الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما ولده الوحيد بدر الدين أبو المعالي محمد فكان والده حريصا على تعليمه وتهذيبه، فحفظ القرآن وصلّى بالنّاس كما كانت العادة جارية في سنة 826، وأسمعه الحديث على الواسطي وجماعة وأجاز له باستدعاء والده منذ مولده سنة 815 هـ فما بعد عدد من كبار المسندين ذكرهم والده في معجم شيوخه.
وبلغ من حرصه واهتمامه به بعد أن صنف كتابه:
«بلوغ المرام من أدلة الأحكام» لأجله، لكنه لم يحفظ إلا اليسير منه وكتب عن والده كثيرا من مجالس الإملاء وسمع عليه شيئا كثيرا واشتغل بأمر القضاء والأوقاف مساعدا لوالده، حتى صارت له خيره بالمباشرة والحساب.. واشتدت محبة والده له.
وولي في حياة أبيه عدة وظائف أجلها مشيخة البيبرسية وتدريس الحديث بالحسنية ناب عنه فيهما والده، والإمامة بجامع طولون وغير ذلك.
وقد وصفه ابن تغري بردي بالجهل، وسوء السيرة، ولم يرض ذلك السخاوي فرد عليه مفيدا بأنه كان حسن الشكالة متكرّما على عياله قل أن يكون في معناه، لكن السخاوي أشار في موضوع آخر إلى محنة الحافظ ابن حجر بسبب ولده وما نسب إليه من التصرف في أموال الجامع الطولوني بالاشتراك مع آخرين، واحتجز رهن التحقيق، وكان والده في ضيق صدر زائد وألم شديد بسببه وتأوّه كثيرا وكل يوم يسمع من الأخبار ما لم يسمعه بالأمس، وكان يتوجه إليه في يوم الجمعة يوما أو أكثر إلى المكان الّذي يكون فيه فيرجع.. وهو مسرور لما يرى من ثبات ولده وقوة قلبه وشجاعته وانتظام كلامه ومهارته، إلى أن تبين أن ما أشيع عنه مجرد اتهام، ولذلك عمل الحافظ ابن حجر جزءا سماه «ردع المجرم عن سب المسلم» ويبدو أن القاضي ولي الدين السفطي كان له دور مهم في محنة الحافظ ابن حجر بسبب ما كان بينهما من المنافسة على القضاء فكانت هذه الحادثة سببا في زهد الحافظ ابن حجر في القضاء [ (1) ] .
ابن حجر المحدّث وخطيب الأزهر
تولى ابن حجر الخطابة في عدة مساجد من أكبر المساجد بالقاهرة مثل الجامع الأزهر وجامع عمرو وغيرهما من المساجد الكبرى بالقاهرة فقد كان متبحرا في العديد من العلوم، وكان يفد إليه طلاب العلم وأهل الفضل من سائر الأنحاء، وكان يتسم بالحلم والتواضع والصبر كثير الصيام والقيام.
[ (1) ] ابن حجر دراسة ص 74 وما بعدها.
وكان مرجعا في الحديث النبوي، حتى لقب بلقب «أمير المؤمنين» في الحديث وهذا اللقب لا يظفر به إلا أكبر المحدثين الأفذاذ وقد حبب إلى ابن حجر الحديث وأقبل عليه بكليته وطلبه من سنة ثلاث وتسعين ولكنه لم يلزم الطلب إلا من سنة ست وتسعين فعكف على الزين العراقي وتخرج به وانتفع بملازمته، وتحول إلى القاهرة فسكنها قبيل القرن وارتحل إلى البلاد الشامية والمصرية والحجازية وأخذ عن الشيوخ والأقران وأذن له جل هؤلاء في الإفتاء والتدريس.
وتصدر لنشر الحديث وقصر نفسه عليه مطالعة وقراءة وإقراء وتصنيفا وإفتاء وزادت تصانيفه التي معظمها في فنون الحديث وفيها من فنون الأدب والفقه- على مائة وخمسين تصنيفا وقد عرف ابن حجر بالحفظ وكثرة الاطلاع والسماع وبرع في الحديث وتقدم في جميع فنونه وأثنى عليه شيوخه في هذا الشأن وقد سبق أنه ولي تدريس الفقه بالمدرسة الشيخونية وتدريس الحديث بالمدرسة الجمالية الجديدة ثم تدريس الشافعية بالمؤيدة الجديدة ومشيخة البيبرسية في دولة المؤيد وتدريس الفقه بالمدرسة الصلاحية المجاورة للإمام الشافعيّ، كما تولى الخطابة بالجامع الأزهر وبين التدريس والإفتاء ولي منصب القضاء، وكانت أول ولايته القضاء في السابع والعشرين من المحرم سنة سبع وعشرين وثمانمائة بعد أن امتنع أولا لأنه كان لا يؤثر على الاشتغال بالتأليف والتصنيف شيئا غير أن ابن حجر كما يقول السخاوي قد ندم على قبوله وظيفة القضاء ويقول ابن حجر إن من آفة التلبس بالقضاء أن بعضهم ارتحل إلى لقائي وأنه بلغه تلبسي بوظيفة القضاء فرجع، وعزل عن القضاء وأعيد إليه مرات وكان أخر ولايته القضاء إذ عزل نفسه في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة.
شيوخه:
بلغ عدد شيوخه بالسّماع وبالإجازة وبالإفادة على ما بين بخطه نحو أربعمائة وخمسين نفسا، وإذا استثنينا الشيوخ الذين أجازوا عموما فقد ترجم في «المجمع المؤسس» لأكثر من ستمائة شيخ، وذكر بعضهم أن عدد شيوخه بلغ ستمائة نفس سوى من سمع منه من الأقران.
واجتمع له من الشّيوخ الذين يشار إليهم ويعول في حل المشكلات عليهم ما لم يجتمع لأحد من أهل عصره، لأن كل واحد منهم كان متبحرا ورأسا في فنه الّذي اشتهر به «فالبلقيني في سعة الحفظ وكثرة الاطلاع وابن الملقن في كثرة التصانيف والعراقي في معرفة علوم الحديث ومتعلقاته، والهيثمي في حفظ المتون، واستحضارها والمجد الشيرازي في حفظ اللغة واطلاعه عليها، والغماري في معرفة العربية ومتعلقاتها، وكذا المحب ابن هشام