراهيم وعيسى وتشبيهه لعمر بنُوحٍ وموسى
(1)
، ولحصول الخير العظيم الذي حصل بإسلام أكثرِ أولئك الأسرى، ولخروج من خرج من أصلابهم من المسلمين، ولحصول القوة التي حصلت للمسلمين بالفِداء، ولموافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أولًا، ولموافقة الله عز وجل له آخرًا حيث استقرَّ الأمر على رأيه ــ فلكمال نظر الصديق كأنّه رأى ما يستقر عليه حكم الله آخرًا ــ، وغلبةِ جانب الرحمة على جانب العقوبة.
قالوا: وأما بكاء النبي صلى الله عليه وسلم، فإنما كان رحمةً لنزول العذاب بمن أراد بذلك عَرَض الدنيا، ولم يرد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر وإن أراده بعض الصحابة، فالفتنة كانت تعمُّ ولا تصيب من أراد ذلك خاصةً، كما هُزِم العسكر يوم حنين بقول أحدهم: لن نُغلَب اليوم من قلة، وبإعجاب كثرتهم لمن أعجبته منهم فهُزِم الجيش بذلك فتنةً ومحنةً، ثم استقرَّ الأمرُ على النصر والظفر، والله أعلم.
- واستأذنه الأنصار أن يتركوا للعباس عمِّه
(2)
فداءَه فقال: «لا تدعون منه درهمًا»
(3)
.
- واستوهب من سلمة بن الأكوع جاريةً نفَّلَه إيَّاها أبو بكر في بعض مغازيه، فوهبها له، فبعث بها إلى مكة ففدى بها ناسًا من المسلمين
(4)
.
(1)
كما في حديث أبي عُبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه. أخرجه أحمد (3632) وابن أبي شيبة (37845)، وذكر الترمذي (1714) طرفًا منه وقال:«هذا حديث حسن، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه» . وانظر ما سبق في هامش (ص 123).
(2)
م، ق، ب:«لعمِّه العباس» . ث: «لعمِّه عباس» .
(3)
أخرجه البخاري (2537) من حديث أنس.
(4)
أخرجه مسلم (1755) من حديث سلمة بن الأكوع.
- وفدى رجلين من المسلمين برجلٍ من عُقيلٍ
(1)
.
- وردَّ سبْيَ هوازن عليهم بعد القسمة، واستطاب قلوب الغانمين فطيَّبوا له، وعوَّض مَن لم يُطيِّب من ذلك بكل إنسان ستَّ فرائضَ
(2)
.
- وقَتَل عقبة بن أبي مُعَيط من الأسرى وقتل النضر بن الحارث لشدَّةِ عداوتِهما لِلّاه ورسوله
(3)
.
وذكر الإمام أحمد
(4)
عن ابن عباس قال: كان ناسٌ من الأسرى لم يكن لهم مال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءَهم أن يعلِّمُوا أولاد الأنصارِ الكتابةَ. وهذا يدل على جواز الفداء بالعمل كما يجوز بالمال.
وكان هديه أن من أسلم قبل الأَسْرِ لم يُسترقَّ.
وكان يَسترقُّ سَبْيَ العرب كما يسترق غيرَهم من أهل الكتاب، وكان عند عائشة سبيَّة منهم فقال:«أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل»
(5)
.
(1)
أخرجه مسلم (1641) من حديث عمران بن حُصَين.
(2)
سيأتي تخريجه (ص 591).
(3)
قُتلا بعد أن أُسرا في غزوة بدر، وقد استفاض خبر قتلهما صبرًا ــ لا سيما قتل عقبة بن أبي معيط ــ من غير وجهٍ وإن كانت عامّتها مراسيل. انظر:«المصنف» لعبد الرزاق (9389، 9390، 9394) ولابن أبي شيبة (37847) و «المراسيل» لأبي داود (337) و «سنن البيهقي» (9/ 64). وانظر: «سيرة ابن هشام» (1/ 644) و «مغازي الواقدي» (1/ 107، 114) و «طبقات ابن سعد» (2/ 17).
(4)
في «مسنده» (2216)، وأخرجه أيضًا ابن المنذر في «الأوسط» (6/ 225) والحاكم (2/ 140) وعنه البيهقي في «السنن» (6/ 322). وإسناده جيّد.
(5)
أخرجه البخاري (2543) ومسلم (2525) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي الطبراني
(1)
مرفوعًا: «من كان عليه رقبة من ولد إسماعيلَ فليُعتِقْ من بَلْعَنْبر» .
ولما قَسَم سبايا بني المصطلق وقعت جويريةُ بنت الحارث في السبي لثابت بن قيس بن شمَّاس فكاتبَتْه على نفسها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها وتزوَّجها، فأُعتِقَ بتزويجه إياها مئةُ أهلِ بيتٍ من بني المصطلق إكرامًا لصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
؛ وهي من صريح العرب.
ولم يكونوا يتوقفون في وطء سبايا العرب
(3)
على الإسلام، بل كانوا يطؤوهن
(4)
بعد الاستبراء، وأباح الله لهم ذلك ولم يشترط الإسلام، بل قال تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]، فأباح وطء ملك اليمين وإن كانت محصنةً إذا انقضت عدُّتها بالاستبراء.
(1)
«المعجم الكبير» (5/ 267) ــ وعنه أبو نعيم في «معرفة الصحابة» (3063) ــ من طريق شُعَيث بن عبيد الله بن زُبَيب بن ثعلبة، عن أبيه، عن جده. وفي إسناده لين، فإن شُعيثًا شيخ أعرابي مُقِلُّ لا يُعرف بالضبط والثقة. ولكن يشهد له حديث أبي هريرة السابق، فإن السبيَّة عند عائشة كانت من بني تميم، وبلعنبر جماعة من بني تميم، وقد جاء ذلك مصرَّحًا في روايةٍ عند البزار (9616) والحاكم (4/ 84) والبيهقي في «السنن» (9/ 75) ــ وقد ساق مسلم إسناده في المتابعات دون لفظه ــ أن عائشة كانت قد نذرت محرَّرًا من ولد إسماعيل، فجيء بسبيٍ من بلعنبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لها:«إن سرَّك أن تفي بنذرك فأعتقي محرَّرًا من هؤلاء» فجعلهم من ولد إسماعيل.
(2)
سيأتي تخريجه في غزاة بني المصطلق (ص 300).
(3)
ث: «بني المصطلق» ، وكذا أثبته المقابِل في ع بعد الضرب على المثبت.
(4)
كذا في جميع الأصول، والجادة إثبات نون الرفع:«يطؤونهن» .
وقال له سلمة بن الأكوع لما استوهبه الجاريةَ من السبي: يا رسول الله، واللهِ لقد أعجبَتْني وما كشفتُ لها ثوبًا؛ ولو كان وطؤها حرامًا قبل الإسلام عندهم لم يكن لهذا القول معنًى، ولم تكن قد أسلمت لأنها فدى بها أناسًا من المسلمين بمكة، والمسلم لا يفادى به.
وبالجملة فلا يُعرَف في أثرٍ واحد قطُّ اشتراطُ الإسلام منهم قولًا أو فعلًا في وطء المَسبيَّة، فالصواب الذي كان عليه هديه وهدي أصحابه استرقاقُ العرب ووطءُ المَسبيَّات منهم
(1)
بملك اليمين من غير اشتراط الإسلام
(2)
.
فصل
وكان صلى الله عليه وسلم يمنع التفريق في السبي بين الوالدة وولدها، ويقول:«من فرَّق بين والدة وولدها فرَّق الله بينه وبين أحبَّته يوم القيامة»
(3)
.
وكان يؤتى
(4)
بالسَّبي فيعطي أهلَ البيت جميعًا كراهيةَ أن يفرِّق بينهم
(5)
.
(1)
«منهم» ساقط من ص، ع. وفي ج:«ووطء إمائهن» .
(2)
وذكر المؤلف هذه المسألة أيضًا في «تهذيب السنن» (1/ 477 - 478).
(3)
أخرجه أحمد (23499) والترمذي (1566) والحاكم (2/ 55) من حديث أبي أيوب الأنصاري بإسناد فيه لين، قال الترمذي:«هذا حديث حسن غريب، والعمل على هذا عند أهل العلم» . وللحديث طريقان آخران عند الدارمي (2522) والبيهقي في «السنن الكبرى» (9/ 126) يعتضد ويتقوَّى بهما. وانظر: «بيان الوهم والإيهام» (3/ 521) و «تنقيح التحقيق» (4/ 99).
(4)
م، ق، ب، ث:«يأمر» ، وعليه فيكون السياق:«يأمر بالسبي فيُعطى أهلُ البيت جميعًا» .
(5)
أخرجه أحمد (3690) وابن ماجه (2248) والطيالسي (286) من حديث ابن مسعود. وفي إسناده جابر الجعفي، وهو ضعيف.