الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً، وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [ (1) ] .
ثم قال:
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [ (2) ] .
وهؤلاء هم الأنصار.
ثم قال:
وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ، وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [ (3) ] .
فمن تنقّصهم فلا حق له في فيء المسلمين [ (4) ] .
عقيدة أهل السّنّة في تفضيل الصّحابة
أجمع أهل السّنّة على أن أفضل الصّحابة بعد النّبي صلى الله عليه وسلم على الإطلاق أبو بكر ثم عمر، وممّن حكى إجماعهم على ذلك أبو العبّاس القرطبي، فقال: ولم يختلف أحد في ذلك من أئمّة السّلف ولا الخلف، فقال: ولا مبالاة بأقوال أهل التّشيّع ولا أهل البدع، انتهى. وقد حكى الشّافعيّ وغيره إجماع الصّحابة والتابعين على ذلك، قال البيهقيّ في كتاب «الاعتقاد» : روينا عن أبي ثور عن الشّافعيّ قال: ما اختلف أحد من الصّحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على جميع الصّحابة، وإنما اختلف من اختلف منهم في عليّ وعثمان [ (5) ] .
وقال العلّامة الكمال بن الهمّام في «المسايرة» : فضل الصّحابة الأربعة على حسب ترتيبهم في الخلافة، إذ حقيقة الفضل ما هو فضل عند اللَّه تعالى، وذلك لا يطلع عليه إلا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقد ورد عنه ثناؤه عليهم كلهم، ولا يتحقّق إدراك حقيقة تفضيله عليه السلام لبعضهم على بعض إن لم يكن سمعيّا يصل إلينا قطعيّا في دلالته إلا الشاهدين لذلك الزمان، لظهور قرائن الأحوال لهم، وقد ثبت ذلك لنا صريحا ودلالة كما في صحيح البخاريّ من حديث عمرو بن العاص حين سأله عليه السلام:
[ (1) ] الحشر: 8.
[ (2) ] الحشر: 9.
[ (3) ] الحشر: 10.
[ (4) ] الشفا للقاضي عياض 1111، 1112.
[ (5) ] فتح المغيث للعراقي 4/ 41.
من أحبّ النّاس إليك من الرّجال؟ فقال: «أبوها» . يعني عائشة رضي الله عنها وتقديمه في الصّلاة على ما قدّمنا مع أن الاتّفاق على أن السّنّة أن يقدم على القوم أفضلهم علما، وقراءة، وخلقا، وورعا، فثبت أنه كان أفضل الصّحابة، وصحّ من حديث ابن عمر في صحيح البخاريّ قال: كنا في زمن النّبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم،
وصحّ فيه من حديث محمّد بن الحنفيّة: قلت لأبي: أيّ النّاس خير بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت قال: ما أنا إلا واحد من المسلمين،
فهذا عليّ نفسه مصرّح بأن أبا بكر أفضل النّاس، وأفاد بعد ما ذكرنا تفضيل أبي بكر وحده على الكلّ، وفي بعض ترتيب الثّلاثة، ولما أجمعوا على تقديم عليّ بعدهم دل على أنه كان أفضل من بحضرته وكان منهم الزّبير وطلحة فثبت أنه كان أفضل الخلق بعد الثلاثة.
هذا واعتقاد أهل السّنّة تزكية جميع الصّحابة والثناء عليهم، كما أثنى اللَّه سبحانه وتعالى عليهم إذ قال:
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [ (1) ] . [ (2) ] .
وقال العلّامة البغداديّ في «أصول الدّين» : [ (3) ] أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة، ثم السّتّة الباقون بعدهم إلى تمام العشرة وهم: طلحة والزّبير وسعد بن أبي وقّاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الرّحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجرّاح، ثم البدريّون، ثم أصحاب أحد، ثم أهل بيعة الرّضوان بالحديبية، واختلف أصحابنا في تفضيل عليّ وعثمان، فقدم الأشعريّ عثمان، وبناه على أصله في منع إمامة المفضول.
وقال محمّد بن إسحاق بن خزيمة والحسين بن الفضل البجليّ بتفضيل علي رضي الله عنه وقال القلانسيّ: لا أدري أيهما أفضل، وأجاز إمامة المفضول.
وقال العلّامة اللقانيّ في جوهرته:
وأوّل التّشاجر الرجز الّذي ورد
…
إن خضت فيه واجتنب داء الحسد
[ (1) ] آل عمران: 110.
[ (2) ] المسايرة 166- 168.
[ (3) ] أصول الدين للبغدادي 304.
فقال العلّامة البيجوريّ في شرحه عليها:
وقد وقع تشاجر بين علي ومعاوية- رضي الله عنهما وقد افترقت الصحابة ثلاث فرق:
فرقة اجتهدت، فظهر لها أن الحق مع عليّ، فقاتلت معه، وفرقة اجتهدت، فظهر لها أن الحق مع معاوية، فقاتلت معه، وفرقة توقّفت.
وقد قال العلماء: المصيب بأجرين والمخطئ بأجر، وقد شهد اللَّه ورسوله لهم بالعدالة، والمراد من تأويل ذلك أن يصرف إلى محمل حسن لتحسين الظّنّ بهم فلم يخرج واحد منهم عن العدالة بما وقع بينهم، لأنهم مجتهدون.
وقوله: (إن خضت فيه) أي إن قدّر أنّك خضت فيه فأوّله: ولا تنقص أحدا منهم، وإنما قال المصنّف ذلك لأن الشّخص ليس مأمورا بالخوض فيما جرى بينهم، فإنه ليس من العقائد الدّينية، ولا من القواعد الكلامية، وليس ممّا ينتفع به في الدّين، بل ربّما ضرّ في اليقين، فلا يباح الخوض فيه إلا للرّدّ على المتعصبين، أو للتّعليم كتدريس الكتب التي تشتمل على الآثار المتعلقة بذلك، وأما العوام فلا يجوز لهم الخوض فيه لشدّة جهلهم، وعدم معرفتهم بالتأويل. [ (1) ]
وقال السّعد التّفتازانيّ:
[ (1) ] شرح الجوهرة للقاني 104، 105.
[ (2) ] المقاصد للتفتازاني 5/ 303، 304.
وقال العلّامة المرعشيّ في «نشر الطّوالع» :
«يجب تعظيم جميع أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم والكفّ عن مطاعنهم، وحسن الظّنّ بهم، وترك التّعصّب والبغض لأجل بعضهم على بعض، وترك الإفراط في محبّة بعضهم على وجه يفضي إلى عداوة آخرين منهم والقدح فيهم، فإن اللَّه تعالى أثنى عليهم في مواضع كثيرة منها قوله تعالى:
يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ.. [ (1) ]
الآية.
وقد أحبّهم النّبي صلى الله عليه وسلم وأثنى عليهم وأوصى أمّته بعدم سبّهم وبغضهم وأذاهم، وما ورد من المطاعن، فعلى تقدير صحته له محامل وتأويلات، ومع ذلك لا يعادل ما ورد في مناقبهم، وحكي عن آثارهم المرضية وسيرهم الحميدة نفعنا اللَّه بمحبّتهم أجمعين [ (2) ] .
قال: الإمام النّوويّ- رحمه اللَّه تعالى:
واعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة، فلشدّة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام: قسم ظهر لهم بالاجتهاد أن الحقّ في هذا الطرف، وأن مخالفه باغ فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه فعلوا ذلك، ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخّر عن مساعدة الإمام العدل في قتال البغاة.
وقسم عكس هؤلاء ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطّرف الآخر، فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه.
وقسم ثالث اشتبهت عليهم القضية وتحيّروا فيها ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين، وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم، لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك، ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين وأن الحق معه لما جاز لهم التأخّر عن نصرته في قتال البغاة عليه.
فكلهم معذورون- رضي الله عنهم ولهذا اتّفق أهل الحق ومن يعتدّ به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين.
[ (1) ] التحريم: 8.
[ (2) ] نشر الطوالع للعلامة المرعشي الشهير بساجقلي زاده ص 385 وما بعدها.