الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يأتي في حرف النون في ترجمة والده بعد أن ذكر اسمه أو كقوله «ووقع ذكر الشريد من بني سليم في شعر هوذة الآتي ذكره في حرف الهاء» .
وفي ترجمة سويبق بن حاجب بن الحارث قال: «وهو سبيع الّذي تقدّم ذكره ولم ينبه عليه» .
وفي تراجم الإخوة والأخوات والآباء والأبناء ذكر النسب في موضع واحد وأحال عليه.
وإذا سبق في التراجم اسم بشكل عرضي فإنه يحيل إلى ترجمته ويبين موضعها، وكذلك الحديث أو الرواية المتشابهة، كما استعمل في الإحالة عبارات مثل:«سيأتي في القسم الثالث» ، أو سأوضح
…
ذلك في العبادلة» أو «قد مضى القول فيه في القسم الأوّل» .
وأحال إلى بعض مصنفاته مثل شرح البخاري «فتح الباري» وكتاب «الأوائل» و «تعليق التعليق» و «لسان الميزان» و «أسباب النزول» و «تهذيب التهذيب» وكتاب «المعمرين» و «العشرة العشارية» و «الأربعين المتباينة» وكتاب «معرفة المدرج والبناء الجليل بحكم بلد الخليل» و «مبهمات القرآن» وبعض الأجزاء المفردة.
وجميع هذه الإحالات توضح حرصه على الاختصار، لأنه يذكر طرفا من الحديث أو القصة أو الخبر ثم يشير إلى أنه قد استوفاه في مصنف آخر.
اعتماد الحافظ ابن حجر على مؤلّفات من سبقه في كتابه «الإصابة»
وقف ابن حجر في نهاية تطور طويل لعلم معرفة الصحابة وقد سبقه عدد كبير من المصنفين في هذا الباب، وأشار هو في مقدمة كتابه، «الإصابة» إلى سبعة وعشرين منهم، ثم قال:«وفي أعصار هؤلاء خلائق يتعسر حصرهم» وكان ذلك إلى أوائل القرن السابع الهجريّ ثم ظهرت مصنفات أخرى كثيرة، فاستفاد ابن حجر من المصنفات السابقة له في هذا الباب، سواء أكانت خاصة بالصحابة أم تحدثت عنهم بشكل عرضي في المصنفات الخاصة بالعلوم والآداب المختلفة، على أنه اقتبس من موارد تزيد على ستين مصنفا منفردا عن الصحابة وأغلبها تملك حق روايتها بالسماع وبالإجازة الخاصة كما يبين ذلك في كتابه «المعجم المفهرس» و «المعجم المؤسس» .
وقد بذل جهدا عظيما في استقصاء أسماء الصحابة من المصنفات وتخريج تراجمهم بصرف النظر عن كون المصنفات موثقة أو ضعيفة، وفي أي فرع كانت من فروعه المعرفة وذلك بسبب التقسيم الّذي ابتكره، وتخصيصه القسم الرابع من كل حرف لتراجم الذين ذكروا على سبيل الوهم في الصحابة، فجمع مادة كتابه من المصنفات والأجزاء الحديثية والنسخ، وحواشي الكتب والتعليقات، وكل ما يخطر على البال.
على أنه انتقد المصادر التي اعتمد عليها، وبين جوانب الضعف والقوّة فيها كما نقد الأسانيد والروايات فهو يورد الرواية الضعيفة أحيانا ليستدل بها على عنصر من عناصر الترجمة كوفاة صاحبها مثلا فيقول:«وهذه الرواية وإن كان فيها خطأ في التسمية لكن يستفاد منها أن صاحب القصة عاش إلى أن سمع منه القاسم واللَّه أعلم» .
وذكر حديثا ثم قال: «وفي سنده الواقدي وهو واه» أو كقوله: «رواه الواقديّ وهو كذّاب» .
وعند ما يقتبس من ابن سعد صاحب «الطبقات» يقول: «روى ابن سعد بسند فيه الواقديّ» وقد كرر ذلك كثيرا خلال اقتباسه من كتاب «الطبقات» واقتبس من كتاب «الضعفاء» ومن نسخ وأجزاء اشتملت على أحاديث موضوعة، ولكن لغرض مناقشتها والتنبيه عليها.
ويبين وجه الوهم ومن الّذي وهم فيه؟ كما في ترجمة «ديلم الحميري» 2412 ثم سبب الوهم، فهو لا يكتفي بالإشارة إليه فقط، وللاستدلال على ذلك يمكن الرجوع إلى تراجم القسم الرابع من كل حرف ولقد بيّن أوهام عدد من العلماء الأفذاذ مثل محمد بن إسحاق المطلبي، ومحمد بن عمر الواقدي، وأبي حاتم محمد بن عمر بن إدريس الرازيّ، وعبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة، وعبد اللَّه بن محمد المروزي الملقب عبدان، وأبي القاسم عبد اللَّه بن محمد البغوي، وأبي القاسم الطبراني، وأبي أحمد الحاكم، وأبي عبد اللَّه الحاكم النيسابورىّ وأبي نعيم الأصبهاني، وأبي العباس جعفر بن محمد المستغفري، وأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي وأبي عمر بن عبد البر، وأبي القاسم بن عساكر، وأبي موسى المديني، وأبي الحسن بن الأثير، وأبي عبد اللَّه الذهبي وغيرهم كثير.
تلك نماذج قليلة لتوضيح بعض ما صحح ابن حجر من أوهام الذين سبقوه، وهم أفذاذ لهم مكانتهم المرموقة في أعصارهم، وفي هذا دلالة بيّنة على رسوخ قدمه وسعة أفق تفكيره.
فذكر ما قاله البغوي وابن شاهين وابن عبد البر وأبو موسى وابن الأثير وقال: «وقد تم
الوهم عليهم جميعا، وسببه أن الإسناد الّذي ساقه البغوي سقط منه والد أزهر واسم الصحابي.. إلخ» .
وفي موضع آخر أورد رأي جعفر المستغفري ثم قال: هكذا أورده أبو موسى وهو وهم ابتدأ به جعفر وتبعه أبو موسى، وراج على ابن الأثير مع تحققه بمعرفة النسب وقلّده الذهبي» ثم بين وجه ذلك الوهم.
وأشار إلى أنواع من الأخطاء منها ما يتعلق بالتحريف والتصحيف، وهذا ما يبرز بوضوح في تراجم القسم الرابع من كل حرف، ومنها ما يتعلق بقراءة الاسم كأن يكون أحد المصنفين قرأه بالجر وهو بالرفع، وبنى على قراءته المغلوطة حكما يستوجب التصحيح.
وقد بيّن تناقض الروايات وتدافعها، وميز الروايات الشاذّة التي تفرد بها شخص معين وذكره بالاسم، وأزال بعض الإشكال الوارد في الروايات.
ورد أحكاما لابن الفرضيّ على ابن وهب في رواية حديث الخليطين، وتحريم المسكر، ولابن الأثير على الشعبي في رواية أخبار المختار الثقفي، ولابن عبد البرّ في حديث زعم أنه مضطرب، وليس كما قال، لأن «شرط الاضطراب أن تتساوى الوجوه في الاختلاف وأما إذا تفاوتت فالحكم للراجح بلا خلاف» .
كما تعقب كثيرا من المصنفين، فمثلا في ترجمة سويد بن حنظلة قال قال أبو عمر: لا أعلم له غير هذا الحديث، فقال ابن حجر: «قلت:
أخرجه أبو داود وابن ماجة ولفظه: «المسلم أخو المسلم» [ (1) ] :
وقال ابن عبد البرّ، لا أعلم له نسبا، قال ابن حجر:«قلت: قد زعم ابن حبان أنه جعفي..» .
وفي ترجمة شطب المدود ذكر سؤاله للنّبيّ صلى الله عليه وسلم ثم أورد رأي ابن السكن في أن الحديث المشار إليه لم يروه غير أبي نشيط فقال ابن حجر «وهو حصر مردود» .
ثم بين من أخرجه.
[ (1) ] أخرجه البخاري في الصحيح 3/ 257 كتاب المظالم باب لا يظلم المسلم. حديث رقم 2442، 9/ 40 كتاب الإكراه باب يمين الرجل لصاحبه.. حديث 6951 ومسلم في الصحيح 4/ 1986 كتاب البر والصلة والآداب (45) باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله (10) حديث رقم (32/ 2564) - وأبو داود في السنن 2/ 244 كتاب الأيمان والنذور باب المعاريض من الأيمان حديث رقم 3256 وابن ماجة في السنن 1/ 685 كتاب الكفارات (11) باب من ورى في يمينه (14) حديث رقم 2119 وأحمد في 2/ 68، 91، 277، 311، 3/ 491، 5/ 24، 25 وأبو نعيم في الحلية 2/ 95- وذكره المنذري في الترغيب 3/ 237، 389.
وقال في موضع من الإصابة:
قال البغويّ وابن السكن: ليس للأسود غير هذين الحديثين لكنه قال: وقد وجدت له ثالثا أخرجه البزّار
…
وله رابع، قال البخاري في تاريخه
…
ويسترسل أحيانا بذكر القصة أو الخبر ومن أخرجها من المصنفين، وقد تكون القصة واحدة لواحد اختلف في اسمه واسم أبيه على أكثر من عشرة أوجه، فتراه يشير إلى هذه الأوجه، وقد يورد قصصا ثم يبين التغاير بينها فيظهر فيها الإشكال ثم يناقشها ويرجح ما استطاع.
وفي ترجمة عروة بن مسعود الثقفي أشار إلى ترجمة ابن عبد البر له وقوله بأنه شهد الحديبيّة وهو كذلك غير أن ابن حجر قال: «لكن في العرف إذا أطلق على الصحابي أنه شهد غزوة كذا يتبادر أن المراد أنه شهدها مسلما فلا يقال: شهد معاوية بدرا، لأنه لو أطلق ذلك ظن من لا خبرة له لكونه عرف أنه صحابي أنه شهدها مع المسلمين» .
وعند ما ذكر أبا بشر السّلمي وساق حديثا أشار إلى أن أبا موسى ذكر أنه- أي الحديث- مشهور عن أبي اليسر ثم قال: «قال: لكن مخرج الحديث مختلف وإذا تعددت المخارج كان قرينة على تعدد الرّاوي بخلاف ما إذا اتحدت ولا مانع أن يروى الحكم عن صحابيين وقرينة اختلاف السياقين أيضا ترشد إلى التعدد واللَّه أعلم.
وناقش الأحاديث سندا ومتنا وبين درجتها، وقد يحيل إلى أن بيان علة الحديث في مكانه غير الّذي ذكره فيه من كتابه ونقد طرق الأحاديث.
واستعمل عبارات للتوهية والتضعيف كقوله: واهي الحديث، أو ضعيف، أو هالك، واستل أحيانا بعض الضعفاء من السند مشيرا إليهم بالضعف، وبين الاختلال أو الاضطراب في بعض الأسانيد ككل.
وناقش صحبة الصحابي كما في مناقشته لصحبة مروان بن الحكم، وقد يناقش الصحبة مناقشة طويلة ثم يقول:«فما أدري أله صحبة أم لا» .
وفي ترجمة رحضة الغفاريّ أبدى بعض التحفظ في إثبات صحبته وقال: «لا أعرف لأبي عمر مستندا في إثبات صحبة رحضة، وابنه إيماء، وابنه خفاف وقد ثبت في صحيح البخاري، عن عمر ما يدلّ على أن لابن خفاف صحبة، فإن ثبت ذكر أبو عمر فهؤلاء أربعة في تسعة لهم صحبة، رحضة وابن إيماء وابن خفاف فهم نظير ابن أسامة بن زيد بن حارثة، وابن سلمة بن عمرو بن الأكوع
…
» .
وقد يسوق حديثا في أثناء الترجمة ثم يقول: «ليس في سياق الحديث ما يدل على صحبته» كأن يكون الحديث مرسلا أو يعتمد على المصنفين السابقين بذكر حديثين في الترجمة الواحدة وليس في واحد منهما تصريح بسماعه النبي صلى الله عليه وسلم ولا بوفادته.
ثم ناقش رأي بعض المتقدّمين عن إبراهيم بن سيد البشر صلى الله عليه وسلم «أنه لو عاش لكان نبيّا» فوصفه بأنه باطل وجسارة على الكلام على المغيبات ومجازفة وهجوم على عظيم ثم قال:
وكثيرا ما استعمل عبارة واللَّه أعلم أو العلم عند اللَّه تعالى.
ودلت مناقشاته للأنساب على معرفة كبيرة بها، كما نقد أحيانا الشعر الّذي يورده فيبين من أين استقى الشاعر معانيه وأوضح بعد ألفاظه وبين أبلغها.
وإذا ما كان ابن حجر قد اعتمد على المصنفات السابقة وأثبت بالأدلة الذين ذكروا فيها على أنهم صحابة وليسوا كذلك فإنه أضاف قائمة جديدة من الصحابة أو أسمائهم وقعت له بالتتبع غابت عن أذهان الكثيرين، كأن يكون الاسم ورد في شعر أو في قصّة أو لم يذكروه في الصحابة وهو على شرطهم، أو لا رواية له لكونه شهد فتح مصر أو لا رواية له إنما استخرج من المغازي أو لم ير من ذكره في الصحابة إلا أنه وجد ما يدل على ذلك بقراءته في كتاب «الأمثال» للمفضل الضّبي، أو في تعليقة القاضي حسين بن محمد الشافعيّ شيخ المراوزة أو في تاريخ جمعه العباس بن محمد الأندلسي للمعتصم بن صمادح أو في ديوان حسان صنعة أبي سعيد السكري كما في الترجمة 2624 ز أو استنتج ما يدل على كون المترجم صحابيّا وأغفلوا ذكره في الصحابة.
واقتصر بعض المصنفين السابقين (ابن حجر) في الصحابة على ذكر بعض الصحابة أو الصحابيات مع بعضهم لعلاقة ما تربطهم على حين أفرد هو لهم تراجم مستقلّة.
تلك أمثلة توضيحية فقط، لكنه استعان في إثبات صحبة الصحابي بما يمكن أن نسميه قواعد هي في حقيقتها ثلاثة آثار أشار إليها في الفصل الثالث من مقدمته للإصابة، وقد تقدّم الحديث عنها. وهي:
1-
كانوا لا يؤمّرون في المغازي إلا الصحابة، ومن تتبع الأخبار الواردة في «الردّة» والفتوح وجد من ذلك شيئا كثيرا، وهم من القسم الأول.
2-
كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له، وهذا يؤخذ منه شيء كثير أيضا وهم من القسم الثّاني.
3-
لم يبق بمكة والطائف أحد في سنة عشر إلا أسلم وشهد حجة الوداع.. ويعرف الواحد منهم بوجود ما يقتضي أنه كان في ذلك الوقت موجودا، وأن الأنصار لم يكن منهم لما مات النبي صلى الله عليه وسلم أحد إلا أسلم.
ولذلك فإنه استعان بهذه القواعد في تحديد صحبة الصحابي، وأشار إلى ذلك كثيرا في تضاعيف كتابه الإصابة، ونبه إلى صحابة لم يترجم لهم المصنفون السابقون له من قبل.
إن هذه الإضافات أو الاستدراكات تعطي للإصابة- مع غيرها- صفات الإبداع بلا شك.